مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 علي من تقع مسؤولية إشعال الفتن في مصر؟!
...............................................................

محمد عبد الحكم دياب
..........................

لا تخطئ عين من يقيم في مصر أو يزورها هذه الأيام عن ملاحظة الجو المشحون بالتوتر والباعث علي الفتنة. والفتنة في مصر من الشمول إلي الدرجة التي تشعرك بها في كل المجالات، سياسية واجتماعية واقتصادية وتعليمية وصحية وإنسانية، والفتنة يصنعها التمييز بين الناس، ووجود شعور متنام بينهم بالاضطهاد والغبن، والعمل السياسي في مصر، مثلا، يقوم علي التمييز بين الموالي والمعارض، الأول يدلل حتي الإفساد، ويقهر الثاني حتي الموت.

والاقتصاد يميز بن حفنة تملك بفحش، وغالبية تحرم حتي العدم. باختصار شديد التمييز انتشر علي المستويات المهنية والتعليمية والجنسية والمناطقية، وأس كل هذا هو الفساد السياسي والرسمي، ومنظومته المتحكمة في كل شيء، وما جرته علي البلاد من تبعية وفقر وجوع. وملف الفتنة الشاملة يحتاج إلي بحث مستفيض، يغوص في عمق الظاهرة، ولا يكتفي بالنظر إلي السطح. وكثيرا ما يشعر الباحث أو المراقب بأياد خفية، داخلية وخارجية، إن لم تكن وراء تأجيجها فإنها توظفها لإلهاء الناس عن مشاكلهم، وشغلهم عن حقوقهم. هذا علي المستوي الداخلي، وخارجيا تستغل لبث الفرقة بين المواطنين، ولإضعاف البنية الاجتماعية والتماسك الوطني، والفتنة الشاملة، هي بنت وضع شديد التأزم، واحتقان وصل إلي مداه، ووليدة قطع حدث، من زمن، للحبل السري الرابط بين المواطن والدولة.

ومن شدة الانهاك والتيه اللذين يدور في فلكهما المصريون، بغالبيتهم العظمي، نشأ جو نفسي يغذي عملية شحن النفوس وتسميم الأفكار، وهذا من صناعة أطراف عدة. لها مصلحة في الخراب والفرقة. أولها وأهمها الثالوث المسؤول عن الدولة. غاب وكأن الأمر لا يعنيه، وغيابه عقد من الوضع، وأحدث من المشاكل الكثير. وثانيها رجال أْعمال توحشوا واستحوذوا علي الثروة، واحتكروا الامتيازات. وثالثها الموقف الغربي، وتصرفات مؤسساته ومواقفها، ونزوعها العنصري تجاه العرب والمسلمين، وما لذلك من آثار علي نفسية عموم المصريين. ورابعها المؤسستان الدينيتان الرسميتان، وهما الجامع الأزهر والكنيسة القبطية، أي المصرية، ودورهما في مثل هذه الظروف. والطرفان الأولان ليسا في حاجة إلي إطالة أو تفصيل في التناول، فكم تناولناهما علي هذه الصفحة، ونبدأ بالطرف الثالث، أي الموقف الغربي. فسوف نجد من الخطأ الانسياق وراء تصور يقول بأن عموم المواطنين لا يشعرون بوطأة الموقف الغربي عليهم، وهذا مصدر السخط العارم عليه، وعلي استسلام النخبة الحاكمة لضغوطه ورضوخها لمطالبه، وبدلا من أن يكون ذلك شاحذا للهمم وشادا من الأزر، للتغلب علي الضغوط والتهديدات والمؤامرات، بدلا من ذلك وجدنا شعورا واضحا باليأس، لدي قطاعات ليست بالقليلة. وفيها من يؤْثِر الانسحاب والسلبية علي المواجهة. ومنهم من يبحث عن مشاجب يعلق عليها مبررات انسحابه وسلبيته، وكثيرا ما تؤجج هذه المبررات خلافات وخصومات، وتحول دون إحساس المواطن بواجبه. علي العكس مما كان يقول به العرب: أن المصائب تجمعن المصابين ، أي توحدهم وتكتلهم لمجابهة مصادر المصائب والبلايا.

الإحساس الطاغي هو أن الغرب لا يتوقف عن تزكية أجواء التمييز بين الجميع، ولا يتوقف عن تخريب العلاقة بين المواطنين. ويستخدم في ذلك أتباعه، مسلمين ومسيحيين، رسميين وغير رسميين، حزبيين وغير حزبيين، رجال دين وغير رجال دين، وهو في النهاية لا يتعامل إلا مع من يقبل بمشروعه. وحين تفجرت أحداث دير أبو فانا بمحافظة المنيا، وقبل البحث عن أصل الفتنة وسببها اتجهت الأنظار إلي رهبان الدير، وساعد علي ذلك انتشار روايات عن تشجيع الكنيسة ومساندتها للرهبان، وعن اتصالات مسيحيي الولايات المتحدة وكندا واستراليا وسويسرا، من أصول مصرية، بمؤسسات ومنظمات وكنائس ودول غربية، طلبا لتدخلهم لحماية مسيحيي مصر، وكأن الكل بريء، لا علاقة له بما حدث.

تغييب القانون ورخاوة الدولة، والتنازل عن صلاحياتها لرجال الأعمال ومافيا الأراضي والمحتكرين، وأصحاب النفوذ، ورجال الأمن، كل هذا لا يحد من الفتنة. والجميع من رئيس الحكومة، وسلطات الحكم المحلي، وأجهزة الأمن، ورجال الدين ينتظرون تعليمات ثالوث الحكم. الأب والابن والزوجة، وكثيرا ما تنتهي التعليمات بالتغطية علي الفتنة والقفز عليها، ويتناسي الكل الفاعل الحقيقي الذي استباح أرض مصر، ووضع يده عليها قطعة قطعة. ومن يريد شيئا منها يجد مباركة من مسؤول، وتسهيلات من صاحب شأن. يستغل سلطاته ونفوذه، لشرعنة الاستيلاء علي أراضي الدولة بالقوة، أو بتواطؤ أصحاب سلطة ومسؤولين أو بإغراء رشاوي مالية وهدايا عينية، ويتساوي في ذلك المسلم والمسيحي الفاسد. وللحق ليست هناك تفرقة دينية أو جنسية في ممارسة الفساد، فالفساد ملة واحدة ولا دين له.

الانتماء للدين لا يعصم من الفساد، إلا لمن كان محصنا، وغير قابل للإفساد. فالمنحرفون وضعاف النفوس والطامعون، من كل الملل والنحل في الفساد سواء. يستولون علي الأراضي بلا مشاكل، ويتصرفون فيها دون عناء. وعمت مصر فترة وجدنا فيها من يبني زوايا ومساجد أسفل عماراتهم وأبراجهم. ليحصلوا علي مواد البناء بأسعار رخيصة ومدعمة، واستدار غيرهم إلي أراضي المنفعة العامة، اقتطعوا شوارع وطرق، بنوا عليها زوايا ومساجد. وغيرهم ردم مجاري مائية ومصارف وترع لإقامة مصلي أو جامع، وحتي الأرصفة لم تستثن من هذا العدوان المستمر، أقيمت عليها زوايا واتسعت فوقها المساجد، والجزر الفاصلة بين اتجاهي الذهاب والعودة، في الطرق الكبري والمحاور، المزروع منها والمرصوف، تتعرض للانتهاك جهارا نهارا.

ولا من يسأل أو يحاسب. وكانت هذه، وما زالت، قاعدة التعامل مع أرض الدولة، ولم تسلم من عدوان المسؤولين الحزبيين والحكوميين. صارت لكثير منهم مصدرا للثروات الحرام والأرباح غير المشروعة. وتتزايد الظاهرة وتتفاقم كلما ابتعدنا عن العواصم وحواضر المدن. وأشرت مرة، علي هذه الصفحة، إلي مسجد مقام علي أرض اقتطعت من طريق مطار إمبابة، القريب من حي المهندسين الراقي، واستكمل باقتطاع جزء آخر من حرم السكة الحديد، الملاصق للطريق، فضاق الطريق وضاعت مساحة أمان كان يوفرها حرم السكة الحديد لركاب القطارات، وزادت الحوادث وتضاعف عدد الضحايا، وصار العبور من هذه المنطقة أشبه بالعبور من مثلث برمودا. لا يخرج منه العابر أو الراكب سليما! ومغتصب أرض الطريق أطلق اسمه علي المسجد، وصار من أولياء الله، ورفع عليه لافتة باسم جمعيته الخيرية ، بصفته ورعا وراعيا للخير، ومن المنافحين عن دين الله!! وأراضي المنفعة العامة، من وجهة نظري، لا تقل حرمة عن أراضي الوقف ودور العبادة، والمستشفيات والمدارس والعيادات العامة، والملاجئ ودور العجزة والمسنين، وإدارات الحكومة ومقرات الهيئات الرسمية. سارقها ومغتصبها يجب أن ينال جزاءه، ويعيدها إلي ما كانت عليه، وعندما طلبت من أحد الصحافيين تناول هذه الظاهرة، ليس بسبب حرمة هذه المساجد باعتبارها مساجد للأذي، علي غرار مسجد ضرار، الذي هدمه الرسول الكريم، خاف الصحافي مما يمكن أن يتعرض له من المتاجرين ومرتزقة الدين.

ودخل علي خط اغتصاب الأراضي أعراب رحل في صحاري مصر، ممن تقع مضاربهم بالقرب من المزارع والمدن والتجمعات العمرانية الجديدة، حيث زادت القيمة السوقية للأرض. وجدوها فرصة للثراء عن طريق ترويع الوافدين والملاك الجدد، أو بوضع اليد علي الأرض وعدم تمكين أصحابها منها، أو ببيع أراضي الدولة بعقود ملكية مزورة، ثم الهرب بعض الحصول علي الملايين، وكثيرون يرضخون لطلبات الأعراب صاغرين. وهم يجدونهم يتفاوضون وهم يحملون مدافع رشاشة وبنادق سريعة الطلقات. وسرت هذه البدعة في أوساط عديدة، وأضحت مصدرا لثروات طائلة. أثارت لعاب كثيرين، يرفعون لافتات علي مساحات من الأراضي تحمل اسما حقيقيا أو وهميا، ويحضر من يدعي تمثيل الاسم المدون علي اللافتة ليبيع شيء لا يملكه. والدولة لا تحرك ساكنا، إلا بعد أن تقع الفاس في الرأس.

أتابع هذه الظاهرة من سنوات، وكثيرا ما نبهت لها. وإذا ما نديت أسمعت حيا.. لكن لا حياة لمن تنادي ، وأري فتنة دير أبو فانا ضمن هذا السياق، لأنها تدور حول أرض مملوكة للدولة، وكما أن هناك مسلما فاسدا، يستحل المال العام والخاص، هناك أيضا مسيحي علي نفس المستوي من الفساد لا يتورع عن اقتراف نفس الفعل، ورهبان الدير حين نازعوا الأعراب علي أرض حكومية. كانوا قد ضموها للدير فإن ذلك تم علي نفس قواعد الفساد القائمة، وسلكوا نفس الطريق، وكانوا متأكدين من رخاوة الدولة، ودخل الأعراب علي خط الابتزاز، والحصول علي نصيب من المال السايب ، الذي يعلم السرقة، كما يقول المثل الشعبي. وسيلتهم البلطجة وملاذهم العشيرة. والخلاف حين نشأ تطور إلي اشتباك بين الطرفين، وتسبب في إصابة البعض، ويبدو أنهم وجدوا من الأسهل التخفي بالغطاء الطائفي، ومن خلاله حشد كل طرف أنصاره، وما كان أحد يتوقع دخول الكنيسة مناصرة لأي طرف، فكلاهما أخطأ، وكلاهما تمادي في الخطأ. وخلطا الشأن الطائفي بالهم الوطني. والموقف الصحيح ينطلق من أن للكنيسة كل الحق في الدفاع عن رعاياها، فيما هو ديني. إذا منعوا من ممارسة شعائرهم، أو ضيق عليهم، وحرموا من حقوقهم الروحية والثقافية، وغير ذلك يفهم علي أنه لشرعنة ما لا يشرعن، مما يزيد الاحتقان ويوسع من دوائر الفتنة التي استيقظت. ولعن الله من أيقظها.
 

الأنبا شنودة وعياله الغجر
شهادة رجب البنا
من الكشح إلى نجع حمادي ـ متى يستيقظ ضمير النظام المصري؟
كيف انحدرت مصر الى حضيض نجع حمادي؟
علي من تقع مسؤولية إشعال الفتن في مصر؟!
الفتنة الطائفية في مصر والحقيقة الغائبة
السياسة السعودية ودورها في الازهر
حادثة نجع حمادى والسقوط المدوى للاعلام المصرى
تاريخ الكنيسة المصرية
تاريخ الكنيسة المصرية -2
نعم.. نحن نظلم النصارى!
مقطع من يوميات مواطن قبطي
متى المسكين.. اللاهوت قبل السياسة
الطائفية والانقسام
الأنبا مكسيموس: حادث نجع حمادي نتيجة استفزازات الكنيسة
ماكسيموس: وهبني الله حب محمد
العنف الطائفي في مصر: كلنا مضطهدون
من الذى أيقظ الفتنة (1) ؟؟
من الذى أيقظ الفتنة (2) ؟؟
هل وقعت الفتنة الطائفية.. أم لا تزال هناك فرصة أخيرة؟
القسيس السافل
القسيس السافل -2
ذكريات عن الأقباط من الزمن الجميل

 

 

.....................................................................................

 

 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية