التعليم فى مصر .. مشكلات وحلول : 6- الطالب المصرى ذلك المظلوم
...............................................................
| |
الناظر فى أحوال الطالب المصرى يتملكه الأسى والحزن ، حيث تبدد أنظمة التعليم الفاسدة طاقاته فى أهم فترات حياته | |
بقلم : سعد رجب صادق
...........................
لا شك أن الطالب هو أهم مكون من مكونات العملية التعليمية ، بل انه العنصر الذى توظف من أجله كل العناصر الأخرى من مدرسين ومقررات ومعامل ومكتبات وغيرها ، وتنفق المجتمعات البشرية أموالا طائلة على نظمها التعليمية ، لتطويرها وتحسينها لتؤدى رسالتها تجاه هذا الطالب ، وهذه الرسالة ببساطة شديدة تتلخص فى كلمات قلائل : فتح عقله ، وتوسيع أفقه ، وتنمية مداركه وملكاته ، ليعرف كيف يفكر ، ويخترع ويبدع ، ويوجد الحلول للمشكلات التى تعترض الانسان ، وهى رسالة التعليم الحقيقى ، والتى تختلف عن التعليم الفاسد الذى يغرس فى طلابه التقليد والاتباع ، ويقتل فيهم ملكة الابداع والتفكير ، والمقارن بين الرسالتين يدرك بسهولة كيف ارتقت بعض المجتمعات ، وعلا شأنها ، وكيف ارتكست مجتمعات أخرى ، وهوت الى قاع الثبات والجمود ، ومن البديهى أن توظف المجتمعات مواردها وطاقاتها لتعد طلابها اعدادا جيدا ، لأنهم قادة المستقبل ، ورواده ، وعليهم يقع عبء التخطيط والتدبير لغده ، ورصد مشكلاته ، وايجاد الحلول لها ، واعداده دائما لمواجهة التحديات والتغيرات التى يموج بها عالم اليوم ، ولا يمكن فعل كل ذلك بعقل منغلق ، وأفق ضيق ، ولذلك كان اينستين Einstein, 1879-1955 يقول : الخيال أهم من المعرفة imagination is more important than knowledge ، وهو كلام فى غاية الدقة ، لأن المرء يستطيع أن يجد كما هائلا من المعلومات فى جميع فروع المعرفة فى المكتبات وعلى الانترنت وغير ذلك ، وهو وان كان أمرا ضروريا الا أن أصحاب الخيال فقط هم من يبنون على ذلك أحلام المستقبل ، وتصورات الغد .
والناظر فى أحوال الطالب المصرى يتملكه الأسى والحزن ، حيث تبدد أنظمة التعليم الفاسدة طاقاته فى أهم فترات حياته ، وأكثرها نشاطا وحيوية ، لينتهى به الأمر قليل العلم والمعرفة ، ضعيف الخبرة والمران ، منغلق العقل والفكر ، فاسد السلوكيات بما اكتسب طوال فترة تعليمه ، غير قادر على الاستجابة لمتطلبات العمل فى سوق شديد التنافسية ، تتطلب كثيرا من التدريب والتقنية ، وبهذا ينضم الى جحافل العاطلين ، أو العاملين فى غير مجالهم وتخصصهم ، مما يفقده الولاء والانتماء لأمته ، ويوقعه فريسة للاكتئاب والادمان ، أو أحلام الهجرة والمغامرة فى بيئة غير بيئته ، وبلاد غير بلاده ، وتعالوا معى نتتبع عريضة الادعاء ، وما فيها من جرائم ومظالم ارتكبتها السياسات التعليمية ، والأنظمة المتعاقبة فى حق هذا الطالب :
1- الجانب الأكاديمى : ما زالت مدارسنا وجامعاتنا تقدم للطلاب مقررات دراسية طال عليها الزمان ، وتقاعس معدوها عن تطويرها وتحديثها ، واضافة ما طرأ من جديد عليها ، والناظر الى الكتاب المدرسى والجامعى يجده هزيلا مختزلا فى صورة ملازم أو مذكرات أو ملخصات ، خالية من الرسوم والصور والجداول وغيرها ، وهو ما لا يوجد الا فى مدارسنا وجامعاتنا ، ويقوم على تدريس تلك المقررات مدرسون وأعضاء هيئة تدريس يفتقرون الى الاعداد السليم ، والمران الكافى ، حيث يعاملون الطالب معاملة فظة ، ويوقعون به العقاب البدنى والنفسى ، والذى يترك آثارا لا تندمل ، ويستخدمون فى الشرح والايضاح طرائق تقليدية تجاوزها تعليم اليوم ، ويكاد ينعدم فيها الجانب العملى ، والتدريب والمران ، وارتياد المكتبات ، والاحتكاك بمشاكل المجتمع وهمومه ، ثم يتم تقييم الطالب بامتحانات تختبر مقدرته على الحفظ ، وليس مقدرته على الفهم والتفكير وحل المشاكل ، ونظرا للأهمية البالغة للمقررات الدراسية ، والكتاب المدرسى والجامعى ، والمدرس وأعضاء هيئة التدريس ، والمكتبات والمعامل ، ونظام التقييم والامتحانات ، والعقاب البدنى والنفسى للطالب ، سأتناول كل عنصر منها لاحقا فى مقال مستقل .
2- الجانب الصحى : من البديهيات أن النظام التعليمى الناجح هو الذى يحقق التوازن بين احتياجات الطالب المختلفة ، والجانب الأكاديمى جانب واحد من تلك الاحتياجات ، ولا يعقل أن طالبا يعانى من مشاكل صحية سيكون قادرا على أن يؤدى أداء أكاديميا مرضيا ، والجانب الصحى يشمل المكونات التالية :
1- الصحة البدنية حيث يمر تلاميذ المدارس ، وطلاب الجامعات بتغيرات جسدية مرتبطة بالنمو ، يلزم معها تقديم الرعاية الصحية الملائمة سواء بالوقاية والتوعية أو العلاج ، مما يستوجب نظام رعاية صحية خاص بالطلاب تساهم فيه الدولة ، ويتحمل الطالب بعضا من نفاقته ، بجانب المعونات الدولية فى هذا المجال ، وتبرعات فاعلى الخير وهم كثيرون ، ومساهمات الأطباء ، وفى الولايات المتحدة على سبيل المثال فان %57 من الجامعات تقدم رعاية صحية لطلابها ، حيث يوجد هناك ما يعرف student health centers والتى ترعى طلاب الجامعة صحيا ، وتساهم فى الحفاظ على التكلفة من الارتفاع ، كما يجد الطلاب أيضا الرعاية من خلال التأمين الصحى الذى يقدمه المجتمع Medicaid ، أو الذى تقدمه الشركات لموظفيها وأسرهم .
2- الصحة النفسية وهى جانب شديد الأهمية لما يتعرض له التلاميذ والطلاب من مشاكل نفسية كثيرة تؤثر على أدائهم الأكاديمى ، وسلوكهم الاجتماعى ، والتى قد تكون نتيجة أمراض عقلية أو نفسية أو انفعالية أو معاناة من مشاكل أسرية ، وهناك الآن ما يعرف بعلم النفس المدرسى ، والذى يوظف المفاهيم والنظريات النفسية لتحسين أحوال الطالب ، عن طريق التكيف الدراسى ، وتشخيص الأمراض والاضطرابات النفسية ، والأزمات والمشكلات السلوكية ، ويتناول أمورا كثيرة مثل العجز أو الفشل التعليمى ، التخلف الدراسى ، كراهية المدرسة والمواد الدراسية وبعض المدرسين ، الاهمال وعدم المواظبة ، الخوف من المدرسة أو ما يعرف بفوبيا المدرسة ، النكوص من مسار التعليم ، المشكلات السلوكية مثل العنف والعدوانية ويكون بالايذاء باليد أو باستعمال آلة حادة ، أو بالكلمات والألفاظ النابية ، والسخرية والاستهزاء وغيرها، والسرقة والكذب ، والعصيان والتمرد ، والغش فى الامتحانات ، والاستنماء والعدوان الجنسى ، والتدخين والادمان ، وقد وجدت الاحصائيات أن %75 من زيارات الطلاب للمراكز الصحية فى الولايات المتحدة تكون لأسباب نفسية واجتماعية ، والعجيب أننا نهمل فى بلادنا هذا الجانب تماما ، وننهال بالتقريع واللوم على الطالب ، مما يضيف الى ما يعانيه من مشاكل ، ويساهم فى تعقيد حالته وتفاقمها ، واهمال الصحة البدنية والنفسية يساهم بالتأكيد فى تدنى مستوى الطالب الأكاديمى ، وتدهور مقدرته على الفهم والتحصيل.
3- التغذية وهى جانب آخر شديد الأهمية ، وخاصة اذا عرفنا أن %45 من المصريين يعيشون تحت خط الفقر ، أى بأقل من دولار فى اليوم ، حسب لجنة الانتاج الزراعى بمجلس الشعب ، وأن %46 من الأسر المصرية لا تجد الطعام الكافى للحركة والنشاط ، حسب تقرير شعبة الخدمات الصحية والسكان بالمجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية التابع للمجالس القومية المتخصصة ، وأنه حسب د. مديحة خطاب رئيس لجنة الصحة بأمانة سياسات الحزب الوطنى فان %29 من الأطفال المصريين يعانون من التقزم ، %14 لديهم حالة قصر قامة حاد ، %50 يعانون من الأنيميا ، كل تلك الأرقام المزعجة توجب على المجتمع والنظام التعليمى ايجاد برنامج تغذية لطلاب المدارس بجميع مراحلها ، تتولى الدولة تمويله ، وتساهم فيه الهيئات الدولية المعنية ، والتبرعات ، والرسوم التى يدفعها الطلاب ، وفى الولايات المتحدة يوجد ما يعرف ب The National School Lunch Program أو NSLP ، وهو برنامج تدعمه الحكومة الفيدرالية ، ويزود الطلاب بوجبة متوازنة غذائيا ، بثمن منخفض ، أو بدون مقابل لغير القادرين ، وقد تأسس هذا البرنامج عام 1946 ، بواسطة الرئيس الأمريكى Harry Troman ، وفى عام 1998 مدد الكونجرس البرنامج ليشمل الأطفال حتى سن 18 عاما، وفى العام الماضى بلغ عدد أطفال المدارس المستفيدين 30.5 مليون طفل ، فى 101,000 مدرسة ، ومما لا يخفى على أحد فان التغذية الجيدة ضرورة للصحة البدنية والذهنية ، ومن العبث أن نتوقع من طالب جائع أن يجد الطاقة اللازمة ليكون طالبا جيدا.
3- الجانب الرياضى : أكرر ما ذكرت آنفا أن النظام التعليمى الجيد لا بد أن يكون نظاما متوازنا ، يلبى احتياجات الطالب المختلفة ، ومن تلك الاحتياجات الجانب الرياضى ، وخاصة أن الأطفال والمراهقين والشباب يلزمهم تفريغ ما يملكون من طاقة فى أنشطة رياضية مفيدة لأبدانهم وقوامهم ورشاقتهم ، كما أنها تحسن أيضا المهارات الفردية والجماعية ، والتوافق مع الآخرين واحترامهم ، والالتزام بالنظام ، والروح والأخلاقيات الرياضية ، وتهتم جميع بلاد العالم بالأنشطة الرياضية فى المدارس والجامعات ، ويبلغ متوسط عدد الرياضات فى المدارس الأمريكية 14 رياضة مختلفة ، يشارك فيه %39 من الأولاد ، %30 من البنات ، وقد وجدت دراسة أجريت على المدارس فى Los Angeles County ، بولاية كاليفورنيا عام 2002 أن نسبة حمل المراهقات ، ونسبة الجرائم التى يرتكبها صغار السن قد انخفضت فى المدارس التى تقدم أنشطة رياضية لطلابها ، وقد دعا Surgeon General فى الولايات المتحدة الى زيادة الأنشطة الرياضية لمواجهة انتشار البدانة obesity epidemic ، أما فى الجامعات الأمريكية فان النظام الرياضى ينقسم الى قسمين ، الأول يضم صفوة الرياضيين ، ويعرف ب NCAA أو National Collegiate Athletic Association ، والثانى يعرف ب Recreational Sports Clubs ، وهو متاح لغالبية الطلاب ، ويبلغ متوسط عدد الرياضات التى تقدمها كل جامعة حوالى 20 رياضة مختلفة ، ومن الأشياء المؤسفة حقا أن نظامنا التعليمى يحرم الطلاب من تلك المتعة البدنية والذهنية والاجتماعية ، وكان بامكاننا أن نوفر للمدارس فى كل مركز ، وللكليات فى كل جامعة مجمعا رياضيا يضم الملاعب ، وصالات التمرين ، والأدوات اللازمة ، والمدربين ، وأن نعقد منافسات بين مدارس كل مركز أو محافظة ، ثم على مستوى المحافظات ، تنتهى بتتويج رياضيين وفرق فى كل عام ، ونطبق نفس الشئ على الجامعات ، مع ما فى كل ذلك من متعة وترفيه للطلاب وأسرهم ، وكذلك من فرصة للتعرف على أفضل الرياضيين ، واحاطتهم بالرعاية والتدريب واعدادهم للمنافسات الدولية والأوليمبية.
4- جانب الأنشطة الفكرية والترويحية المختلفة ، والتى تشمل المحاضرات والندوات ، واستضافة أعلام المجتمع فى الفكر والعلوم والثقافة والآداب ، وكذلك الصحف والمجلات المدرسية والجامعية ، والأنشطة الفنية ، والرحلات والمعسكرات ، وانشاء الجماعات والجمعيات المختلفة التى تضم لعضويتها المهتمين فى كل مجال ، وكلها أنشطة ضرورية للترويح ، وتعلم المهارات المختلفة ، وفن التواصل ، واثراء الحياة الاجتماعية ، وقد انعدمت فى مدارسنا وجامعاتنا كل تلك الأنشطة ، وما كان موجودا فقد تم القضاء عليه ، وأصبحت القبضة الأمنية الخانقة البديل عن كل تلك المتنفسات الضرورية لنمو طلابنا اجتماعيا وفكريا ، بما يجعل منهم مواطنين أسوياء ، ويحميهم من المشاكل والانحرافات.
5- أصحاب الاحتياجات الخاصة ، وقد أهملهم نظامنا التعليمى تماما ، ولم يلق بالا لظروفهم الذهنية أو البدنية ، فى الوقت الذى توظف فيه المجتمعات المختلفة بعضا من مصادرها للاهتمام بهؤلاء ، وتوفير الظروف التعليمية المناسبة لاعاقاتهم واحتياجاتهم ، وقد أقر الكونجرس الأمريكى ما يعرف ب Individuals with Disabilities Education Act أو IDEA فى عام 1975 ، وفيه تلتزم الحكومة الفيدرالية بتقديم الدعم المادى للمدارس ومراكز التدريب والبرامج الخاصة بالطلاب ذوى الاحتياجات ، كما يتم تدريب آبائهم على كيفية التعامل معهم ، ويتم أيضا دعم برامج البحث وتقديم المساعدة الفردية والتقنية لتطور المعاقين من الميلاد وحتى سن 21 عاما.
6- الفن : لعبت الأعمال ( الفنية ) !! المصرية دورا هداما فى تضليل الطالب المصرى ، واعطائه مفاهيم خاطئة عن الحياة المدرسية والجامعية ، ومدرسة المشاغبين مثل صارخ لهذا التضليل ، كما أن كل الأفلام المصرية تركز على ابراز الطالب فى مشاهد المعاكسات ، أو مواقف الغرام ، أو تعاطى المخدرات والتدخين وغيرها مما ينطبع فى الذهن ، ويقود الى الفهم غير السوى لمكانة المدرسة والجامعة ، ودور المعلم ، وأهمية التعليم .
7-الأنشطة الاقتصادية فى المجتمع والتى تخلت عن دورها فى توفير العمالة الموسمية للطلاب فى الاجازات ، أو بعد اليوم الدراسى ، وهو ما يحدث فى كثير من المجتمعات ، ويساهم مساهمة ايجابية فى اثراء حياة الطالب اجتماعيا وحرفيا ، ويحقق له دخلا يخفف به عن أسرته ، ويحميه أيضا من التسكع فى الشوارع ، وغير ذلك من العادات السيئة.
8- الجامعات ومراكز البحوث ، ودور الصحافة والاعلام ، ومراكز النشر ، والمجالس القومية المتخصصة ، والجمعيات العلمية والادبية ، ونواب مجلس الشعب والشورى ، وغيرهم من كبار المسئولين ، كل هؤلاء تخلوا عن دورهم فى احتضان الطلاب ، وتوفير العمالة المؤقتة والموسمية لهم ، وهو أيضا من المألوف فى كثير من المجتمعات ، ويعود بالنفع والفائدة على الطلاب فكريا وحرفيا ، مع ما فيه من خبرة ومران وتدريب ، وحماية من الانحرافات ، والامراض الاجتماعية ، والمشاكل السلوكية.
9- الزواج العرفى : تخلى النظام التعليمى عن دوره ، وتخلى المجتمع عن مسئولياته ، أدى الى شيوع انحراف سلوكى خطير بين الطلاب ، وهو الزواج العرفى ، وطبقا لما ذكرته صحيفة الدستور فى عددها 21/11/2009 ، فان %17 من طلاب الجامعات يتزوجون عرفيا ، أى حوالى 255,000 حالة سنويا ، مما يفرز 14,000 طفل مجهول النسب نتيجة لتلك الزيجات التى تفتقر الى الشروط الشرعية اللازمة لصحة الزواج من الولى والاشهار ، حسب ما صرح به د.محمد قنديل أستاذ الشريعة الاسلامية بجامعة الأزهر ، والعجيب أن المجتمع يقف متفرجا وكأن الامر لا يعنى أحدا ، رغم عواقبه الوخيمة على الطلاب المتزوجين بتلك الطريقة ، وهو ما يضيف مزيدا من الضغوط النفسية والاجتماعية عليهم ، مع ما يترتب على ذلك من الحمل غير المرغوب فيه ، والاجهاض ، والأطفال الذين ينتهى بهم الأمر الى عالم الشوارع والضياع .
10- الادمان وهو بعد آخر من أبعاد تخلى النظام التعليمى والمجتمع عن دورهما فى ترشيد الطالب وحمايته ، ومساعدته على حل مشكلاته ، وقد ذكرت احصائية للجمعية المصرية لمكافحة المخدرات أن هناك 6 ملايين مدمن بين طلاب المدارس والجامعات فى مصر ، وأن نسبة الطلاب المتعاطين ارتفعت الى %34 بنهاية عام 2007 ، بعد أن كانت %15 فى عام 1992 ، والمدهش فى الأمر أن الادمان أصبح خطرا شديدا على المجتمع بجميع طبقاته ، حيث وصل انفاق المصريين على المخدرات حسب التقرير السنوى للادارة العامة لمكافحة المخدرات الى 16 مليار و 300 مليون جنيه ، وأصبحت مصر فى المرتبة الأولى عربيا من حيث عدد قضايا المخدرات ، غير أن المحزن حقا أن الادمان بين الطلاب له بعد آخر بتأثيره على المقدرة العقلية اللازمة للعملية التعليمية ، فالحشيش مثلا وهو من المخدرات الشائعة يؤدى الى مشكلات فى الاتزان والتفكير ، وضعف الذاكرة ، والاحساس بالتبلد واهمال الواجبات ، وصعوبة التركيز ، والتشوش العقلى ، وضعف المقدرة على التعلم ، وانخفاض المهارات اللغوية ، بينما يؤدى الهيروين والكوكايين الى الاكتئاب والقلق ، والهلاوس السمعية ، وعدم المقدرة على التصرف المناسب ، وتؤدى حبوب الهلوسة الى الحزن والاكتئاب ، واضطرابات النوم ، وانفصام الشخصية ، وكل تلك التأثيرات تتعارض مع العملية التعليمية ، وما تتطلبه من مقدرة فكرية وعقلية .
11- اذا كنا فشلنا فى كل تلك الأمور ، فهل يا ترى هناك من حاجة الى ذكر ما يتحدث عنه خبراء التعليم فى البلاد الأخرى عن مستقبل التعليم ؟ أو ما يطلقون عليه micro learning ، وفيه يتم التفاعل بين المدرس والطالب الواحد ، بدلا من المدرس والفصل ، كما يتم فيه استخدام الكمبيوتر ، والانترنت ، وe-books ، والبرامج التى توافق مقدرات واحتياجات الطالب الواحد ، وغيرها مما يهدف الى تشجيع الابتكار والابداع .
لقد ارتكبت السياسات التعليمية ، والأنظمة المتعاقبة ، تجاوزات لا تغتفر فى حق الطالب المصرى ، فحرمته من حقه فى تعليم يلبى احتياجاته واحتياجات المجتمع أكاديميا ، وحرمته من حقه فى الرعاية الصحية والنفسية والغذائية ، والأنشطة الرياضية والترويحية ، كما تجنى عليه الفن ، وأهملته مؤسسات المجتمع الاقتصادية والفكرية وغيرها ، وتركته فريسة للادمان والزواج العرفى ، ولم تفكر فى مستقبله ، أو فى تطوير وتحديث المدارس والجامعات ، وطرائق التعليم ، واستغله الكثيرون ماديا فى بيع مذكراتهم الهزيلة ، وفى الدروس الخصوصية ، بل تم استغلال الفتيات جنسيا من بعض المدرسين فى المدارس ، وأعضاء هيئات التدريس فى الجامعات ، رغم أن منظومة التعليم فى مصر واحدة من أكبر نظم التعليم فى العالم ، حسب ما تذكره منظمة اليونسيف UNICEF ، حيث تضم 15.5 مليون طالب ، 37,000 مدرسة ، 807,000 مدرس .
ولكن هل تعنى كل تلك السلبيات أن نتوقف عن الحلم بمستقبل تعليمى أفضل ؟ بالقطع لا ، وذلك لأن التعليم يبقى أهم الضرورات الملحة لاصلاح حال هذه الأمة ، والنهوض بها ، والوفاء بمتطلبات بنيها من الحياة الكريمة ، واذا كان المجتمع جادا فى التغيير والاصلاح فليبدأ بالنظام التعليمى ، ولا يبخل عليه بشئ ، فهو الاستثمار الوحيد المضمون العائد ، والمستمر فى عطائه للأجيال المتعاقبة ، ولا أجد أجمل ، وأكثر دلالة كخاتمة لهذا المقال ، مما كتبه Hitendra ، وهو أحد الهنود فى مقال بعنوان : نحن نحتاج الى ثورة فى النظام التعليمى بالهند ، يقول : نحتاج تعليما يجعل الطالب يحس بالحزن عند نهاية اليوم الدراسى ، An education which makes a child sad when the last bell is rung at the end of the day in the school ، وأحلم بدورى بتعليم مصرى يحس فيه الطالب بالحزن عند نهاية اليوم الدراسى ، لأنه تعليم يشبع كل رغباته ، ويلبى كل احتياجاته العقلية والذهنية والنفسية والاجتماعية ، ويجد فيه ترويحا وترفيها ، ومعاملة طيبة ، وأصدقاء ، وحماية من الانحرافات ، وأمانا لمستقبل زاهر ، وغد مشرق.
saad1953@msn.com
06/11/2014