مستقبليات: اتجاهات عالمية 2025 - الجزء الثانى
...............................................................
| |
علم المستقبليات | |
بقلم : مسعد غنيم
...................
عالم متحول في 2025
تهدف سلسلة المقالات هذه إلى تقديم أهم نتائج علم المستقبليات إلى قارئ "مصرنا" بالنظر إلى الجهة المصدرة له، وهي تقرير مجلس المخابرات القومي الأمريكي (NIC) الأخير (نوفمبر 2008)، استشرافا للاتجاهات المستقبلية للعالم في 2025، تحت عنوان فرعي "عالم متحول". يقع أصل التقرير في 120 صفحة، منها 9 صفحات للملخص التنفيذي الذي يلخص أهم نتائج التقرير في عشر (10) محاور هي:
• النظام العالمي World System، (وهو غير تعبير World Order الذي يحمل معنى للهيمنة السياسية)
• النمو الاقتصادي يغذي صعود لاعبين جدد
• أجندة جديدة عابرة للقوميات
• التغيير المناخي
• التكنولوجيات الجديدة
• تصورات للإرهاب والصراعات وانتشار الأسلحة النووية
• نظام عالمي أكثر تعقيدا
• الولايات المتحدة: قوة أقل هيمنة
• 2025: أي نوع من المستقبل؟
وتم في الجزء الأول من هذا المقال استعراض مقدمة الملخص التنفيذي، وأهم مايجب التنويه عنه هو أن التقرير لايتنبأ بشكل المستقبل بقدر ما يهدف إلى تحفيز التفكير الاستراتيجي حول المستقبل بالتعرف على الاتجاهات الرئيسة، والعوامل التي تشكل دوافعها، وإلى أين تتجه، وكيف يمكن أن تتفاعل. كما تم تقديم نتائج المحور الأول وهو رؤية التقرير للنظام العالمي بحلول 2025. وهذا الجزء الثاني من المقال يستعرض المحور الثاني وهو النمو الاقتصادي وكيف يغذي صعود لاعبين جدد على الساحة الاقتصادية العالمية.
النمو الاقتصادي يغذي صعود لاعبين جدد
بمقياس الحجم والسرعة واتجاه التدفق، فإن انتقال الثروة العالمية والقوة الاقتصادية الذي يجري حاليا – بصفة تقريبية من الغرب إلى الشرق – هو حدث غير مسبوق في التاريخ الحديث. وهذا الانتقال يتأتي من مصدرين:
• الأول هو أن زيادة أسعار البترول والمواد الخام قد أثمرتا أرباح مفاجئة لدول الخليج وروسيا.
• الثاني هو أن التكاليف الأقل والسياسات الحكومية قد نقلت مراكز التصنيع وبعض الخدمات الصناعية إلى آسيا.
تشير توقعات النمو لكل من البرازيل وروسيا والهند والصين (the BRICs) أنها مجتمعة سوف تضاهي أصل نصيب مجموعة السبعة الكبار (G-7’s) من الناتج الإجمالي العالمي (GDP) بحلول 2040 – 2050. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن الصين بحلول سنة 2025 سوف تصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي، كما ستصبح الرائدة في مجال القوة العسكرية. ويمكن أن تكون أيضا أكبر مستورد للموارد الطبيعية وأكبر ملوث للبيئة. ومن المحتمل أن تستمر الهند في تحقيق نمو سريع، وسوف تسعى إلى تشكيل عالم متعدد الأقطاب تكون فيه نيودلهي واحد منها. يجب على كل من الصين والهند أن تقررا إلى أي مدى ستكونان فيه راغبتين وقادرتين على لعب دور متزايد على المستوى العالمي، وكيف ستكون علاقة كل منهما بالأخرى. وروسيا سيكون لديها الفرصة لتكون أغنى وأقوى وأكثر ثقة بنفسها في 2025، هذا إذا استثمرت جهودها في استثمار رأس المال البشري، وإذا ما توسعت في اقتصادها ونوعت فيه، وإذا ما تكاملت مع الأسواق العالمية. ومن ناحية أخرى، فيمكن لروسيا أن تعاني من انحدار شديد إذا ما فشلت في اتخاذ تلك الخطوات، وإذا ما بقيت أسعار البترول والغاز في حدود 50-70 دولار للبرميل الواحد. ولايتوقع لدول أخرى أن تصل لمستوى كل من الصين والهند أو روسيا، ولايتوقع لأى دولة أخرى أن تضاهي النفوذ المنفرد لأي منها. إلا أننا نتوقع زيادة القوة السياسية والاقتصادية لدول أخرى مثل إندونيسيا وإيران وتركيا.
هناك دول أخرى سوف تتخلف اقتصاديا بقدر متزايد. وسوف تبقى دول منطقة جنوب الصحراء الكبرى الأكثر عرضة للتمزق الاقتصادي وضغوط زيادة السكان والصراعات المدنية وعدم الاستقرار السياسي. وبالرغم من تزايد الطلب على المواد الأولية التي تعتبر فيها دول جنوب الصحراء أكبر الموردين، فإن من غير المحتمل أن يتمتع السكان المحليين بمكسب اقتصادي ملموس. إن الازدياد المفاجئ للأرباح الناجمة عن استمرار زيادة أسعار المواد الأولية يمكن أن يدعم الحكومات الفاسدة أو الضعيفة في أقاليم متعددة بطريقة أكبر، وبهذا تنخفض التوقعات لأي إصلاحات ديموقراطية أو إصلاحات مبنية على أساس حرية السوق. وبالرغم من أن عديد من الدول الرئيسية بأمريكا اللاتينية سوف تشكل قوى متوسطة الدخل بحلول 2015، إلا أن الآخرين، خاصة مثل فنزويلا، وبوليفيا والذين اتبعوا سياسات شعبية لفترة طويلة، سوف يتأخروا في الترتيب_ وبعضها مثل هايتي، سوف تصبح أكثر فقرا وأسوأ حكما. وسوف تستمر أمريكا اللاتينية بصفة إجمالية في التأخر خلف آسيا ومناطق أخرى سريعة النمو، وذلك بمقياس القدرة الاقتصادية التنافسية.
سوف تكون آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية هي المسئولة حرفيا عن النمو السكاني خلال العشرين سنة القادمة؛ وسيكون معدل النمو في الغرب أقل من 3 %. وسوف تستمر أوروبا واليابان في التراجع كثيرا عن القوى الناشئة في الصين والهند من حيث مقياس متوسط الثروة على المستوى الشخصي، ولكنهما سوف تكافحان للحفاظ على معدلات نمو متينة بسبب انخفاض حجم شريحة السكان في سن العمل. وسوف تشكل الولايات المتحدة استثناءا جزئيا لمشكلة شيخوخة السكان في الدول المتقدمة بسبب سوف تتمتع بمعدل مواليد أعلى وهجرة أكثر. ومن المحتمل أن تزيد أعداد المهاجرين الذين يرغبون في الانتقال من الدول الأقل حظا إلى الدول الأكثر حظا.
يتوقع للدول ذات الهرم السكاني الأكثر شبابا في "حزام عدم الاستقرارArc of Instability " أن ينخفض عددها بنسبة 40 %. ثلاثة من كل أربعة دول متبقية ذات انبعاج شبابي سوف تقع في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا؛ وسوف تقع كل باقي الدول تقريبا في قلب الشرق الأوسط، موزعة على جنوب ووسط آسيا، وفي جزر المحيط الهادي.
كان هذا هو اتجاه "النمو الاقتصادي وكيف يغذي صعود لاعبين جدد"، كما ورد في الملخص التنفيذي لتقرير مجلس المخابرات القومي الأمريكي (NIC) الأخير (نوفمبر 2008)، استشرافا للاتجاهات المستقبلية للعالم في 2025. ويمكننا في إطار هذا المحور الاقتصادي وبمعاييره، أن نرى بوضوح كاف، موقع مصر سنة 2025 من منظور المحور الاقتصادي.
نستطيع أن نرى أن مصر، بنص التقرير، قد وقعت بجدارة خارج نطاق الدول المرشحة للزيادة في القوة السياسية والاقتصادية مثل أندونيسيا وتركيا، وإيران (مثلا!). ومن ناحية أخرى، ومن واقع بيان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء (أغسطس 2008)، فإن فئة الشباب (20 - 29 سنة) يبلغ عددهم 713ر14 مليون نسمة بنسبة 56,62%. من إجمالي سكان مصر، أي أن التوزيع العمرى للسكان (الهرم السكانى) يظهر أن الشعب المصرى هو شعب فتى (شاب)، حيث أن ذلك الهرم ذو قاعدة عريضة مما يعنى أنه لعدة سنوات طويلة قادمة سيبقى المجتمع فتيا، وبذلك فإن مصر، طبقا لنص التقرير، مرشحة بامتياز لأن تكون إحدى دول "حزام عدم الاستقرار"، وذلك لأن هرمها السكاني من الأكثر شبابا.
وليس صعبا، قبل ذلك وبعده، أن نفهم لماذا كان هذا مستقبل مصر 2025 اقتصاديا في هذا التقرير، رغم أنه لا يستهدفها وحدها بطبيعة الحال، أوكما يمكن أن يدعي أصحاب نظرية المؤامرة؛ فنحن:
• نعلم أن مصر دولة غير بترولية بطبيعة الحال؛
• كما أننا نفهم أن مصر دولة غير صناعية رغم كل شعارات تحديث الصناعة!؛ فالعمق التصنيعي لكل المنتجات في مصر لا يتعدى القشرة عمليا (تجميع أو صناعة مفك!)، كما أن ميزانيات البحوث والتطوير على مستوى الدولة هي بكل المقاييس العالمية مخجلة جدا، فبحسب د. هاني هلال وزير التعليم العالي والبحث العلمي كما نشر في موقع الحزب الوطني: "لا يجب ان نخدع أنفسنا، فواقع الأمر يقول ان ميزانية البحث العلمي في مصر اقل من 1% من إجمالي الناتج القومي، وهذا الرقم بالطبع هزيل، لا يمثل طموحاتنا علي الإطلاق"، هذا بينما تبلغ هذه النسبة في بعض الدول العربية من 6 – 8 %!. أما عن ميزانية البحث والتطوير في مصانع القطاع الخاص والقائد لعملية التنمية والتصنيع الآن فليست محل نظر أو نشر عام أصلا في الغالب الأعم!، ولا يتوقع أن تكون أفضل حالا. ومن باب تحصيل الحاصل أن نؤكد أن البحوث والتطوير هي جوهر وشرط أي تحديث وتطوير للصناعة في أي بلد !
• ونألم لأن مصر دولة غير ديموقراطية بشهادة القاصي والداني إلا آل وحزب مبارك!!!؛
• ومصر بعكس ما نأمل، لا يبدو أنها ستكون أقل فسادا أو أكثر قوة. لأنه بدون إصلاح الجناح الأول وهو الديموقراطية، فلن تجدى أي محاولات إصلاح الجناح الآخر وهو الإصلاح الاقتصادي باتجاه اقتصاد السوق، وهذه ألف باء الإصلاح، ولايحتاج الأمر إلى بحث أكاديمي لإثبات ذلك.
ومنذ متى طار طائر بجناح واحد؟؟!!
... وإلى مقال قادم نستعرض فيه بعض من المحاور العشر للملخص التنفيذي لتقرير " عالم متحول".
17 أكتوبر 2009
........................................
مستقبليات: اتجاهات عالمية 2025 - الجزء الأول
06/11/2014