...............................................................
بقلم : غريب المنسى
.........................
الماء والغذاء لاغنى عنهم لكل كائن حى .. ومن أجل الحصول عليهم وتأمين مصادرهم قامت الحروب والغزوات .. وظهرت القوى الاستعمارية والتى كانت ومازالت تستخدم عضلاتها لهدف واحد محدد وهو توفير الماء والغذاء لمواطنيها. تختلف دائما الأساليب ولكن الهدف يبقى دائما ثابت. وأصبحت البشرية تخضع لقوانين شريعة الغاب فالأقوى عسكريا هو الذى يحصل على حصة الأسد من الماء والطعام أما الأقل قوة فيحصل على ماتبقى .. والذى بلا قوة يبقى جائعا عطشان الى أن يقضى الله فى أمره.
وفى ظل الظروف العالمية الراهنة ينبغى علينا أن نعلم جيدا أن العالم يعانى من مشكلتين أساسيتين : الأولى نقص موارد المياه والثانية هى قلة فى الانتاج الزراعى وبالتالى فأسعار المواد الغذائيه فى ازدياد ولن يعد يصلح مع هذا الواقع سياسة النعامة .. لابد من الاعتراف بالمشكلة ومواجهتها بصراحة حتى نستطيع أن نستمر فى الحياة.
فى مصر .. يعتبر موضوع الماء والغذاء من صميم الأمن القومى وطبقا للاحصائيات والأرقام لايوجد حل لدينا الا الهجرة الى الجنوب .. وجنوبنا هو السودان ! والسودان ليس غريبا على مصر كشريك فى المحن والمخاطر. ولتنشيط الذاكرة لابد من ذكر هذه الحقائق التاريخية التى نساها البعض تحت تأثير مخدر ثقافة الهزيمة .
كان هناك دائما وحدة بين مصر والسودان ممابين عامى 1821 -1885 وحدث انفصال وعادت الوحدة مرة أخرى مابين عامى 1899- 1956 . وانفصلت السودان عن مصر فى يناير سنة 1956. وكان الملك فاروق هو ملك مصر والسودان حتى قيام الثورة.. والرئيس السادات ثالث رئيس لمصر( 1970 - 1981 ) أمه سودانية .. والرئيس محمد نجيب أول رئيس لمصر ( 1953- 1954 ) ولد فى السودان لأبوين مصريين وترعرع فيها الى أن عاد الى مصر فى مقتبل شبابه ليلتحق بالكلية الحربية. ومنذ ان انفصلت السودان عن مصر وهى تعيش فى خضم صراعات داخلية وحروب أهلية . فالحرب الأهلية الأولى نشبت مابين عامى 1955 - 1972 والحرب الأهلية الثانية نشبت مابين عامى 1983- 2005 والذى بموجبها تم توقيع اتفاقية توزيع الموارد بين الشمال والجنوب الغنى بالنفط وتكون هناك فترة انتقالية لمدة ستة سنوات تنتهى فى 2011 ليتم استفتاء فى الجنوب عما اذا كانوا يريدون الاستمرار أو الانفصال عن شمال السودان . ومعنى ذلك أن السودان مهدد بالتفتت. وهناك أيضا صراع دافورالقائم منذ عام 2003 وحتى الأن.
وهنا نتساءل .. هل لوكان هناك اتحاد بين مصر والسودان قائما فعلا هل كانت السودان فى وضع أكثر استقرارا ؟
الاجابة نعم ! كانت السودان ستنعم بالاستقرار ومصر ستنعم بالرخاء والاثنين معا سينعمون بتأمين مصادر المياه وزراعة ملايين من الأفدنة البور فى جنوب وشمال الوادى.. فالسودان مساحته تبلغ مليون ميل مربع أى حوالى 506 مليون فدان وهى مساحة تساوى نصف مساحة القارة الأوروبية بأجمعها ويتمتع السودان بموارد اقتصادية ضخمة - طبعا مهملة - تتمثل فى وفرة الأراضى الزراعية الخصبة القابلة للاستغلال مباشرة حيث تقدر ب 200 مليون فدان وفى الوقت الحاضر لايستغل سوى جزء صغير منها . ومصر من أكبر مستوردى القمح فى العالم - حوالى ستة مليون طن سنويا - ونتيجة للزيادة المستمرة للسكان والتى ستبلغ 160 مليون سنة 2050 ستكون فى أمس الحاجة للسودان لتكون هى سلة الطعام لها.
يربط البلدين بالاضافة الى اللغة والعادات والتقاليد والدين والنسب نهرالنيل والآن هناك خطر قائم بالفعل على حق استغلال مياه نهر النيل ومن محاولة مشاركة اثيوبيا ( 75 مليون نسمة ) وتعتمد على مياه الأمطار لزراعة 30 مليون فدان وتحتاج مياه النيل لزراعة 170 مليون فدان أخرى . وأوغندا ( 28 مليون نسمة ) وكينيا (35 مليون نسمة ) وهم فى حاجة ماسة لمياه النيل وبالتالى من المحتمل أن تقل حصة مصر والسودان من مياه النيل .
وحكاية استئثار مصر والسودان على 89% من مياه النيل يرجع لأيام الاحتلال الانجليزى لمصر والسودان وتأمين الانجليز لمياه النيل لهم فقط ومنع أية دولة افريقية من بناء سدود على النيل الابموافقة مصرمن خلال اتفاقية ترجع الى سنة 1929 وذلك حتى يضمنون رى حقول القطن المصرى والسودانى طويل التيله ووصول القطن الى المصانع الانجليزية .. وللعلم اثيوبيا لم توقع على هذه الاتفاقية وبالتالى فمن حقها أن تتبرم منها فى ظل المعطيات الدولية الجديدة . وهناك برتوكول سنة 1959 الذى يؤكد بنود الاتفاقية السابقة ويقويها ويوجد لمصر حاليا مراقبين دائمين فى كينيا لمراقبة هذه الاتفاقية .. ولكن كل شىء قابل للتغيير.
لاننا الأن نعيش فى العصرالأمريكى بكل مالهذا العصرمن موازين وحسابات مختلفة عن كل العصور السابقة ولأن الولايات المتحدة فعلا قد قامت ببناء مركز قيادة عسكرى فى شرق أفريقيا للسيطرة على القارة السوداء فمن الممكن والمحتمل أن تطالب الولايات المتحدة بتغيير شروط هذه الاتفاقية وضم دول حوض النيل اليها (مصر- السودان - أثيوبيا -أوغندا - كينيا ) لخلق جو من المشاحنات الاقليمية ولاسيما أن أثيوبيا عندها خطط فعلا لبناء سدود ضخمة على نهر النيل ولن تتورع عن الاستعانة بالولايات المتحدة فى الوقت المناسب وبالتالى سيكون هناك خطر حقيقى على الماء والغذاء فى مصر( 79مليون نسمة ) والسودان ( 39 مليون نسمة ) معا!
فى كتاب حروب المياه - Water Wars - تقول المؤلفة الهندية Vandana Shiva والحائزة على جائزة Golden Plant Award فى الستنيات من القرن الماضى حاول الامبراطور هيلا سلاسى امبراطور اثيوبيا السابق بناء 29 سدا على أحد أكبر روافد النيل وهو النيل الأزرق والذى ينبع من أثيوبيا بمساعدة هيئات أمريكية وتمويل من البنك الأفريقى للتنمية ولكن بالتهديد العسكرى والضغط الديبلوماسى استطاعت مصرأن تعطل هذا المشروع وذلك لأن موازين القوى حينذاك كانت مختلفة لوجود قوتين عظمتين فى العالم . وتركيا أيضا لديها خطط لمشاريع ستتكلف 32 مليار دولار لبناء 22 سدا على نهر الفرات كى تستطيع رى 1.7 مليون هكتار وعندما يتم بناء تلك السدود ومع سد أتاتورك المقام حاليا ستفقد العراق حوالى 80%- 90% من مياه نهر الفرات . انتهى
لقد شهد العالم طفرة فى أسعار الغذاء وذلك نتيجة الجفاف الذى اجتاح استراليا والفيضانات الناتجة عن تغير المناخ فى أوروبا وأيضا ارتفاع أسعار النفط الذى أدى الى استغلال الوقود الحيوى فى الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وهو مستمد من المحاصيل الزراعية كالذرة ..وهذا ما جعل أسعار المواد الغذائية فى ارتفاع مستمر.
اذن نحن أمام مشكلة مياه تهدد الأمن القومى لمصر والسودان بالاضافة الى خطر تقسيم السودان الى شمال وجنوب واحتمال وضع أثيوبيا وأوغندا وكينيا فى اتفاقية جديدة لتوزيع مياه النيل وهذا معناه أن حصة مصر والسودان من المياه ستقل بنسبة كبيرة ومعناه أن أمن مصر والسودان القومى فى خطر فى ظل التكاثرالسكانى .. وهذا يجعلنا نعود الى المربع رقم واحد وهو مشكلة البشرية الأولى وهى : الماء والغذاء .
ولكسرحاجز الخوف من المخططات الأمريكية فى القارة السوداء وبالذات بين شطرى الوادى ينبغى علينا أن نتحد اتحادا ضروريا لمواجهة آية تحديات مستقبلية ونتعظ من أخطاء الماضى وليقوم الاتحاد على المصالح المشتركة والخطر المشترك الذى سيواجه مصروالسودان وفى حقيقة الأمر لانريد اتحاد بيروقراطى بين جنوب وشمال الوادى .. نريده اتحاد منافع - بيزنس - لمنفعة الشعبين وحتى يعيش أطول وتكون النتيجة أحسن.
ان العالم العربى قد تم تقسيمه الى أجزاء صغيرة من قبل الاستعمار بالماضى حتى لايستطيع الاستقلال اقتصاديا. وبالتالى فلابد من اعادة التفكير فى الاتحاد الذى قد ينفعنا فى مواجهة خطر المجاعة والاتحاد على غرارالاتحاد الأوروبى أو الولايات المتحدة الأمريكية وليكن اتحاد مصر والسودان أول خطوة على هذا الطريق.
لابد أن نستعد ونخطط جيدا لموسم الهجرة الى الجنوب فى القرن الواحد والعشرين.
06/11/2014
مصرنا ©