مستقبليات: اتجاهات عالمية 2025 - الجزء الأول
...............................................................
بقلم : مسعد غنيم
......................
| |
علم المستقبليات | |
آمل أن يكون هذا المقال باكورة مقالات لباب جديد للمستقبليات على صفحات "مصرنا"، فرغم أن معظم ماينشر من مقالات هو في الأساس تعبير عن اهتمام وهم الزملاء بمستقبل مصر، حتى لو كانوا يكتبون عن الماضي أو الحاضر، وهذا بديهي، إلا أن الكتابة عن علم قائم بذاته وهو علم المستقبليات، فأعتقد أنها تنقص الكتابة العربية عموما، ومن هنا تأتي أهمية استقراء هذا العلم على صفحات "مصرنا"، استزادة لقارءنا الكريم في الإطلاع والمعرفة بعلوم العصر. وفي هذا المقال سنستعرض تقرير مجلس المخابرات القومي الأمريكي (NIC) لاستشراف الاتجاهات المستقبلية للعالم في 2025، والصادر في نوفمبر 2008. وهو إن يكن قديما نسبيا، إلا أنه آخر تقرير صادر في هذا الخصوص، كما أنه يمثل جديدا على صفحات مصرنا لعدم التعرض له سابقا.
دأب مجلس المخابرات القومي الأمريكي (NIC) على إعداد دراسات مستقبلية كل عدة سنوات، في تقارير تتصور الشكل المستقبلي للعالم لفترات زمنية متتالية: 2010، 2015، 2020، وأخيرا 2025 الصادر في نوفمبر 2008. بالضرورة العلمية، لايقتصر التقريرعلى الولايات المتحدة التي يهدف التقرير لخدمة مصالحها أساسا، بل يشمل كل العالم الذي نعرفه. حذت دول عديدة منها مصر نفس حذو أمريكا، فأعدت تقاريرها الخاصة وبنفس المنهجية تقريبا ولنفس الفترات الزمنية مثل مشروع 2020 و 2025.
ولايمكن بالطبع أن نحكم على مدى رصانة أو نزاهة تلك التقارير المحلية من مجرد الانطباعات، لأننا لسنا بمتخصصين. ولكننا رغم ذلك، كقراء نسعى للفهم دائما، لانفتقد الحس الفطري الذي يشعرنا بما فيه مصالحنا كأغلبية مهمشة. من شواهد التيار العام للمناخ السياسي لمصر، فإننا لن نبتعد كثيرا عن الصواب إذا ما تشككنا في أي تقارير حكومية أو شبه حكومية، وأولها التقارير الأكاديمية من المراكز البحثية التي لانعتقد أنها بمنأى عن تأثير السلطة في مصر. بل إن من دواعي الحكمة الفطرية أن نتشكك في تلك التقارير المحلية في مثل هذا المناخ السياسي، حيث من المنطقي أن نتوقع أن تطفو كثير من العناصر الأقل التزاما على السطح الأكاديمي ومراكز البحوث ومواقع الفكر، هذا رغم أن مصر لم تعدم أبدا أصحاب الفكر الراقي والالتزام الأخلاقي العلمي، والحس الوطني أولا وأخيرا.
من البديهي أن مناخا للاستبداد السياسي هو الذي يمكن أن يفرز مثل تلك العناصر في المقام الأول، عناصر قد تقايض أمانة البحث العلمي بمراكزها العلمية وطموحاتها الشخصية، أو من باب التقية في أقل تقدير. من البديهي أيضا أن آخر ما يمكن أن يتيحه ذلك المناخ، هو حرية ونزاهة البحث العلمي، بعيدا عن تأثير الاستبداد والتشبث العنيد بالسلطة، ناهيك عن مصادرة مستقبلها بمشروع توريثها. من هنا فقط، وبعيدا عن مجال التخصص العلمي الذي لا نملك أدواته كقراء عاديين، يمكننا تصور إمكانية انحياز أي بحث علمي في مجال مستقبل مصر إلى الإملاءات المباشرة وغير المباشرة على مراكز الدراسة والبحث، مثل "مركز الدراسات الاستراتيجية لجريدة الأهرام" الذي يترأسه، وترأس الأهرام أخيرا، أحد أقطاب التطبيع مع العدو الصهيوني وهو "عبد المنعم سعيد"، أو مثل مركز معلومات مجلس الوزراء، مراكز يفترض أنها أكاديمية المنهج والتنفيذ.
هناك جهد كبير وملموس لإكساب تلك التقارير المصرية أكبر قدر ممكن من المصداقية العلمية باستعراض مناهج البحث، ولإظهار الحيادية بممارسة بعض النقد، الجرئ أحيانا. نقد تشتد حدته في الاتجاهات الثانوية مثل الأداء الحكومي، ولكن يخفت صوته في الاتجاه الرئيسي وهو الاستبداد وغياب الديموقراطية، فيأتي في ثنايا التفاصيل، وبأخف تعبيرات ممكنة، وبتعميمات تفقد البحث معناه والغرض منه، وهو الإعداد بكل موضوعية وصرامة علمية، لمستقبل مصر، الذي لاتملكه قطعا السلطة الحالية ولا مراكزها البحثية.
من أجل فهم أكثر موضوعية وأقرب التزاما بالعلم ومنهجيته، لمستقبل مصر القريب، ليس أمامنا إذن إلا قراءة التقارير الأمريكية، والعالمية عموما، عن مستقبل العالم القريب وفيه مصر، مع توخي الحذر الواجب طبعا. فبرغم أن أية تقارير مثل تلك، ستوظف قطعا لمصلحة الولايات المتحدة، إلا أننا نستطيع أن نثق إلى حد ما في الارتفاع النسبي لسقف الشفافية والالتزام بالصرامة العلمية في تواز مع سقف الديموقراطية فيها. إن هذا يتيح لنا فهما أفضل وأعمق وأقرب للواقع. فقد رأينا كيف كانت ردة الفعل الجادة في الغرب، مع أو ضد، مفكر بوزن إدوارد سعيد عندما عرى تاريخ "الاستشراق"، من حيث المنهج المختل والحيادية المفتقدة.
صدر التقرير الأمريكي الأخير استشرافا للاتجاهات المستقبلية للعالم في 2025، تحت عنوان فرعي "عالم متحول". والغرض من هذا التقرير، كما أوضحه سي. ثوماس فنجار، رئيس المجلس، هو تحفيز للتفكير الاستراتيجي حول المستقبل بالتعرف على الاتجاهات الرئيسة، والعوامل التي تشكل دوافعها، وإلى أين تتجه، وكيف يمكن أن تتفاعل. يستخدم التقرير سيناريوهات مختلفة لتوضيح الطرق المتعددة التي يتم من خلالها تمحيص تلك الدوافع (مثل العولمة، والديموجرافيا، وصعود القوى الجديدة، وتآكل المؤسسات العالمية، والتغير المناخي، وجيوبوليتيكا الطاقة) والتي يمكن أن تتفاعل لتولد تحديات وفرص لمتخذي القرار في المستقبل. وتلك الدراسة أو التقرير ككل، هي وصف للعوامل المحتمل أن تشكل الأحداث مستقبلا، أكثر مما هي تنبؤ بما يمكن أن يحدث فعلا. يتصدر التقرير الذي يقع في 120 ملخص تنفيذي في 9 صفحات يلخص أهم نتائج التقرير في الاتجاهات التالية:
• النظام العالمي World System، وهو غير تعبير World Order الذي يحمل معنى للهيمنة السياسية
• النمو الاقتصادي يغذي صعود لاعبين جدد
• أجندة جديدة عابرة للقوميات
• التغيير المناخي
• التكنولوجيات الجديدة
• تصورات للإرهاب والصراعات وانتشار الأسلحة النووية
• نظام عالمي أكثر تعقيدا
• الولايات المتحدة: قوة أقل هيمنة
• 2025: أي نوع من المستقبل؟
وسنستعرض ملخص تلك المحاور كما وردت في الملخص التنفيذي للتقرير، وذلك في سلسلة مقالات، نبدؤها بالنظام العالمي.
النظام العالمي World System
النظام العالمي – كما تم تشكيله بعد الحرب العالمية الثانية – سيبدو غريبا بحلول عام 2025 نتيجة:
- ظهور القوى الصاعدة،
- الاقتصاد المعولم،
- التحول التاريخي للثروة النسبية والقوى الاقتصادية من الغرب إلى الشرق،
- التأثير المتنامي للفاعلين المستقلين عن الدولة.
بحلول 2025 سيصبح النظام العالمي نظاما متعدد الأقطاب بفجوات في القوى القومية تستمر في تقليص الفجوة بين الدول النامية والدول المتقدمة. والمقصود بالقوى القومية، بحسب نموذج الحاسب الآلي للمستقبليات العالمية، هو ناتج حاصل ضرب يشمل عوامل الأوزان النسبية لـ:
• مجمل الناتج المحلي،
• الإنفاق العسكري،
• تعداد السكان،
• التكنولوجيا.
وبالتوازي مع انتقال مركز القوى بين الأمم – الدول، فإن القوة النسبية للفاعلين غير الحكوميين ستكون في ازدياد مستمر، وهذه القوى تشمل:
- أصحاب الأعمال،
- القبائل،
- المنظمات الدينية،
- شبكات الجريمة المنظمة
يتغير اللاعبون، ولكن كذلك يتغير مجال ومدى شمول المواضيع العابرة للقوميات والمهمة لرفاهية عالمية مستمرة. إن ظاهرة الشيخوخة في العالم المتقدم؛ وتنامي قيود الطاقة والغذاء والماء؛ والمخاوف حول التغيير المناخي سوف تحد وتقلل مما لايزال يعتبر تاريخيا عصر غير مسبوق للرفاهية والرخاء.
تاريخيا، فإن النظم المتعددة القطبية الصاعدة كانت أقل استقرارا من تلك الثنائية القطبية أو احادية القطبية. بالرغم من هشاشة الموقف المالي – الذي قد ينتهي بتعجيل اتجاهات حادثة بالفعل (الأمر الذي حدث فعلا حيث أن هذا التقرير كتب قبل انهيار الاقتصاد العالمي في آخر 2008) – فإننا لانعتقد أننا بصدد انهيار تام للنظام العالمي، مثل الذي حدث في سنوات 1914 – 1918 عندما تعرضت مرحلة عولمة سابقة للتوقف. إلا أن العشرين 20 سنة القادمة من الانتقال إلى النظام الجديد محملة بالمخاطر. إن المنافسات الاستراتيجية ستدور غالبا حول:
- التجارة
- الاستثمار
- الإبداع التكنولوجي
- الاستحواذ،
ولكننا لا نستطيع استبعاد سيناريو مشابه لذلك الذي حدث في القرن 19 التاسع عشر من سباق التسلح والتوسع في الاستحواذ على الأراضي، والمنافسات العسكرية.
أن هذه قصة بلا نهاية واضحة، كما تم إيضاحها بسلسلة من التصورات الموجزة التي استخدمها التقرير لمسح الاحتمالات المستقبلية المختلفة. وبالرغم من أن الولايات المتحدة ستظل غالبا أكبر قوة عالمية منفردة، فإن قوتها النسبية – حتى في المجال العسكري – سوف تنحدر وأن أفضلية الولايات المتحدة سوف تصبح أكثر تقييدا. وفي نفس الوقت، فإن المدى الذي يمكن أن يصل إليه اللاعبون التاليون في ترتيب القوة - سواء من الدول أو خارج نظام الدول – من حيث رغبتهم أو قدرتهم في أن يتحملوا مسئوليتهم، يظل غير واضحا. سيضطر كل من السياسيين والعامة لأن يتأقلموا ويتعاونوا مع الطلب المتزايد على التعاون المتعدد الأطراف عندما يكون النظام العالمي مجهدا من تأثير التحول غير المكتمل من النظام القديم إلى نظام جديد تحت التأسيس.
إلى هنا ينتهي المحور الأول (النظام العالمي) للملخص التنفيذي للتقرير، ويبقى أن نتصور مستقبل مصر وقضيتها المحورية وهي الصراع العربي الصهيوني، في ضوء النظام العالمي الجديد كما يصوره التقرير. وبالطبع فإن الاعتماد على مجرد ملخص تنفيذي للتقرير سيكون غير كاف بالمرة لوضع تصور قريب من الصحة، ولكن الغرض هنا من المقال ليس البحث الأكاديمي كما سبق وأوضحنا، ولكن فقط هو استثارة الفكر وتوجيهه نحو قراءة المزيد وبدرجة تفصيل أكبر للمنجزات الفكرية في علم المستقبليات، ومنها التقرير الذي نحن بصدده.
... وإلى مقال قادم نستعرض فيه المحور الثاني للملخص التنفيذي: النمو الاقتصادي.
10 أكتوبر 2009
............................................
مستقبليات: اتجاهات عالمية 2025 - الجزء الثانى
06/11/2014