التعليم فى مصر .. مشكلات وحلول 7- التدريس مهنة نبيلة بلا نبلاء
...............................................................
| |
قم للمعلم وفيه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا | |
بقلم : سعد رجب صادق
..........................
تحدثت فى مقالى السابق - الطالب المصرى ذلك المظلوم - عن المشاكل المختلفة التى تواجه الطلاب فى جميع مراحل التعليم الأساسية والجامعية ، وذكرت فى الجانب الأكاديمى من تلك المشاكل أن المدرسين فى مدارسنا ، وأعضاء هيئات التدريس فى جامعاتنا يفتقرون الى الاعداد الجيد ، والمران الكافى ، والالمام بالجديد فى مجالاتهم ، والحديث من طرائق التعليم وأساليبه ، ويفتقرون أيضا الى الفهم الصحيح للتركيب النفسى ، والظروف الاجتماعية وغيرها لطلابهم ، ويترتب على ذلك فى العادة افتقاد التواصل على أسس صحية وقويمة بين الطالب والمدرس أو الأستاذ ، بل ويصل الأمر الى اعتبار الطالب صيدا يجب استغلاله ماديا بالدروس الخصوصية وغيرها ، ويتجاوز الأمر أيضا الاستغلال المادى الى التحرش والاستغلال الجنسى للطالبات ، وفى بيئة كتلك يضيع الهدف من العملية التعليمية ، فلا الطالب استفاد من معلمه عقليا وفكريا ، ولا المعلم ضرب لطلابه المثل الذى يحتذى ، والقدوة التى تتبع ، وتصبح النتيجة النهائية ضحالة وسطحية ، وأمية ثقافية تضاف الى الأمية الأبجدية ، وملايين من الخريجين الذين يفتقرون الى الفهم والتدريب والمران ، بل ويفتقرون الى كيفية التفكير ، وايجاد الحلول للمشاكل التى تعصف بمجتمعهم فى كل مناحى الحياة ، وبذلك تتبدد طاقات الطلاب فى تلك الفترة من حياتهم ، المليئة بالنشاط والحيوية ، وينضم الى قوافل البطالة ، واليأس والاحباط ، مدد جديد ، يفتقد الى الولاء والانتماء لأرضه وأهله ووطنه ، والمتأمل فى حلقات تلك السلسلة المتواصلة ، يتملكه الأسى ، وتفيض نفسه بالهم والحزن على ضياع مواردنا البشرية ، وتبديد أجيالنا جيلا بعد جيل ، فى نظام تعليمى هو الهزل والعبث بعينه.
لا شك أن التدريس مهنة نبيلة ، وعلى مر التاريخ البشرى كان الأنبياء والفلاسفة والحكماء هم المعلمون الأوائل ، فنوح عليه السلام لبث فى قومه ألف سنة الا خمسين عاما ( ولقد أرسلنا نوحا الى قومه فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما..) العنكبوت 14، يعظهم ويعلمهم ويربيهم ، ويصبر على أذاهم ، ويجرب الوسائل المختلفة لهدايتهم ، وانارة عقولهم ، وتحمل موسى وعيسى عليهما السلام عنت اليهود وعنادهم ، وسفههم واصرارهم على الانحراف والعصيان ، وكذلك كان محمد (ص) فى دعوته لقريش وغيرها من قبائل العرب ، حاورهم وناقشهم ، وجادلهم بالحجة والبرهان ، وراعى ظروف كل واحد منهم ، ووضعه ومكانته الاجتماعية ، وتحمل فى سبيل ذلك الجهد والمشقة ، صابرا غير قانط ، ولينا غير فظ ولا غليظ ، وعلى نفس المنهاج سار كثير من أعلام البشرية ومصلحيها ، لا يبغون نفعا ماديا ، ولا فائدة دنوية ، وانما كل مرامهم انارة العقول ، وجلاء الأفهام ، وتوسيع المدارك ، وكشف الغشاء عن الأبصار والبصائر ، وتوجيه الناس لطريق الحق والعدل والخير ، ولكل تلك الصفات النبيلة فى مهنة التدريس ، فانها المهنة الوحيدة التى يلزم أن يحبها صاحبها حبا جما، ويمارسها باخلاص وعاطفة جياشة ، وينظر اليها على أنها رسالة وليست وسيلة ارتزاق ، فاذا افتقد التدريس تلك الشروط والمواصفات ، افتقد جوهره ، وتشوهت رسالته ، وضاعت منه لذة الاحساس بثماره العقلية والفكرية ، وأصبح كغيره من الحرف والوظائف ، ليس الا مبادلة لوقت وجهد المرء براتب يعينه على متطلبات الحياة .
الحديث عن التدريس والمدرس كغيره من كل موضوعات التعليم فى مصر حديث طويل يثير الشجن ، سأتناول منه الجزئيات التالية : مواصفات المدرس الجيد - تقييم المدرس - مشكلات المدرس فى النظام التعليمى المصرى - كيفية النهوض بالتدريس والمدرس.
أولا : مواصفات المدرس الجيد
أصدرت منظمة اليونسكو UNESCO فى عام 1996 كتابا بعنوان? What Makes a Good Teacher ، ويتناول مواصفات المدرس الجيد ، والكتاب متعة ذهنية ، وجولة تحسبها من الخيال اذا ما قارنتها بما عليه حال مدرسينا وأساتذتنا ، وقد استفاض الكتاب فى تعديد ما يجب أن يكون عليه المدرس ، وأضاف الى ذلك بعدا آخر عير محسوب فى نظامنا التعليمى ، وهو رأى الطالب نفسه ، باعتباره المتلقى لما يطرحه المدرس عليه من معلومات وأفكار، وقد ساهمت فيه آراء 500 تلميذ فى المرحلتين الابتدائية والاعدادية ، من 50 دولة مختلفة ، ويمكن تقسيم تلك المواصفات الى الآتى :
1- مواصفات أكاديمية
المدرس الجيد لا بد أن يكون على درجة عالية من الفهم والالمام فى مجال تخصصه ، والمقدرة على توصيل المعلومة مهما كانت معقدة بأسلوب سهل وبسيط ، واستعمال وسائل التدريس وأساليبه المناسبة للموضوع ، مع نهم دائم للقراءة ، ومعرفة وفهم للجديد من الأبحاث والدراسات والاضافات الحديثة ، وكذلك التطورات فى طرائق التعليم وفنونه.
2- فن التواصل
بدون المقدرة والكفاءة فى التواصل مع الطلاب ، يفقد المدرس أهم أسلحته ، ولا تشفع له عندئذ معرفته الأكاديمية ، أو غيرها من الملكات والمواهب ، لأن التدريس فى حقيقته هو فن التواصل communication مع الطلاب ، ولذا يلزمه فهم التركيب النفسى للطالب فى المراحل العمرية المختلفة ، وكذلك فهم الظروف الاجتماعية وغيرها من العوامل التى تؤثر على الفهم والاستيعاب .
3- فن الادارة
اذا كان الجانب الأكاديمى مهما لشرح المعلومة بأفضل الطرق ، والجانب التواصلى مهما لتوفير الحالة التى يتلقى فيها الطالب من معلمه ، فان فن الادارة هو الذى يسيطر على ذلك كله ، ويضع له الضوابط والقواعد التى تنظم علاقة الطالب بمدرسه ، وبغيره من الطلاب ، وتوفر فى النهاية جوا مدرسيا صحيا يؤدى فيه الجميع أدوارهم بانتظام ، وبعيدا عن الفوضى والاضطراب ، ولذا يلزم المدرس الجيد أن يكون قادرا على ادارة الوقت time management، وتوزيع الأنشطة المختلفة فى الحصة أو المحاضرة ، وكذلك على مدار العام أو الفصل الدراسى ، وهى خاصية مهمة لأنها ستؤثر فى سلوكيات الطالب فى حياته الدراسية والحرفية بعد ذلك ، ويلزم المدرس الجيد أيضا أن يكون قادرا على فرض النظام disciplinarian بدون تفريق بين طالب وآخر ، وهو أيضا ما يطبع فى ذهن الطالب فى حياته الدراسية وبعدها الاحساس بالعدل ، واحترام اللوائح والقوانين ، وعدم المحاباة أو المجاملة ، ومن فنون الادارة أيضا استخدام أنسب الطرق ، وأكثرها دلالة فى وضع الامتحانات ، وغيرها من أساليب تقييم الطالب evaluation، بما يراعى الحرفية ، ويبتعد عن ادخال العوامل والاعتبارات الشخصية.
4- الابداع
المدرس الجيد ليس ماكينة تردد المعلومة عاما بعد آخر ، بطريقة رتيبة ومملة ، وانما هو شخص يخرج عن النمطية ، ويجتهد فى التغيير والتجديد والابداع creative ، ويقدم ذلك بتفان ، وعاطفة جياشة passionate ، وبدون ذلك لن يكن مستحثا ولا مستحفزا ولا مثيرا لملكات الطالب وقدراته inspirational ، وهو الغرض الحقيقى من التعليم ، فالتعليم الجيد ليس تلقينا ، وانما كل ما يفتح مدارك العقل البشرى ، ويدفع به للتفكير والخيال.
5- مواصفات أخرى
ما ذكرناه سابقا هى المواصفات الضرورية الواجب توافرها جميعها فى المدرس الجيد ، غير أن هناك مواصفات أخرى كثيرة معظمها ينضوى تحت السلوكيات الانسانية العامة ، والهامة فى نفس الوقت لتيسير العملية التعليمية ، وجعلها متعة واشباعا ذهنيا واجتماعيا ، ومنها التفاعل بين المدرس وطلابه عقليا ، وفى الأنشطة المختلفة ، واعطاء الطالب الاحساس بالثقة ، ومعاملته بود ومحبة وصداقة ، ولا بأس من أن يكون المدرس متفكها فى بعض المواقف sense of humor ، مع تجنب احباط الطالب ، أو السخرية منه ، واتاحة الفرصة له دوما للسؤال والاستفسار ، واعطاؤه المثل والقدوة مهنيا وانسانيا ، والصبر والأناة فى معاملته ، وبذل الجهد والوقت دائما فى الفصل وخارجه بما يضمن الوفاء له باحتياجاته العلمية ، والمساهمة فى حل ما يعترضه من مشكلات نفسية أو اجتماعية ، أو على الأقل ارشاده الى المصادر التى تقدم له العون والمساعدة ، وألا يجد حرجا فى التعلم من طلابه والاستفادة منهم ، وغير ذلك الكثير مما يدركه المدرس المحب لعمله خلال تجربته واحتكاكه ورحلته التعليمية على مدار الأعوام.
ثانيا : تقييم التدريس والمدرس
عملية التقييم عملية معقدة وضرورية ، ويبذل المسئولون عن التعليم والجامعات فى دول العالم المختلفة ، وخاصة التى تولى اهتماما كبيرا بمستوى طلابها ومدرسيها وجامعاتها جهودا كبيرة لوضع السياسات ، وطرق التقييم المناسبة ، والتى يتم على أساسها عمليات التطوير المختلفة للأنظمة التعليمية ، وكذلك أيضا عمليات الترقية promotion للمدرسين ، وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات ، وتقدير المنح المالية اللازمة للبحث والأقسام المختلفة ، وتختلف تلك الطرق بين المدارس فى التعليم الأساسى وبين الجامعات ، فهى أكثر بساطة فى المدارس التى تخضع للسياسة العامة، وتعتمد عادة على المستوى العلمى للطلاب ، ودرجاتهم فى الامتحانات ، وما تحققه المدرسة من نتائج على المستوى القومى ، بينما فى الجامعات تتفاوت من قسم الى آخر ، ومن جامعة الى أخرى ، حيث تحظى الجامعات فى البلاد المتقدمة بحرية وضع السياسات ، والمقررات الدراسية ، وبرامج التدريس والبحث التى تلائم ظروفها وأهدافها ، ففى الجامعات الأمريكية على سبيل المثال يتم الربط بين التدريس والبحث ، حيث يعتبر كلاهما من واجبات أعضاء هيئات التدريس ، وتعتمد ترقياتهم على الامتياز فى كليهما ، وقد اطلعت على بعض من تلك السياسات ، وأثار انتباهى مجموعة من النقاط الهامة والجديرة بالتأمل علها تفيد فى جامعاتنا المصرية ، وأخص منها ما تتبعه University of California, Berkeley ، حيث يقيم أعضاء هيئات التدريس فيها اعتمادا على الآتى:
1- وضع المقررات الدراسية design and redesign of courses ويراعى فى ذلك وضوح أهداف المقرر ، وكونها مقبولة ومناسبة ، وتوصيل متطلباته للطلاب بجلاء ، والتحديث المستمر للمعلومات بما يعكس آخر التطورات فى هذا المجال.
2- عرض وتقديم مواد المقرر ، وما يعكسه من حيوية ومنطق واثارة لفضول الطالب ، ونزعة الابداع فيه.
3- تمكن المدرس من موضوعه ، ومدى عمق معرفته ، وانشغاله بالقراءة أو البحث فيه .
4- مساهمة عضو هيئة التدريس فى وضع المقررات والتعليمات curriculum and instruction سواء فى صورة كتب دراسية textbooks ، أو شرائح slides ، أو منشورات أو مطبوعات publications ، أو برامج كمبيوتر computer courseware ، أو أشرطة videotapes , dvds ، وغيرها من الجهود اللازمة لوضع المقررات وتطويرها.
5- التوجيه والاشراف على البحوث العلمية للطلاب.
6- التوجيه والاشراف على اعداد طلاب الدراسات العليا للتدريس.
7- تقييم الطالب نفسه للمقرر، وطريقة التدريس فى نهاية الفصل الدراسى ، وهو ما يساهم فى انضاج ملكات الطالب النقدية ، وما يلزمها من حيدة وأمانة وموضوعية ، وكذلك تقييم الخريجين alumni ، وطلاب الدراسات العليا الذين يساعدون فى التدريس.
8- تقييم عضو هيئة التدريس نفسه self-evaluation ، وكذلك الأعضاء الآخرين فى القسم.
ثالثا : مشكلات التدريس والمدرس فى النظام التعليمى المصرى
1- تسبب النظام العقيم للثانوية العامة ، ومكتب التنسيق فى دخول أجيال متعاقبة الى كليات التربية والآداب واللغة العربية والعلوم وغيرها بدون رغبة ، وبدون دافع ، ليتخرجوا وليمارسوا التدريس بدون رغبة ، وبدون دافع أيضا ، وليصبح الأمر بالنسبة لهم وسيلة ارتزاق ، رغم أن التدريس مهنة لا بد أن يتملك صاحبها الحب الجارف لها ، والتفانى فى أدائها ، وأن تمتلك عليه قلبه وعقله ، فهى رسالة وليست وظيفة ، وهى تتعامل مع العقول والأفهام ، وليس مع الأوراق أوالملفات أو الماديات ، وتعد للمجتمع رواده ، وقادة مستقبله ، انها مهنة نبيلة ، يلزمها نبلاء لا مرتزقة.
2- ضعف اعداد المدرسين ، وتدنى مستواهم العلمى والمعرفى ، وهى ظاهرة عامة لجميع خريجى الجامعات المصرية ، لفساد التعليم ، وتدهور مستواه ، وافتقاره الى التدريب والمران ، وغياب الجانب العملى ، والاعتماد بصورة كلية أو شبه كلية على الجانب النظرى ، مع جمود المقررات وقدمها ، واعتمادها على التلقين الذى يقتل الفكر والابداع.
3- استخدام وسائل تقليدية تجاوزها الزمان ، والاهمال الكامل أو شبه الكامل لكل طرائق التدريس الحديثة ، وغياب استعمال وسائل الايضاح المختلفة ، وما يترتب على ذلك من الملل والرتابة ، وافتقاد الطالب لما يجذب فكره وانتباهه.
4- غياب الالمام والمعرفة بعلم النفس التعليمى ، مما يترتب عليه الجهل بالتطورات النفسية التى يمر بها الطلاب فى مراحلهم العمرية المختلفة ، وينعكس ذلك على انعدام الفهم والتواصل بين المدرس وطلابه ، مما يؤثر سلبا على سلوكيات الطالب ، وكذلك على مقدرته على التفاعل والاستيعاب.
5- يضاف الى الجهل بنفسية الطالب ، ومراحله العمرية المختلفة ، الجهل بالظروف والأوضاع الاجتماعية ، والتى تتباين بين القرية والمدينة ، وبين بيئة وأخرى فى المجتمع ، وما يترتب على ذلك من تأثير على الطلاب ، وهو جانب هام لازم لاعداد المدرس وتدريبه.
6- افتقاد الآلية المناسبة للتقييم الدورى للمناهج والمقررات والمدرسين وأعضاء هيئات التدريس ، وما وجد من آليات فهى غير فعالة ، ولا تعطى الدلالة الأمينة والصادقة ، علاوة على شيوع أمراض اجتماعية كالمجاملات والرشوة والواسطة وغيرها مما يسهم فى غياب الدقة والنزاهة فى التقييم ، وغياب التقييم ، أو افتقاده للدقة والأمانة يعنى استمرار الأخطاء وتراكمها ، وغياب الاصلاح والتطوير.
7- شيوع مفاسد جديدة عصفت بالتعليم خلال العقود القليلة الماضية ، وأخطرها تفشى الدروس الخصوصية فى جميع مراحل التعليم العامة ، وامتداد ذلك الى الى الجامعات ، وهو ما يعنى تخلى المدرس عن دوره ، وتحوله الى الاستغلال المادى لطلابه ، ويعنى أيضا حصر المناهج الدراسية فى ملخصات هزيلة ، وأسئلة وأجوبة يحفظها الطالب ، ثم يسردها فى الامتحانات ، وارتبط مع ذلك آفات أخرى مثل الغش ، وتسريب الامتحانات وبيعها ، والتلاعب فى النتائج والدرجات، ومن مظاهر الاستغلال المادى أيضا تلك المذكرات الهزيلة التى يبيعها أساتذة الجامعة للطلاب ، وتفتقر الى الطباعة الجيدة ، ويغيب منها الصور والأشكال الايضاحية والجداول ، علاوة على أنه لم يتم تحديثها منذ عقود ، ولا يوجد عليها اسم لمؤلفها أو مؤلفيها ، وتفتقر تماما الى أسماء المصادر والمراجع ، وكلها أمثلة سيئة ، تعطى للطلاب تصورا خاطئا عن الحياة ، وعن التعامل بين الناس ، وعن احترام العلم والحق والعدل ، وغيرها من القيم والفضائل والأخلاقيات.
8- اساءة المدرس للطلاب بدنيا بالضرب ، وهو أسلوب قبيح فى التقويم ، يترك آثارا نفسية وسلوكية لا تنمحى ، وكذلك الاساءة النفسية للطالب بتسفيهه ، والسخرية منه ، وشتمه ، واطلاق أسماء غير مقبولة ، وغير مناسبة عليه.
9- التحرش والاستغلال الجنسى للطالبات فى المدارس والجامعات ، وقد نشرت صحيفة اليوم السابع بتاريخ 2 -6-2009 مقالا لمحمد حمدى عنوانه ( تعليم على واحدة ونص ) ، وفيه أن أستاذا بجامعة جنوب الوادى بقنا أوقف ستة أشهر لأنه كان يشترط على طالباته الرقص الشرقى فى مكتبه للحصول على تقدير امتياز فى مادته ، وكثير من حالات التحرش والاستغلال الجنسى تمر بدون أن يعلم عنها أحد شيئا لخوف الطالبات من الفضيحة ، والاضرار بسمعتها ، وسمعة أهلها ، وغياب القانون الذى يضمن الحقوق ، ويحفظ الأعراض.
10- غياب المقررات الدراسية الخاصة بأخلاقيات التدريس teaching ethics، رغم ضرورة ذلك وأهميته فى خلق مدرس يعرف الضوابط والمعايير الواجب اتباعها ، ولذا فلا عجب أن نعانى من كل تلك الصور من النقائص والمفاسد.
11- الكادر المالى المتدنى والذى يترك المدرس والأستاذ تحت ضغوط العوز والحاجة ، مما يكون سببا فى لجوء الأغلبية الى الوسائل غير المشروعة ، وانصرافها عن واجبها الأساسى فى التدريس والبحث.
12- أسهم الاعلام والفن فى المجتمع المصرى فى مزيد من تشويه صورة المدرس ، والاحطاط من قدره ، وهو ما يترك أيضا أثرا سلبيا على فهم الطالب لطبيعة العلاقة التى تربطه بمدرسه أو أستاذه.
رابعا : كيفية النهوض بمستوى التدريس والمدرس
1- لا بد من تغيير نظام القبول بالجامعات من أجل اعداد وتخرييج مدرسين على درجة عالية من الكفاءة الأكاديمية ، والتدريب والمران ، بحيث يصبح اختيار مهنة التدريس رغبة ، وايمانا برسالة التعليم ، وليس اكراها من مكتب التنسيق .
2- التقييم الدورى للمدرس ، واشتراط اجتيازه دورات تدريبية دورية للاطلاع على الجديد فى مجال تخصصه ، وأيضا الجديد فى وسائل التعليم وأساليبه.
3- الالمام بما يلزم من علوم النفس التربوية والتعليمية ، وعلم الاجتماع ، ليكون المدرس مؤهلا لفهم الطالب والتعامل معه ، كما يجب المام المدرس بأمور الصحة العامة التى تجعله فاهما للتغيرات البدنية والفسيولوجية التى يمر بها الطلاب أثناء نموهم ونضجهم ، وتأثير ذلك على الجوانب النفسية والاجتماعية والسلوكية.
4- وضع الضوابط واللوائح والقوانين التى تجرم الدروس الخصوصية فى جميع مراحل التعليم الأساسى والجامعى ، وكذلك تسريب الامتحانات وبيعها ، والتلاعب فى الدرجات والتقديرات ، وأن يشمل اعداد المدرس وتدريبه على شرح تلك اللوائح والقوانين ، وبيان العقوبات والجزاءات لمن يخالفها ، وأن يتم تسليم نسخة مطبوعة منها لكل مدرس.
5- تدريس أخلاقيات التدريس لكل المدرسين ، وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات.
6- تجريم التحرش والاستغلال الجنسى ، ووضع العقوبات الصارمة لذلك ، وتناول ذلك خلال الاعداد والتدريب للمدرس ، مع تسليمه نسخة مطبوعة تشمل بيانا بكل ما يعتبر تحرشا أو استغلالا جنسيا ، مع بيان الضوابط والعقوبات.
7- تجريم العقاب البدنى للطلاب ، وكذلك اعتبار الأذى النفسى عملا مخالفا لآداب التدريس ، والـتأكيد على ذلك فى مراحل الاعداد والتدريب للمدرس ، وتسليم نسخة مطبوعة باللوائح والعقوبات.
8- وضع مواصفات للكتاب الجامعى ، وضوابط لأسعاره ، حتى يتم القضاء المبرم على المذكرات الهزيلة والملخصات المخلة ، والاستغلال المادى للطلاب ، مع وضع الضوابط التى تجرم السرقات العلمية ، وتعاقب عليها عقابا رادعا.
9- الاستفادة من خبرات الأنظمة التعليمية ، والجامعات الأجنبية فى اعداد المدرسين وأعضاء هيئات التدريس وتقييمهم ، مع تغيير نظام تعيين المعيدين أو تحسينه ، واشتراط مزيد من التدريب والمران تحت رقابة أساتذة الأقسام ، وذلك لاعدادهم للمساعدة فى التدريس ، واعدادهم أيضا لمراعاة الضوابط والمعايير السلوكية والمهنية فى التعامل مع الطلاب ، وهذه نقطة شديدة الأهمية حيث أن الانحرافات السلوكية والعلمية للمعيدين أكثر من أن تحصى ، وسرعان ما يصبحون مدرسين وأساتذة ، ويحملون معهم تلك الانحرافات ، وهو عامل هام من عوامل الفوضى العلمية والسلوكية التى تعصف بجامعاتنا.
10- تحسين الكادر المادى للمدرسين ، وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات ، مما بعصمهم من الوقوع فى أخطاء الاستغلال المادى للطلاب بالدروس الخصوصية ، أو بيع المذكرات ، أو غير ذلك ، ويعطيهم مستوى من الحياة الكريمة ليتفرغوا لعملهم فى البحث والتدريس ، واعداد أجيال الأمة الاعداد السليم بما يضمن مقدرة المجتمع على التنافسية فى عالم اليوم.
ان النظام التعليمى فى مصر أمامه طريقان لا ثالث لهما ، اما اصلاح التدريس والمدرس ضمن خطة شاملة لاصلاح النظام التعليمى بجميع عناصره ، أو مزيد من الانهيار والتدهور ، الذى لا ينفع معه الترقيع ، وتمتد آثاره السيئة لتشمل المجتمع بأكمله .
سعد رجب صادق
saad1953@msn.com