مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 لقاء وحوار مع الفريق سعد الدين الشاذلى
...............................................................

حوار : جمال النجار
.......................

مقدمه لا بد منها: رغم ان الحياة منعتنا من ان نلتقى بأبطال التاريخ العظماء من أمثال هانيبال وخالد ابن الوليد وسيف الدين قطز إلا ان الله قد من على واكرمنى بلقاء واحد من تلك النخبة العبقرية من أبطال التاريخ ألا وهو الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية فى معارك أكتوبر 1973 المجيدة والأب الشرعى لنصر أكتوبر المجيدة , فالقاسم المشترك بين هؤلاء العباقرة من أبطال التاريخ أنهم جميعا رفضوا الاستسلام لمنطق القوة والخضوع للأمر الواقع واستطاعوا بعبقريتهم العسكرية التى وهبها الله لهم ان يثبتوا ان الحق ينتصر على القوة إذا توافر له البطل الذى يؤمن به ,وجميعهم أيضا دفعوا ثمن تلك الانتصارات التى أحرزوها لامتهم بما لا يتناسب معها ,فهانيبال ذلك القائد الافريقى رفض الخضوع لظلم وجبروت الامبراطوريه الرومانية وقاد أبناء وطنه لمواجهة الجبروت الرومانى ورغم فارق القوة الرهيب بين قوات هانيبال وجحافل الجيوش الرومانية إلا انه استطاع بعبقريته العسكرية ان يهزم الرومان ويطردهم من وطنه بل قاد قواته ليغزو الامبراطوريه الرومانية وأوقع الكثير من الهزائم بالجيوش الرومانية رغم تفوقها فى القوة حتى دق بقواته أبواب روما نفسها ولولا ان السياسيين فى وطنه قد خذلوه لتغير تاريخ العالم وانتهت انتصاراته بمحاكمته أمام مجلس شيوخ روما بعد ان خذله رجال السياسة .

وخالد ابن الوليد تلك العبقرية العسكرية الفريدة والذى يقف متفردا على قمة عباقرة القادة العسكريين فى التاريخ فقد قاد المسلمين لدحر فتنه الردة بعد وفاه سيدنا رسول الله ثم انطلق بقواته ليواجه الخطر الفارسى الذى نهض يبغى القضاء على الإسلام ورغم فارق القوة الرهيب بين قوات خالد ابن الوليد وجحافل جيوش الامبراطوريه الفارسية إلا انه استطاع ان يلحق بهم الكثير من الهزائم التى قوضت تلك الامبراطوريه وجعلت عرش كسرى يهتز استعدادا للسقوط وفى تلك الأثناء ظهر الخطر الرومانى فى بلاد الشام بعد عجز الجيوش الاسلاميه عن مواجهته ولم يجد سيدنا أبو بكر بدا من دفع خالد ابن الوليد ليواجه ذلك الخطر الكبير وانطلق خالد بقواته ورغم فارق القوة الرهيب بين القوات الاسلاميه بقياده خالد ابن الوليد وجحافل جيوش الامبراطوريه الرومانية الشرقية إلا انه استطاع بعبقريتة العسكرية ان يلحق بهم الهزيمة وانتهت انتصاراته بعزله عن قياده الجيوش الاسلاميه.

وسيف الدين قطز ذلك القائد المملوكى الذى تولى قياده مصر فى واحدة من أحرج اللحظات فى تاريخها بل وتاريخ العالم اجمع فقد انطلق الطوفان المغولى ليكتسح فى طريقه كل الممالك والدول ويهلك الزرع والحرث والنسل واقترب الطوفان المغولى واكتسح الخلافة الاسلاميه فى بغداد ثم اكتسح الشام وأصبح قريبا من أبواب أوروبا ومصر وهنا نهض سيف الدين قطز ليقود أبناء مصر وجيوش المماليك ورغم فارق القوة الرهيب بين جحافل جيوش التتار وجيش سيف الدين قطز إلا انه استطاع بعبقريته العسكرية ان يلحق بالتتار أول هزيمة فى تاريخهم وتمكن من صد خطرهم عن مصر بل وطاردهم بقواته حتى تمكن من تحرير الشام وانتهت انتصاراته بمقتله على يد بعض جنوده وقادته.

والفريق سعد الدين الشاذلى تلك العبقرية العسكرية التى كان لها ميعاد مع تاريخ مصر ففى القوت الذى اقر فيه العالم اجمع بما فيه قادة الجيش المصرى باستحالة نجاح مصر فى تحرير سيناء بقوة السلاح نظرا لفارق القوة الرهيب بين مصر من جانب وإسرائيل والولايات المتحدة الامريكيه بكل قوتها وترسانتها العسكرية فى الجانب الأخر إلا انه استطاع ان يضع خطه عبقرية للقتال مازالت تذهل العالم كله الى اليوم وقاد أبناء مصر ليحقق نصرا عبقريا واستطاع ان يوقع بإسرائيل أول هزيمة عسكريه فى تاريخها رغم التفوق الرهيب الذى كانت يتمتع به الجيش الاسرائيليه على الجيش المصرى وانتهى نصره بعزله من منصبه وتقديمه للمحاكمة العسكرية وسجنه وكأن قدر العباقرة العظماء دائما ان يدفعوا ثمن عبقريتهم وعظمتهم وقد من الله علينا ان عشنا فى زمن سعد الشاذلى وشعرت ان الله يهبنى فرصه ان أرى واحدا من عباقرة التاريخ وعظماؤه
فقررت ان اذهب إليه وألا أفوت هذه الفرصه التاريخية فرصه ان أكون فى رحاب رجل من رجال التاريخ وكان ذلك اللقاء معه.

بذلت الكثير من الجهود لأحصل على رقم تليفون سيادة الفريق سعد الشاذلى وحاولت كثيرا الاتصال بسيادته ولم أتمكن من تحقيق الاتصال وفى ذكرى المولد النبوى الشريف يوم الاثنين 10 ابريل 2006 قلت أحاول مرة أخرى وضربت الرقم ورفعت السماعة على الطرف الأخر وقدمت نفسى متسائلا ده منزل سياده الفريق سعد الشاذلى وبصوت عميق ايوه أنا واعدت التعريف بنفسى وهنأت سيادته بمناسبة المولد النبوى الشريف ورد سيادته التهنئة بصوت كانت الطيبة والدفيء أوضح ما فيه وأخبرت سيادته أنى قمت بكتابه كتاب عن حرب أكتوبر تحت اسم يوميات المعركه وأنى اهديت الكتاب الى اسم سيادته وانه يشرفني ان أقدم له نسخه من الكتاب وأنى اطلب تحديد موعد لى لأقابل سيادته وبكل طيبه وتواضع شكرنى ورحب باللقاء واعطانى عنوان المنزل بالقاهرة وحدد الموعد بعد صلاه العشاء يوم الثلاثاء 11 ابريل لأنه صائم فى ذلك اليوم وسعدت جدا وشكرته كثيرا على ذلك وسالنى أنت جاى منين فقلت من طنطا ( وبينها وبين القاهرة مائه كيلو متر ) وفوجئت بسيادته يقول لا كده يبقى لازم نعدل الموعد علشان ظروف سفرك أنا بحسبك فى القاهرة فقلت لسيادته أنى سأحضر إليه فى اى مكان وزمان يحدده فقال لا نخلى الموعد الساعة الثانية عشر ظهرا غدا علشان ظروف السفر وشعرت أنى لن أقابل قائدا عظيما من عباقرة التاريخ فقط بل أنى سأقابل أيضا إنسان بكل ما تعنيه الكلمة من معنى إنسان التواضع والنبل من أوضح صفاته وانتهت المكالمة وأنا لا اصدق نفسى فأخيرا سأقابل الأب الشرعى لنصر أكتوبر 1973 أخيرا سأقابل ذلك العبقري الذى اثبت ان الحق ينتصر على القوة إذا توافر له الرجال الذين يؤمنون به وأخذت اعد نفسى لذلك اللقاء فقضيت بقيه اليوم أراجع الكثير من الكتب والمراجع التى تتحدث عن حرب أكتوبر واعدت قراءه الكثير من النقاط والاسئله التى كانت توجه الى فى الكثير من المنتديات عندما انشر عن حرب أكتوبر وأعددت بعض الاسئله التى مؤكد أنى ساجد الإجابات الحاسمة عليها عنده.

اليوم الثلاثاء وصلت الى مصر الجديدة وبحثت عن العنوان حتى وصلت إليه فى شارع بيروت بمنطقه روكسى ووقفت أمام العمارة السكنية وتقدمت من بواب العمارة لأسأله شقه سيادة الفريق سعد الشاذلى واخبرنى الرجل برقم الشقة وصعدت وأنا اندهش رغم كل تلك القصور والفيلات التى بنيت فى مصر بعد حرب أكتوبر المجيدة وبفضل ذلك النصر العبقرى إلا أن الأب الشرعى لذلك النصر مازال يعيش فى شقته السكنية التى كان يقطنها وهو ضابط صغير !!!

ومع دقه الساعة الثانية عشر كانت يدى تدق جرس الباب ( فانا اعلم ان سياده الفريق هو المثل الأعلى فى الانضباط والالتزام واحترام الوقت )
وفتح الباب لأجده واقفا بقوامه الرياضى الممشوق الذى فشلت السنين فى التأثير فيه وهناك ابتسامه كبيرة تملا وجهه كله ابتسامه لا أجد ما أصفها به إلا أنها ابتسامه طيبه ابتسامه طيبه لدرجه شعرت معها أنى ادخل قلب مصر كله بكل طيبتها ونبلها وتواضعها ابتسامه حقيقية تحمل كل طيبه مصر
ابتسامه تنتهى معها اى مشاعر بالغربة والحرج ومد يده مرحبا أهلا وسهلا
وسلمت عليه وأردت أن اقبل يديه ( فى حياتى لم اقبل سوى يد الشيخ حافظ سلامه بطل السويس ) ولكنى تذكرت فورا أنى فى رحاب قائد عسكرى وان التقاليد العسكرية تمنع تقبيل الايدى بين العسكريين فاديت له التحية العسكرية فابتسم وشد على يدى مرحبا ودعانى للدخول .

وفور دخولى الشقة شعرت براحه كبيرة انتهت معها كل مشاعر الإحراج والغربة وحل محلها شعور بالانبهار فكل ركن فى الشقة ينبىء أنها شقه فنان فكل قطعه أثاث بها لمسه فنيه راقيه جدا بأسلوب بسيط يشعرك براحه كبيرة أما حفاوته فى الاستقبال فاشعرتنى أنى فى بيتى وجاءت مديرة المنزل واعتذر سيادته انه لن يستطيع ان يشرب الشاى معى لأنه صائم واخبرنى انه يصوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر هجرى سنه عن سيدنا رسول الله واخذ يسالنى عن أحوال مدينه طنطا وعن احوالى ليزيل عنى مشاعر الحرج التى كانت قد زالت فعلا مع ابتسامته الطيبة
وسالنى عما دفعنى لأكتب عن حرب أكتوبر فأخبرت سيادته أنى وجدت الكثير من الحقائق قد زيفت وان الإعلام يقود حمله لترسيخ أكاذيب كثيرة فأردت أن اعرض الحقيقة كما حدثت فعلا بأسلوب سهل وبسيط حتى لا تضيع الحقيقه وسط طوفان الأكاذيب.

ورويت له كيف ان الإعلام فى عهد الرئيس السادات كان دائم الحديث عن الرئيس بطل الحرب والسلام فهو البطل الأوحد لا شريك له فى النصر وهو صاحب قرار الحرب وصاحب قرار السلام وبعد رحيله تحولت الأمور واختفى صاحب قرار العبور وصاحب قرار السلام وأصبح لا حديث سوى عن الضربة الجوية وقائد الضربة الجوية واختفى اسم الرئيس السادات نهائيا فابتسم بطيبه وقال عندما أصلى الجمعة كل أسبوع يتجمع حولى قادة الحرب ويشتكون لى كثيرا من تجاهل الإعلام لهم فأقول لهم يا ولاد إحنا فعلنا ما فعلناه ليس من اجل الإعلام ولا من اجل التاريخ ولكن ابتغاءا لوجه الله والله يعلم ماذا فعل كل إنسان وسيكافىء كل إنسان على عمله وسيحاسب أيضا كل إنسان على عمله ويجب ان نبتهل الى الله دائما ان يتقبل منا ما فعلناه .

وأقول لهم أيضا لا تخشوا شيئا سياتى اليوم الذى تظهر فيه الحقيقه للناس رغم كل شىء لا تنسوا ان الملك رمسيس قام بحذف أسماء كل من سبقه من الملوك من فوق آثارهم ونسبها الى نفسه وبعد آلاف السنين ظهرت الحقيقه وأعيد الحق إلى أهله فقلت له ولكن الحقيقه يجب ان تظهر وان تعلن للناس اليوم وليس بعد آلاف السنين فقال لى بابتسامه أنت ماشى فى طريق صعب فقلت له يا أفندم انتم قدمتم الروح والدم من اجل هذا الوطن ويجب ان نكون أيضا على استعداد للتضحية من اجله اقل ما نقدمه لكم ان نعلن الحقيقه مهما كان الثمن فسالنى ماذا حوى كتابك فقلت له أنا جعلت المقدمة نبذه تاريخية عن الفترة منذ نهاية حرب يونيو 1967 حتى يوم 6 أكتوبر 1973 ثم بدأت فى سرد أهم الأحداث الرئيسية فى كل يوم من أيام المعركة وحرصت على ان أوضح أن مصر خاضت القتال ضد أمريكا منذ أول يوم قتال ودللت على ذلك بالأحداث وكان هدفى ان أوضح أن قوة أمريكا وإسرائيل ليست مبررا لنرضخ أمامهم ونستسلم لهم فيمكننا ان نفرض إرادتنا عليهم كما حدث فى أكتوبر 1973 ثم مددت يدى بكتاب يوميات المعركه وقدمته لسيادته فنظر فيه وتصفحه وأبدى ارتياحه أن الكتاب يحتوى العديد من الخرائط ولكنه قال لى الكتاب حجمه صغير فقلت له يا أفندم الأجيال الجديدة ملولة بطبعها لهذا فضلت إن أقوم بنشر الكتاب على عدة أجزاء فقال لا يجب ان تكتفى بذكر ما حدث بل يجب ان تستخدم علمك وخبرتك فى شرح الأحداث وتبسيطها للقارىء حتى يستطيع ان يكون لنفسه وجهه نظر ه خاصة به عن الحرب فقلت له يا أفندم إن شاء الله سيكون ذلك فى باقى أجزاء الكتاب واطمع ان تقوم سيادتك بكتابه المقدمة له ومن خلال ابتسامته الطيبة قال إن شاء الله فقط احضر لى الكتاب قبل الطباعة لأقراه واكتب لك مقدمته ولم أجد الكلمات التى أستطيع بها أن اشكره واعفانى من الحرج بقوله اقل ما افعله لك ما دمت مصمما على السير فى ذلك الطريق ان أساعدك على عرض الحقيقة واستأذن ثوانى ثم عاد ومعه نسخه من كتابه عن حرب أكتوبر وكتب عليها إهداء لى بخط يده وصمت فلم أجد اى كلمات اعبر بها عن شكرى له .

فقلت له يا أفندم الشباب العربى كله على شبكه النت أصبحت شبكه النت هى مصدر المعلومات للكثيرين وعلى تلك الشبكة توجد كل أجهزة الاستخبارات فى العالم ويوجد كثيرون أيضا لا يعلمون ويتكلمون فيما لا يعلمون والحقيقة تضيع الشباب العربى عنده الكثير من الاسئله التى يريد توجيهها لسيادتكم فابتسم وقال أوى أوى .

سياده الفريق بداية اسمح لى ان نبدأ مع البدايات الأولى للفريق سعد الشاذلى وتلك النشأة التى ساهمت فى تكوين شخصيه الفريق سعد الشاذلى
وشعرت انه يعود بالزمن الى سنين طويلة مضت قبل ان يبتسم ويقول
أنا نشأت فى أسرة مصريه بقرية شبرا تنا مركز بسيون بمديريه الغربية أيامها لم يكن اسمها محافظه بل مديريه نشأت فى أسرة ريفية مصريه ولم تكن أسرة اقطاعيه من تلك الأسر الثرية التى كانت متواجدة فى هذه الأيام ففى هذه الأيام كانت مصر تنقسم إلى طبقتين طبقه صغيرة ثرية جدا تمتلك كل شىء واغلبيه من الشعب تعانى الفقر الشديد وبينهما طبقه صغيرة لا تعانى الفقر ولكنها أيضا لا يمكن أن توصف بأنها طبقه اقطاعيه بمفهوم هذه الأيام يطلقون عليها الطبقة المتوسطه.

وكانت بين المدرسة التى التحقنا بها وبلدنا حوالى خمسه كيلو مترات كنا نركب الحمار كل يوم لنذهب إلى المدرسة وكان هناك منظر رائع نراه كل يوم حيث كنا نمر بجوار ترعه على اجنابها أشجار كثيرة وكميه من البط والوز تعوم فى الترعة إلى اليوم مازلت اشتاق إلى هذا المنظر .

وكنا عندما نرى احد أساتذتنا يسير فى الشارع كنا نسارع بحيته وتقبيل يديه حتى بعد ان تخرجت وأصبحت ضابطا كنت اسعد جدا وأنا أحيى احد اساتذتى وانحنى واقبل يديه كان الاحترام سمه أساسيه يحرص الجميع على الالتزام بها  فى فترة المنفى بالجزائر كانت صورة البط والاوز فى الترعة هى الصورة التى تتكرر دائما فى احلامى ومرت السنين والتحقت بالكلية الحربية وتخرجت ضابطا وتم تعيينى فى الحرس الملكى وكانت لضباط الحرس الكثير من الامتيازات التى تجعل الالتحاق بالحرس الملكى هو أمل جزء كبير من الضباط وفى عام 1948 وبعدما أعلنت مصر الحرب على إسرائيل وبدا سفر الوحدات العسكرية إلى فلسطين لقتال اليهود تقدمت الى قائد الحرس الملكى طالبا ترك الحرس الملكى وان أعود إلى صفوف الجيش لأتمكن من الذهاب لقتال اليهود فى فلسطين واندهش الرجل من طلبى وثار ثورة كبيرة فى وجهى ووصفنى بالجنون فلا يعقل ان يطالب ضابط بترك الحرس الملكى الذى يسعى جميع الضباط للالتحاق به ورفض طلبى.

وتركت مكتبه حزينا لمنعى من المشاركة فى الدفاع عن وطنى فقد كنا نعتبر فلسطين هى وطن كل عربى ولكن بعد ساعة واحدة كان قائد الحرس خلالها قد أجرى اتصالا مع الملك ليخبره عن ذلك الضابط المجنون الذى يريد ترك الحرس ليشارك فى القتال فى فلسطين وفكر الملك فى الأمر وقال ولما لا
وأمر أن يتم تشكيل سريه من الحرس الملكى لتذهب للقتال فى فلسطين بجوار الجيش حتى يدرك الشعب ان الملك أيضا عنده حس وطنى
وقام قائد الحرس بجمع كل قوة الحرس وابلغهم ان جلاله الملك قد قرر ان يشارك فى القتال فى فلسطين بقوة يتم تشكيلها من الحرس الملكى وان الالتحاق بهذه القوة سيكون بالتطوع.

فقلت لسيادته وهكذا تحققت رغبتك وبالتأكيد كنت من أول من تطوع فى هذه الوحدة فأجاب سيادته نعم وذهبت الى فلسطين وقاتلت فى دير سنيد
ولكننا أدركنا هناك أن تحرير فلسطين يجب ان يسبقه تحرير القاهرة فقد تم الدفع بالجيش المصرى ليخوض المعركه وهو غير مستعد لها وكان ما تم دفعه من الوحدات المقاتلة بالجيش المصرى غير كامل التجهيزات التى تتيح لها تنفيذ المهام المكلفة بها ورغم ذلك خضنا قتالا مشرفا طبقا لما تيسر لنا من إمكانيات وعدنا من فلسطين وهناك إحساس كبير بان لنا ثأرا مع الصهاينة لا يمكن ان ننساه وعدنا وكلنا تصميم على تحرير مصر من الفساد الذى أدى إلى الهزيمة ومن الاحتلال الانجليزى الذى مهد للصهاينة احتلال فلسطين وفى عام 1949 انضممت الى تنظيم الضباط الأحرار.

وقامت ثورة يوليو وتم طرد الملك وحاشيته الفاسدة وتم طرد الاحتلال الانجليزى وفى عام 1956 كنت قائدا لكتيبه مظلات وكانت مهمتى ان أتحرك بتلك الكتيبة ويتم إسقاطنا بالمظلات لاحتلال منطقه المضايق الجبلية بسيناء فور إحساسنا باى تهديد من جانب إسرائيل وعندما شعرنا بالخطر عقب تأميم قناة السويس تم تكليفى بتنفيذ تلك المهمة ولكن فى اليوم المحدد بدأ العدوان الانجليزى الفرنسى على مصر وقام الطيران الانجليزى بتدمير الطائرات التى كان مفترضا ان تسقطنا فى سيناء وتم تكليفى بمهمة جديدة هى تامين مدينه السويس بكتيبتى لمنع الجيش الانجليزى من احتلالها فى حاله وصوله من البحر الأحمر ثم تم سحب سريه من كتيبتى لتشارك فى القتال فى بورسعيد.

وقلت له سيادتك كده شاركت فى معركة 48 و56 نصل الآن إلى يونيو 67
فقال وقد ظهرت مسحه الم على وجهه فى يوليو 67 أنا كنت رئيس هيئه تدريب الجيش المصرى وفجاه تم تكليفى بقياده جديدة رأت القيادة إنشاءها تحت اسم القوة خفيفة الحركة عبارة عن كتيبه مشاه وكتيبه دبابات وقوة من الصاعقة على أن توضع هذه القوة لتكون هى أول من يصطدم بالجيش الاسرائيلى وقد أطلقوا عليها اسم قوة الشاذلى وللأسف ساد نوع من الارتجال تشكيل هذه القوة ولم تكن هناك خطه محددة لنعمل على أساسها فكانت تاتينى الأوامر تحرك إلى الشمال فأقوم بتنفيذ التحرك.

وبعده تأتى أوامر جديدة تحرك الى الجنوب فأقوم بالتحرك ثم تأتى أوامر جديدة تحرك الى الوسط وطبعا كل هذه التحركات استهلاك للمعدات ومجهود كبير لا فائدة منه وفى يوم 4 يونيو كان مكان الوحدة فى منطقه بين المحور الساحلى على شاطىء البحر الأبيض والمحور الأوسط الذى يبدأ من مواجهه الاسماعيليه وعلى مسافة عشرين كيلو متر من خط الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة وجاءني اتصال من القاهرة ان هناك مؤتمر سيعقد فى الثامنة من صباح الخامس من يونيو يعقده القائد العام ( المشير عبد الحكيم عامر ) لكل قادة الجيش المصرى فى مطار فايد ولم تكن هناك وسيله أستطيع بها الوصول الى مكان المؤتمر فتم الاتفاق ان القيادة سترسل لى طائرة هليكوبتر لنقلى لحضور ذلك المؤتمر وفى صباح الخامس من يونيو وصلت الطائرة وكنت فى مطار فايد فى السابعة صباحا وفى الساعة الثامنة فوجئنا بالطيران الاسرائيلى يقوم بقصف المطار وطبعا لم تكن إسرائيل تعلم بهذا المؤتمر فلو كانت تعلم لقامت بقصف مكان تواجد القادة فهم أهم بكثير من الطائرات.

واتفقنا كل القادة على ان نغادر المطار وان نعود الى أماكن قيادتنا وكانت تلك مشكله لى فقد تم تدمير الطائرة التى أتيت بها فقمت بالركوب مع نصار الله يرحمه وكان هو قائد اقرب وحدة لوحدتى حيث كان بينهما ستين كيلو متر ومن مقر قيادته أرسل معى عربه لتوصيلى الى مقر وحدتى وكان الموقف صعبا فالوحدة فى الصحراء المكشوفة وهو ما يعنى ان الطيران الاسرائيلى سيقوم بتدمير كل الوحدة فور انتهاؤه من تدمير الطيران المصرى وحاولت الاتصال بالقيادة المصرية سواء قيادة سيناء أو القيادة العامة بالقاهرة لمعرفه الموقف ولكنى وجدت كل وسائل الاتصال مقطوعة
وكنت قد درست الأرض جيدا فى مواجهه وحدتى ووجدت ان هناك وادى على شكل حرف ل داخل الاراضى الفلسطينية يسمى وادى لصان ومعين وتحيط به الجبال التى توفر لقواتى الحماية من القصف الجوى وقمت بالتحرك بقواتى ودخلت بها هذا الوادى.

هنا لم استطع الالتزام بالصمت الذى حرصت عليه حتى لا اقطع استرساله فى الحديث فقلت له يعنى هذا انه فى يوم خمسه يونيو وفى الوقت الذى كان فيه الجيش المصرى كله ينسحب الى اتجاه الغرب قمت سيادتك بقياده قوة مصريه اخترقت الحدود فى اتجاه الشرق وهاجمت الاراضى الاسرائيليه
فقال للامانه والحقيقة لم يكن هدفى مهاجمه الاراضى الاسرائيليه بل توفير الحماية لقواتى من القصف الجوى فالجبال ستجبر الطيارين الاسرائيلين على الابتعاد لأنهم لو حاولوا قصف قواتى فى هذا الموقع سيتعرضون للاصطدام بالجبال وهو ما حدث فعلا فكل يوم كانت تأتى الطائرات الاسرائيليه وتحلق فوق الوادى دون ان تحاول ضرب القوة كانوا يأتون مرتين مرة فى الصباح ومرة أخرى قبل حلول الليل نوع من الإرهاب النفسى وحاولو اقتحام الممر بالدبابات والمشاة ولكنهم كانوا يتراجعون بعد ان نقوم بتدمير بعض المعدات لهم.

فعدت لأقول مقاطعا استرساله يعنى انه فى حرب يونيو وفى لحظات الهزيمة البشعة كانت هناك قوة مصريه اقتحمت الحدود وقاتلت الجيش الاسرائيلى داخل إسرائيل فقال نعم قاتلناهم ومنعناهم من اقتحام ذلك الممر واستخدامه ومنعناهم من تدمير تلك القوة وكنت أحاول الاتصال بالقيادة المصرية ولكن كل محاولاتى فشلت فأرسلت ضابط اتصال يوم سبعه يونيو ولكنه لم يعد يبدو انه اسر أو استشهد فى طريقه وكان العدو يلقى علينا منشورات تعلن ان مصر هزمت وان الحرب انتهت ويطالبنا برفع الأعلام البيضاء للاستسلام مع وعد بحسن المعاملة وإعادتنا الى مصر عن طريق الصليب الأحمر ولكنى رفضت وكنت آمر الجنود بجمع هذه المنشورات وحرقها.

وهنا تدخلت ثانيه قائلا اى انه رغم معرفتك بهزيمة مصر وانسحاب الجيش المصرى إلا انك رفضت الاستسلام رغم ان الموقف ميئوس منه فقوتك داخل أراضى العدو ولا يوجد اى اتصال لها مع قيادتها وهناك استحالة فى عودة القوة سالمه بعد وصول الجيش الاسرائيلى الى قناة السويس
فقال سيادته حقيقة لم أكن متأكدا من الموقف رغم أننا كنا نستمع الى الاذاعه عبر الراديو الترانزستور ولكن أيا كان الموقف كان خيار الاستسلام غير وارد نهائيا أما الموقف الميئوس والاستحالة التى تتحدث عنها فدعنى أقول لك اليأس نحن من نذهب إليه ويمكننا ألا نذهب
أما المستحيل فلا يوجد شىء اسمه مستحيل تحت الشمس الأمر كله متعلق بالإرادة إذا أردنا فلا يوجد مستحيل وإذا فرطنا فى إرادتنا فبأيدينا نوجد ألف مبرر ونطلق عليها وصف المستحيل والحقيقة أنها كلها محاولات للإنسان ليبرر لنفسه وللآخرين استسلامه وخنوعه.

ثم عاد الى استرساله المهم فى صباح يوم ثمانية يونيو 67 تمكنت من تحقيق اتصال لاسلكى بمقر القيادة العامة بالقاهرة وسالت ما هو الموقف وإذا بالمتحدث من القيادة يخبرنى ان الجيش المصرى كله قد انسحب الى غرب القناة ويسألنى مندهشا ماذا تفعل عندك انسحب فورا بقوتك الآن الى غرب القناة وأدركت ان المتحدث لا يعلم شيئا عن الحرب وأصولها فمعنى انسحابى الفورى أنى سأنسحب فى ضوء النهار الى الصحراء المكشوفة وهو ما يعنى قيام الطيران الاسرائيلى بتدمير كل القوة فأنهيت المحادثة قائلا تمام وأخبرت القوة أننا سنستغل ساعات الليل فى الانسحاب حتى نجتنب القصف الجوى الاسرائيلى .

ونجحت فى الوصول بقواتى الى غرب القناة فى صباح التاسع من يونيو وقد قام الطيران الاسرائيلى بقصفنا فى صباح التاسع من يونيو وأحدث خسائر كبيرة فى الدبابات وصلت الى ثمانين فى المائه ولكن الخسائر فى الأفراد لم تتعدى الخمسة عشر فى المائه وبعد عودتى أخبرت الخبراء الروس ان السبب فى ارتفاع نسبه الخسائر فى الدبابات هو ان الطيران الاسرائيلى كان يستخدم صواريخ موجهه من الجو الى الأرض واندهش الخبراء الروس بشدة ورفضوا قبول ذلك فلم تكن الصواريخ الموجهة من الجو الى الأرض قد عرفت بعد ولم يكن قد سبق استخدامها ونفوا ان تمتلك إسرائيل مثل هذه الصواريخ فقد كانت مازالت فى طور التجارب فى الجيش الروسى والامريكى ولكن أتضح فيما بعد ان أمريكا كانت قد زودت إسرائيل بهذه الصواريخ فعلا وان إسرائيل قد استخدمتها فى حرب يونيو ضد القوات المصرية رغم ان الجيش الامريكى نفسه لم يكن قد تم تزويده بهذه الصواريخ .

وتدخلت قائلا وهكذا عادت قوة الشاذلى الى غرب القناة فقال سيادته نعم وتم حل القوة بعد تكليفى بقياده القوات الخاصة المصرية فقد تم ضم الصاعقة والمظلات تحت قياده واحدة لأول وأخر مرة وتوليت قياده القوات الخاصة المصرية وبعدها عينت قائدا لمنطقه البحر الأحمر العسكرية وتم اعاده فصل الصاعقة عن المظلات مرة أخرى وبعد ذلك عينت رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة.

وهنا تدخلت قائلا سياده الفريق قيل كلام كثير عن تواجد خطه مصريه لتحرير سيناء كانت جاهزة للتنفيذ فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر قبل تولى سيادتكم منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة فقال الحقيقه عندما توليت ذلك المنصب كانت هناك عدة تصورات لتحرير كل سيناء ولكن لا يمكن وصفها ابنها خطه عسكريه فقد كانت تلك التصورات قائمه على توافر إمكانيات وأسلحه لم تكن مصر تمتلكها وهو ما يعنى أنها غير قابله للتنفيذ وصمت لحظه ثم أكمل قائلا معنى خطه عسكريه ان تضع تصور لعمل معين وان تتوافر لك الإمكانيات لتنفيذه وما كان موجودا فعلا هو تصورات كثيرة ولكن لا توجد إمكانيات لتنفيذها وظل هذا الوضع قائما حتى توليت منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة.

وهنا تدخلت قائلا سياده الفريق قبل ان نصل الى حرب أكتوبر اسمح لى ان أتوقف فى عام 1972 ففى شهر أكتوبر من ذلك العام عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقياده الرئيس الراحل أنور السادات وحضور الفريق محمد صادق وزير الحربية وسيادتك وقاده الجيش المصرى وعقب هذا الاجتماع قام الرئيس السادات بعزل الفريق صادق وزير الحربية ومجموعه من كبار قاده الجيش المصرى فماذا حدث فى ذلك الاجتماع وأدى الى هذه النتيجة
فقال سيادته فى ذلك الاجتماع طالب الرئيس السادات وزير الحربية ان يكون مستعدا للحرب فور ان يصدر الأمر له بذلك واعترض الفريق صادق وكل القادة فكما قلت ان كل التصورات التى كانت موضوعه لتحرير سيناء كانت مبنية على توافر أسلحه وإمكانيات لم تكن مصر تمتلكها وطالبوا الرئيس السادات بتوفير تلك الاسلحه والإمكانيات من الاتحاد السوفيتى أولا وبعدها يكون الجيش المصرى فعلا جاهزا للحرب فرد الرئيس السادات ان الاتحاد السوفيتى لن يعطينا شىء وعليهم ان يحاربوا بما هو متوفر لديهم
فرد الفريق صادق ان ذلك يعتبر مغامرة بمستقبل مصر فمصر لن تحتمل هزيمة ثانيه وشاركه كل القادة المتواجدين فى رأيه عدا أنا وانفعل الرئيس السادات عليهم وهنا امسك الفريق صادق بورقه ووضعها على رجله وكتب فيها عدة كلمات وناولها لى من تحت الترابيزة وفتحت الورقة ووجدت فيها
يتم تحريك سرايا الشرطة العسكرية للسيطرة على مداخل القاهرة والأهداف الحيوية ( الهامة ) بها وطويت الورقة ووضعتها فى جيبى ولم أتحرك من مكانى وانتهى الاجتماع .

وهنا تدخلت قائلا سيادة الفريق معنى هذه الكلمات ان الفريق صادق كان قد قرر القيام بانقلاب عسكرى أثناء ذلك الاجتماع فقال سيادته من الواضح ان الفريق صادق قد أدرك ان السادات مصمم على الحرب فعلا وهو ما كان يراه الفريق صادق مغامرة بمستقبل مصر وطبعا من انفعال الرئيس السادات عليه أدرك انه ينوى الغدر به ولو تحركت من مكانى فى ذلك التوقيت لتصور الفريق صادق أنى أنفذ أمره وان الشرطة العسكرية قد سيطرت على القاهرة ولكان له موقف أخر لهذا لم أتحرك من مكانى.

وهنا تدخلت متسائلا سياده الفريق لماذا ؟؟؟ فرد سيادته لعدة أسباب
أولا مصر لم تكن تحتمل انقلاب عسكرى فى ذلك التوقيت فالعدو يحتل سيناء والقوتين الكبار فى ذلك التوقيت ( أمريكا والاتحاد السوفيتى ) قد قرروا استمرار الوضع على ما هو عليه فى الشرق الأوسط لا سلم ولا حرب ولا احد يعلم موقفهم من انقلاب عسكرى فى مصر فى ذلك التوقيت الذى كان الشارع المصرى فيه يغلى مطالبا بالحرب والثأر يجب ان تكون كل جهودنا فى اتجاه الاستعداد للحرب لا ان تهدر فى صراع على السلطة مهما كانت مبرراته وكان لى وجهه نظر خاصة فقد كنت أرى ان الوقت ليس فى صالح مصر فإسرائيل كانت أقوى من مصر بفارق رهيب فى القوة والولايات المتحدة الامريكيه كل يوم تزود إسرائيل باسلحه حديثه وقويه بينما الاتحاد السوفيتى قد ساءت علاقتنا به بعد قيام الرئيس السادات بطرد الخبراء الروس من مصر وتوقف عن تزويدنا بالاسلحه التى نطلبها فكان الموقف
ان إسرائيل تزداد كل يوم قوة وكل يوم يزداد الفارق فى القوة بيننا وبينها
إذا فقد كان الحل الوحيد هو ان نحارب اليوم وليس غدا نحارب بما هو متوافر فعلا لدينا من إمكانيات وقدرات.

الفريق صادق والمجموعة التى كانت معه وهم للحقيقة من أشجع أبناء مصر وموقفهم كان قائما على الخوف على مصر ان تتعرض لهزيمة ثانيه يدركون أنها لن تحتملها واختلاف فى وجهات النظر ولكل منا مبرراته
قمت بعدها باعاده صياغة خطه عسكريه بناء على ما هو متوافر فعلا لدينا من قدرات وإمكانيات فعدلت الهدف من القتال فانا لم أكن امتلك القدرات التى تمكننى من تحرير كل سيناء ولكن لو أحسن استغلال القدرات والإمكانيات التى بين أيدينا فيمكنني العبور ( عبور قناة السويس ) وتحرير جزء من الأرض حوالى عشرة الى أثنى عشر كيلو متر ثم نقوم بعد ذلك بتحرير جزء جديد وهذا الجزء سيكون أسهل فلن تكون بيننا وبينهم قناة سويس ولن يكون هناك خط بارليف الحصين وهكذا نحرر الأرض على مراحل وعندما عرضت الخطة على الرئيس السادات قال حرروا لى شبرا واحدا من سيناء وأنا ساحل المشكلة بالمفاوضات وإذا فشلت المفاوضات أكملوا.

وتدخلت قائلا سياده الفريق سؤال يحيرنى ويحير كثيرين بعد موقفك بجوار الرئيس السادات يندهش كثيرون من اختياره للمرحوم المشير احمد إسماعيل على وزيرا للدفاع رغم سابق علم الرئيس بالخلاف بينكما
فصمت قليلا ثم أجاب الحقيقه أنا لم أكن أقف بجوار السادات ولكنى كنت أخشى على مصر وتلك الورقة التى كتبها الفريق صادق لم أظهرها إلا بعد وفاة السادات لو أظهرتها فى حياته لقام بمحاكمه الفريق صادق وأعدمه لهذا أخفيتها تماما طوال حياة الرئيس السادات فقد كنت أدرك ان الفريق صادق وطنى مخلص وان موقفه كان نابعة الخوف على مصر واعتقد ان الرئيس السادات اتبع سياسة فرق تسد فهو يعلم بالخلافات السابقة بينى وبين المرحوم المشير احمد إسماعيل ولكن تلك لم تكن المشكلة
المشكلة الحقيقه ان السادات كان يعلم ان المرحوم احمد إسماعيل مصاب بالسرطان فكيف ياتى بقائد عام لجيش على وشك الحرب وهو يعلم انه مصاب بالسرطان.

وهنا تدخلت قائلا سياده الفريق لى وجهه نظر خاصة فى هذا الموضوع اسمح لى ان اطرحها على سيادتك فأنصت بهدوء فقلت اعتقد ان الرئيس السادات كان يخشى من شخصيه سعد الشاذلى وحب العسكريين له وهو الحب الذى كان يعنى ان المؤسسة العسكرية بكاملها ستقف بجوار سعد الشاذلى فى حاله نشوب اى خلاف بينكما فهو مثلا لن يستطيع ان يكرر ما فعله مع الفريق صادق مع شخص سعد الشاذلى فقد كان المنطق ان يتم تعيين الفريق سعد الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة وزيرا للحربية عقب عزل الفريق محمد صادق ولكن السادات بدلا من ذلك احضر المرحوم احمد إسماعيل من خارج القوات المسلحة ليعينه وزيرا للحربية رغم علمه بمرضه ورغم علمه بالخلافات التى بينك وبينه الرئيس السادات كان ينظر للمستقبل فى هذا القرار مستقبله هو تحديدا فابتسم قائلا الله يرحمه .

وتساءلت قائلا سياده الفريق رغم انه سبق ان أجبت على ذلك السؤال فى سياق حديثك إلا أنى أرجو ان تسمح لى ان أعيد طرحه مرة ثانيه
هل كانت مصر تمتلك القوة والقدرة على تحرير كل سيناء فى حرب أكتوبر 1973 ؟؟ فأجاب بحسم لا لو امتلكنا القوة والقدرة على تحرير كل سيناء لما تأخرنا لحظه واحدة فى ذلك لقد حاربنا ونحن ندرك ان إسرائيل متفوقة علينا فى كل شىء بل كنا ندرك أننا سنحارب أمريكا نفسها وليس إسرائيل وحدها ولكن لم يكن أمامنا من خيار أخر فأرضنا محتله والزمن يسير فى غير صالحنا فكل يوم تزداد قوة العدو ويزداد الفارق فى القوة بيننا وكان الخيار أمامنا هو هل نقبل استمرار احتلال إسرائيل لأرضنا أم نخوض القتال فى ظروف تفوق اسرائيلى امريكى ساحق فى القوة والإمكانيات وقررنا ان نخوض القتال وشعارنا هو النصر أو الشهادة فلم يكن ممكننا ان نقبل الذل والهوان وأردت ان أغير سياق الحديث .

فقلت لسيادته سيادة الفريق هل ترى ان الإعلام المصرى تعامل مع حرب أكتوبر بالجدية والصدق الذى تستحقه ؟؟ فأجاب سيادته وابتاسمه أسى كبير تملأ وجهه للأسف لا فشل الإعلام المصرى فى التعبير عن الحرب بالجدية والصدق الذى تستحقه فالإعلام المصرى كرس كل جهوده لتكريس بطوله أشخاص معينه حتى لو كانت الحقيقه هى الثمن فقلت له سياده الفريق
هل عبر الفن المصرى بصدق عن حرب أكتوبر ؟؟؟ فأجاب للأسف لا
فشل الفن فى التعبير عن الحرب والحقيقة فكرت قبل الحرب ان نقوم بتصوير المعركه اى ان نحضر مخرج محترف ومصورين محترفين ليصوروا المعركه لتسجيلها للتاريخ ولكن ظهرت مشكله كبيرة أننا سنعرض السرية التى فرضناها على الاستعداد للحرب للخطر فمعنى ان نصور أننا يجب ان نطلع المخرج على بعض الأجزاء من ألخطه ليختار أماكن الكاميرات وزوايا التصوير ويجب ان نعلمه بالوقت المحدد للمعركة ليكون مستعدا فصرفت النظر عن التصوير لنحافظ على سريه الحرب

فقلت له سياده الفريق اسمح لى ان نعود الى غمار المعركه لماذا اعترضت سيادتك على تنفيذ الجزء الثانى من خطه الهجوم وهو تطوير الهجوم فى اتجاه الممرات والذى اتخذ الرئيس السادات قرارا بتنفيذه يوم 13 أكتوبر
خاصة وقد شارك فى الاعتراض عليه قادة الجيشين الثانى والثالث المكلفان بتنفيذ ذلك التطوير وهو ما ادى الى تأجيله لينفذ يوم 14 بأمر من الرئيس السادات ؟؟؟

الحقيقه إحنا كنا رابطين تنفيذ الجزء الثانى من الخطة بتطور سير القتال
فنحن من البداية نعلم يقينا أننا نخوض حرب ضد عدو متفوق علينا فى كل شىء فهو يمتلك أسلحه أحدث وأكثر من أسلحتنا وأمريكا تفتح ترسانتها لتعوض إسرائيل عن كل خسائرها بينما هناك مشاكل وجفوة بيننا وبين الاتحاد السوفيتى المصدر الوحيد لتسليحنا ورغم ذلك قلنا إذا سار القتال فى صالحنا يمكن ان ننفذ التطوير ولكن فى يوم 9 أكتوبر وصلت إلينا بالقيادة العامة إشارة فى منتهى الخطورة فقد ابلغ قائد اللواء الأول المشاة الميكانيكي انه تعرض لقصف جوى اسرائيلى شديد بمجرد خروجه من تحت حماية شبكه صواريخ الدفاع الجوى وأدى ذلك القصف إلى ان ذلك اللواء فقد قدرته القتالية وأصبح غير قادر على تنفيذ المهمة التى كان مكلفا بها
وكانت إشارة خطيرة لما يمكن ان تتعرض له القوات المصرية بمجرد خروجها من تحت حماية شبكه صورايخ الدفاع الجوى ومع التدخل الامريكى الغير محدود فى المعركه أصبح مؤكدا لدينا أننا غير قادرين على تنفيذ الجزء الثانى من الخطة وأننا يجب ان نكتفي مؤقتا بما أحرزناه .

وهنا حدث خطأ استراتيجى تكرر فى التاريخ من قبل وأدى إلى كوارث كبيرة
وأعنى به تدخل القيادات السياسية فى أعمال القتال فعندما تدخل هتلر فى أعمال القتال وفرض على القادة الألمان تنفيذ أشياء يرفضونها تغير مسار الحرب العالمية الثانية وانتهت بهزيمة ألمانيا رغم عبقرية القادة الألمان

إحنا وضعنا خطه وكان يجب ان نلتزم بتنفيذها خاصة وقد نجحنا فعلا فى تنفيذ الجزء الأول منها ولكن الرئيس السادات تدخل وأمر بتنفيذ تطوير الهجوم ووصلنى الأمر عن طريق الوزير احمد إسماعيل فأبلغته أننا غير قادرين على ذلك وان الأمر سينتهى إلى كارثة خاصة وقد رصدنا طائرة استطلاع امريكيه طارت فوق الجبهه المصرية وصورت أوضاع قواتنا وهو ما يعنى ان القوات الاسرائيليه تنتظر القوات المصرية فذهب وعاد وابلغنى ان ده قرار سياسى وأمر من القائد الأعلى للقوات المسلحة ويجب ان ينفذ
فرفضت فحضر الرئيس السادات وأمر بنفسه بتنفيذ تطوير الهجوم بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة هو أمر بذلك وهو يعلم كل الحقائق وان الأمر يمكن ان ينتهى بكارثة وعندما وصلت الأوامر لقادة الجيشين اعترضوا حتى ان اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثانى عرض تقديم استقالته ولكن أمام إصرار الرئيس السادات كان أقصى ما حدث هو تأجيل التطوير لمدة أربعه وعشرون ساعة لينفذ يوم 14 أكتوبر وينهى بكارثة حقيقية فقد خسرنا فى ذلك اليوم وحده 260 دبابة بينما لم تتعدى خسائر العدو خمسين دبابة بينما كان كل ما خسرناه خلال المعركه كلها لايتعدى 250 دبابة مقابل حوالى خمسمائة دبابة كان العدو قد خسرها لقد تغير ميزان الحرب لصالح إسرائيل فى ذلك اليوم وفقدنا المبادأة التى تعتبر من أهم أسس الحرب فقد أصبحت تصرفاتنا بعد هذا اليوم مجرد ردود أفعال
بعد ان كنا نحن أصحاب الفعل وكانت إسرائيل هى صاحبه رد الفعل
تغير الموقف تماما بعد هذا اليوم ودفعنا الثمن غاليا جدا فقد عادت القوات إلى داخل رؤوس الكبارى بعد فشل التطوير اى ان كل ما فعلنا أننا تسببنا فى تدمير 260 دبابة وأعطينا العدو بأيدينا ميزة المبادأة.

 وأمام الألم الذى ظهر واضحا على قسمات وجهه أردت ان أغير دفه الحديث فقلت لسيادته هل ترى سيادتكم انه يمكن اعاده بعث روح أكتوبر من جديد بحيث تجد مصر بين أبنائها سعد الشاذلى جديد ؟؟؟ فظهرت تعابير الخجل على وجهه ورد مصر ولاده فى مصر يوجد كثيرون أفضل من سعد الشاذلى ولكنهم يفتقدون الفرصه.

فقلت له سياده الفريق يشاركنى الكثيرون الاندهاش من موقف الرئيس السادات عقب حرب أكتوبر وقوله ان 99 % من أوراق اللعبة فى أيد أمريكا رغم ان مصر خاضت الحرب بإرادة أبناء مصر وأرواحهم ودمائهم والسلاح السوفيتى رغما عن إرادة أمريكا فما هو تعليق سيادتك ؟؟؟
الحقيقة أنا أيضا اندهشت من هذا الكلام فقبل الحرب كنا ندرك يقينا أننا سنحارب أمريكا ولم نكن نخشى ذلك فنحن لا نخشى إلا الله ولو كنا نؤمن حقا أيامها ان أمريكا بيدها كل شىء لما حاربنا السادات هو من وضع كل إمكانيات الحل فى يد أمريكا بهذه الكلمات وكما قلت لك الموضوع كله مسألة إرادة ماذا أريد أنا هل نريد ان نستعيد أرضنا وحريتنا وكرامتنا ؟؟
وهل نحن على استعداد لدفع ثمن ذلك بأرواحنا ودمائنا ام نضع كل الحل فى يد أمريكا ونجلس ننتظر ان تتعطف علينا وتعطينا بعض حقنا القضية هى ماذا أريد أنا وهل أكافح من اجل ما أريد أم أقول الحل فى أيد أمريكا واجلس لأتقبل ما تريده أمريكا ؟؟

فقلت له سياده الفريق سؤال أخير رغم قرارات جامعه الدول العربية بقوميه المعركه مع إسرائيل وإقرار القادة العرب جميعا بذلك فهل جاءت مشاركه الجيوش العربية فى المعركه لتترجم تلك القناعة ؟؟؟الحقيقة هو الجيوش العربية ساهمت فى المعركه صحيح ان كل القوات العربية وصلت بعد بداية الحرب وأنها لم تكن بالصورة المثالية التى كان ينبغي ان تكون عليها
ولكن تذكر أنها كانت أخر مرة تساهم فيها الجيوش العربية فى الدفاع عن الاراضى العربية حتى تلك المشاركة الغير مثاليه نفتقدها اليوم أصحبت حلم مستحيل فاليوم تتحرك الجيوش العربية لتساهم فى مهاجمه دول عربيه .

فقلت سياده الفريق كلمه أخيرة أرجو ان تسمح لى بها متى تظهر قصه حياه الفريق سعد الشاذلى فى كتاب يظهر للأجيال الجديدة ان فى حياتنا من يستحق ان يكون قدوة ومثل أعلى لهم فى حب الوطن والتضحية من اجله ؟؟ فابتسم وقال الجو العام لا يسمح بذلك .

فقلت له سياده الفريق لا اعلم كيف أشكرك على اتاحه هذه الفرصه لى
وأرجو ان تسمح لى بان أقرا على سيادتك هذه الكلمات التى كتبتها يوما عنك وقرأت فى رحابه كلماتى باسم سعد الشاذلى حدوته مصريه وانصرفت بعد ان أخذت وعدا بلقاء جديد ان شاء الله .

ما حصل في العراق قابل للانتقال الى دول عربية أخرى
الحرب الأمريكية القادمة ضد إيران شكلها وتداعياتها
جرائم الحرب أكثر ثبوتا علي بوش
رسالة من رقيب
لائحة كاملة بأسماء قادة الحرب
قوات الجيش المصري
تكريم الفريق الشاذلى
اكتوبر .. والفضل ما شهدت به الأعداء
فيلم عن حرب أكتوبر
كتاب حرب أكتوبر للشاذلى
الفريق سعد الشاذلى أبو العسكرية الحديثة
لقاء وحوار مع الفريق سعد الدين الشاذلى
سعد الشاذلى حدوته مصريه
نص خطاب الشاذلى الذي وجهه الى النائب العام
حكمتك يا رب
أبنةالفريق سعد الدين الشاذلى : «مبارك» زوّر التاريخ
الشاذلى شاهد على عصرنا
..........................................

لائحة باسم القادة اللذين حققوا نصر أكتوبر

عن قوات الجيش المصري
كتاب حرب أكتوبر مذكرات الشاذلى الأن فى مصرنا .. أضغط هنا
الشاذلى أبوالعسكرية المصرية الحديثة .. أضغط هنا


06/12/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية