سمعت آخر نكتة؟
...............................................................
المصريون دونوا أول نكتة في التاريخ وسخروا حتى من أنفسهم.. واليوم باتوا أكثر عبوسا.. تعددت الاسباب والنتيجة واحدة.. قل الضحك في بر مصر
القاهرة: محمد حسن شعبان
| |
جميل وأسمر | |
حين عاد حسنين المنياوي، قبل عدة سنوات إلى قريته في صعيد مصر، لم يجد أحدا، كانت القرية خاوية على عروشها، فسأل عن السبب. أجابوه «أصلهم وزعوهم على النكت».. لكن هذا الصعيد الذي طالما أضحك الملايين بمخزون متنوع ومتجدد من القدرة على التنكيت يبدو اليوم مكتظا بناسه وهمومه، وأصبح من النادر أن تجد أحدا قادرا على الضحك.. ضاقت بهم المخيلة الشعبية التي استضافتهم لزمن، فما عادوا يستخدمونها حتى للرد على أبناء البندر (الحضر)، ولا أبناء البندر بدورهم وجدوا الوقت الكافي ليوزعوهم على النكات من جديد. ويبدو أن المصريين الذين استخدموا النكتة للسخرية حتى من أنفسهم قبل حكامهم، فقدوا هذا الملمح الذي طالما ميزهم، حتى تحولت اللازمة الشهيرة التي تصاحب النكت في أرض الكنانة بدلا من «كان فيه واحد صعيدي» إلى «كان فيه واحد مصري دمه تقيل حطه في كوبايه وخففه»، وكأنها آخر نكتة بالفعل على رصيف الضحك في مصر، بكل أقنعته ودلالاته السياسية والاجتماعية والشعبية. يتمتع المصريون بتراث عريق للنكت، حتى إن أول نكتة مدونة في تاريخ البشر المكتوب، بحسب دراسة حديثة أجرتها كارول أندرو، الباحثة بقسم المصريات بالمتحف البريطاني، كانت نكتة سياسية مصرية عن فرعون يرغب في الصيد (فلم يجد شيئا يصطاده، فألقى بمصري في النيل لكي يصطاده). وتعود هذه النكتة للعام 2600 قبل الميلاد. وهو أمر مدهش نظرا لاختلاف لغة أولاد البلد (الديموطيقية)، عن لغة الكهنة والمثقفين (الهيروغليفية) لغة التدوين الرسمية. ولا يعرف أحد كيف انتقلت هذه النكتة الفرعونية، برغم دوافعها الفجة، لتنقش على جدران المعابد، ليدشن بها هذا الشخص الغامض نهجا جديدا للمقاومة، يمكن فهمه في ضوء ما كتب الفيلسوف الفرنسي الكبير هنري برجسون.. إن ما هو مضحك كـ«النكتة» يدل على نقص فردي أو جمعي يقتضي عقابا مباشرا، وما الضحك إلا هذا العقاب.
تحت عباءة هذا التراث يمكننا إدراك ما دعا الرئيس المصري جمال عبد الناصر، في خطابه بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة 23 يوليو (تموز)، عام 1967، أول خطاب جماهيري له بعد إعلانه قرار التنحي والعودة عنه أن يقول «تعرفوا موجة النكت اللي طلعت الأيام اللي فاتت.. أنا عارف شعبنا.. شعبنا طبيعته كده، وأنا لم آخذ هذا الموضوع بطريقة جدية، وعارف الشعب المصري كويس.. ما أنا منه واتربيت فيه.. كل واحد ما يقابل واحد يقول له سمعت آخر نكتة».
ورغم صدمة الهزيمة القاسية، نجحت المخيلة الشعبية المصرية في دك حصون الزعيم، وأجبرته على أن يطلب منها، وفي خطاب قصد منه رسم استراتيجية المرحلة، أن تكف عن قول «نكت» اعتبرها ناصر جارحة.. ورغم إنكاره، أخذها على محمل الجد.. «إحنا كده، وهم عارفينا طبعا، فممكن يستخدمونا بأن تتقال بعض النكت الحقيقية اللي تؤثر على كرامتنا.. كرامتنا كشعب له طلائع قاتلت وماتت، فيه ناس ماتت».
وإن كانت هذه الجماهير هي نفسها التي خرجت مساء 9 يونيو (حزيران)، لتطالب ببقاء ناصر، بعد إعلان عزمه التنحي عن منصبه، في أعقاب ما سمي بنكسة 5 يونيو، إلا أنها وعبر «موجة النكت» تلك، أعلنت بوضوح أن خروجها في ذلك اليوم لم يكن صفحا عما جرى. وكانت «النكتة السياسية» طريقتها في إيصال هذه الرسالة، في واحدة من أحلك لحظات التاريخ المصري الحديث.
لا يذكر أحمد السيد، وهو قارب الأربعين ويعمل في أحد البنوك المصرية، آخر نكتة سمعها، لقد احتاج الأمر منه إلى تفكير عميق قبل أن يعلق قائلا «تصور.. أنا فعلا لم أسمع نكتة منذ وقت طويل، شيء غريب». وبعد أن تراجعت الدهشة، أدرك أحمد أنه أمر يمكن فهمه، وأوضح «حين كنت أستقل المواصلات العامة (وسائل النقل العامة) كان طبيعيا أن أتعرف على شخص ما بجواري، وفي أي حوار قد يدور دائما كانت هناك نكتة مناسبة، لكن اليوم لم يعد سهلا أبدا أن تغادر الميكروباص وقد تعرفت على ملامح جارك، لأنه باختصار شديد اختفت النكتة». ولا يفكر أحمد فيما إذا كان متورطا في هذا الأمر أو لا، لكنه أكد أن الناس في الشارع أصبحت متجهمة بأكثر مما ينبغي.. يضيف «ربما اختلطت الأمور، تاهت الخيوط بين حدود التفاؤل والتشاؤم، بين الفرح والحزن». ومن واقع عيادته النفسية يؤكد الكاتب المعروف، الدكتور خليل فاضل، الطبيب النفسي «يمكنني القول إن المصري أصبح منعزلا وكتوما، وهو ما يجعله فاقدا القدرة على استخدام دفاعاته النفسية، والنكتة واحدة منها إن لم نقل أهمها».
وكان عالم النفس الشهير سيغموند فرويد يعتبر النكتة وسيلة نفسية دفاعية لتفادي الشعور بالألم، وقد ناقش فرويد الأمر في رسالته «النكتة وعلاقتها باللا شعور» مشيرا إلى أنها قناع عدواني نشهره في وجه الآخرين، لكي نستعيد توازننا النفسي. أضاف فاضل أنه بحسب تقارير عديدة هناك حالة من حالات انتشار الاضطرابات النفسية لدى المصريين، وتغير واضح في نوع هذه الاضطرابات ذاتها، وهو أمر يفسر افتقاد المصري لروح الدعابة والعكس بالعكس. لكل هذا فقدت النكتة بشكل عام والنكتة السياسية بشكل خاص دورها الوظيفي لدى المصريين، كعقاب مباشر عن نقص ما أو انتقاد ما، فتراجعت لتسكن هامش اليومي. هذا ما لاحظه الكاتب الصحافي صلاح عيسى وقال معلقا «نتحدث بشكل أساسي هنا عن غياب النكتة السياسية، ربما يتعلق الأمر بارتباط النكتة بالتابوهات في مجتمعنا، لذلك لا تزال النكتة الجنسية موجودة». وأضاف «تنتشر النكتة حين يتعلق الأمر بمحرمات لا يجوز السخرية منها، تحت ضغط القهر السياسي والتعتيم والملاحقة، وحين يكون المناخ العام أكثر انفتاحا تستبدل بالنكتة أشكال أخرى، كالكتابات الساخرة، أو الكاريكاتير السياسي».
لكن احتمالا آخر لتفسير تراجع دور النكتة السياسية في مصر، يتمثل في كون المخيلة الشعبية قد استسلمت تحت وطأة الظرف العام. وقد أشار تحليل لاستطلاع الرأي أجرته مؤسسة «غالوب»، في مايو (أيار) الماضي، وشمل أسئلة من قبيل تصور المرء لأوضاعه بعد خمس سنوات، وتقييمه لأداء حكومة بلده، إلى أن المصريين هم الأكثر تشاؤما من بين عينة تمثل 95% من سكان العالم.
ويرى الكاتب صلاح عيسى أن «هناك حالة يمكن وصفها بارتباك سلم القيم الاجتماعية، هذا الارتباك يؤثر قطعا على الحس النقدي العفوي خصوصا لدى الفئات الشعبية التي تنتمي إليها النكتة بشكل أساسي».
وبقدر ما هو صحيح أن النكتة بشكل عام والنكتة السياسية بشكل خاص قد ارتبطت بالفئات الشعبية إلا أنها وجدت في لحظات كثيرة من التاريخ المصري مؤسسات ترعاها، وقد أنشأ حسن الآلاتي صاحب كتاب «ترويح النفوس ومضحك العبوس» لهذا الغرض مقهى بحي الخليفة (حي قاهري شعبي شهير) باسم «المُضَحِّكخانة الكبرى» عام 1889، بعد سبع سنوات من الاحتلال الإنجليزي لمصر وأصبح في ذلك الوقت مقصدا لكل الساخرين القادمين من أنحاء القاهرة للتنافس في ابتكار النكات السياسية التي استهدفت التهكم على جنود الإنجليز.
هذا الأمر الذي يتفق مع تقدير الأنثروبولوجي الأميركي المرموق رالف لينتون الذي أوضح أن النكتة سرعان ما تصبح في أوقات الحروب والأزمات السياسية بمثابة السلاح. وقد أكد لينتون أيضا أن الضحك يسهم في تثبيت القيم العامة والمشتركة تجاه القضايا التي تهم المصالح العامة لأفراد المجتمع ككل، حتى مع اختراق النكتة في أغلب الأحيان للتابوهات التي تحكم مجتمعا ما.
وبابتسامة تبدو أبدية تستقبلك أم أحمد في الأمتار القليلة التي تشكل عالمها، وهو دكان صغير لبيع التبغ والسجائر المستوردة بوسط البلد (قلب العاصمة المصرية)، تحتفظ فيه بعملات ورقية من العهد الملكي، وتذكارات من زمن الوحدة مع سورية، وصور لرؤساء مصر، ناصر والسادات ومبارك، وقد تصالحت مع عهود ثلاثتهم، كما أنها تحفظ نكات لا آخر لها.
ورغم اعترافها بتراجع النكتة فإنها لا توافق على أن المصريين قد فقدوا خفة ظلهم، وقالت إن إيقاع الحياة السريع هذه الأيام هو السبب، ففي زمن آخر حين كان والدها يقف في دكانه، تعوّد بعض زبائنه على شرب القهوة عنده، قبل أن يشتروا ما يريدون. وهي ترد السبب إلى «غلاء المعايش» الذي أجبر المصريين على ملاحقة رزقهم، لكنها تؤمن أن المصري عند الضرورة يظهر معدنه الحقيقي، كابن نكتة أصيل. غير أن الشاعر المصري الكبير سيد حجاب يرى أن حالة من الاعتلال قد أصابت الشخصية المصرية، وعلى حد قوله.. «تغيرت الشخصية المصرية إلى حد بعيد، كان المصري يسخر من كل شيء بداية من نفسه وانتهاء بالقيم العليا في المجتمع، لكن يبدو أن الانشغال بلقمة العيش قد صرفه عن استخدام السلاح التاريخي الذي امتلكه منذ زمن بعيد».
وأضاف حجاب: «هذا الأمر يعبر عن إحساس المصري بانسداد آفاق الحل.. وقد أودى هذا الشعور بالحلم في المستقبل، وإذا جاز التعميم يبدو المصري اليوم وكأنما هو متورط في الحياة».
لكن عم ربيع، سائق التاكسي القاهري، رد على السؤال بعفوية «ليه لا سمح الله.. طيب سمعت آخر نكتة» وقهقه وهو يرويها بسلطنة مصرية. والنكتة أن مسؤولا مصريا سأل نظيره الأميركي عن دخل المواطن الأميركي فأخبره أنه في حدود 2000 دولار في الشهر، فعاد المصري وسأله عن حجم إنفاقه، فأجابه المسؤول الأميركي: 800 دولار، فلما سأله المصري عن كيفية استغلال الأميركي لهذا الفارق بين الدخل والإنفاق، أجابه المسؤول الأميركي: أن أميركا دولة حرة لا تسأل عن مثل هذه الأمور. جاء الدور علي الأميركي فسأل المصري عن دخل المواطن في مصر فأجابه المسؤول المصري: 200 جنيه في الشهر، فسأل الأميركي عن حجم الإنفاق، فأجاب المصري 1200 جنيه في الشهر. لم يخف المسؤول الأميركي دهشته وتساءل عن الطريقة التي يتدبر بها المواطن المصري الفارق، فأجابه المسؤول المصري: نحن في بلد حر لا نسأل المواطن عن هذه الأمور.
لكن عم ربيع عاد فأكد أن النكتة قد تراجعت بالفعل، وقد وصفها بالعملة النادرة في هذه الأيام. وفسر الأمر على طريقته «سبحان الله.. هو فيه حاجة بتفضل على حالها.. دا حتى الفاكهة طعمها بقى ماسخ. حتى النكت ما عادتش تِضحّك. واحد سأل الفاكهاني: عندك ملوخية خضرة؟ فأجاب الفاكهاني: لا. فرد السائل: طب ولا حتى عندك ملوخية ملونّة؟.. يا عم الضحك كان زمان والبال رايق، كان ضحك حتى الرُّكب».
وببال رائق يرى الدكتور صفوت العالم أستاذ الدعاية السياسية بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن أحد أهم العناصر التي تسهم في رواج النكتة بشكل عام والنكتة السياسية بشكل خاص هي وجود وسط متجانس، أو ما يمكن تسميته إطار اجتماعي واحد، يسمح بوجود هم مشترك، يعزز الإطار الدلالي للنكتة التي تعمل داخل حيز الرمز.
أضاف العالم.. «التفاوت بين أعضاء المجتمع اليوم، أو غياب الهم المشترك يغيب بطبيعة الحال الإطار الدلالي الواحد، وبالتالي تفقد النكتة دورها الوظيفي، بل أكثر من ذلك كون اللقاءات الإنسانية أصبحت تفتقر إلى الصدق فاستسلم المصري للتخدير عبر المقهى أو الفضائيات».
وأكد العالم أن «النكتة لا تنجو في واقع مجتمعي أزماته مزمنة، وحين يصبح الواقع مرا لا يمكن للنكتة أن تخفف حدته، تحتاج النكتة لكي تزدهر لمناخ يتراوح بين الأمل واليأس، وهو ما ميز سنوات الستينات على سبيل المثال التي شهدت نضجا ملحوظا للنكتة السياسية على وجه الخصوص».
ويذكر الكاتب الصحافي عادل حمودة في كتابه «النكتة السياسية.. كيف سخر المصريون من حكامهم» أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر كان يستقبل على مكتبه تقريرا أسبوعيا من وزارة الإرشاد عن أهم اتجاهات الرأي العام، ويضم بين دفتيه أهم النكت السياسية الأسبوعية وتحليلها، لا سيما المتعلقة بالتموين والأسعار؛ والنكتة الأكثر شهرة في هذا المجال هي تلك التي انتشرت إبان أزمة الأرز، وتحكي أن رجلا من القاهرة عرف أن الأرز متوفر في الإسكندرية فسافر إليها بالقطار كي يشتريه، وفي القطار سأله الكمساري: مسافر فين؟
فرد: مسافر اسكندرية عشان أشتري رز.
ولما وصل القطار إلى طنطا (وتبعد عن الإسكندرية حوالي 100 كيلومتر) قال له الكمساري: انزل هنا! فرد الراكب: طب ليه وإحنا لسه موصلناش اسكندرية؟
فرد الكمساري: مش انت رايح اسكندرية عشان تشتري رز؟
فرد الراكب: أيوه.
فرد الكمساري: طب انزل.. الطابور بيبدأ من هنا! وقد آلمت هذه النكتة عبد الناصر بشدة إلى الحد الذي دفعه لاستدعاء وزير التموين على الفور، ليبلغه بضرورة توفير الأرز بأية طريقة ممكنة، وهو ما حدث بالفعل.
بيد أن أكثر النكات التي أرقت عبد الناصر، كانت النكات القادمة من الخارج بقدر ما أرقته أيضا نكات المصريين. ففي عام 1967 كانت النكتة الإسرائيلية قد وصلت إلى القاهرة، كما يذكر عادل حمودة في كتابه «النكتة اليهودية» وتقول النكتة: دخل موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في حينها على رئيس أركانه وسأله: ماذا نفعل اليوم؟ فأجابه: لعلنا نحتل أراضي دولة عربية أخرى. فأجابه ديان: وماذا نفعل بعد الظهر؟
كانت الرغبة التي دفعت أول مصري لتدوين النكتة على جدران المعابد، لا تزال ملحة لدى مصريي منعطف القرن التاسع عشر، ولم تكن «المضحكخانة الكبرى» أولى مؤسسات رعاية النكتة على أية حال، فقد سبقها ميلاد الصحافة الساخرة، والتي اهتمت بتدوين نكات المصريين، واختراع صيغ ساخرة في مواجهة واقع جديد كان يرتسم على الأرض. ولد هذا الفن الصحافي على يد مصري يهودي هو يعقوب صنوع الذي استطاع إبهار خديو مصر إسماعيل باشا بعروضه الساخرة، حتى خصص له مسرحا في قصره. غير أن صنوع وقع ضحية مكائد الحاشية الخديوية بعد أن تجاوز تنكيته على ولع إسماعيل بالنساء الخطوط الحمراء، فخرج من جنة القصر إلى شوارع المحروسة، ليؤسس أولى الصحف الفكاهية التي أطلق عليها اللقب الذي اشتهر به «أبو نظارة».
وربما لم تفلح جريدة «أبو نظارة» في تحقيق اختراق كبير في الشارع المصري إلا أنها فتحت الطريق أمام واحدة من أهم التجارب الساخرة في تاريخ المصريين، حينما قرر عبد الله النديم أن يصدر مطبوعته الأولى «التنكيت والتبكيت» في يونيو من عام 1881 كصحيفة وطنية أسبوعية أدبية هزلية. ومع عددها التاسع عشر تحولت إلى «اللطائف» بعدما غادرت أرض السخرية الاجتماعية لتصبح لسان حال الثورة العرابية. في هذا المضمار لا يمكن تجاهل بيرم التونسي على الرغم من إصداره مطبوعة لا هي جريدة ولا هي مجلة وقد كانت حيلة للحصول على الترخيص، وقد أطلق عليها اسم «المسلة لا جريدة ولا مجلة». ولم يفلح بيرم التونسي إلا في إصدار عدد واحد فقط من مطبوعته هذه، وقد كان هذا العدد اليتيم كفيلا بإغلاقها ونفي صاحبها لسنوات.. وفي الأربعينات كانت مجلة «البعكوكة» الفكاهية تسجل أعلى نسبة توزيع، وقد تعاقب على رئاستها أجيال من الكتاب الساخرين. وبعد عقود لاحقة ستفقد الصحافة الورقية جزءا من أرضها تاركة المجال للتقنيات الأكثر حداثة في تسجيل النكتة. كان ذلك زمن الثمانينات حيث اكتسحت موجة شرائط الكاسيت الشارع المصري مع مجموعة من النكات و«المنولوجستات» كان أشهرهم حمادة سلطان، وفيصل خورشيد.
غير أن هؤلاء قد سجلوا بداية تراجع النكتة السياسية بعد 10 سنوات من حكم الرئيس المصري محمد أنور السادات الذي اختصته المخيلة المصرية بعدد وافر من النكات. لكنها ابتعدت عن الفكرة الرئيسية التي ميزت عهد ناصر أو (عبد الجبار مثلما ظهر في النكتة الستينية) المتعلقة بالسطوة والجبروت، لتهتم بشكل خاص بمزاج الرئيس المصري وسلوكه.
ويشير عادل حمودة في كتابه إلى أن أكثر ما كان يلفت النظر في شخصية السادات هو حبه اللافت للأضواء والظهور الإعلامي أمام الكاميرا، وقد اشتهر بأنه يرتدي لكل مناسبة زيا خاصا به: الأبيض للرحلات البحرية، والجلباب في قريته، وزى الجنرالات للاستعراض العسكري.
وتروي النكتة: دخلت زوجة البيت ذات يوم، فوجدت زوجها يشعل النيران في الأثاث، فجزعت وقالت:
ـ إنت عاوز تحرق الدنيا؟
فرد: أيوه فسألت: طب ليه كده؟
فرد: عاوز ألبس لبس المطافي!
واليوم وبرغم تراجع مزاج النكت في مصر، فإن المصريين ما زالوا ينكتون ومن ذلك: واحد ندل جيرانه خبطوا عليه بالليل وقالوا له: ماتشربش ميه من الخزان لأنه مش نظيف. دخل الندل ينام. فسألته مراته: فيه حاجة مع الجيران. فرد: لا مافيش حاجة. اشربي ميه ونامي.
وأخرى تقول: سواق تاكسي نايم.. دخلت عليه مراته بالليل وقفلت الباب بشويش. فصحى وقالها: افتحي واقفلي ثاني.
وأخرى تقول: مرة واحد سرق فرخة وراح عند البحر نضفها وأكلها. جه الضابط وقاله: أنت سرقت الفرخة دى يا وله؟ فرد: لا يا باشا. فسأل الضابط: والريش ده يا حبيبي؟ فرد: دي نزلت تعوم وقالتلي أخلي بالي من الهدوم.
وأخرى تقول: تلاتة خرجوا في رحلة سفاري. واحد مصري والتاني صومالي والتالت أمريكاني. دخلوا كهف وناموا وصحيوا بعد 300 سنة. كل واحد فيهم قام رجع بلده. الصومالي شغل الراديو سمع: الصومال لن تتنازل أبدا عن حقها الشرعي والتاريخي في ولاية نيوجيرسي. الأميركي شغل الراديو سمع: سيدافع الجيش الأميركي عن البلاد لآخر جندي في وجه الهجوم السويسري. المصري شغل الراديو سمع: طوابير العيش تؤرق حياة المصريين.
والختام: مسؤول بيسأل مسؤول تاني: إيه أخبار صورة كليوباترا على علبة السجاير. فرد المسؤول الأول: ناس كتير بطلت السجاير سيادتك. فرد: طب حط صورة كليوباترا على رغيف العيش.
أدخل على صفحة النكت
أو أدخل على:
هموم ضاحكة
هجوم المريخ
هريدى
06/11/2014