مستقبليات: اتجاهات عالمية 2025 - الجـزء الثالث
...............................................................
بقلم : مسعد غنيم
...................
عالم متحول في 2025
| |
علم المستقبليات | |
تهدف سلسلة المقالات هذه إلى تقديم أهم نتائج علم المستقبليات إلى قارئ "مصرنا" بالنظر إلى الجهة المصدرة له، وهي تقرير مجلس المخابرات القومي الأمريكي (NIC) الأخير (نوفمبر 2008)، استشرافا للاتجاهات المستقبلية للعالم في 2025، تحت عنوان فرعي "عالم متحول". والتقرير لايتنبأ بشكل المستقبل بقدر ما يهدف إلى تحفيز التفكير الاستراتيجي حول المستقبل بالتعرف على الاتجاهات الرئيسة، والعوامل التي تشكل دوافعها، وإلى أين تتجه، وكيف يمكن أن تتفاعل. يقع أصل التقرير في 120 صفحة، منها 9 صفحات للملخص التنفيذي الذي يلخص أهم نتائج التقرير في تسع (9) محاور (تم ذكرها كـ 10 محاور بالخطأ في المقالين السابقين، والاعتذار واجب.) تم تقديم المحور الأول (النظام العالمي)، والثاني (النمو الاقتصادي)، في مقالين منفصلين سابقين نظرا لأهميتهما النسبية، وفي هذا المقال سيتم تقديم المحاور من الثالث إلى السادس من الملخص التنفيذي للتقرير.
المحور الثالث: أجندة جديدة عابرة للقوميات
يؤكد التقرير أن أمور الموارد تكتسب أولوية مطلقة على رأس الأجندة العالمية. وقد صدر هذا التقرير قبل انفجار الأزمة الاقتصادية التي حلت بنهاية 2008، ودخل على إثرها الاقتصاد العالمي في دورة انكماش عالمية. لذا فقد كانت توقعات التقرير أن ذلك النمو الاقتصادي الغير مسبوق قبل الأزمة سوف يستمر في الضغط على عدد من الموارد الاستراتيجية الهامة، شاملة الطاقة والغذاء والماء، وأن حجم الطلب سوف ينعكس بسهولة على تقليص حجم الإمدادات المتاحة، وذلك بنهاية العقد القادم أو نحو ذلك. ونظرا لأنه قد بدأت بوادر التعافي من الأزمة الاقتصادية العالمية بنهاية 2009، فمن المرجح أن توقعات التقرير للعقد القادم لن تتأثر كثيرا من حيث الضغط على الموارد الاستراتيجية العالمية.
ويؤكد التقرير أن الإنتاج التقليديي من البترول والغاز، والغير تقليدي مثل الرمل المشبع بالقار، كلها سوف لا تستطيع اللحاق بالطلب. ويؤكد على أن إنتاج دول النفط التقليدية قد بدأ بالفعل في التراجع، كما أن إنتاج كل من الصين والهند والمكسيك قد بدأ في الثبات دون زيادة. وسوف تقوم الدول التي تستطيع زيادة إنتاجها بالخفض منه؛ وسوف يتركز إنتاج البترول والغاز في المناطق الغير مستقرة (واضح أن هذا تعبير مراوغ من معدي التقرير لأن السبب الأول لعدم الاستقرار في مناطق منابع الطاقة هو محاولات الهيمنة الأمريكية للسيطرة على تلك المنابع وفي سبيل ذلك تم بالفعل احتلال كل من أفغانستان والعراق تحت ستار محاربة الإرهاب المزعوم!). ثم يضيف التقرير أنه لتلك الأسباب وغيرها، فإن العالم سوف يدخل في وسط مرحلة إنتقالية أساسية للطاقة بعيدا عن البترول ونحو الغاز الطبيعي والفحم والبدائل الأخرى (نووي – رياح – شمسية-...).
كما يوضح التقرير أن البنك الدولي يقدر أن الطلب على الغذاء سوف يرتفع 50% بحلول عام 2030، كنتيجة للزيادة السكانية للعالم، وللرفاهية المتصاعدة، ولتحول طبقات متوسطة أكبر نحو العادات الاستهلاكية الغربية. إن الحصول على إمدادات مستقرة من الماء قد وصل إلى حدود الأزمة، وخاصة للأغراض الزراعية، وسوف تزداد المشكلة سوءا بسبب النمو السريع للمدن على حساب الريف على مستوى العالم، وأيضا بسبب الـ 1.2 مليار إنسان الذين سيتم إضافتهم على مدى الـ 20 سنة القادمة. اليوم، يقدر الخبراء أن 21 دولة بمجموع سكان يبلغ 600 مليون شخص، تعتبر إما أرض محاصيل أو تعاني من ندرة المياة العذبة. وبسبب النمو السكاني المستمر فإن 36 دولة بمجموع سكان يبلغ 1.4 مليار شخص، ستكون مرشحة لهذا الوضع بحلول عام 2025.
| |
مستقبل مصر في ضوء الأجندة الجديدة | |
مستقبل مصر في ضوء الأجندة الجديدة العابرة للقوميات:
في ملف الطاقة، يمكننا نحن غير المتخصصين، من مجرد الانطباع وليس البحث الأكاديمي، أن نرى أن مصر لا تزال حتى الآن ليست مصنفة في قائمة الدول المصدرة للبترول وإن كانت تنتج كثير من احتياجاتها، وليس هناك ما يشير حتى الآن لقرب انضمامها إلى نادي مصدري البترول.
وفي ملف المياه فيمكننا أن نرى بوضوح أن مصر قد دخلت بالفعل في معارك المياه بعد أن تمردت بالفعل بعض دول حوض النيل على اتفاقية المياه بينها، وبدأت في إقامة بعض مشروعاتها دون حتى التنسيق مع مصر كما تنص الاتفاقية التي صارت على مايبدو حبرا على ورق!، في إطار التغير العالمي والإقليمي في موازين القوى. وهاهي الزيارة المعلنة لوزير خارجية العدو الإسرائيلي لبعض دول الحوض إشارة واضحة لزيادة طول الذراع الإسرائيلي في إفريقيا، كما أن وقفته على ضفاف بحيرة فيكتوريا ليست لأخذ صورة تذكارية!. لذا فمن البديهي أن نتوقع لمصر، طبقا لنص التقرير، أن تكون ضمن الـ 21 دولة المرشحة للمعاناة من ندرة المياة العذبة.
أما عن ملف السكان، فالتقرير يؤكد أن الطلب على الغذاء سوف يرتفع 50% بحلول عام 2030، كنتيجة للزيادة السكانية للعالم، وللرفاهية المتصاعدة، ولتحول طبقات متوسطة أكبر نحو العادات الاستهلاكية الغربية، والدلائل القائمة تشير إلى أن مصر التي تستورد....% من احتياجاتها من القمح، وهذا يعني دخولها في دوامة ارتفاع الأسعار بناء على ارتفاع حجم الطلب العالمي، مالم تخطط لاكتفاءها الذاتي، الأمر الذي لاتشير إليه أي اتجاهات مصرية حكومية حتى الآن! كما أن مصر، من استقراء السياسة الليبرالية المتوحشة التي تتمسك بها الطبقة الحاكمة بها في عناد شديد، تشير إلى أن أزمة الغذاء ستلقي بثقلها أكثر على مصر، طبقا لنص التقرير، ليس بسبب الزيادة المتصاعدة لرفاهية شعبها، وليس لتحول الطبقة المتوسطة (المتآكلة أصلا) إلى عادات استهلاكية غربية، بقدر ما ستكون بسبب الزيادة السكانية الواضح مؤشراتها بالفعل.
المحور الرابع: التغير المناخي
يتوقع التقرير أن يتسبب التغير المناخي في ندرة الموارد. ورغم أن أثر التغير المناخي يختلف باختلاف الأقاليم، إلا أن عددا من الأقاليم سوف تبدأ في المعاناة من الآثار الضارة، وخصوصا ندرة المياة وخسارة المحاصيل الزراعية. من المرجح أن الاختلافات الإقليمية في الإنتاج الزراعي ستصبح معلنة أكثر مع مرور الوقت مصحوبة بتراجع يتركز بصورة مختلة في البلدان النامية، خاصة تلك الواقعة تحت الصحراء الإفريقية. ويتنبأ معظم الاقتصاديين أن تتعاظم الخسارة الزراعية لتصبح ذات تأثير كبير بنهاية هذا القرن. وبالنسبة لعديد من الدول النامية، فإن نقصان الناتج الزراعي سوف يصبح مدمرا لأن الزراعة تشكل النصيب الأكبر من اقتصاديات تلك الدول وأن كثيرا من سكانها يعيشون قريبا من حد الكفاف.
مستقبل مصر في ضوء التغير المناخي:
طبقا للمنشور من نتائج الدراسات المناخية (تقرير واشنطن عن شئون الشرق الأوسط، يناير- فبراير 2009، صفحة 32-33، http://www.wrmea.org)، يبدو أن مصر واقعة بالفعل بين طرفي كماشة. فمن ناحية، وكما ورد في ملف المياه، فإن مصر دخلت بالفعل في طريق أزمة مياه حادة، ومن ناحية أخرى، فإن مصر من أوائل الدول المرشحة للتضرر من نتائج الاحترار العالمي من حيث الارتفاع المتوقع لمستوى سطح البحر (0.9 متر)، وذلك يعني غرق جزء من شمال الدلتا وفقدان جزء لا بأس به من الأرض الزراعية، علاوة على تشريد ملايين المصريين. وفي هذا الصدد فإن التقارير الرسمية المصرية تتراوح بين حدي تشاؤم وأقل تشاؤما.
ففي لجنة برلمانية صرح وزير البيئة ماجد جورج أن التغير المناخي قد يؤثر على منطقة شمال الدلتا بطريقة دائمة، كما أن كلا من المحللين الحكوميين والمستقلين قد حذروا من أن مصر ستواجه كارثة على مستوى غير مسبوق، هذا إن لم يتم اتخاذ إجراءات فعالة.
وطبقا لوزير البيئة، فإن كثير من المدن والمناطق السكانية في شمال الدلتا ستعاني من ارتفاع مستوى البحر اعتبارا من سنة 2020، وأن 15 % من مساحة الدلتا معرضة للتهديد من ارتفاع مستوى سطح البحر، ومن تسرب مياهه إلى باطن الأرض.
هذا بينما يؤكد التيار الأقل تشاؤما ممثلا في حامو لامراني، منسق مشروع تابع لمركز البحوث والتنمية العالمي والمقيم بالقاهرة، بشأن مبادرة احتياجات المياه الإقليمية: " ليس هناك دليل ملموس بشير إلى أن الدلتا معرضة للغرق...وأن ما يمكن توقعه هو أن ارتفاع مستوى سطح البحر سيغرق الخط الساحلي في مصر."
المحور الخامس: التكنولوجيات الجديدة
يوضح التقريرأنه يمكن للتكنولوجيات الجديدة، مرة أخرى، أن توفر حلولا، مثل البدائل العملية للوقود الأحفوري أو وسائل للتغلب على قيود الغذاء والماء. ومع ذلك، فإن كل التكنولوجيات الحالية غير كافية للإحلال محل هيكل الطاقة التقليدية بالحجم المطلوب، ومن المرجح ألا تتاح البدائل الجديدة للطاقة بصورة تجارية ومنتشرة بحلول 2025. وسيصبح معدل التجديد والإبداع التكنولوجي هو المفتاح. وحتى في ظل سياسة تفضيلية ومناخ تمويل للوقود الحيوي والفحم الأسود النظيف أو الهيدروجين، فإن الانتقال إلى وقود الجديد سيكون بطيئا. وتاريخيا فإن التكنولوجيات الكبيرة كانت ذات نمط "تكيف متأخر." في قطاع الطاقة، وجدت دراسة حديثة أنه يلزم 25 سنة لأي تكنولوجيا إنتاج جديدة لكي يتم تبنيها بشكل واسع.
ويضيف أنه بالرغم مما يبدو أنه شاذا أو بعيدا الآن، لايمكن أن نتجاهل احتمال أن تتم الفترة الانتقالية للطاقة بحلول عام 2025، وبما يمكن من تجنب تكاليف استبدال البنية التحتية الحالية. إن أكبر الاحتمالات لانتقال سريع وغير مكلف خلال تلك الفترة تأتي من خلال موارد توليد طاقة متجددة أفضل (الطاقة الشمسية والريح) ومن خلال تحسين تكنولوجيا البطاريات. في كثير من تلك التكنولوجيات، فإن مشكلة تكلفة البنية التحتية للمشروعات المنفردة ستكون أقل، وذلك يمكن اللاعبين ذوي الاقتصاديات الصغيرة من تطوير مشروعاتهم الخاصة لتحويل الطاقة، بما يخدم مصالحهم مباشرة- مثلا، خلايا وقود ثابتة لتغذية المنازل والمكاتب، وإعادة شحن بطاريات العربات الهجين (التي تجمع بين استخدام الوقود الحالي والوقود الجديد)، ثم إعادة بيع تلك الطاقة إلى الشبكة الرئيسية للكهرباء. وأيضا، فإن تصورات نظم تحويل الطاقة من شكل إلى آخر – مثل خطط توليد الهيدروجين لخلايا وقود السيارات من الكهرباء في جراجات المنازل – يمكن أن تجنب الاحتياج إلى تطوير وبناء بنية نقل معقدة للهيدروجين.
مستقبل مصر في ضوء الكنولوجيات الجديدة
أعتقد أن مستقبل مصر 2025 يقع خارج نطاق التقييم هنا (الشر بره وبعيد!)، فمصر ليست أكثر من متلق للتكنولوجيا، أو بمعنى أصح متلق لنتائج التكنولوجيا، هذا منذ أن تخلت عن طموحاتها العلمية في عصرها المبارك بخفض ميزانيات البحث العلمي لمستوى مخجل عالميا كما تم إيضاحه في المقال السابق. وبالتالي فإن مستقبلنا المرتبط بالتقدم التكنولوجي يظل مربوطا بالحبل السري بالتكنولوجيا العالمية، هذا إذا سمح لنا بنقلها أولا، وإذا استطعنا، ثانيا، نقل المسموح به بمعدلات تقابل المشاكل الناجمة عن النمو السكاني وزيادة ندرة الموارد.
المحور السادس: توقعات للإرهاب، والصراعات الدولية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل
" أفضل قبل أن أنقل محتويات التقرير هنا أن أسجل تحفظي الشديد على استخدام التعبير الشائع منذ سبتمر 2001 والمعروف بـ "الإرهاب" إلى حد الابتزال، فالتعريف الضمني الأمريكي / الصهيوني له، لايصرح بالتفرقة بين الإرهاب وحق مقاومة الشعوب للاحتلال واغتصاب الأرض والحقوق الدولية الشرعية وذلك لأسباب عملية واضحة، فالعراق تحت الاحتلال الأمريكي طبقا للمعايير الدولية، والضفة الغربية وغزة والجولان ومزارع شبعا اللبنانية هي كلها أراضي محتلة طبقا للقانون الدولي. هذا غير الاستخدام "الصليبي" للفظ كمرادف مباشرا للإسلام كعقيدة، رغم ما تم من تلطيف على إثر إلغاء استخدامه من قبل الرئيس أوباما بدءا من خطابيه الشهيرين في أنقرة و القاهرة. وعلى كل، فإن واقع الحال على المستوى الاستراتيجي الأمريكي، في كل من مؤسستي الجيش والمخابرات، يقول بأنه لم يحدث أي تغيير حقيقي في هذا الاتجاه التلطيفي! "
والآن إلى نص ملخص التقرير الذي يقول: سوف يبقى كل من الإرهاب، والصراعات الدولية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، هواجس رئيسية حتى ولوعلى هيئة أمور موارد تتصاعد في أولويات الأجندة العالمية. ومن غير المرجح أن يختفي الإرهاب بحلول عام 2025، ولكن جاذبيته يمكن أن تتقلص إذا استمر النمو الاقتصادي وإذا ما تم تسكين وخفض حدة البطالة في الشرق الأوسط. إن إتاحة الفرص الاقتصادية للشباب و تحقيق تعددية سياسة أكبر يزيدان من احتمال منع البعض من الالتحاق بصفوف الإرهابيين، ولكن آخرين – مدفوعين لأسباب مختلفة، مثل الرغبة في الانتقام أو أن يصبحوا "شهداء"- سوف يستمرون في التحول إلى العنف لتحقيق أهدافهم.
ويضيف الملخص أنه في غياب كل من فرص التوظيف والوسائل القانونية للتعبير السياسي، فسوف تكون الظروف مواتيه للاستياء وتنامي الأصولية واحتمال توظيف الشباب في مجموعات إرهابية. وسوف تتشكل المجموعات الإرهابية في 2025 من خليط من المنحدرين من المجموعات المشكلة منذ زمن – والتي ورثت هياكل تنظيمية، وعمليات قيادة وسيطرة، وإجراءات التدريب اللازمة لتنفيذ عمليات معقدة- بالإضافة إلى مجموعات جديدة ناشئة من الغاضبين والمهمشين الذين أصبحوا أصوليين من تلقاء أنفسهم.
بالنسبة إلى المجموعات الإرهابية التي ستكون ناشطة في 2025، فإن تسرب التكنولوجيا والمعرفة العلمية سوف يضع في أيديهم بعض من أكثر ما أنتجه العالم من الإمكانيات خطورة. واحد من أكبر اهتماماتنا سوف يبقى دائما هو إمكانية اكتساب الإرهابيين أو المجموعات الحاقدة وتشغيلهم للأسلحة الكيماوية، أو بدرجة أقل احتمالا، أجهزة نووية، وذلك في سعيهم لإحداث خسائر بشرية ضخمة.
ثم يؤكد التقري على أنه بالرغم من أن امتلاك إيران للأسلحة النووية ليس من غير المحتم، فإن قلق دول أخرى هو أن إيران المسلحة نوويا يمكن أن تقود دولا في المنطقة إلى إنشاء ترتيبات أمنية جديدة مع قوى خارجية، وأن تمتلك أسلحة أكثر، وأن يفكروا في ملاحقة طموحاتهم النووية الذاتية. من غير الواضح أن مثل العلاقة الردعية المستقرة بين القوى الكبرى طوال الحرب الباردة يمكن أن تنشأ طبيعيا في الشرق الأوسط بوجود إيران القادرة نوويا. إن حلقات من الصراعات منخفضة الكثافة تقع في ظل مظلة نووية يمكن أن تقود إلى تصعيد غير مقصود وصراع أوسع، إذا لم يتم وضع خطوط حمراء واضحة بين تلك الدول.
يعتقد معدوا التقرير أن الصراعات الأيديولوجية التي ميزت فترة الحرب الباردة ليس من المحتمل أن تتجذر في عالم تنشغل فيه معظم الدول بالتحديات العملية الواقعية (البراجماتية) للعولمة وللتحول في ترتيب القوى العالمية. ومن المحتمل أن تصبح قوة الأيديويوجيا أقوى في العالم الإسلامي – خاصة في قلبه العربي. وفي تلك الدول التي من المحتمل أن تعاني من الزيادة النسبية للشباب مع أداء اقتصادي ضعيف – مثل باكستان وأفغانستان ونيجيريا واليمن – فمن المحتمل أن يكتسب التوجه السلفي الأصولي القدرة على الجذب.
ويضيف التقرير أنه من المحتمل أن تنشأ أنواع الصراعات التي لم نرها منذ حين، مثلا على الموارد. إن توقع ندرة الطاقة سوف يدفع دولا إلى أخذ مبادرات لتأمين ولوجها إلى مصادر إمدادات الطاقة مستقبلا. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن يؤدي هذا إلى صراع بيني بين الدول إذا ما تم منع قادة تلك الدول من الولوج إلى مصادر طاقة، مثلا، هي ضرورية للحفاظ على الاستقرار الداخلي ولدوام نظمهم في السلطة. ومع ذلك، فإن الأحداث حتى بدون حرب سيكون لها تأثيرات جيوسياسية مهمة. توفر المحاذير الأمنية البحرية سببا منطقيا لأنشطة بناء وتحديث، مثل التي تقوم بها كل من الصين والهند لتطوير إمكاناتهما للإبحار في المياه العميقة في أعالي البحار. ويمكن أن يؤدي بناء القدرات البحرية الإقليمية إلى توتر متزايد، ومنافسات، وتحركات مضادة، ولكنها أيضا سوف تخلق فرصا للتعاون الدولي من أجل حماية المسارات البحرية الهامة. ومع تزايد ندرة المياه في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، فإن التعاون من أجل إدارة الموارد المتغيرة للمياه، يبدو أنه من المرجح أن تكون أكثر صعوبة داخل وفيما بين الدول.
ويتوقع التقرير أنه إذا ما تم استخدام الأسلحة النووية خلال من 10 – 15 سنة قادمة، فسوف يهتز النظام العالمي حيث سيواجه ارتدادات مباشرة على الصعيد الإنساني والاقتصادي والسياسي العسكري. من المرجح أن يؤدي الاستخدام المستقبلي للأسلحة النووية إلى تغييرات جيوسياسية كبيرة حيث أن بعض الدول ستسعى لإنشاء أو تقوية التحالفات الأمنية مع القوى النووية الحالية، بينما سدفع آخرون باتجاه نزع السلاح النووي على مستوى العالم.
مستقبل مصر في ضوء التوقعات للإرهاب والصراع العالمي
بالرغم من أن مصر تقع في القلب من هذا الملف، إلا أن التقرير لم يشر إليها من قريب أو بعيد، ربما لأنها ليست في النطاق الحرج للتوقعات، سواء بالمعنى السلبي، مثل باكستان وأفغانستان ونيجيريا واليمن، في شأن الزيادة النسبية للشباب مع الأداء الاقتصادي الضعيف. أو بالمعنى الإيجابي مثل أن تقع مصر في نطاق الدول التي وصفها التقرير بأن دول في المنطقة يمكن أن تفكر في إنشاء ترتيبات أمنية جديدة مع قوى خارجية، وأن تمتلك أسلحة أكثر، وأن تفكر في ملاحقة طموحاتها النووية الذاتية، وذلك بسبب امتلاك إيران للأسلحة النووية، وهو الأمر الذي ليس من غير المحتم بحسب تعبير التقرير.
واعتقادي الشخصي في هذا المحور، هو أن مصر، التي تنتهج قيادتها السياسية مبدأ الاستقرار وسط عالم مضطرب، إنما هي، بعد اتفاقية السلام بكل توابعها السلبية وطنيا وعربيا، قد دخلت في حالة "تسكين تاريخي" أخرجتها من دورها الطبيعي وخفضت من وزنها الجيوسياسي بحيث اختل ثقل موضعها بالمقارنة بثقل موقعها بحسب تعبير جمال حمدان.
بهذا فإن مصر، كما أعتقد، غالبا ستقع أكثر خارج معادلة الصراع الإقليمي، فمن الواضح في إطار الخطوط الاستراتيجية والمصالح الأمريكية كما يقدمها هذا التقرير، أنه يكفي مصرفي هذا المقام دورها المعاون في مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية في رام الله، وإسرائيل. أما عن دور مواز ومعادل أو حتى مقارب للثقل الإيراني المتنامي رغم محاولات التعويق والتأزيم، أو للنشاط التركي المتميز، تقاربا مع سوريا وإيران وحتى أعداء الأمس في أرمينيا واليونان، ورفضا لإسرائيل، فإن مصر "المسَكُّنَة" والمنعزلة عن عروبتها، والصامتة عما يحدث في أعالي النيل، والمقطعة أوصالها الإفريقية شاملة حتى السودان الذي يمثل العمق الاستراتيجي الجغرافي والتاريخي لها، فمصر أبعد ما يكون عن ذلك، رغم عبقرية موقعها وقوة موضعها اللذان رأينا أثرهما في باندونج 1955 والسويس 1956 وحتى أكتوبر 1973، وربما كان هذا آخر عهدها بأي دور إقليمي في الصراعات الدولية، هذا إذا استثنينا رؤية علمها الوطني أثناء حرب الخليج الأولى 1990، استثمارا لما تبقى من رصيد ثقلها الإقليمي، وأشك أنه قد تبقى شئ من هذا الرصيد بعد كاشفة الحرب على غزة 2008-2009.
كما أعتقد أن مصر قد تخرج من حالة التسكين تلك، رغما عن مخططيها ومنفذيها، هذا إذا أصرت النخبة السياسية، كما هو متوقع، على المضي قدما في احتكار السلطة وتوريثها وتعطيل الديموقراطية، اكتفاء بتحقيق أرقام نمو اقتصادية بدون أي عمق اجتماعي لذلك النمو، عمق لاتجدي معه رحلات البر والإحسان "الانتخابية المبكرة" التي يقوم بها الرئيس النجل للقرى الأكثر فقرا!. ويأتي هذا الاعتقاد في ضوء نص التقرير في هذا المحور حيث جاء فيه: " إن إتاحة الفرص الاقتصادية للشباب و تحقيق تعددية سياسة أكبر يزيدان من احتمال منع البعض من الالتحاق بصفوف الإرهابيين، ولكن آخرين – مدفوعين لأسباب مختلفة، مثل الرغبة في الانتقام أو أن يصبحوا "شهداء"- سوف يستمرون في التحول إلى العنف لتحقيق أهدافهم." وهو السيناريو الأسوأ للخروج من حالة التسكين الحالية، وهو سيناريو لايستطيع أحد أن ينفي احتمالاته رغم بشاعته وكراهية أن يحدث!. أما السيناريو الأفضل فقد طرحه الأستاذ محمد حسنين هيكل في حديثه مع المصري اليوم في 22 أكتوبر 2009، بشأن تشكيل مجلس أمناء لتولي مسئولية الإصلاح الدستوري والسياسي في ظل الرئاسة الحالية، وقبل فوات الأوان!. سيناريو من المتوقع أن يتجاهله رئيس مصر بما عرف عن شخصيته في هذا الشأن!.
وإلى لقاء آخر مع الجزء الأخير من سلسلة المقالات هذه، نتناول فيه باقي تقرير مجلس المخابرات القومي الأمريكي (NIC) الأخير (نوفمبر 2008)، استشرافا للاتجاهات المستقبلية للعالم في 2025، تحت عنوان فرعي "عالم متحول"، حيث نتناول محاور:
7. نظام عالمي أكثر تعقيدا
8. الولايات المتحدة: قوة أقل هيمنة
9. 2025: أي نوع من المستقبل؟
25 أكتوبر 2009
06/11/2014