مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 ودنك منين ياعم جحا ؟!! - 2
...............................................................

 

التنمية هى المدخل الرئيسى للديموقراطية

 

بقلم : غريب المنسى
.......................

فى الجزء السابق تناولت ضرورة الاهتمام بالتنمية فى مصر فى ظل الاستقرار السياسى الموجود أولا, على أن تكون الديموقراطية بمفهومها العام والشامل هى المرحلة التالية للتنمية , فالتنمية هى حجر الأساس للنهوض بالمجتمع اقتصاديا وسياسيا , وبدون خطة تنمية رصينة عملية محددة الأهداف سيظل المجتمع يعانى اقتصاديا ولن تظهر عليه أى نتائج ايجابية لأى مجهود يبذل على المستوى الاقتصادى والسياسى . وحتى تكون وجهة نظرى مكتملة أمام القارىء المتابع وجدت أن هناك عدة توضيحات ينبغى علينا أن نضعها فى الحسبان عند تناول هذا الموضوع الجاد والذى يمس حياة الأفراد بطريقة مباشرة على المدى القصير والطويل معا , منها : هل يكون هناك برنامج تنمية حقيقى ناجح فى دول العالم الثالث بمعزل عن الديموقراطية ؟  وهذا السؤال فى الواقع هو موضوع دراسات عميقة وبحوث مستفيضة دائرة حاليا فى مراكز الابحاث الاقتصادية حول العالم , فالبعض يرى أن التنمية والديموقراطية عنصرين أساسين فى منظومة النهضة لاغنى لأحدهم عن الأخر, ويرى البعض أن التنمية ينبغى أن تكون أولا حتى تؤهل المجتمع لاستقبال الديموقراطية والتعامل معها وفهمها, وأيضا هناك اتجاه فكرى اقتصادى يرى أن الديموقراطية ينبغى أن تحتل المرتبة الأولى تليها التنمية , فبدون ديموقراطية يصعب على الأفراد فهم ماهية التنمية وضرورتها لاصلاح أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية , ومايترتب على ذلك من تقدم المجتمع وخروجه من دائرة التخبط الاقتصادى المفرغة. 

ولأن مثل هذه الموضوعات صعبة الفهم على المواطن العادى والذى هو حجر الأساس فى أى مشروع تنموى ديموقراطى وجدت من المناسب أن نبسط الشرح حتى يتيسر الفهم وبالتالى يمكن لهذا المواطن أن يكون فكرة يبنى عليها قراراته السياسية عندما يذهب لصندوق الانتخابات ليختار الرجل المناسب لقيادة السفينة. فالنظريات السياسية والاقتصادية موجودة بالفعل ولم يطرأ عليها أى تغييرات تذكر , ولكن موضع الخلاف هنا هو التفضيل والأولوية. وعملية الاختيار بين التنمية والديموقراطية وتفضيل أحدهم على الأخر ,أو السير فيهما بالتوازى هو قرار تحكمه عدة عوامل , فلكل خيار منهم مزايا وصعوبات وعوائق ونتائج  وفى كل الأحوال يكون الوعى الجماهيرى وقدرة المجتمع على الفهم الصحيح للأمور هو العنصر الرئيسى فى الاختيار , فكلما كان الوعى العام لدى أفراد المجتمع مرتفع كلما زادت نسبة النجاح فى تقرير أولوية هذه الخيارات , فطريق التنمية والديموقراطية ليس بالسهولة التى يطرحها البعض ويحتاج الى تضحيات والتزام . وهنا يأتى دور القيادة السياسية الحكيمة فى تفضيل الخيار المناسب الذى يتماشى مع خصوصية الواقع , فليست كل دول العالم النامى تتشابه فى الخصوصيات.

وهذا فى رأييى المتواضع هو الخطأ الذى يقع فيه المنظرون, فمثلا تتشابه الهند مع مصر فى الخطوط التنموية العريضة والتى تجعلهما من دول العالم النامى , ولكن تختلف الدولتان فى الخصوصيات والتى تتمثل فى درجة فهم وتعامل واحساس المواطن فى كلتا الدولتين بالظروف المحيطة به داخليا وخارجيا , وقدرته على الاندماج فى الخطة الذى قررتها القيادة السياسية , والتزامه بالعطاء المطلوب لانجاح السياسة الاقتصاديةالعامة فى مجملها , وهذا يتوقف على مستوى وعيه وانتماؤه وادراكه بأنه عنصر مهم فى هذه المنظومة , وباختصار شديد لابد أن يقتنع المواطن بجدية مساعى الدولة لتحسين أوضاعه , ففى حين استجاب المواطن الهندى لخطط التنمية فى بلده فى خلال الربع قرن الأخير والتى وضعت الهند على الطريق الصحيح للتنمية , نجد أن المواطن المصرى ولغياب خطة تنموية رشيدة وعدم ثقته فى جدية الحكومة والتزاماتها قد تدهور مستواه الاقتصادى وابتعدت مصر عن طريق التنمية الصحيح , وهذا ماقصدته من الخصوصية , فظروف الهند الداخلية تختلف عن ظروف مصر الداخلية وطبعا لانستثنى القيادة السياسية من هذه الخصوصية وطبعا التقصير.

 

المصريون محتارون.. هل الديموقراطية ستحل أزمة المواصلات مثلا تلقائيا؟
 

 

فى مصر .. وتحت الضغوط الاقتصادية وغياب خطة تنمية حقيقية تنصهر فيها الأمال أصيب الناس بخيبة الأمل وأصبحت المناداة بالديموقراطية ليست غاية بقدر ماهى وسيلة للتفريج عن الاحباط بالتعلق بأهداب الأمل من باب التصور بأن الديموقراطية هى الحل لكل مشاكلنا , والواضح أن النموذج الغربى فى الديموقراطية وبالذات النموذج الأمريكى هو مايشغل العامة والخاصة , ولم نعد نسمع عن أى شىء يخص التنمية التى نحن بحاجة ماسة اليها. ومصادر فهم الديموقراطية لدى الناس بعضها سماعى وبعضها دعائى وبعضها من خلال القراءات النظرية , ومعظم المتحدثين عن الديموقراطية لم يعيشوها فعلا , ومن وجهة نظرهم أن الديموقراطية فقط تنحصر فى هذا المشهد الفريد الذى نراه كل أربعة سنوات , وهو اعتلاء رئيس جديد لسدة الحكم فى الولايات المتحدة , وأن هناك انتخابات شفافة لاختيار ممثلين عن الشعب فى الكونجرس . وهذا وان كان صورة جيدة للديموقراطية فأنه ليس فى الواقع كل المفهوم , فهو جزء من المشهد ولكن المشهد العام شاملا يمكن تلخيصه فى أن سعر الديموقراطية الغربى والأمريكى باهظا جدا ويدفع ثمنه المواطن الأمريكى العادى يوميا , هذا السعر أعتقد من وجهة نظرى البسيطة أنه مرتفع على مواطنى دول العالم النامى , لأن النظام الديموقراطى الغربى الرأسمالى يحدد سعر الديموقراطية بربط المواطن بسلسلة من التكليفات واللوائح والالتزامات والضرائب لاتختلف كثيرا عن نظيره فى النظام الشمولى الاشتراكى فى دول أوروبا الشرقية , والاختلاف الواضح بين الديموقراطية والشمولية هو فقط قدرة المواطن فى النظام الديموقراطى على التعبير عن رأيه , ولكن قدرته على التغيير تكاد تكون منعدمة لأن طبيعة النظام الديموقراطى الرأسمالى تتحكم فيه قوى ومؤسسات أكبر وأقوى من قدرات المواطن العادى الذى هو ترس فى منظومة ديموقراطية لاتختلف كثيرا عن المنظومة الاشتراكية .

حياة المواطن العادى فى المنظومة الديموقراطية وبعيدا عن المبالغة هى حياة شديدة الصعوبة تشوبها الجدية فهو مسؤول عن تجهيز نفسه عمليا وعلميا للمنافسة على الوظيفة والمستوى الاجتماعى الذى يريده , هذه المنافسة تكاد تكون مستمرة نظرا للسرعة الرهيبة فى التقدم التكنولوجى وهذا مايجعله فى وضع تنافسى مستمر وتحفز دائم, وبعد أن يتاقلم هذا المواطن على هذا الوضع التنافسى عليه أن يدفع الضرائب فى كل صورها وأشكالها , فنظافة الشارع والمدينة وتحديث الطرق يدفع المواطن ثمنها من دخله بالاضافة الى أن هناك قانون صارم يطبق عليه ويرغمه على اتباع مستمر  للقوانين واللوائح المحلية والفيدرالية , وبكل بساطة حياة المواطن الغربى لاتختلف كثيرا عن الحياة العسكرية المنظمة والدقيقة والتى تخضع للضبط والربط , وكل مايجود به المجتمع من خدمات للمواطنيين هى فى الواقع خدمات مدفوع ثمنها بطريقة مباشرة من دخل هذا المواطن .

وحتى يكون هذا النموذج ناجحا فى دول العالم النامى – طبعا من وجهة نظرى - , لابد أن تجتاز الدولة عنق زجاجة التنمية أولا , فما المعنى أن نهتم بقشور الديموقراطية ونحن نعانى من عدم الاكتفاء الذاتى فى انتاج الغذاء؟ الا اذا كانت حمى التقليد الأعمى هى المسيطرة على تفكير النخبة السياسية, نعم نحن نطالب بقوانين عادلة وشفافية فى السياسات الاقتصادية وبقواعد منظمة لحركة المجتمع , ولكن المواطن فى دول العالم النامى منهك ولايحتمل المنافسة الاقتصادية ولا الضرائب التصاعدية وبالتالى فالدولة ينبغى أن تمد مظلة الحماية الاقتصادية لهذا المواطن. وببساطة شديدة لابد أن نعترف بأن المواطن الغربى يجيد السباحة فى المياه العميقة والمواطن فى دول العالم النامى لايجيد السباحة على الاطلاق ويحتاج الى جاكت نجاة يظل مربوط فيه الى أن يتعلم السباحة جيدا, وهو لن يجيد السباحة الا اذا عبر مشكلة التنمية .

ويمكن تشبيه خيار التنمية بهذا المثال : عادة مايكون أمام الشاب خريج الجامعة  فى دول العالم النامى عدة اختيارات منها : هل شريكة الحياة أولا أم الوظيفة أم الشقة ؟ أم كلهم معا ؟ والاجابة هنا تتوقف على قدرات هذا الشاب التنظيمية ومقدار قوته الاقتصادية لتحديد هذه الأولويات .

 ويمكن تشبيه تعلقنا بتطبيق الديموقراطية فى دول العالم النامى بهذا المثال : عندما يرى انسان منا رجل أنيق وسيدة أنيقة يركبان سيارة أنيقة يتمنى بطريقة عفوية أن يكون مثلهم فى نفس الأناقة , ولكنه لم يسأل نفسه ماهى الصعوبات التى مر بها هذا الرجل وماهى الوسائل التى اتبعها فى حياته لكى يصل الى هذه المرحلة من الكمال الاقتصادى, لقد رأينا هذا الرجل فى هذه المرحلة فقط ولم نراه فى المراحل السابقة لهذه المرحلة , وبالتالى التفكير العقلانى  يدلنا الى أن هناك مراحل ينبغى على هذا الانسان من اتباعها والمرور بها حتى يصل الى مرحلة الأناقة والكمال الاقتصادى والديموقراطى اذا صح التشبيه.

موضوع الديموقراطية والتنمية هو موضوع قد يطول الحديث فيه وليست هناك اجابات حاسمة وقاطعة له , وكلها خيارات تتوقف على مجموعة عوامل محيطة أهمها : المنظومة التعليمية والمنظومة التربوية والدينية والاقتصادية وكلها منظومات تحتاج الى اعادة تقدير فى دول العالم النامى , وكلها قرارات تتوقف على قدرة صانع القرار السياسى من ترتيب الأولويات فتوفيرالخبز يأتى أولا فى ترتيب الأولويات فى مجتمع يبلغ تعداده الثمانين مليونا محدود الامكانيات الاقتصادية والعلمية والتخطيطية .

 

مشروع البرادعى الاصلاحى ناقص

 

ماعلاقة هذا الكلام بمشروع الدكتور البرادعى ؟

بداية .. نحن لانكن أى عداء للدكتور البرادعى فالرجل علم وغنى عن التعريف , نحن فقط نطالبه بأن يكون برجماتى , فمعدل الفقر فى مصر ومعدل الزيادة السكانية فى ازدياد , وانحصار الرقعة الزراعية أصبح واقع واحتمال نقص المياه اللازمة للشرب والزراعة فى بلد النيل أصبح أمر وارد , وعدم التزام الدولة بسياسة اقتصادية ثابته جعل من عملية التغيير والاصلاح تحدى جبار لمن يواجهه , وهو حتى هذه اللحظة لم يضع لنا برنامج علمى لمواجهة هذه التحديات , والأمر لايخرج من وجهة نظره عن حاجاتنا للديموقراطية , فالديموقراطية من وجهة نظر مؤيديه هى التى ستحل مشاكل التعليم والصحة والمواصلات والسكن وتوفير الغذاء !! وهذا طبعا تصور يشوبه قصور بين.

ولعلنا جميعا متفقون على أن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية تحتاج الى تغيير , ولكن سيظل الخلاف حول كيفية اتمام هذا التغيير , وهل سنكتفى بعملية ترميم ؟ أم هل سيكون التغيير جذرى ؟ وهل سيتم على مراحل ؟ أم سيكون حاسم وفورى ؟ وأيضا ماهى الوسيلة لتحديد الأولويات ؟ ونحن هنا لاننكر أن الديموقراطية مطلوبة حتى تكون هناك شفافية بين الحاكم والمحكوم , وهنا يبرز سؤال آخر : ماهى طبيعة الديموقراطية التى تناسب خصوصيتنا ؟ فالديموقراطية لايمكن فقط استيرادها حتى نتشدق بها ونتباهى بها ونحن جائعون . لابد أن نصممها على مقاسنا وطبقا لواقعنا واحتياجاتنا.

ان التغيير عملية معقدة بالغة الصعوبة , ولكنها ليست مستحيلة وكما ذكرنا سابقا هناك أولويات للبدء والتنفيذ , هذه الأولويات تعتمد بالدرجة الأولى على الامكانيات البشرية والاقتصادية المتاحة , وهل هذه الامكانيات المتاحة من المرونة والاستيعاب حتى تساعد فى تسهيل قرارات التغيير ؟ لقد عانى الشعب كثيرا من جراء سياسة الضحك على الذقون واستخدام الشعارات المرسلة المطاطة, والارتجالية والتخبط , ولكن الدرس الأول الذى يتعلمه أى دارس للديموقراطيه هو : اذا أردت أن تصنع شيئا فلابد أن تستخدم الأدوات الصحيحة التى تسهل عليك مجهودك , واذا توفرت لك الادوات الصحيحة للتنفيذ , فمن الواجب عليك أن تؤدى العمل على خير وجه من المحاولة الأولى , فلا مجال للترقيع والتلزيق لأنه لن ينفع .

وحفظ الله مصر.

ودنك منين ياعم جحا.. ؟!! -3" دولة المؤسسات"


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية