مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 شيخ الأزهر الراحل فى الميزان
...............................................................

 

شيخ الأزهر مع فرنسا على النقاب

 

بقلم : سعد رجب صادق
............................


رحل عن عالمنا منذ أيام قليلة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى ، بعد عمر مديد تجاوز فيه الثمانين ، قضى منه زهاء عقدين فى ولاية مشيخة الأزهر ، وقبل ذلك عمل كمفتى للديار المصرية ، والموت حق على الناس جميعا ، ( كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة ) آل عمران 185 ، ( قل لا أملك لنفسى ضرا ولا نفعا الا ما شاء الله لكل أمة أجل اذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) يونس 49 ، وموت الرجل لا يعفيه من أن نضعه فى ميزان الدنيا ، لنقيم فترة ولايته للأزهر ، وما قدمه للاسلام والمسلمين ، وما له وما عليه كشخصية عامة ، تولت أمرا من أمور الأمة ، له أهمية بالغة ، وتأثير نافذ على الناس جميعا، ويتناول هذا المقال المواضيع التالية :

أولا : الضوابط الشرعية عند الحديث عن الموتى

لكى لا نقترف اثما ، أو نقع فى ذنب ، علينا أولا فهم الضوابط الشرعية للحديث عمن فارقوا دنيانا ، وقد حددت تلك الضوابط أحاديث نبوية شريفة ، بعضها ينهى عن ذكر الموتى بسوء ، مثل ما روى عن عائشة (رض) ، قالت : قال (ص) : ( لا تسبوا الأموات فانهم قد أفضوا الى ما قدموا ) البخارى 1393 ، وأحمد 6 / 180 ، والنسائى 4 / 531 ، وأفضوا هنا كما يقول الامام ابن حجر فى فتح البارى 3 / 502 تعنى وصلوا الى ما عملوا من خير أو شر ، وفى حديث آخر روته أيضا عائشة (رض) يقول (ص) : ( اذا مات صاحبكم فدعوه ) الترمذى 3895 ، وفى رواية أبى داود 4899 ( اذا مات صاحبكم فدعوه ولا تقعوا فيه ) ، وفى حديث ثالث لعائشة ( رض ) : ( أنه ذكر عند النبى (ص) هالك - أى ميت - بسوء فقال : لا تذكروا هلكاكم الا بخير ) النسائى 2 / 417 ، وهناك حديث شائع عند الناس ، عن عائشة ( رض ) ، وفى رواية عن ابن عمر ( رض ) ، قال ( ص) : ( اذكروا محاسن موتاكم ، وكفوا عن مساوئهم ) الترمذى 1030 ، والحديث ضعفه الألبانى ، ووصفه الترمذى بالغريب ، وذكر البخارى فى سنده عمران بن أنس المكى وهو منكر الحديث ، وفى الجانب الآخر يروى البخارى وغيره فى حديث صحيح عن أنس بن مالك (رض) : ( مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا ، فقال (ص) : وجبت ، ثم مروا بأخرى ، فأثنوا عليها شرا ، فقال (ص) : وجبت ، فقال عمر (رض) : ما وجبت ؟ ، قال : هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار ، أنتم شهداء الله على الأرض ) ، أى أن رسول الله هنا لم ينه أصحابه عن ذكر الميت بالشر ، ويروى عن أبى قتادة بن ربعى أنه كان يحدث أن رسول الله (ص) مر عليه بجنازة فقال : مستريح ومستراح منه ، قالوا : يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه ؟ فقال : ( العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا ، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب ) البخارى 6512 ، مسلم 950 ، من كل ما تقدم خلص علماء المسلمين الى ( ..أن أموات المسلمين المعلنين بفسق أو بدعة أو نحوهما فيجوز ذكرهم بذلك اذا كان فيه مصلحة ، أو لحاجة اليه للتحذير من حالهم ، والتنفير من قبول ما قالوه ، والاقتداء بهم فيما فعلوه ، وان لم تكن حاجة لم يجز ) الامام النووى فى الأذكار ، ولجواز هذا أفرد البخارى فى صحيحه بابا سماه ( باب ذكر شرار الموتى ) ، ولذلك أيضا ( أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا ) ابن حجر فى فتح البارى ، وعلم الجرح هو العلم الذى يتناول رواة الحديث بالفحص والتمحيص والتدقيق ، ولولا ذلك لفتحت الأبواب للكاذبين والمنافقين يشوهون الدين ، ويضللون الناس ، أما حكمة الاسلام فى النهى عن ذكر موتى عوام المسلمين بالسوء فلأن ذلك نوع من الغيبة ، يقول ابن بطال : ( سب الأموات يجرى مجرى الغيبة ، فان كان أغلب أحوال المرء الخير ، وقد تكون منه الفلتة ، فالاغتياب له ممنوع ، وان كان فاسقا معلنا فلا غيبة له ) ، وأيضا لما فيه من الاساءة الى أهليهم ، ولذلك يقول (ص) فى الحديث الذى رواه ابن عباس (رض) : ( لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا ) أحمد 1 / 300 ، والنسائى 8 / 33 .

ثانيا : طنطاوى فى الميزان

المتأمل فى فتاوى الرجل وآرائه ، يجد كما هائلا من المخازى ، ما كان لأحد أن يتخيلها حتى من أشد الناس نفاقا ، وأكثرهم حيدة عن طريق الحق والصواب ، ومنها على سبيل المثال ، وليس الحصر :

1- تحليله للمعاملات الربوية ، رغم النص القرآنى الصريح على الحرمة القطعية للربا بجميع صوره ، واجماع الأمة سلفا وخلفا على ذلك ، وقوله عن الفوائد الربوية ( رزق وجايلى أرفضه !! ) ، يقول تعالى : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره الى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) البقرة 275 ، ( يمحق الله الربا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم ) البقرة 276 ، ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين ) البقرة 278 ، ( فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) البقرة 279 ، ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ) آل عمران 130 ، ( وما آتيتم من ربا ليربوا فى أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) الروم 39 ، والعجيب تسميته للفائدة ( رزق وجايلى..) ، رغم أن الرزق هو الحلال الطيب فقط ، وليس السحت والحرام ، الذى يوجب النار على مستحله ، وعلى من نبت لحمه منه ، ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) البقرة 172 ، ( يا أيها الناس كلوا مما فى الأرض حلالا طيبا ) البقرة 168 ، ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ) المؤمنون 51 .

2- بالرغم من أن رسالته للدكتوراة كانت عن اليهود فى القرآن الكريم ، وكيف وصفهم الله سبحانه بأقبح الصفات من التطاول على جلاله ، وقتل الأنبياء ، ونقض العهد والميثاق ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وقسوة القلب ، وغيرها ، الا أنه لم يقل كلمة نقد واحدة فى حقهم طوال عمله الرسمى ، يقول وائل قنديل فى مقاله ( الرحمة لشيخ الأزهر .. ولنا ) ، والذى نشرته صحيفة الشروق بتاريخ 12-3-2010 : ( كما لا بد أن يتساءل المرء فى دهشة لماذا عدل شيخ الأزهر وبدل فى أطروحات رسالته الشهيرة ( بنو اسرائيل فى ميزان القرآن والسنة ) ، والتى صدرت فى نهاية الستينات على نحو ، وأعيد اصدارها فى التسعينات على نحو مغاير تماما فى عديد من مواضعها ) ، وكونه يغير ما أثبته الله من فوق سبع سماوات لدليل دامغ على افتقاده للأمانة ، ونفاقه وتزلفه لليهود وأتباعهم من الأنظمة الهزيلة ، وتجرؤه على ما أثبته القرآن الكريم من صفات الشر والعدوان لبنى اسرائيل.

3- وليت الأمر وقف عند حدود التغيير والتبديل ، وانما امتد ليصبح عادة فى فعل كل ما يرضى الاسرائيليين ، ويتجاوز عن عدوانهم ومجازرهم ، فقد صافح الرئيس الاسرائيلى شيمون بيريز، وهو السفاح العتيد فى الاجرام ، والملوث من قمة رأسه لأخمص قدميه بدماء المصريين والفلسطينيين والعرب ، صافحه بكلتى يديه ، وابتسامته العريضة تغطى وجهه ، وسكت عن مذابح حرب غزة الأخيرة ، وحرم العمليات الاستشهادية ، واعتبرها انتحارا وارهابا ، وخرس لسانه تماما عن العدوان الاسرائيلى المتواصل على المسجد الأقصى ، والحفريات التى تهدد وجوده ، وأفتى بجواز بناء الجدار العازل لتجويع وحصار أهلنا فى غزة ، وهو الذى تظاهر بأنه لا يعلم شيئا عن حصار غزة ، وسأل متعجبا : هى غزة محاصرة ، ثم رد باستخفاف : واحنا ما لنا ، وقابل حاخامات اليهود فى مكتبه ، وهم أشد الناس حقدا وكراهية للاسلام والمسلمين ، وفتاواهم الدموية للجيش الاسرائيلى معروفة ومنشورة بجواز قتل العرب ، والتنكيل بهم ، وابادتهم ، لا فرق فى ذلك بين رجل وامرأة ، أو كبير وصغير .

4- ولم يكتف الشيخ بالتخلى عن القضية الفلسطينية ، والمسجد الأقصى ، بل تخلى عن كل قضايا العرب والمسلمين ، فعندما أفتى الشيخ نبوى محمد العش ، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر ، بتحريم التعامل مع مجلس الحكم العراقى الذى أسسه الاحتلال ، باعتباره مجلسا غير شرعى ، وأن من يتعامل معه يخالف شرع الله ، أصدر قرارا فى 29 أغسطس 2003 بايقافه عن العمل ، ونقله الى منطقة نائية ، وجاء ذلك بعدما زاره السفير الأمريكى بالقاهرة ديفيد والش ، وأعرب له عن اعتراضه على الفتوى ، كما أصدر أيضا قرارا باقالة الشيخ أبى الحسن رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر بسب تصريحه أنه لا يجوز مد يد العون للعدوان الأمريكى على العراق ، ودعوته للجهاد ضده ، وعندما أغارت الطائرات الأمريكية عام 1991على ملجأ غرب بغداد ، يتحصن فيه 700 طفل وامرأة عراقية ، فقتلوا جميعا ، قال مستخفا بأرواح المسلمين ودمائهم : ( وأيه يعنى شوية أطفال وماتوا ) ، وفى موقف آخر سئل عن التبرع للمسلمين فى البوسنة ، فى ندوة عقدها نادى قضاة الاسكندرية ، وقيل له أن عاطف صدقى رئيس الوزراء يمنع ذلك ، قال : ( دى سياسة وأنا ما ليش دعوة بالسياسة ) .

5- موقفه المخزى من قضية الحجاب ، واجازته لساركوزى عندما كان وزيرا للخارجية الفرنسية بسن قانون بحظر ارتدائه فى المدارس ، وحربه الشعواء على النقاب بعد زيارته لأحد المعاهد الأزهرية فى العام الماضى ، حيث وجد فتاة صغيرة منتقبة ، فانفعل عليها ، وأمرها بخلع النقاب ، وعندما فعلت ، تهكم بها وهو الشيخ العجوز قائلا : ( لم انت كده امال لو كنت جميلة شوية كنتى عملت ايه .. أنا أفهم فى الدين أكتر منك ومن اللى خلفوكى !! ) ، وهو كلام لا يدانيه فى الغلظة والصفاقة أى كلام من أى مسئول فى أى بلد من بلاد العالم ، وهو ما أعطى رخصة للمعاهد والجامعات فى حرمان المنتقبات من دخول الامتحانات ، والمدن الجامعية ، ومما يثير العجب أن الشيخ لم يوجه نقدا ولو رقيقا للمتبرجات والمتعريات ، أو حتى دعوة عامة للنساء الى الاحتشام والتواضع فى زينتهن وأزيائهن ، رغم أن الحجاب أمر الهى أجمع عليه المسلمون ( يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) الأحزاب 31 ، ( ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن .. ) النور 31 ، ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) الأحزاب 33 .
6- بعد الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول الكريم ( ص) ، كان كل ما قاله : ( لا يجوز الاساءة للأموات ) ، وكأن خير خلق الله أجمعين لا يعدو الا أن يكون واحدا من الأموات ، والمسلمون يذكرونه بالصلاة والسلام عليه فى كل صلاة ، ومأمورون بالدفاع عن عرضه ، والذب عنه .

7- اشتراكه فى تلك المؤتمرات الهزلية العبثية المسماة بحوار الأديان ، وكل ما فيها من أهل الكتاب هم من غلاة المتعصبين والمعادين للاسلام ، بل ان المدهش أنهم لا يعترفون بالاسلام كرسالة سماوية ، وينظرون اليه كحركة سياسية واجتماعية ، قام بها محمد ، وهو ليس نبيا فى عرفهم ، وانما رجل صاحب أفكار وطموحات ، نفذها فى بيئته الأعرابية الصحراوية ، فكيف لكبير علماء المسلمين يجامل ويتزلف لهؤلاء الذين لا يعترفون حتى بشرعية دينه ؟!

8- سوء ادارته لكل ما يتعلق بالأزهر ومجمع البحوث ، وفظاظته فى التعامل مع كل المخالفين له ، ومن سلسلة طويلة من تجاوزاته وحماقاته استصداره قرارا من محافظ القاهرة برقم 318 لسنة 1998 بحل جبهة علماء الأزهر ، وهى التى عرفت بمواقفها الشريفة والنزيهة تجاه قضايا الاسلام ، واحالته كلا من د . ابراهيم خليفة ، رئيس قسم التفسير ، بكلية أصول الدين ، و د . حسن محرم ، أستاذ العقيدة بنفس الكلية ، الى التحقيق بتهمة توزيع منشورات تسئ الى مقامه ! ، والغاؤه لمقرر الفقه على المذاهب الأربعة ، والذى يدرسه الطلاب بالأزهر ، واحلاله بواحد من مؤلفاته الفقهية ، مما حرم الطلاب من سعة الأفق فى فهم ومعرفة المذاهب المختلفة ، ومنعه طبع فتاوى الشيخ جاد الحق ، وهو شيخ الأزهر السابق ، لتعارضها مع فتاويه ، وحرمانه آلاف الدعاة الأزهريين من الخطابة فى المساجد ، وقصر ذلك على موظفى وزارة الأوقاف ، ومساندته اغلاق كثير من المساجد التى تنطلق منها الدعوة ، وتأييده احالة دعاتها من أعضاء الجماعات الاسلامية الى المحاكم العسكرية ، وفرضه على مجمع البحوث بيانات تصدر باسمهم لا يعلمون عنها شيئا ، ولم يشتركوا فى مناقشتها ، أو صياغتها ، مثل بيان تأييد بناء الجدار العازل مع غزة ، وبيان سحب ملحق مجلة الأزهر من الأسواق ، وهو الذى كتبه د . محمد عمارة ، بطلب من مجمع البحوث ، ليرد فيه على ادعاءات النصارى بألوهية المسيح عليه السلام ، وصلبه ، وعلى تحريف أهل الكتاب للتوراة والانجيل .

9- امتهان الشيخ لنفسه ، وتقليله من قدره ومكانته ، حيث وصف نفسه ( أنى موظف حكومه ) ، والسوقية والابتذال فى كلامه وتعبيراته ، وليس أدل على ذلك من كلامه فى حادثة النقاب ، وعندما سئل عن ذلك قال : ( أنا لا أرد على السفهاء ، أنا أقول بمنطق الشرع ، وليس بالفشر والأونطة يكون الحديث ) .

هذه كفة الآثام والسوءات ، قد طفحت بما فيها ، وهناك المزيد مما أغفلته ، حتى لا يبدو الأمر وكأننى متتبع لعورات الرجل ، محصى لزلاته ، وما ذكرته من معايب أمورا لا خلاف فيها ، ولا مجال لجدال أو نقاش عليها، مما خالف فيها الناس جميعا من علماء وعامة ... نظرت الى الكفة الأخرى لعلى أجد حسنة تشفع للشيخ ، فلم أجد ، فأرجعت البصر مرة أخرى ، غير أننى لم أر شيئا ، فأعدت البحث والتأمل ، لعل مثقال ذرة من خير قد تاه هنا أو هناك ، فارتد الى البصر لم يقع على شئ ، فدققت ومققت ، ومددت يدى أتحسس ، فما عثرت على شئ ... كفة خاوية خالية عارية تماما ، رغم سنواته الطوال فى مشيخة الأزهر ، ورغم مشاكل المسلمين التى لا تعد ، وقضاياهم التى لا تحصى ، وحاجتهم الملحة الى من يأخذ بيدهم ، وينير طريقهم ، ويدفع عنهم الظلم والمعاناة ، ويتصدى لمن ظلموهم من سلاطين الداخل والخارج ، وعصابات الفاسدين والمضللين ، ومن استحلوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم ، ولم يرقبوا فيهم دينا ولا ذمة ، ومن تجرأوا على ثوابتهم ومقدساتهم ، فكيف للمرء أن يفوت عمره المديد ، ويبدد فرصه واحدة تلو أخرى ، ويخرج من الدنيا كما دخلها ، خالى الوفاض من كل خير ، صفر اليدين من كل حسنة ؟ واستحضرت التصوير القرآنى لمشهد مهيب من مشاهد يوم القيامة ، والأذلاء الضعفاء المرتعدون من حكامهم وكبرائهم يلقون باللوم عليهم فيما اقترفته أيديهم من ذنوب وآثام ، وخيانة للأمانة ، وتقصير فى حق البلاد والعباد ( ولو ترى اذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم الى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين ) سبأ 31 ، فيرد عليهم سادتهم من كبراء الدنيا ( قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد اذ جاءكم بل كنتم مجرمين ) سبأ 32 ، فيلقون باللوم على الشيطان الذى وسوس لهم حب الدنيا ، وزين لهم المنافع والشهوات ، وأقعدهم عن قولة الحق ، وفعل الخيرات ، ولكنه يتبرأ منهم ، كما تبرأ السادة والكبراء ( وقال الشيطان لما قضى الأمر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان الا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخى انى كفرت بما أشركتمون من قبل ان الظالمين لهم عذاب أليم ) ابراهيم 22 ، ثم يصدر الأمر الالهى ( فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التى كنتم بها تكذبون ) سبأ 42 .

 

رحم الله شيخنا الجليل

 

ثالثا : رأى الآخرين فى شيخ الأزهر

لم يدهشنى كثيرا أن أكثر من أحزنهم موت الشيخ هم من غير المسلمين ، مثل اسرائيل والغرب والفاتيكان والكنيسة المصرية ، بل وحتى FoxNews ، وقد تناول David A Graham فى مقاله No Great Sheiks بمجلة Newsweek الأمريكية ، والمنشور بتاريخ 12-3-2010 ، تناول بالتحليل مكانة طنطاوى ودوره كحليف للغرب ، وحليف للنظام المصرى ، حتى ولو أدى ذلك الى مجافاته لتعاليم الاسلام فى فتاويه، يقول ابراهيم موسى أستاذ الدراسات الاسلامية بجامعة Duke University فيما يرويه الكاتب : Tantawi was not only pro-Western, he was often pro-autherity and did his best to satisfy such authority , even if it meant that he had to cut corners with the body of ethical and moral rulings in Islamic teachings . His Fatwas were not often carefully argued and scripted . They lacked a granular discussion of complex and controversial issues , and often he would cherry-pick from the tradition without proper justification ، ثم يقول كاتب المجلة الأمريكية : ان تأييد الشيخ للجدار العازل جلب عليه الاتهامات أنه أكثر ولاء للرئيس مبارك عن اهتمامه بأرواح المسلمين المحاصرين ...the sheik was more concerned about backing Mubarak , who appointed him , than about the lives of Muslims ، ثم يقول : كما أن النظام المصرى فقد مصداقيته وشرعيته ، فكذلك شيخ الأزهر As Mubarak's regime has lost credibility and legitimacy , so has the sheik of Al-Azhar ، ويذكر الكاتب أمثلة لدوره المخالف لتعاليم الاسلام مثل تأييده لنظام البنوك الربوية ، ودعمه لفرنسا فى منع الحجاب ، ثم يمضى الكاتب فيعقد مقارنة بين الشيخ طنطاوى والشيخ القرضاوى ، ويصف شعبية القرضاوى الواسعة ، ومكانته المحترمة عند عوام المسلمين والمنظمات الاسلامية المختلفة ، ثم ينتهى بنصيحة الغرب للتركيز على التعامل مع شيوخ من ذوى المكانة كالقرضاوى ، بدلا ممن فقدوا أهليتهم كطنطاوى And since Obama , Sarkozy , and other Western policymakers are already known in the region to back corrupt Muslim regimes at the expense of democratic movements , they would do well to focus on truly popular preachers like Qaradawi rather than discredited ones like Tantaei ، لهذا الولاء والاخلاص للغرب ، ينعاه الرئيس الأمريكى بأنه a voice for faith and tolerance ، وتصفه وزيرة الخارجية Hillary Clinton بكونه an important voice for dialogue among religions and communities ، ويبكيه الرئيس الفرنسى The world has lost a premier figure in the effort to foster intercultural and intrreligious dialogue ، وتعلن الكنيسة المصرية عليه الحداد ، ويخرج واحد من كبار أساقفة الفاتيكان للتعبير عن حزنه وأساه لفقده ، وكل ذلك يذكرنى بمقولة الامام الخومينى ( من يرضى عنه الغرب والأمريكان لا بد أن يكون متهما فى دينه ووطنيته ) ، وهى مقولة لا تحتاج الى برهان.

رابعا : تصورات المستقبل لمشيخة الأزهر

 

المفتى الليبرالى على جمعة يتسلم جائزة نادى الأسد وهو نادى ماسونى وفى هذا الحفل غنى له سمير صبرى " هابى بيرس دى يا مفتى " مما أثار حفيظة المسلمين , فهل يصلح هذا الرجل لمنصب شيخ الأزهر ؟؟!!

 

يرشح المحللون ، وكتاب الصحافة ، بعض الأسماء لخلافة طنطاوى ، ويرون أن المفتى على جمعة ، أو وزير الأوقاف زقزوق ، أو أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق ، هم أكثر الناس حظوة لتولى مشيخة الأزهر ، والعجيب أنهم لا يختلفون عن طنطاوى فى قليل أو كثير ، ولكل واحد منهم مآخذ خطيرة ، فالمفتى يوصف بتجنبه لكل القضايا الكبيرة ذات الأهمية للناس ، مثل موضوع بيع الغاز المصرى لاسرائيل بأقل من سعر تكلفته ، وشراء مصر للغاز من الخارج ، وقوله عن الأمر أنه قضية سياسية وليست دينية ، رغم أن الغاز ، وكل ما تخرج الأرض ملك للناس ، وليس للنظام ، ولا يحق لأحد تبديده ، أو التفريط فيه لأعداء الأمة ، أو استخدامه فى غير مصلحة الناس ، كما أن المفتى عرف بتضييع الوقت والجهد فى أمورليس من الحكمة أو الضرورة تناولها مثل بول الرسول (ص) ، ولا أنسى له احتفاله بعيد ميلاده السابع والخمسين فى نادى Lions مصر الدولى ، فى وسط حشد من الفتيات المتبرجات ، وسمير صبرى يغنى له happy birthday ya mufti ، وللكل أن يتصور الشيخ بقامته المديدة ، وعمامته وجبته ، وسط مجموعة من فتيات النوادى ، وشخصية هزلية كسمير صبرى تغنى له بالانجليزية ، مشهد عبثى ساخر ، يبعث على الأسى والحزن ، والمدهش أن لجنة الفتوى بالأزهر فى 15-5-1985 قد أفتت بتحريم الانتساب لتلك الأندية ( .. ومن بين هذه الوسائل التى يحاربون بها الاسلام وسيلة الأندية التى ينشؤونها باسم الاخاء والانسانية ، ولهم غاياتهم وأهدافهم الخفية وراء ذلك ، ومن بين هذه الأندية الماسونية والمؤسسات التابعة لها الليونز والروتارى ، وهما من أخطر المنظمات الهدامة التى يسيطر عليها اليهود والصهيونية ... ولذا يحرم على المسلمين أن ينتسبوا لأندية هذا شأنها ) ، أما وزير الأوقاف فقد نجح فى شئ لم يستطع أحد من المسلمين الظالمين ، عبر أربعة عشر قرنا ، أو ممن احتلوا بلاد الاسلام فى فترات مختلفة ، أن يفعله ، وهو الغاء وظيفة المسجد فى الاسلام كمكان لصلاة الجماعة ، وتلاقى المسلمين ، وحضور دروس العلم ، وقراءة القرآن ، والاعتكاف ، وغيرها من مهمات بيوت الله ، وتحويله الى مكان تحت القبضة الأمنية المستمرة ، حيث يفتح للصلاة ، ويغلق بعدها ، ويخضع كل الخطباء لاجازة الأمن لهم ، والا حرموا من عملهم ودورهم ، والزامهم بوقت ومواضيع معينة للخطبة ، علاوة على ما يحاول تنفيذه منذ مدة بالآذان الموحد ، رغم معارضة فقهاء الاسلام لذلك لكون الآذان شعيرة وعبادة يتقرب بها الى الله سبحانه ، ومحاولته الأخيرة لوضع كاميرات داخل المساجد ، وغير ذلك من آرائه الكثيرة الفاسدة ، ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها الا خائفين لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم ) البقرة 114 ، أما أحمد عمر هاشم فقد انحدرت جامعة الأزهر فى عهد رئاسته لها الى الحضيض ، لسوء ادارته ، وعكوفه على محاربة الطلاب من أصحاب الميول الاسلامية ، وتجاهله لدوره فى تحسين مستوى الجامعة ومقرراتها وطلابها ، علاوة على مشاركته الاسمية فى كثير من اللجان والهيئات ، رغم عدم أداء دوره فيها ، ومنها لجنة تقييم واختيار الفائزين بجوائز الدولة فى العلوم الاجتماعية ، مما جعله يصوت لسيد القمنى ، على أعمال كلها تهجم وعداء للاسلام ، ولما سئل عن ذلك أفاد أنه لم يطلع على شئ منها ، أى أنه رضى أن يتقبل المكافئات والهبات على عمل لا يقوم به ، فكيف به أن يتولى أمانة عمل جليل وخطير كمشيخة الأزهر ؟!

ما هو الحل ؟

1- اعادة فصل الأزهر ودار الافتاء عن سلطان الدولة ، أو على الأقل النص فى دستور الدولة ، أو اللوائح والضوابط المنظمة لعمل شيخ الأزهر والمفتى ، على أن يكونا غير خاضعين للنظام السياسى ، أو السلطة التنفيذية من قريب أو بعيد .

2- جعل اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب من بين خيرة علماء المسلمين ، فى جميع بلاد الاسلام ، وليس فى مصر فقط ، ممن عرف عنهم الأمانة والنزاهة ، وسعة العلم ، والشجاعة فى الحق ، وغيرها من صفات العلماء ، واعادة تكوين لجنة كبار العلماء ، والتى تضم ممثلين من كل الدول الاسلامية ، ويكون لها حق مراقبة أداء شيخ الأزهر ، ومحاسبته ، وعزله ان اقتضى الأمر ، أما المفتى فيختار أيضا بالانتخاب من بين خيرة فقهاء المسلمين ، على أن يكون أمرا مصريا فقط ، وذلك لاختلاف ظروف وأحوال بلدان المسلمين ، مع تكوين مجمع فقهى اسلامى يضم كبار علماء الفتوى فى جميع بلاد العالم للنظر فى القضايا الكبرى التى تحتاج لرأى جماعى يحسم الخلاف ، ويمنع الفوضى فى اصدار الفتاوى ، ويحول دون الجهلاء والسفهاء من تضليل الناس ، والعبث بحرمات الاسلام ، والقضايا المعاصرة التى يتعرض لها المسلمون مثل المعاملات البنكية ، والقروض ، وزراعة الأعضاء ، وعلاقات المسلمين بغيرهم فى أزمان الحرب والسلم ، واستخدام الأدلة الجديدة فى الجرائم مثل البصمة الوراثية ، ومعاملات وأحوال المسلمين فى بلاد الغرب أو بلاد غير المسلمين ، وغير ذلك الكثير مما يحتاج لعمل وجهد ورأى جماعى .

3- اعادة فصل الأوقاف عن الدولة ، أو على الأقل جعلها قطاعا اقتصاديا له ضوابطه ومصارفه الخاصة ، واستخدام موارده فى أعمال الخير ، والتكافل الاجتماعى ، ودفع مرتبات شيخ الأزهر والمفتى ، وخطباء المساجد ، وغيرهم من العاملين فى قضايا الاسلام وشئونه وكذلك الهيئات والمؤسسات والمعاهد والمدارس الدينية ، مما يعطى وقاية من الوقوع تحت ضغوط النظام السياسى ، ويحفظ لعلماء المسلمين قدرهم ومكانتهم ، ومما يجدر ذكره هنا أن الكنائس فى الغرب لها ممتلكاتها وأنشطتها الاقتصادية المختلفة والتى تقدر بمئات البلايين من الدولارات .
ان اعادة الاعتبار والدور لعلماء ومؤسسات الاسلام أمر شديد الالحاح والأهمية ، لما له من انعكاسات ايجابية كثيرة على سلامة المجتمع ، وتوافق فئاته ، وسلوكيات أبنائه ، وتقوية جبهته الداخلية وتمكينها من صد الهجمات التغريبة على ثقافة المجتمع ، بل وصد الهجمات العسكرية أيضا ، والصمود فى وجه الضغوط الاقتصادية ، والمناورات والألاعيب السياسية ، كما أن اطمئنان المسلمين لفتاوى علمائهم ، وثقتهم واحترامهم لهم ، واحساسهم بدفاع العلماء عن حقوقهم ، وردهم لمظالمهم ، لمما يزيد ترابط بنيان المجتمع ، ويحفظ وحدته واستقراره ، ويبعث فى نفوس الناس الاطمئنان على سلامة شعائرهم وعباداتهم ، يقول عماد الدين حسين فى مقاله ( حتى يعود الامام كبيرا ) ، والمنشور بصحيفة الشروق 13-3-2010 : ( لكى يستعيد هذا المنصب فعاليته ، وتأثيره فى عموم الناس ، فلا بد لشاغله من صلاحيات تجعله مستقلا بالفعل ... وأن يكون جامعا بين علوم الدين وعلوم الدنيا ، ومثقفا موسوعيا ، وملما بمعظم ما يشغل الناس ، حتى ولو كانت الكرة والأغانى .. لكى يعود الامام كبيرا بالفعل فلا بد أن يستعين بمستشارين ثقات فى جميع المجالات .. فليت الشيخ الجديد يمتلك شجاعة المواجهة مع ذوى السلطان والمسئولين الفاسدين .. نريد منه على الأقل ألا يتحول الى المروج الدينى لأفعال حكومية فاضحة ) .

ياليت شيوخ الأزهر ، وعلماء المسلمين جميعا يهتدون بتعاليم الاسلام ، ويقتدون بكثير من العلماء المجاهدين أمثال الامام أحمد بن حنبل ، وشيخ الاسلام ابن تيمية ، والعز بن عبد السلام ، وشيخ الأزهر السابق ( 1952-1954 ) محمد الخضر حسين ، والذى عندما أصرت حركة 23 يوليو على ضم القضاء الشرعى للقضاء المدنى ، اعترض على ذلك لأن شريعة الاسلام هى من يجب أن تهيمن على ما سواها ، وقدم استقالته ، قائلا : ( ان الأزهر أمانة فى عنقى ، أسلمها حين أسلمها موفورة كاملة ، وان لم يتأت للأزهر مزيد من الازدهار على يدى ، فلا أقل من ألا يحصل له نقص ) .
هؤلاء هم العلماء ، وليس الشيخ طنطاوى ، الذى أهدر كرامة الأزهر ، ومكانة العلماء ، وتجرأ على ثوابت الاسلام ، وشاعت فى عهده فتاوى الفساد والضلال ، واذا كان رسولنا الكريم (ص) اعتبرنا شهودا لله فى الأرض ( أنتم شهداء الله على الأرض ) ، وحيث أننى واحد من هؤلاء ، فأنا أشهد الله أن شيخ الأزهر قد خان الأمانة ، وخذل الأمة ، وفرط فى حقوق الاسلام والمسلمين ، وامتدت يده تصافح قاتلى المسلمين ، وترفع مع ساركوزى ، وأمن الجامعات ، حجاب المحجبات ، ونقاب المنقبات ، وتحل للناس ربا البنوك ، وتخنق أهلنا فى غزة ظلما وعدوانا ، وتحرم مقاتلينا فى العراق وفلسطين من غطائهم الشرعى لمقاومة الاحتلال والعدوان ، وأشهد الله أنه روع فتاة صغيرة بريئة ، وتهكم من جمالها الذى خلقت ، وأنت من أحسن كل شئ خلقه ، اللهم أنى برئ من كل من يبغى على عبادك ، وينتهك حرماتك ، فأبدلنا يارب العالمين بأمراء لا يظلمون ، وعلماء لا يبغون الا وجهك الكريم.

سعد رجب صادق
saad1953@msn.com

موضوعات لها صلة:

الزيارة


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية