مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الفتنة الطائفية في مصر والحقيقة الغائبة
...............................................................

بقلم : محمد عبد الحكم دياب
....................................


عند تناول أمر بعض أتباع الكنيسة المصرية، كطرف تشير إليه الأصابع في الفتنة الشاملة في مصر، علينا تحري الدقة، دون تعميم الحكم علي كل المسيحيين المصريين، فهم مثلهم مثل غيرهم. ليسوا تيارا واحدا، يمكن تحميله مغبة المشاكل الناجمة عن الفتنة.

ونميل إلي الرأي الذي يعظم من تأثير الاتجاه الانعزالي، والنفوذ الغربي الصهيوني، وغباء وفساد نظام الحكم، وتطرف بعض الجماعات الدينية. كل هذا له تأثيره علي كل المصريين، مسلمين ومسيحيين. وظروف كثيرة مواتية ليأتي هذا التأثير أكله، ويضرب ضربته لتفكيك المجتمع المصري، ويقضي علي الدولة الموحدة، منذ خمسة آلاف سنة. ونعطي الأمر حقه بتوضيح مكانة الكنيسة المصرية، والتعرف علي طبيعتها، كأقدم وأعرق الكنائس، إن لم تكن الأْعرق علي مستوي العالم. ولأنها نشأت مصرية خالصة احتلت مكانة خاصة في قلوب الجميع، ولم تضع نفسها في مستوي باقي الكنائس، الوافدة والغازية، ومنذ ظهورها وهي تعبر عن المصريين الذين اعتنقوا المسيحية، في عصرها الأول. ولم تنشئها قوي خارجية، ولم تتأسس بجهود المبشرين الغربيين، الذين جاءوا في ركاب الحملات العسكرية، ولم ترعها جماعة وافدة ولا منظمة دخيلة، وهذا علي خلاف الكنيسة الغربية، التي ترعرعت في قصور الأباطرة وحصونهم وقلاعهم، حين احتاجوها لتبرير استيلائهم علي بلاد الغير، وفرضت بقوة السلاح علي رعايا وعبيد البلاد الخاضعة، وما زالت مذاهب عدة في الكنيسة الغربية تمهد وتؤازر وتدعم كل نفوذ استعماري وعنصري، وكل إبادة وتطهير عرقي، وكان سهلا عليها أن تتهود وتتصهين.

خلاف النشأة والتاريخ ومسار التطور اتخذت الكنيسة المصرية طابعا وطنيا، تابعنا تجلياته في أكثر من مرحلة تاريخية، أبرزها ما حدث في ثورة 1919. وفي العلاقة الحميمة التي ربطت جمال عبدالناصر والبابا كيرلس السادس، وتجلت في موقف البابا شنودة الثالث في مواجهة السادات ورفضه ما كان مخططا له من توريط مسيحيي مصر في التطبيع مع الدولة الصهيونية، وننقل عن الصحافي سيد علي، في مقال له علي موقع الحركة المصرية من أجل التغيير، قولا للمؤرخ المسيحي المعاصر للفتح الإسلامي يوحنا النيقوسي: احترم عمرو (ابن العاص) أملاك الكنيسة ولم يقترف عملا يعاب عليه، فحيا أهل البلاد عهد السلام الديني وإعادة إنشاء الكنيسة الوطنية وأديرة وادي النطرون ودير الأنبا مقار، وجاء الرهبان أفواجا يؤكدون إخلاصهم للقائد العربي، واستقر في الوجدان الوطني أن الكنيسة المصرية تقف مع وطنها ضد الغزاة والمحتلين. ويسجل المفكر وليم سليمان إعراض المسيحيين المصريين عن النظر إلي حملات الفرنجة، المعروفة باسم الحملات الصليبية، إعراضم عن النظر إلي المشاركين فيها باعتبارهم مسيحيين يدينون بدين واحد. وحين فشل الفرنجة (الصليبيون) في تغيير موقف المسيحيين المصريين منعوهم من زيارة القدس، ورموهم بتهمة الإلحاد. وأخرجوهم من ملة السيد المسيح (عليه السلام)!


استمر رفض الكنيسة المصرية الانضواء تحت أي لواء أجنبي، ديني أو سياسي. وكثيرا ما اندهشت جماعات التبشير من مواقفها النافرة من الوافدين والغزاة، وتفضيلهم لمواطنيهم المسلمين عليهم، واهتزت الصورة، إلي حد كبير، بسبب استقواء جماعات من مسيحيي الغرب، في الولايات المتحدة تحديدا، من ذوي الأصول المصرية بالمنظمات الصهيو غربية. ومنهم من يعمل جاهدا، مع أنصار له في الداخل، علي تحريض الكنيسة في منازعة الدولة سلطانها، وعلي دفعها لتمثيل جزء من مواطني هذه الدولة وانتزاعهم من مكانتهم في الجماعة الوطنية، وتشجيعها علي تحدي سلطة الدولة في وجودها ودورها.

وعند التدقيق في ملابسات الفتنة حديثا لسوف يلفت النظر أن الجانب الطائفي فيها خرج من منطقة الخانكة بالقليوبية سنة 1972، ثم توالت ووصلت لمرحلة أنذرت بالخطر في أحداث الزاوية الحمراء بالقاهرة في 1981، وأحداث الخانكة واكبت بروز محمد عثمان اسماعيل، أحد مساعدي السادات، واتصاله بالمرشد العام الثالث للإخوان المسلمين، الشيخ عمر التلمساني. يطلب منه دفع الإخوان للتصدي للمعارضة، وكانت وقتها ترفع شعار الحرب ضد الدولة الصهيونية، وإزالة آثار العدوان، إلا أن الشيخ التلمساني، بحرصه ودهائه المعهود، لم يقع في الفخ، ورفض قبول المهمة. وما كان من محمد عثمان اسماعيل إلا أن أخذها علي عاتقه، وتبني فكرة إنشاء جماعات إسلامية في الجامعات. وفر لها التمويل والتدريب والتسليح، بالجنازير والسنج والأسلحة البيضاء واللكمات الحديدية، وأطلقها علي الطلبة المعارضين. وأذكر أن الاجتماع الأول للترويج لهذه الفكرة عقد في مقر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي، علي كورنيش النيل بالقاهرة، في بدايات 1972. حضره قائد عمالي صديق، عضو في مجلس الأمة (مجلس الشعب الآن)، وكنت يومها علي موعد معه، وجاء رحمه الله مذعورا وقلقا قائلا: البلد في طريقها إلي الخراب، وحكي ما جري في الاجتماع من تحريض علي القوي الوطنية والقومية واليسارية، بكل ألوانها ومكوناتها، وكانت ذات تأثير بالغ علي الرأي العام، واستطاعت عن طريق النشاط الطلابي، من تعبئة الشعب، ووظفت مجلات الحائط والصحف الطلابية للدعوة للحرب وتحرير الأرض المحتلة من قبضة القوات الصهيونية.

وكانت مجلات الحائط والصحف الطلابية مجالا لحوار سياسي ومجتمعي واسع، ولاقت رواجا كبيرا حين ذاك، واستقطبت صحافيين كبارا في صحف الدولة، فكتبوا فيها، وكانت ظاهرة نادرة في تاريخ الصحافة العربية الحديثة. وأهم ما أقلق الصديق هو التصنيف الذي سمعه في ذلك الاجتماع لأعداء الوطن، وكانوا حسب الترتيب: الشيوعية بالمعني الديني الإلحادي، والمسيحية واليهودية، ومن يدقق تاريخيا في ظاهرة التكفير، أثناء السبعينات وبعدها يكتشف أنها تمت برعاية رسمية، وكان ذلك انقلابا مبكرا في التوجه الفكري والأيديولوجي للنظام السياسي، تعزيزا للانقلاب السياسي الذي سبقه ضد دولة عبدالناصر، في 13 أيار (مايو) 1971، وقد كان ثالوث الأعداء قبله هو الاستغلال، ثم الاستعمار والصهيونية، والرجعية المتحالفة معهما، ومعني هذا أن التصنيف السابق الذي صيغ وطنيا وقوميا قابله تصنيف آخر ارتكز علي الدين والمذهب والطائفة.

التوتر الثاني جاء علي درجة أكبر من العنف في حي الزاوية الحمراء الفقير بالقاهرة. في أعقاب زيارة السادات للقدس المحتلة، وتوقيعه لمعاهدة كامب ديفيد، وكان مقدمه صدام مع كل رموز مصر السياسية والدينية، بمن فيهم البابا شنودة، الذي عُزل بعد ذلك، فيما عرف بأحداث أيلول (سبتمبر) 1981، ولم تتراجع الاحتكاكات، وتعددت مواقع الصدام واتسعت، وعكست نموا مضطردا لنشاط الجماعات المتطرفة، وزيادة واضحة في وتيرة استحلال أموال المسيحيين وممتلكاتهم، فتم السطو علي محلات الذهب وغيره، وصحب ذلك سقوط قتلي وجرحي، مثل الذي حدث في قرية الكشح بالصعيد، واستفحل الأمر منذ أن أصبح ملف الفتنة ملفا أمنيا، يختص به جهاز أمن الدولة، مع أنه ملف وطني وسياسي من الدرجة الأولي. وحدث تطوران هامان علي صعيد العلاقة بين الدولة والكنيسة. أولهما وقع في 2004 نتيجة إعلان السيدة وفاء قسطنطين اعتناقها الإسلام، وكانت زوجة لكاهن من قرية أبو المطامير بمحافظة البحيرة، غرب الدلتا، وفيها اعتصم شباب مسيحي غاضب، من مختلف المحافظات، بمقر البابا بحي العباسية في قلب القاهرة، واشتبكوا مع الشرطة وألقوا بالحجارة والطوب علي المارة، مرددين هتافات تطلب دعم شارون وتدخل بوش، وتتوعد مواطنيهم المسلمين بأيام سوداء، وبدا موقف البابا مؤيدا لهم، وامتنع عن عظته الاسبوعية، واعتكف بدير وادي النطرون، وفرض علي الدولة إعادة السيدة وفاء إلي المسيحية، بدعوي أنها متزوجة من كاهن وتعتبر أما للمسيحيين، وكانت قد أكدت أنها أسلمت بمحض إرادتها، وحفظت القرآن ومارست الشعائر الإسلامية لمدة عامين، وسلمت له، وسُمح للكنيسة باحتجازها في أحد الأديرة،
وهي ليست جهة قانونية لها سلطة ضبط أو تحقيق، وما زالت محتجزة حتي الآن!! وبذلك أسقطت الكنيسة عنها حق المواطنة، بعد أن منعت من حق الشكوي والتقاضي. وأفرجت أجهزة الأمن عن المحتجزين من الشباب المسيحي.

التطور الثاني ارتبط بأحداث دير أبو فانا بالمنيا في صعيد مصر، في الأسابيع الأخيرة، وفيه نازع أعراب المنطقة رهبان الدير علي أرض ضمت للدير. علي نفس قواعد الفساد القائمة، التي تسمح للصوص والبلطجية وذوي النفوذ بالاستيلاء علي الممتلكات العامة، وبدا البابا، مرة أخري، مؤيدا لموقف الرهبان في مسلكهم المعيب، دينيا وأخلاقيا وقانونيا. وهو ما فاقم من الأزمة، وأخيرا علق البابا حل المشكلة علي بيع الأراضي للرهبان! وإذا كان نظام الحكم، باستبداده وفساده وتبعيته، وإذا كانت الدولة برخاوتها تتحمل مسؤولية كبري في اتساع دائرة الفتنة الشاملة، فهذا لا يعفي الكنيسة منها، خاصة أنها تعاني من الانفصام، فتمارس السلوك وعكسه، وتقوم بالعمل ونقيضه، وإذا كان السيد المسيح، عليه السلام، قد قال من يريد مملكة الله فليتبعني، والكنيسة، حسب هذا الفهم، هي مملكة الله، أي مختصة بالشأن اللاهوتي والروحي، وتخلت عن هذا الدور وغرقت في السياسة وشؤون الحياة حتي أذنيها، وإذا كان السيد المسيح هو نفسه من حسم أمر التعامل مع الدنيا بقوله الشهير ردا علي إحراج الفريسيين له، أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وفصل فصلا تاما بين مملكة الله ومملكة الناس، ومع ذلك أمسكت الكنيسة برقاب أبنائها وأبعدتهم عن العمل العام، وأضعفت مشاركتهم في العمل الوطني، وهذا الانفصام طبع حياة ونشاط الكنيسة طوال عصر البابا شنودة.

نسي كثيرون أن البابا شنودة الثالث استمد عظمته واحترامه بين الناس، مسلمين ومسيحيين بسبب قوله البليغ، الذي تحول إلي حكمة أكثر بلاغة: مصر ليست وطنا نعيش فيه إنما هي وطن يعيش فينا، وموقفه الوطني العظيم بمنع أتباعه من زيارة القدس، وهي تحت الاحتلال، وصرح بأن مسيحيي مصر لن يدخلوا بيت المقدس إلا مع اخوتهم المسلمين، وهو ما أكسبه، وأكسب الكنيسة، حب واحترام الجميع، داخل مصر وخارجها. ماذا جري؟ وحول الكنيسة إلي دولة داخل؟ وتبقي الإجابة معلقة حتي إشعار آخر.

الأنبا شنودة وعياله الغجر
شهادة رجب البنا
من الكشح إلى نجع حمادي ـ متى يستيقظ ضمير النظام المصري؟
كيف انحدرت مصر الى حضيض نجع حمادي؟
علي من تقع مسؤولية إشعال الفتن في مصر؟!
الفتنة الطائفية في مصر والحقيقة الغائبة
السياسة السعودية ودورها في الازهر
حادثة نجع حمادى والسقوط المدوى للاعلام المصرى
تاريخ الكنيسة المصرية
تاريخ الكنيسة المصرية -2
نعم.. نحن نظلم النصارى!
مقطع من يوميات مواطن قبطي
متى المسكين.. اللاهوت قبل السياسة
الطائفية والانقسام
الأنبا مكسيموس: حادث نجع حمادي نتيجة استفزازات الكنيسة
ماكسيموس: وهبني الله حب محمد
العنف الطائفي في مصر: كلنا مضطهدون
من الذى أيقظ الفتنة (1) ؟؟
من الذى أيقظ الفتنة (2) ؟؟
هل وقعت الفتنة الطائفية.. أم لا تزال هناك فرصة أخيرة؟
القسيس السافل
القسيس السافل -2
ذكريات عن الأقباط من الزمن الجميل

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية