مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

الفصل الأول .. النيل ليس نهراً واحداً

 

د. وائل سليمان

 

د. وائل رشدي سليمان
المدير السابق للمكتب الوطني
لمبادرة حوض النيل في مصر


عندما يُذكر النيل يتبادر لذهن كل مصري ذلك المجري المائي العريض الذي يقطع مصر من جنوبها إلي شمالها فيعطيها الحياة والنماء. وللأسف لا يعلم أغلب المصريون ان هذا النهر يختلف عن كل انهار الدنيا في كونه ليس نهراً واحداً ولكن شبكه معقده من الروافد والبحيرات والجنادل والشلالات تنطوي داخل ثلاثة احواض فرعيه كبيرة تشكل معا الحوض الكبير الشهير بحوض النيل. وتختلف اسماء النهر من اقليم لآخر. فمن نهر الكاجيرا في بوروندي ورواندا وغرب اوغندا إلي نيل فيكتوريا ونيل البرت ثم بحر الجبل والنيل الابيض الذي يلتقي بالسوباط والنيل الأزرق والعطبره التي تدعي بأسماء أخري في الحبشه هي البارو والأباي والتكيزي ثم يجري النيل الكبير حتي يصب في البحر المتوسط. وقد سُطرت الكتب والاسفار في وصف النيل واحباسه المختلفه منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر الذي شهد استكشاف المنابع بالكامل.

في نبذه قصيره فإن حوض النيل يشمل ثلاثة احواض فرعيه هي حوض الهضبه الإستوائية وحوض الهضبه الإثيوبية وحوض بحر الغزال. وتمد الهضبه الإثيوبيه النيل بحوالي 84% من ايراده السنوي عند اسوان وتمده الهضبه الإستوائيه بما يوازي 16% ولا يصل من حوض بحر الغزال شئ يذكر رغم هطول 570 مليار متر مكعب من الأمطار علي هذا الحوض يصل منها عند ملكال في جنوب السودان نصف مليار فقط. يقع حوض الهضبة الإستوائيه في ستة دول هي بوروندي ورواندا وتنزانيا وكينيا وأوغندا والكونجو الديمقراطيه. ويقع حوض بحر الغزال بالكامل داخل السودان ويقع حوض الهضبة الإثيوبية في إثيوبيا وإريتريا والسودان. والجدير بالذكر أنه لا يوجد اي ارتباط بين الأحواض الفرعيه الثلاثه غير أنها تصب في النهايه وعلي مراحل في مسار النهر الكبير. ويهطل علي الأحواض الثلاثه مجتمعه ما قيمته 1600 مليار متر مكعب تقريبا من مياه الأمطار سنوياً يصل منها عند أسوان ما قيمته 84 مليار متر مكعب سنوياً في المتوسط.

التقاء النيل الأبيض والنيل الأزرق شمال الخرطوم

وبرغم ان نهر روفيرونزا في بوروندي جنوب خط الاستواء هو الحد الأقصى وأول نبع يغذي النيل إلا ان بحيرة فيكتوريا تعتبر هي المصدر الأساسي لبداية نهر النيل. وتقع هذه البحيرة علي حدود كل من أوغندا، تنزانيا وكينيا. ويشكل نهر روفيرونزا الفرع العلوي لنهر كاجيرا الذي يقطع مسارا طوله 690 كم قبل دخوله إلي بحيرة فيكتوريا. وبعد مغادرة بحيرة فيكتوريا، يعرف النيل في هذا الجزء باسم نيل فيكتوريا، ويستمر في مساره لمسافة 500 كم مرورا ببحيرة كيوجا حتى يصل إلي بحيرة ألبرت. وبعد مغادره بحيرة ألبرت، يعرف النيل باسم نيل ألبرت ثم يصل النيل إلي السودان ليعرف عندها باسم بحر الجبل، وعند اتصاله ببحر الغزال يمتد النيل لمسافة 720 كم يعرف فيها باسم النيل الأبيض، ويستمر النيل في مساره حاملا هذا الاسم حتى يدخل العاصمة السودانية الخرطوم.

ويحمل نيل ألبرت 26 ملياراً ونصف متر مكعب من المياه سنوياً ويصب فيه عدد من الروافد الصغيره خلال رحلته تضيف إليه 4.8 مليار متر مكعب تصب في بحر الجبل والذي يتلقي ما إجماليه 14.6 مليار متر مكعب من مياه حوض بحر الزراف. ويدخل بحر الجبل منطقة المستنقعات او السدود كما يطلق عليها حيث تمتد فيها جزر صلبه من النباتات المائيه تشكل سدوداً طبيعيه تمنع السريان الطبيعي للمياه وتؤدي لانتشار المياه في مساحات شاسعة في اجواء حاره وجافه مما يؤدي إلي فقدان ما قيمته 31 مليار متر مكعب من المياه عن طريق البخر والنتح من تلك النباتات المائيه ولا ينجو من تلك المذبحه المائيه سوي 15 مليار متر مكعب من مياه النيل تصل إلي ملكال يفقد منها مليارا متر مكعب قبل أن تصل إلي أسوان. وهكذا تهطل 500 مليار متر مكعب سنويا علي حوض الهضبة الإستوائية لا يصل منها عند أسوان سوي 13 مليار متر مكعب.

وعند هذه النقطه يكون النيل الإستوائي قد نال منه التعب والإرهاق مبلغه ولو اقتصر الأمر علي ذلك لكان قد انتهي به الحال لتكوين دلتا داخليه في الثلث الجنوبي من السودان. ولكن تشاء إرادة الله ان يحظي النهر المتهالك بحقنه مقويه بقوة 13.5 مليار متر مكعب من المياه يصبها فيه نهر السوباط المنحدر بقوه من الهضبة الإثيوبيه تلتقي ببحر الجبل عند ملكال ليكوناً النيل الحقيقي الذي يجري حتي الخرطوم حاملاً 28.5 مليار متر مكعب من المياه.

عند الخرطوم يلتقي النيل الأبيض بالرافد الرئيسي لنهر النيل وعصبه الأساسي وهو النيل الأزرق ليشكلا النيل الرئيسي. وينبع الأباي كما يطلق عليه في إثيوبيا من بحيرة تانا الواقعة في مرتفعات الحبشة ينحدر هادراً عابراً للحدود ويستمر حاملا اسمه السوداني (النيل الأزرق) في مسار طوله 1,400 كم حاملاً خمسين مليار متر مكعب من المياه ويتلقي اربعة مليارات أخري من روافده بالسودان حتى يلتقي بالرافد الآخر – النيل الأبيض في المقرن عند الطرف الشمالي للخرطوم حيث يتحد النيلين الأبيض والأزرق ليشكلا معا النيل الرئيسي بتصرف سنوي يصل إلي 82.5 مليار متر مكعب
من المياه. وبعد هذا اللقاء الكبير لا يتبقي لنهر النيل سوي رافدا واحدا كبير لتغذيته بالمياه قبل دخوله مصر ألا وهو نهر عطبره، والذي يبلغ طول مساره داخل السودان 800 كم تقريبا. ومثل كافة مقويات النهر، ينبع هذا النهر من مرتفعات الحبشة أيضا، شمالي بحيرة تانا، ويتصل بنهر النيل علي مسافة 300 كم شمال مدينة الخرطوم ويصب فيه 12 مليار متر مكعب من المياه سنوياً. ولا يتلقي النيل اي اضافات تذكر بعد ذلك (فيما عدا بعض السيول الموسمية متناهية الصغر) خلال رحلته الطويله التي تزيد عن الفي كيلومتر حتي يصل لمصبه النهائي بالمتوسط. بل علي العكس يفقد النيل في المتوسط 10.5 مليار متر مكعب من المياه خلال رحلته من مصب نهر عطبره وحتي يصل لأسوان. وإجمالاً تهطل علي الهضبة الإثيوبية 425 مليار متر مكعب في العام يصل منها عند أسوان 71 مليار متر مكعب.

ويعتبر النيل في السودان شمال الخرطوم مميزاً لمروره علي 6 شلالات رئيسية؛ بدءاً من الشلال الأول عند أسوان – في مصر – وحتى السادس في سابا لوكا (شمال الخرطوم). كما يتغير مسار النيل حيث ينحني في اتجاه جنوبي غربي، قبل أن يعود لمساره الأصلي – شمالا – حتى يصل للبحر المتوسط. ويطلق علي هذا الجزء المنحني اسم "الانحناء العظيم للنيل". وبعد عودته لمساره الأصلي وقبل ان يعبر النيل الحدود المصرية السودانية، يصل النيل إلي البحيرة الصناعية التي تقع خلف السد العالي بطول 500 كيلومتر والتي تسمي بحيرة النوبه في السودان وبحيرة ناصر في مصر. ثم يغادر النيل البحيرة ويتجه شمالا حتى يصل إلي البحر المتوسط. علي طول هذا المسار، يخرج من النيل شبكه معقدة من الترع التي تشكل العمود الفقري للحياة في مصر. ويصل نهر النيل إلي أقصي الشمال المصري، ليتفرع إلي الفرعين الشهيرين: فرع دمياط شرقا وفرع رشيد غربا، ويحصران فيما بينهما دلتا النيل، ويصب النهر في النهاية عبر هذين الفرعين في البحر المتوسط منهيا مساره الطويل من أواسط شرق إفريقيا وحتى شمالها في رحلة طولها يزيد علي الستة آلاف كيلومتر جعلت منه أطول أنهار العالم.
بعد هذه الوصف المختصر الذي يصف مسار النهر وروافده الأساسيه نأتي لحالة استخدام المياه في دول الحوض المختلفه. ولنبدأ بالفواقد الطبيعيه التي تحدث خلال مسيرة النهر من منابعه وحتي مصبه في البحر المتوسط والتي لا تزيد علي 300 مليار متر مكعب من المياه من اجمالي 1600 مليار من مياه الأمطار التي تهطل علي الحوض يصل منها 84 مليار متر مكعب فقط عند اسوان. فأين تذهب باقي المياه والتي تصل إلي ما يزيد عن 1200 مليار متر مكعب من المياه سنويا؟ الإجابه سهله وبسيطه وهي المساحات الشاسعه من الغابات والمراعي المنتشرة في الإحباس العليا من الحوض والتي تقتات عليها عشرات الملايين من قطعان الماشيه والحيوانات البريه التي تقوم عليها سياحة السفاري بالإضافة إلي منتجات الغابات من الأخشاب والفاكهه وغيرها التي تقوم عليها حياة أغلب شعوب تلك الدول.

صورة جوية للنيل الأزرق

أما ما يتبقي من النيل ويصل عند أسوان فيتم تخزينه في بحيرة السد العالي وتسحب منه مصر سنوياً ما قيمته 55.5 مليار متر مكعب من المياه للاستخدامات المختلفه في مصر يصل منها إلي البحر 0.4 مليار متر مكعب بالإضافه إلي حوالي 12 مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعي المعاد إستخدامها عدة مرات. وهو امر ضروري لمنع تداخل مياه البحر المالحه مع المياه الأرضيه بشمال الدلتا والذي قد يؤدي إلي بوار ملايين الأفدنه في حالة حدوثه.
وباختصار يقدم حوض الهضبه الإستوائيه (ستة دول) مع حوض بحر الغزال مجتمعين ما لا يزيد عن 16% من ايراد النيل عند أسوان وذلك بعد خصم الفواقد التي تحدث في السودان. ولكن يمتاز هذا الحوض بجريان المياه في مصبه الأساسي – النيل الأبيض – طول العام في حين ان أنهار الهضبة الإثيوبيه تقدم مياهها بصفة اساسية خلال فترة الفيضان من يوليو وحتي سبتمبر. كذلك يمتاز هذا الحوض بوجود محطات توليد الكهرباء المصدر الرئيسي للطاقة في أوغندا وكينيا علي مصبه الأساسي في مخرج بحيرة فيكتوريا وهو ما يجبر أوغندا علي إستمرار تدفق المياه بانتظام لتوليد الكهرباء وبالتالي عدم التأثير علي وصول مياه النهر لمصر طوال العام.

أما أحواض الهضبة الإثيوبيه فتشكل حوالي 84% من الايراد السنوي للنيل (النيل الأزرق نسبة 57% - السوباط 14% - العطبره 13%) من المياه المغذية لنهر النيل، ولكن هذه المياه تصل إليه في الصيف فقط بعد الأمطار الموسمية علي هضبة إثيوبيا، بينما لا يشكل في باقي أيام العام نسبه كبيرة حيث تكون المياه فيه ضعيفة أو جافه تقريبا. وتتميز مناطق حوض الهضبة الإثيوبية بندرة الإراضي الصالحة للزراعه باستثناء حوض البارو (الاحباس العليا للسوباط) وبعض مناطق النيل الأزرق. وهي مناطق محدودة في المساحة لن تشكل زراعتها تأثيراً كبيراً علي كمية مياه الفيضان السنوي. وفي المقابل فإن إثيوبيا تهدف إلي بناء عدد من السدود بهدف توليد الطاقة الكهرمائية والتي قد تؤثر بنسبه محسوسة علي الايراد المائي السنوي للنيل خلال فترة ملو خزاناتها.

جدير بالذكر ايضاً أنه لا توجد سوي ثلاث دول تقع بالكامل داخل حوض النيل هي أوغندا والسودان ومصر. أما باقي الدول فيشكل حوض النيل مجرد اجزاء محدوده من تلك الدول. كما ان الأقاليم التي تقع في حوض النيل بتلك الدول اقاليم مطيره ولم تعان أبداً من الجفاف طيلة تاريخها. بل علي العكس علي سبيل المثال تعاني مناطق شمال أوغندا من الفيضان وبالتالي تحتاج في أغلب مناطقها للصرف وليس الري. هذا من الناحية الفنية والهندسية. لكن للأمر نواحي أخري ليس أهمها الناحية القانونية التي سنناقشها في الفصل القادم ولكن الناحية التنموية التي تمس حياة شعوب المنطقة وترسم الطريق نحو مستقبل تعاطي هذا الملف الحساس. وسوف نفرد لها الفصل الرابع من هذا الكتيب الموجز.

الفصل الأول .. النيل ليس نهراً واحداً
الفصل الثاني .. النيل بحكم المحكم
الفصل الثالث.. حديث المبادرة
الفصل الرابع .. النيل الفرص والمحاذير


موضوعات ذات الصلة

ثقافة الهزيمة .. موسم الهجرة إلى الجنوب
ثقافة الهزيمة .. السودان أرض مصرية
سوار الذهب أتمنى أن تزول الحدود بين مصر و السودان
القدس وبغداد والنيل بعد الفرات والقادم ..عطش!!
أهرامات السودان ..التاريخ المهمل عمدا

مصر تعتزم زراعة القمح في أوغندا
حكاية نهر النيل


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية