مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 من الكشح إلى نجع حمادي ـ متى يستيقظ ضمير النظام المصري؟
...............................................................

جنازة شهداء الاقباط فى نجع حمادى

فرانسوا باسيلي
..................

بعد عام وشهر تقريباً من مذبحة الكشح التي وقعت في مطلع عام 2000 والتي ذبح وقتل فيها عشرون من الرجال والسيدات والأطفال والكهول من أقباط قرية الكشح بالصعيد المصري، صدرت أحكام القضاء في هذه المجزرة بالحكم بالسجن على اربعة أشخاص ، واحد لمدة عشر سنوات وآخر لمدة سنتين وشخصان آخران لمدة سنة لكل منهما وهذه الأحكام التي تعد لطمة على وجه كل مواطن مصري شريف لديه إحساس بالظلم وبالعدل لابد أن تدخل قرية الكشح ضمير التاريخ المصري لتستقر به إلى الأبد، وكما دخلته وإستقرت به قرية 'دنشواي' التي وقعت بها حادثة دنشواي عام 1906 وفي إعتقادي أن هول القتل وحجم الظلم الذي وقع في الكشح يفوق بكثير الظلم الذي وقع في دنشواي حين ذهب خمسة من الضباط الأنكليز لصيد الحمام فأصيب برصاصهم بعض الأهالي فهاجموا الضباط وقتلوا واحداً منهم وأصابوا آخرين فثار العميد البريطاني اللورد كرومر وعقدت محكمة خاصة لمحاكمة المصريين قضت بإعدام اربعة من الأهالي وجلد وحبس ثمانية منهم ونفذ الأعدام والجلد في دنشواي علناً (الموسوعة العربية).

مثل دنشواي ستدخل الكشح ضمير التاريخ رمزاً للظلم

فإذا ارتأى ضميرنا القومي ظلماً فادحاً في إعدام أربعة من الأهالي لقتل ضابط إنكليزي وإختزن أحساسه بهذا الظلم المهين في ذاكرة مصر فلابد أيضاً أن تدخل الكشح بأحوالها ومظالمها الفظة ضمير مصر هي الأخرى لتبقى في ذاكرتنا الوطنية كمثال بالغ القسوة والإيلام على مدى الهوة التي سقط فيها كل من كان له دور مخز في هذه المأساة التي تحولت على أيدي المسؤولين إلى ملهاة لها القدرة على أن تجعلنا نضحك وننتحب في نفس الوقت. ولتنشيط الذاكرة القومية دعونا نقرأ من جديد ما كتبه قداسة بابا الأقباط الأنبا شنوده في مقاله بمجلة الكرازة (12 كانون الثاي/يناير 000 2) عن أحداث الكشح بعد إستماعه لتقرير اللجنة التي أرسلها إلى القرية لتقصي الحقائق: 'من الساعه 11 من مساء الجمعة وحتى العاشرة من صباح يوم السبت 1/1 في بداية العام الجديد بدأت عمليات النهب والتخريب وكسر متاجر الأقباط وحرق مساكنهم فأين كان رجال الأمن وقت ذلك في قرية صغيرة معروف أن لها حساسية خاصة وتحتاج إلى عناية أكبر؟ وفي يوم الأحد وصباح الأثنين بدأت عمليات القتل وأستمر عدد القتلى يتصاعد حتى وصل إلى عشرين قتيلاً منهم أثنان تم حرقهما بعد قتلهما.. كان الأقباط في رعب في منازلهم لا يستطيعون الخروج ولا حتى فتح النوافذ ولا يشعرون أطلاقاً انهم في أمن كل ذلك والشرطة لا عمل لها: والموجود منهم متمركز في أماكن غير أماكن الأحداث ولا دفاعاً إطلاقاً عن الأقباط وبينما صوت الأعيرة النارية يدوي. هذا بعض ما كتب قداسة البابا وقتها. ويمكننا هنا أن نستعير تعبير الرئيس حسني مبارك معقباً به على مذبحة السياح الأجانب في دير حتشبسوت في الأقصر التي وقعت قبل حادثة الكشح حينما قال عندئذ أن ذلك 'تهريج أمني'! رغم أن مذبحة السياح لم تستغرق كلها أكثر من ساعة اما في الكشح فنحن أمام حوادث تخريب وحرب وتكسير لمتاجر بحلول ليلة كاملة ثم تعقبها بعد يوم آخر عمليات القتل وأقتحام البيوت فهل نستطيع اذن ان نصف هذا بأنه تهريج أمني؟ 'انني أطرح السؤال ولا احتاج الى الأجابة عنه وكان من المفروض أن يجيب عنه المسؤولون في الأمن أمام رؤسائهم أو امام أعضاء مجلس الشعب الذي لم نسمع أي طلب إحاطة منهم بالتحقيق في هذا التهريج الأمني فلننظر أولا الى الناحية الأجتماعية - الأقتصادية. فها هي جريدة 'وطني' المصرية يقول فيها رئيس تحريرها الأستاذ يوسف سيدهم : 'أن الحقائق المؤلمة التي تتجمع لدينا ليست خافية على مصادر كثيرة في الدوائر السياسية والأعلامية ولكن الغريب هو احجام تلك الدوائر عن اي مبادرة من شأنها تخفيف آلام أهل الكشح او تعويض خسائرهم او إعلام الرأي العام بأحوالهم الحقيقية وما يهمني التأكيد عليه انه في الوقت الذي كانت فيه الحاجة ماسة الى موقف طال انتظاره من الدولة لتؤكد انها تعامل رعاياها من المصريين بمعايير المساواة والعدالة والرحمة خذلتنا الدولة مرة اخرى - وأقول مرة اخرى لأن السوابق في هذا المجال متكررة في ملوي وفي ديروط وصنبو وفي كفر دميان وغيرها - حيث لم تقدم الدولة يد العون أو التعويض لمن اضيروا في ممتلكاتهم أو أسر الضحايا الذين فقدوا حياتهم وقفت تتفرج على تدفق التبرعات والمساعدات والتعويضات من جهات اخرى اهمها وأثقلها وزناً كانت الكنيسة. وذلك في حد ذاته إن كان موقفاً يحمد للكنيسة إلا أنني ارقبه بكثير من القلق والانزعاج لما يخلفه من مدلولات عنصرية يرصدها البعض ويسيئون تفسيرها بأن الأقباط هم رعايا الكنيسة وليسوا رعايا الدولة. وبئس ذلك التفسير لأنه يرسخ الفرز ويعمق الشرخ الوطني بين المصريين. هذا ما رصدته جريدة 'وطني' من غياب الدولة مرة اخرى ولا أملك إلا أن اتساءل بدوري في حيرة هل هناك من يهمه أمر هذا الشرخ الوطني بين المصريين الذي تسببه هذه الأحداث وبالأخص يسببه موقف المسؤولين من الأحداث وتصرفاتهم حيالها؟ وماذا اذن عن الموقف القضائي من هذه المذابح ؟ أين هي الأن الوحوش البشرية الكاسرة التي انطلقت في ليل شوارع الكشح متضورة ظامئة الى الدماء تسفكها وتشربها ولم ترحم حتى النساء والصبية والشيوخ فقتلت وذبحت من بين من قتلت وذبحت الطفلة ميسون غطاس فهمي (11سنة) والتي قتلوها مع شقيقها عادل الى قتيل كهل في الخامسة والثمانين من عمره هو جابر سدراك سعيد والذي قتلوه هو وحفيده رفعت زغلول جابر. ماذا فعل القضاء بهذه الوحوش الضارية التي لم تتورع عن قتل وذبح وقطع اذرع والتمثيل بجثث ضحاياها من الأطفال والشيوخ والنساء والرجال؟ ان هذه الوحوش البشرية مطلقة السراح الآن تذرع شوارع الكشح والقرى المجاورة وتجلس على مقاهيها تشرب الشاي و'الأرجيلة' لعلها هي نفسها. هذه الوحوش البشرية. لا تصدق هذا الذي حدث لها: لعلها لم تكن تحلم بمثل هذه النتيجة! ان هذه العقوبات التي صدرت على قتلة العشرين مواطناً مصرياً لا تكاد تعادل حكم من صدم حماراً بسيارته في الطريق فقتله من غير قصد! أنها أحكام بالغة الأهانة، ليس فقط للأقباط ولكن للمصريين كلهم وبالغة الأهانة لمصر نفسها وللقضاء المصري الذي أفقدوه هيبته ومصداقيته دون إعتبار لتاريخه المشرف العظيم. بل لم يفكروا دقيقةً واحدة في الضرر البالغ الذي يسببونه لهذا القضاء ولسمعته ومكانته. بمثل هذه التصرفات والأحكام بالغة الغرابة. فهل يمكن ان نقول هذه احكام معقولة ومبررة؟ هل نظام العدالة في مصر يتحرج من اصدار احكام الأعدام مثلا على القتلة؟ لقد أردت في بحثي اليائس عن أي معنى او مبرر لهذه الأحكام العجيبة. أردت ان أنظر الى نماذج الأحكام التي يصدرها القضاء في قضايا القتل والذبح. ورجعت إلى أعداد جريدة 'الأهرام' في الأسبوعين الأخيرين من شهر كانون الثاني (يناير) 2001 ووجدت ما قيل في صفحة حوادث وقضايا: اهرام 19 كانون الثاني (يناير) خبر عنوانه 'الحكم بأعدام خمسة من أسرة واحدة قتلوا مقاولا ومزقوا جثته الى 51 قطعة' ويقول تفصيل الخبر ان الحكم بإجماع الآراء يقضي بمعاقبة 5 أفراد من أسرة واحدة بالأعدام شنقاً وذلك بعد موافقة مفتي الديار المصريه لإتهامهم بأستدراج مقاول وتمزيق جثته بساطور. وهكذا نجد حكماً باعدام 5 أفراد مرة واحدة اتهموا بقتل رجل واحد اي ان اشتراك أكثر من شخص واحد في قتل إنسان لم يمنع القضاء من إصدار الحكم باعدام المشتركين في القتل كلهم. القضاء المصري إذن يحكم بالإعدام وعلى أكثر من شخص إذا اشتركوا في قتل شخص واحد وأما في قتل 20 مواطناً بريئاً من أقباط مصر فلا يصدر حكم إعدام واحد ولا حكم بالأشغال المؤبدة لواحد! هل فكر أحد من المسؤولين في مدى الشعور بالمرارة واليأس والخذلان الشديد الذي سينتاب أكثر من عشرة ملايين مصري قبطي داخل مصر ومليونين خارجها؟ هل تبادر الى ذهن اي من المسؤولين في دوائر الأمن والحكم المحلي والنيابة والقضاء اي اهتمام او تفكير في الصدع المخيف الذي يتسببون فيه بين 'عنصري الأمة'؟!
أما ما يجعل هذا الأمر ممعناً في العبث والفكاهة السوداء فهو ان القاضي لم يكتف بأصدار هذه الأحكام وإنما صاحبها بخطبة سياسية عصماء قام فيها بالتحدث عن عظمة الوحدة الوطنية في مصر على مر العصور وكان في جلسة كانون الأول 'ديسمبر' قد طلب من أهالي الضحايا معانقة أهالي القتلة المتهمين وتقبيل بعضهم بعضاً في ساحة المحكمة تعبيراً عن الوحدة الوطنية!

ثم اطلق سراح المتهمين بالقتل والذبح والحرق حتى لا يحرموا من قضاء الأعياد مع أهاليهم! لو كنا نشاهد هذا الذي نسمع عنه في فيلم او مسرحية فكاهية لما وجدناه مضحكاً حتى في اشد اجواء الملهاة هزلا ومسخرة إذ لوجدناه خارج حدود المعقول الذي يسمح به العمل المسرحي حتى ولو كان هزلياً لكن هذا ما قالته لنا الصحف المصرية من أنه حدث فعلا في ساحة المحكمة .. ويقولون ان هذا كله من أجل 'الوحدة الوطنية'!

لكأنهم قد فقدوا كل قدرة على فهم ابسط معاني الوطنية والوحدة .. فالوحدة تتطلب وتتضمن المساواة .. والوطنية تعني الأنتماء لوطن واحد الكل فيه مواطــــنون من الدرجة الأولى، وهم بتخاذلهم في مسؤولياتهم الأمنــية والإدارية والقانونية والقضائية قد فرغوا معنى الوحدة من مضمونه وطعنوا الوطنية في صميمها.

إن الأسباب التي نسمعها غير منطوق بها لعدم صدور أية أحكام بالأعدام ضد أي من قتلة المواطنين الأقباط مهما كان عدد القتلى أو مدى تورط القاتل هي أن إعدام مسلم لقتله مواطناً قبطياً مصرياً هو أمر يثير حساسية المسلمين في مصر فهل يمكن أن يوجه أنسان أهانة أكثر من هذه الأهانة إلى المسلمين في مصر؟ أليس في هذا التصور سب بذيء لكل إنسان مسلم وكأنه يفترض أن هذا الأنسان لم يعد لديه أي إحساس صحيح بالعدل وأنه لن يرضى أن تطبق العدالة كاملة على قاتل متوحش لو كان القتيل البريء قبطياً؟ إلى هذا الحد من الفكر المريض وصلت توقعات البعض في مصر ووصلت تصوراتهم التي لم تعد تطلب من الناس الارتفاع إلى مستوى الحد الأدنى من منطق العدل والمساواة ولم تعد لها إشتراطات أخلاقية وأنسانية تتطلبها في المواطنين بل راحت تتصورهم وتتوقعهم وكأنهم قد أصبحوا فاقدي الحس والشعور والنخوة والأنسانية.. أن للمسلمين في تاريخهم وتراثهم الإسلامي نماذج رفيعة للعدالة رأينا فيها كيف قيل للخليفة عمر بن الخطاب 'عدلت فأمنت فنمت' أما القتلة في الكشح والذين ناصروهم قصداً أو إهمالاً أو تسيباً فنقول لهم لم تعدلوا فكيف تنامون؟! ألم تقرأوا في تاريخ الفتح العربي لمصر كيف أصر عمر بن الخطاب على أن يحقق العدل وطلب من عمرو بن العاص أن يسمح لشاب قبطي بأن يضرب أبنه أمامه كما فعل هو به ظلماً وعدواناً قائلاً له أضرب أبن الأكرمين فإذا كان هذا هو تراث الأمة فأين أنتم منه اليوم؟ كيف أوصلتمونا إلى زمن لا يعاقب فيه القتلة، سافكو الدماء لأن ضحاياهم من الأقباط! ثم يوجه القاضي اللوم والتوبيخ إلى ثلاثة قساوسة من رجال الدين المسيحي لأنهم أستفزوا المجرمين فقاموا بالقتل والتخريب وهكذا تكتمل الملهاة بألقاء اللوم على الضحايا أنفسهم فلتدخل الكشح إذن في ضميرك الحي يامصر وتستقر به حتى يجيء جيل متوثب متحرر نبيل يفزع لما حدث ويخجل منه ويعقد العهد على ألا يسمح بتكراره أبداً ويقول لك عن الكشح ما قاله شاعر النيل حافظ أبراهيم عن حادثة دنشواي:

 أيها القائمون بالأمر فينا هل نسيتم ولاءنا والودادا؟ أمة النيل أكبرت أن تعادي/ من رماها وأشفقت أن تعادي ليس فيها إلا كلام وإلا / حسرةً بعد حسرةً تتهادى لا جرى النيل في نواحيك يا مصر / ولا جادك الحيا حيث جادا أنت أنبت ذلك النبت يا مصر / فأضحى عليك شوكاً قتادا انت أنبت ناعقاً قام / بالأمس فأدمى القلوب والأكبادا وأما أنتم أيها القتلة يا من سفكتم دماء أخوتكم في الوطن فلا تقربوا النيل الجميل لكي تغسلوا فيه أيديكم من دماء ضحاياكم فالنيل لن يغسلها لكم. النيل برئ منكم ولا يمت لكم بصلة ومصر منكم بريئة إلى الأبد.

fbasili@gmail.com


الأنبا شنودة وعياله الغجر
شهادة رجب البنا
من الكشح إلى نجع حمادي ـ متى يستيقظ ضمير النظام المصري؟
كيف انحدرت مصر الى حضيض نجع حمادي؟
علي من تقع مسؤولية إشعال الفتن في مصر؟!
الفتنة الطائفية في مصر والحقيقة الغائبة
السياسة السعودية ودورها في الازهر
حادثة نجع حمادى والسقوط المدوى للاعلام المصرى
تاريخ الكنيسة المصرية
تاريخ الكنيسة المصرية -2
نعم.. نحن نظلم النصارى!
مقطع من يوميات مواطن قبطي
متى المسكين.. اللاهوت قبل السياسة
الطائفية والانقسام
الأنبا مكسيموس: حادث نجع حمادي نتيجة استفزازات الكنيسة
ماكسيموس: وهبني الله حب محمد
العنف الطائفي في مصر: كلنا مضطهدون
من الذى أيقظ الفتنة (1) ؟؟
من الذى أيقظ الفتنة (2) ؟؟
هل وقعت الفتنة الطائفية.. أم لا تزال هناك فرصة أخيرة؟
القسيس السافل
القسيس السافل -2
ذكريات عن الأقباط من الزمن الجميل

06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية