الفصل الثالث.. حديث المبادرة
|
حفارة آبار مياه عذبة فى كينيا |
د. وائل رشدي سليمان
المدير السابق للمكتب الوطني
لمبادرة حوض النيل في مصر
تم تأسيس مبادرة حوض نهر النيل بدعم من البنك الدولي في فبراير 1999 وذلك امتداداً للتعاون السابق لمشروعي الهيدروميت 1967 والتكونيل 1992. وتضم المبادرة دول حوض نهر النيل من أجل إنشاء شراكه قويه تعمل على تدعيم التنمية المستدامة وإدارة الموارد المائية لدول حوض النيل، وكذلك تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية من خلال الاستخدام الأمثل والعادل لمياه نهر النيل. تقوم سياسة المبادرة على تشكيل هيكل للتعاون والتنسيق بين دول الحوض لتحقيق الأهداف الآتية:-
• التنمية المستدامة للموارد المائية لحوض نهر النيل لتحقيق مبدأ العدالة لدول الحوض وتحقيق الأمان والازدهار والسلام لشعوب دول الحوض.
• إدارة مائية سليمة لتوفير الاحتياجات المائية من خلال الموارد المتاحة.
• تحقيق التعاون والربط بين دول الحوض و تحقيق مبدأ المنفعة المشتركة.
• السير في تحقيق البرنامج التخطيطي لدول الحوض.
إرتكز البرنامج الإستراتيجي لمبادرة حوض النيل على محوريين أساسيين وهما:-
1- برنامج الرؤية المشتركة: مجموعة من ثماني مشروعات بميزانية إجمالية 140 مليون دولار على مستوى الحوض الهدف منها تحقيق إدارة شاملة متعاونة لتنمية حوض نهر النيل.
2- برنامج مشروعات الأحواض الفرعية: لإعداد دراسات بتكلفة إجمالية 80 مليون دولار لعدد من المشروعات بالأحواض الفرعية بالتوازي مع برنامج الرؤية المشتركة لتحقيق التعاون والتنمية من خلال مشروعات تنموية. وينقسم البرنامج إلي مجموعتين:-
• مجموعة النيل الشرقي (مصر و أثيوبيا و السودان) وتشمل مشروعات متعددة الأغراض بمنطقة (البارو – اكوبو - سوباط)، التنبؤ المبكر بالفيضان، الربط الكهربائي، تبادل الطاقة، الري والصرف، إدارة أحواض الأنهار، والنموذج التخطيطي للنيل الشرقي.
• مجموعة النيل الجنوبي "البحيرات الاستوائية" وتشمل ثماني دول ( بوروندي، الكونغو، كينيا، رواندا، تنزانيا، أوغندا، السودان، مصر) و تشمل مشروعات تحسين الإنتاجية الزراعية، إنتاج الأسماك على بحيرة ألبرت و كيوجا، الإدارة المتكاملة للموارد المائية لنهرى "مارا" و"كاجيرا" ولأحواض (مالاكيس – مالابا – سيو) ومكافحة ورد النيل.
وكانت المبادرة تهدف إلي تحقيق الثقة بين دول حوض النيل ودفع التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و البيئية. من خلال تحقيق التعاون بين دول حوض النيل والتخطيط الاقتصادي علي المستوي الإقليمي فضلاً عن التدريب و بناء القدرات. ولتنفيذ ذلك تم إنشاء سكرتارية لمبادرة حوض النيل وإختيار مدينة عنتيبي بأوغندا مقراً لها وكذلك إنشاء مكتب فني للنيل الشرقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا ومكتب فني للنيل الإستوائي بالعاصمة الرواندية كيجالي.
الإتفاقية الإطارية للتعاون بين دول حوض النيل
وقد إستمرت أعمال المبادرة عشرة سنوات بالتوازي مع المفاوضات بين الدول الأعضاء للتوصل إلي إتفاقية للإطار التعاوني تنظم الإدارة المستقبلية لموارد النهر. وكانت المفاوضات تجري بين وفود تجمع ما بين الفنيين والقانونيين من كافة الدول وبرعاية البنك الدولي. وبكل إقتدار قاد الدكتور محمود أبو زيد وزير الموارد المائية والري فريق التفاوض المصري الذي ضم عدداً من كبارالفنيين والقانونيين المصريين الذين بذلوا جهداً كبيراً للتوصل لصياغات تحافظ علي الحقوق المصرية وتلقي قبولاً في نفس الوقت من باقي دول الحوض. وخلال تلك المفاوضات الماراثونية تم التوصل إلي الإتفاق علي كافة بنود الإتفاقية (39 مادة) باستثناء مادة واحدة هي المادة الرابعة عشر والخاصة بحق النقض والإخطار المسبق والتي تعطي دول المصب حق الإعتراض علي أي مشروعات قد تقيمها دول المنابع علي النهر إذا رأت فيها تأثيراً سلبياً عليها. وهو ما حدا بالدكتور محمود أبو زيد بالتصريح بأنه تم الإتفاق علي 95% من بنود الإتفاقية وهي نسبة صحيحة حسابياً رغم أن المادة 14 كانت هي محور الخلاف منذ البداية.
ورغم أن القانون الدولي يلزم كل دول الحوض بإخطار بعضها البعض بأي مشروعات تقام على النهر المشترك لأن التأثيرات التي قد تنتج من هذه مشروعات قد تمتد لكل الدول المشاطئة الأخرى إلا أن دول الأحباس العليا ترفض مبدأ الإخطار وتدعي أن مصر والسودان لم يقوما بإخطارأيٍ منها بأية مشروعات أقامتها هاتان الدولتان على النيل وعليه فلا ترى هذه الدول أي إلتزامٍ من جانبها لإخطار مصر والسودان بمشروعاتها. أما نقطة الخلاف الثانية فكانت تخص إتخاذ القرارات طبقاً لإتفاقية الإطار التعاوني. فبينما ترى مصر والسودان أن القرارات يجب أن تكون بالإجماع (أي موافقة كل الدول) أو بالأغلبية على أن تشمل هذه الأغلبية مصر والسودان، تصر الدول الأخرى على أن يتم التصويت بالأغلبية دون تحديد أي دول ضمن هذه الأغلبية وهو ما يؤدي إلي السيطرة المطلقة لدول المنابع علي أي قرارات مستقبلية (سبعة دول في مقابل اثنتان).
وفي إجتماع وزارء المياه بدول حوض النيل في عنتيبي في يونيو 2007 لم يتم التوصل إلي حل لذلك الخلاف وأتفق الوزراء علي رفع الأمر لرؤساء الدول للبت فيه. ومنذ ذلك التاريخ لم يحدث أي تقدم علي الإطلاق في ملف المفاوضات. بل علي العكس حدثت بعض الإنتكاسات وزادت حدة الخلافات وبدأت الدعوات من دول المنابع للتوقيع الإختياري علي الإتفاقية دون إجماع دول الحوض علي ذلك. وللاسف لم تجدي محاولات مصر رغم رئاستها للمجلس الوزاري منذ 2009 لإثناء دول المنابع عن هذا التوجه. وقد بدأ تسارع الإنهيار في العلاقة بين دول المنابع من جهة ومصر والسودان من الجهة الأخري خلال مؤتمر وزراء المياه بدول الحوض في إبريل 2009 في كينشاسا بالكونجو الديمقراطية والذي تولي فيه الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الري الجديد رئاسة الوفد المصري حيث أدت قلة خبرته وتعاليه علي زملائه من وزراء المياه من الدول الأخري لاشتعال الموقف الذي كانت تغلي ناره تحت الرماد ودخل في ملاسنه حادة مع وزراء إثيوبيا وكينيا وبدا الإنفجار وشيكاً حتي وصل لذروته خلال إجتماع وزراء المياه بدول الحوض في شرم الشيخ في إبريل 2010 بإعلان قرار دول المنابع السبع إتفاقها علي التوقيع علي الإتفاقية الإطارية المعدلة والتي إعتمدت مبدأ التعديل بالأغلبية وإزالة المواد الأخري الخلافية وإرفاقها كملحقات يتم التفاوض عليها في المستقبل في إطار تحويل سكرتارية مبادرة حوض النيل إلي مفوضية لإدارة الحوض. وبالطبع فقد رفضت مصر والسودان ذلك القرار ودخلت المبادرة في النفق المظلم وأصبحت علي شفا الإنهيار لتلحق بسابقيها الهيدروميت والتكونيل.
|
من الجو النيل يخرج من بحيرة تانا |
وحتي الآن لم يُتخذ أي قرار في مصر أو السودان بخصوص تعليق مشاركة الدولتين في أعمال المبادرة أو الإنسحاب منها حتي بعد إعلان السكرتاريه تحولها لمفوضية للنهر بالمخالفة لميثاق تكوينها. بل علي العكس وفي مفارقة غريبة عندما جاء عليها الدور أبجدياً قدمت مصر أحد خبرائها بصفة رسمية لرئاسة المفوضية (التي لا تعترف بها مصر رسمياً) ورغم أن الجهود الدبلوماسية التي بذلت لإبطاء حركة قطار التوقيع والتعديل في المبادرة لم تأت بأي فائدة وانتهي الأمر بتوقيع بوروندي واكتمال نصاب الثلثين لدخول الإتفاقية حيز التنفيذ. وحتي تصريحات رئيس وزراء كينيا خلال زيارته للقاهرة العام الماضي "بأنه لا يوجد شئ منقوش علي الحجر" والتي فسرها الإعلام المصري علي أنه يقصد توقيع كينيا علي الإتفاقية الإطارية إلا أن العديد من الكينيين وغيرهم من مواطني دول المنابع فسروها علي أنها دعوة لمصر والسودان لعدم التمسك بالإتفاقيات التاريخيه لأنها ليست منقوشة علي الحجر. ويزيد الأمر تعقيداً ان سكرتارية حوض النيل هي هيئة تابعة لدول المبادرة التسع ويتم تمويلها من مساهمات متساوية لتلك الدول وليس لها الحق في اتخاذ أي قرار دون موافقة جماعية من الأعضاء. وإعلان السكرتارية تحولها لمفوضية يؤدي لإنهيار المبادرة تلقائيا وإنشاء هيئة جديدة بإسم مفوضية حوض النيل بعضوية خمسة دول هي التي وقعت حتي الآن علي الإتفاقية الإطارية المعدلة. والطريف في الأمر أنه في حالة عدم وجود السودان ومصر في هذه المفوضية فلا يوجد علي الإطلاق ما يربط إثيوبيا بالدول الأخري الموقعة معها علي الإتفاقية إلا إذا إنضمت دولة جنوب السودان الناشئة للدول الموقعة علي الإتفاقية فتصبح همزة الوصل بين الأحواض الفرعية الثلاث.
ولا أري شخصياً أن ما يحدث الآن يعيدنا إلي نقطة الصفر حتي لو تم إعلان إنهيار المبادرة رسميا. ذلك أنه خلال تطور أعمال المبادرة زاد الوعي علي مستوي الفنيين بضرورة العمل المشترك بين دول الحوض. كما حدث تبادل لوجهات النظر بخصوص الإمكانيات والإحتياجات في الدول المختلفة. كما تم إجراء العديد من الدراسات لمشروعات مشتركة تعود بالنفع علي الدول جميعها او مجموعات منها روعي في تصميمها تجنب الآثار السلبية من تلك المشروعات. ولأ أعتقد أنه سوف تتوقف المشروعات الثنائية بين مصر ودول الحوض ولا يجب أن نسمح بذلك. ويجب النظر للمبادرة علي أنها مجرد حلقة من حلقات التفاوض بين دول الحوض تهدف أساساً لخلق مناخ تعاوني وتنموي بين دول يجمعها نهر واحد.
الفصل الأول .. النيل ليس نهراً واحداً
الفصل الثاني .. النيل بحكم المحكم
الفصل الثالث.. حديث المبادرة
الفصل الرابع .. النيل الفرص والمحاذير
موضوعات ذات الصلة
ثقافة الهزيمة .. موسم الهجرة إلى الجنوب
ثقافة الهزيمة .. السودان أرض مصرية
سوار الذهب أتمنى أن تزول الحدود بين مصر و السودان
القدس وبغداد والنيل بعد الفرات والقادم ..عطش!!
أهرامات السودان ..التاريخ المهمل عمدا
مصر تعتزم زراعة القمح في أوغندا
حكاية نهر النيل