مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 الاصلاح والتغيير .. والمسألة القبطية .. 1
...............................................................

 

السؤال الآن: وبعد كل هذه الحقائق هل هناك اضطهاد للأقباط فى مصر؟

 

بقلم : سعد رجب صادق
............................

يحتاج المجتمع الرشيد الى التأليف بين جميع ملله وأعراقه وطبقاته ، واشاعة أجواء التناغم والمودة بينهم ، ولا يمكن أن يتحقق ذلك الا تحت نظام قوى ينشر سلطان العدل بين الناس جميعا ، ويمنع الجور والظلم عن الأفراد والجماعات ، ويكبح فى نفس الوقت جماح كل خارج على هيبة الدولة ، أو متمرد على هيمنتها ، وقد نجح المسلمون بدرجات متفاوتة ، وخلال اثنى عشر قرنا تحت دولة الخلافة وحتى سقوط الحكم العثمانى ، فى تحقيق تلك المعادلة ، رغم الفتن الكثيرة ، والمؤمرات الداخلية والخارجية ، ورغم التنوع الهائل فى الأديان والأجناس واللغات والعادات والتقاليد ، ويعزى الفضل فى ذلك الى تعاليم الاسلام التى تقر اختلاف البشر ، وان ساوتهم جميعا فى الأصل الانسانى والمنشأ ، ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ) النساء 1 ، ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ..) الروم 22 ، ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ..) المائدة 48 ، وفى نفس الوقت لم تعرف المجتمعات الاسلامية فى تراثها الدينى والتاريخى ، واسهاماتها الحضارية ، ما يعرف الآن بمصطلح الاثنية
ethnic ، والذى يشمل فى التعريف الغربى الأبعاد العرقية racial ، والقومية national ، والقبلية tribal ، والدينية religious ، واللغوية linguistic ، والثقافية cultural ، ويجعل من كل مجموعة اثنية ethnic group كيانا مختلفا عن بقية المجتمع ، بينما اقتصر الأمر دائما فى تراثنا الاسلامى على الجانب العددى عند الحديث عن الأقلية أو الأكثرية ، وهى ميزة فريدة تحسب للاسلام الذى اهتم بالجوامع الانسانية المشتركة للناس جميعا ، وتقبل فى نفس الوقت تنوعاتهم وتبايناتهم كواحدة من السنن الالهية ، والتى لا تعيب أحدا ، أو تنتقص من قدره ، ولكنها تحض وتعلى من قيم التعارف والتعاون والتكافل وفعل الخيرات ، ( يا أيها الناس ان خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات 13 ، ومع الهجمة الاستعمارية على بلاد العرب والمسلمين ، وغيرها فى أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ، أيقظ الغرب كل النزعات العرقية والطائفية ، ولم يرحل الا بعدما أجج الخلافات والعداوات ، وأوجد الحواجز والحدود ، وأبقى نيران الصراعات مستعرة فى كل مكان ، والعجيب أن الغربيين الذين لا يسمحون لأقلياتهم بالخروج على المجتمع يشجعون الفتن والمؤمرات ، ويؤازرون التمردات والانشقاقات ، ولا يبخلون بالدعم المالى والسياسى والاعلامى والعسكرى لكل فئة باغية ترغب فى اضعاف بلدها وتقسيمه ، وهم عندما يفعلون ذلك يعلمون أن قوة أى مجتمع فى وحدة نحله وأجناسة ، وأن انفراط العقد بينهم يقود الى الفوضى والاضطرابات ، ويضعف واللحمة والتماسك ، ويفتح الأبواب للتدخلات الخارجية ، والمتأمل فى بعض الحالات العربية والاسلامية يدرك هذا الدور القبيح فى انفصال تيمور الشرقية عن أندونسيا ، والدور الغربى والاسرائيلى فى فتنة جنوب السودان ودارفور ، ودعم الأكراد فى شمال العراق للانفصال أو الحكم الذاتى ، كما أن تقسيم يوغسلافيا ، وتفكيكها الى دويلات هزيلة ، والحروب العرقية فى الكونغو ورواندا وغيرها من البلدان الأفريقية ما زالت متقدة ، تحصد الأرواح ، وتنشر الخراب والدمار .

والمسألة القبطية فى مصر وما حدث لها من تطورات خلال العقود القليلة الماضية مثال صارخ آخر على دور الغرب المشبوه ، وتوقه الى اضعاف المجتمع المصرى ، بل والى تفكيكه وتقسيمه ان أمكن ذلك ، وقد ساعدت عوامل مختلفة على تردى تلك المشكلة وتفاقمها، ومنها ضعف النظام وعجزه عن بسط سيطرته ، بما يصون الحقوق ، ويمنع البغى والعدوان على الأفراد أوعلى الدولة ، وكذلك الدور المشبوه لأقباط المهجر فى التلاعب باستقرار المجتمع ووحدته ، وتأليب العالم عليه ، واعطاء الغرب الحجج والمعاذير للتدخل فى شئونه ، ناهيك عن تهريج الاعلام المنافق وأكاذيبه محليا وعالميا ، وموقف الكنيسة البهلوانى والذى يتمنع تارة ، ويلتزم الصمت تارة أخرى ، ويوالى النظام معظم الوقت ، ويبتزه بعض الوقت ، والعجيب أن مشكلة بتلك الخطورة والأهمية لم تحظ بالاهتمام الكافى للبحث فى أسبابها ، وتقديم الحلول المناسبة لها ، واقتصر الأمر على تصريحات المسئولين البلهاء، ولقاءات شيخ الأزهر الهزلية مع البابا ، ومقالات الكتاب التى تستغل كل شئ ، وتتاجر فى كل شئ ، وتتحدث عما يسمونه تعانق الهلال مع الصليب ، وعن الزميل القبطى ، والصاحب القبطى ، والأمهات المسلمات اللاتى يرسلن أبناءهن بكعك العيد للجار القبطى ، وغير ذلك مما يستخف بالعقول ، ولا يصلح لحل المشكلة ، أو توفير الأمن والاستقرار لمجتمع يترصد به الأعداء ، والحقيقة التى ينبغى أن نعلمها جميعا أن طريقة الترقيع والاستهبال ، وقد أصبحت المنهاج الذى نتعامل به مع قضايانا وأزماتنا ، لن تحقق لنا خيرا ، وأن المسألة القبطية ، وغيرها من مشاكلنا ، تحتاج الى أمانة وشجاعة فى تناولها ، والى حلول جذرية ، تقضى على الخلل ، وتعالج العلل ، وتضع كل شئ فى مكانه الصحيح ، وبالطريقة الصحيحة ، وتسن التشريعات الصارمة ، والعقوبات الرادعة لكل متلاعب أو أفاك ، وتتناول تلك السلسلة من المقالات الملف القبطى من جميع جوانبه ، بأمانة تجافى المجاملة والتدليس ، وشجاعة ترصد مواطن الداء ، وتقترح الحلول والمعالجات ، فقد سئمنا الترقيع ، ومللنا الاستعباط والاستهبال .

 

الأنبا شنودة من جيل المتمردين القدامى فى الكنيسة على البابا كيرولوس وفى عهده انحرفت الكنيسة عن مسارها الدينى وانغمست فى السياسة, ساعد شنوده بعض من المتغيرات الدولية منها سقوط الاتحاد السوفيتى وانفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم , وعندما نفخ الغرب فى نار الاقليات فى العالم قفز على الفرصة وأظهر للعالم بطرق غير مباشرة أن الأقباط فى مصر مضطهدون !! غير أن الأرقام والوثائق تؤكد عكس ذلك.

 

أولا : عدد أقباط مصر

من عجائب المسألة القبطية احاطة الكثير من قضاياها بالسرية والغموض ، وكأنها معلومات حربية ، أو أسرار مقدسة لا يطلع عليها الا الواصلين من أصحاب الحظوة والمكانة ، وليس هناك أدل على ذلك من تعداد أقباط مصر ، والذى يرتفع فى بعض التقديرات الى عشرين مليونا أو أكثر ، وينخفض فى أخرى الى حوالى أربعة ملايين ، ويهمنى هنا القاء نظرة فاحصة مدققة على تلك الروايات الكثيرة ، فى محاولة للوصول الى الرقم الصحيح ، الذى يقبله العقل والمنطق ، وتدعمه الاحصاءات الأمينة ، وتدل عليه التغيرات التاريخية والاجتماعية والدينية والديموجرافية المختلفة .

1- فى عام 1900 ، قدر عدد أقباط مصر ب %6 من عدد السكان ، ( المصدر : Africa Since 1875 : A Modern History , تأليف Robin Hallet ، طباعة The University of Michigan Press , 1974 ) ، ويذكر المؤلف التناقص المتواصل للأقباط منذ ما يسميه الغزو الاسلامى ، وبنهاية القرن التاسع عشر أصبحوا يشكلون أقلية صغيرة لا تتجاوز %6 من المصريين.

2- وفى عام 1945 ، وصل العدد الى %8.33 ، ( المصدر : Encyclopedia of Religion ، المحرر Vergilius Fern ، الناشر Greenwood Press,CT , USA ,1976 ) ، وتشير الدائرة الى أن البعثات التبشيرية الغربية وجدت لها منفذا الى مصر مع الاحتلال الانجليزى عام 1882 ، وأن تعداد الأقباط كان حوالى 12/1 من عدد السكان وقت اصدار طبعتها الأولى ( 1945 ) .

3- وفى فترة السبعينيات من القرن المنصرم اختلفت التقديرات قليلا ، ففى عام 1970 انخفض العدد الى 650,000 ، ( المصدر : A History of the Christian Church , تأليف Williston Walker ، الناشر Charles Scribner's Sons , NY ,1970 ) .

4- وفى عام 1975 ، تباين الرقم ما بين 2,300,000 الى 4,000,000 ، ( المصدر : Area Handbook of Egypt ، تأليف Richard F Nyrop وآخرين ، الناشر The American University ,1976 ، ويذكر المؤلفون أن عدد سكان مصر فى تلك الفترة كان حوالى 38 مليونا ، يشكل المسلمون السنة حوالى %90 منهم ، بينما الأقليات الدينية %5-%10 ، منهم 2,660,000-4,000,000 من الأقباط ، أما المصدر الآخر : Egypt : The Land and its People ، تأليف Michael Von Haag ، الناشر Morristown,NJ : Macdonald Educational,1975 ، فيذكر أن عدد الأقباط 3,700,000 ، وأن الغالبية العظمى من نصارى مصر قد تحولوا الى الاسلام بعد الفتح العربى ، ومن بقى منهم ما زال يلعب دورا هاما فى الحياة المصرية ) .

5- وفى عام 1977 قدر العدد بحوالى 3,000,000 ، ( المصدر : Egypt , Rebirth on the Nile ، تأليف Lila Perl ، الناشر Willam Morrow and Company ,NY ,1977 ) ، وتذكر المؤلفة أن الأقباط يشكلون غالبية نصارى مصر ، ويعيش معظمهم فى الصعيد .

6- أما فى الثمانينات فكان العدد حوالى 5,000,000 ، ( المصدر : The Middle East ، تحرير David R Tarr , Daves R Bryan ، واصدار Washington ,D.C.: Congressional Quarterly Inc.,1986 ، ويذكر المصدر أن عدد سكان مصر حينذاك هو 45,364,000 ، يشكل المسلمون منهم %93 ، بينما الغالبية البقية من الأقباط ، بعدد يتراوح بين 4-8 ملايين ، وأن 5 ملايين هو العدد الأكثر ترجيحا ، with 5 million the most likely number ).

7- فى فترة التسعينيات ، تباين الرقم ما بين 3,840,000 الى 10,000,000 ملايين ، أى بين %6 الى %15.79 من السكان ، والبالغ عددهم حوالى 52,500,000 مليونا فى أواسط هذا العقد ، ويلاحظ هنا أن المصادر القبطية هى صاحبة الأرقام الكبيرة ، ( دائرة المعارف القبطية Encyclopedia Captica,1992 ، والتى قدرت العدد بتسعة ملايين ( %15.79 ) ، The Coptic Orthodox Diocese of the Southern United States,1997 ، والتى أوصلت العدد الى عشرة ملايين ) ، بينما المصادر الأخرى تراوح العدد بين 3,840,000 ( %6 ) كما فى ( Africa 1997 , The World Today Series ، اعداد Pierre Etinne Doster ، ونشر Stryker-Post Publication ,W.V.,1997 ) ، أو 4,462,500 ( Library of Congress Country Studies ,1995 ) .

8- وفى العقد الأول من الألفية الثالثة ، صدرت تقديرات لمصادر مختلفة أهمها أطلس العالم, 2008 HRW World Atlas , Holt,Rineehart and Winston، والذى ذكر أن نسبة الأقليات الدينية فى مصر %6 ، حسب احصاء 2001 ، يشكل الأقباط الجزء الأكبر منها ، بينما ذكر تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية U.S. Dept. of State ,International Religious Freedom Report ,2008 أن عدد نصارى مصر يتراوح بين 6-10 ملايين ، أى بنسبة %8-%12 ، بينما عدد المسلمين السنة 79 مليونا ( %90 ) ، والشيعة %1 ، واليهود 200 فرد ، والبهائيين Baha'is حوالى 2000 ، وشهود يهوه Jehovah's Witnesses حوالى 800-1200 ، وفى احصائيات مركز Pew الأمريكى ( American Pew Forum on Religious and Public Life )، والتى صدرت فى اكتوبر من العام الماضى (2009)، قدر عدد مسلمى مصر ب 78,513,000 مليونا ، أى %94.6 من اجمالى السكان ، و %5 من عدد المسلمين فى العالم ، والذى يقدر ب 1,571,198,000 ، بينما الأقليات الدينية الأخرى بما فيها الأقباط لا تتجاوز %5.4 ، واعتمد المركز على ما يعرف ب DHS أو Demographic and Health Survey ,2005 ، وهو رقم مقارب لما أعلنته الفاتيكان فى فبراير من هذا العام ، حيث قدرت عدد أقباط مصر بحوالى 4.5 مليونا ، وهناك مصادر أخرى قدرت نسبة الأقليات الدينية فى مصر بحوالى %6 ، ومنها World Religion Database , World Christian Database , World Value Survey , Vatican Encyclopedia , Catholic Encyclopedia , Columbia E ncyclopedia ، وغيرها .

9- هناك أقليات نصرانية أخرى فى مصر ، يتبعها أعداد تتراوح بين عدة مئات الى عدة آلاف ، وهى كالآتى :

الأقباط الكاثوليك Coptic Catholic ، ويقدر عددهم بحوالى 162,000 ، حسب احصاء cnewa ( منظمة باباوية ) لعام 2007
النصارى الانجيليون Evangelical ، ويبلغ عددهم 250,000
النصارى Episcopal ، وهى طائفة بروتستانتنية ، وعددهم 10,000- 15,000
النصارى Presbyterian ، وعددهم 50,000
الانجيليون التابعون لكنيسة Synod of the Nile ، وعددهم 75,000
النصارى التابعون ل Assemblies of God ، وعددهم 75,000
النصارى Free Methodist ، وعددهم 20,000
النصارى Christian Brethren ، وعددهم 15,000
النصارى التابعون لكنيسة Pentecostal Church of God ، وعددهم 3,775
النصارى التابعون لكنيسة Pentecostal Holiness Church ، وعددهم 1,400
النصارى التابعون لكنيسة Church of God Prophecy ، ويبلغ عددهم 1,1000
النصارى Baptist ، وعددهم 1,000
النصارى التابعون لكنيسة Seventh-day Adventist Church ، وعددهم 852


ما هى المشكلة ؟

من الأشياء التى تبعث على الريبة والضجر فى نفس الوقت ، أن يلجأ المرء الى كل هذا الجهد للتعرف على عدد أقباط مصر ، رغم أن أعداد الناس فى كل مجتمعات البشرية ، أيا كانت ألوانهم أو أعراقهم أو دياناتهم ، لمن الأمور السهيلة اليسيرة ، والمتاحة أيضا لكل دارس أو مهتم أو مطالع ، ومصر من البلاد التى عرفت الاحصاء الدورى لسكانها منذ عقود طويلة ، ولا يعقل أن يتحول عدد فصيل من أبنائها الى سر مكين ، لا يطلع عليه أحد ، رغم أن هذا الاخفاء والكتمان يفتح المجال للأقوال المتضاربة ، والأرقام المتباينة ، ويضطر الباحث للمراجع الأجنبية فى قضية محلية ، ومن المثير للدهشة والعجب أيضا أن تنبرى الكنيسة المصرية ورجالها واعلامها للتهجم على كل من تسول له نفسه ، أن يكشف هذا السر ، أو يحوم حوله ، بل ان الأمر ليتجاوز حد الدهشة والعجب ، ويتعدى الريبة والضجر ، ليصبح أمرا ماجنا هزليا ، يبعث على الاستنكار والهزء والسخرية ، وقد ذكرت صحيفة المصريون فى 11-2-2010 ، أن اعلان الفاتيكان عن عدد أقباط مصر ( 4.5 مليون ) قد أثار صدمة داخل الكنيسة ، والتى تشير تقديرات بعض قياداتها الى أن العدد يتراوح بين 10-15 مليونا ، وكان شنودة قد صرح للتلفزيون المصرى فى اكتوبر 2008 أن العدد هو 12 مليونا ، وصرح الأنبا أرميا ، الأسقف العام وسكرتير البابا شنودة أن عدد الأقباط قد تجاوز 11 مليونا ، غير أن الشئ الملفت هنا هو كيف ٌتلوى أعناق الحقائق ، وكيف يجد أقباط مصر المعاذير البلهاء لعدم الحديث عن عددهم ، ومن ذلك ما ذكره جمال أسعد عبد الملاك ، وهو أحد كتابهم ومفكريهم ، عقب اعلان الفاتيكان ، وطبقا لما نشرته المصريون فى خبرها السابق ، حيث يقول : ان احصائية الفاتيكان مرفوضة ، وأنها تدخل فى الشأن المصرى ، وأنها تثير نعرات طائفية لخدمة مصالح غربية ، وأنه يرفض الحديث عن نسبة الأقباط من جانب المسلمين أو الأقباط ، لأن ذلك يقود الى المحاصصة ، ويؤدى الى لبننة مصر ( يقصد تحويلها الى ما يشبه لبنان ) ، ويكرس الطائفية ، ويخدم أجندات أجنبية ، والمتأمل هنا لا يجد عناء فى ادراك اعوجاج منطق عبد الملاك ، وحجره على المسلمين والأقباط فى مسألة تخصهما معا ، غير أن المتابع يدرك بسهولة أسباب غضب الكنيسة ، ورجالها والمدافعين عن مواقفهما ، وهو ما أفصح به كاتب ومفكر قبطى آخر ، هو رفيق حبيب ، والذى قال حسب نفس الخبر المشار اليه فى ( المصريون ) : ان احصاء الفاتيكان هو الأقرب للواقع ، لأنه يستند الى العديد من الاحصائيات والدراسات العلمية ، وأن معظم الاحصائيات الرسمية فى مصر منذ الخمسينيات تؤكد أن نسبة الأقباط ما بين %6-%8 من سكان مصر ، وأضاف أنه استنادا الى دراسة لجامعة أكسفورد البريطانية ، فان فروق المواليد بين المسلمين والمسيحيين فى مصر ، تؤدى الى تناقص نسبة المسيحيين بمقدار %2 كل مائة عام ، نظرا لتزايد مواليد المسلمين عن مواليد الأقباط ، ولذا لو افترضنا أن نسبة الاقباط فى مصر فى مطلع القرن العشرين كانت %8 ، فانها الآن تصل الى %6 ، وهو ما يجعل احصاء الفاتيكان صحيحا ، وأضاف ان ما تفعله الكنيسة ليس غريبا أو جديدا ، حتى أنه عندما أجرت بريطانيا احصائية عن عدد النصارى أثناء احتلالها لمصر ، رفضتها الكنيسة ، مثلما رفضت الاحصائيات التى تمت فى عهد عبد الناصر ، وحتى التى أجريت فى التعداد السكانى لعام 1986 ، وأرجع ذلك لرغبة الكنيسة فى الحفاظ على مكاسب سياسية ، أو المطالبة بكوتة سياسية بنسبة %10 فى البرلمان .

وفى مقال محمد بركة بعنوان ( بعد التحية والسلام .. الأقباط عددهم كام ؟ ) ، والمنشور فى اليوم السابع بتاريخ 9-3-2010 ، يذكر الكاتب أن الأنبا مرقص رئيس لجنة الاعلام بالكنيسة القبطية ، وأسقف شبرا الخيمة ، قد أكد أن عدد الأقباط هو 12 مليونا ، بينما يذكر المحامى ممدوح رمزى أن العدد يتراوح بين 15 الى 18 مليونا ، ويذكر أيضا أن بعض الدوائر الصحفية القبطية فى مصر مثل صحيفتى ( وطنى ) ، ( الكرازة ) ، تقدر العدد ب 16 مليونا ، بينما يرى د . نبيل عبد الفتاح ، نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ، أن الرقم فى تقديره كباحث يتراوح بين 6-8 ملايين ، وينهى الكاتب مقاله مندهشا من توقف عدد الأقباط عند حد الثلاثة ملايين ، حسب الاحصاء الرسمى لعام1996
.

الفاحص المدقق لهذا الكم الكبير من الأرقام ، سواء فى المصادر الأجنبية ، أو المحلية ، يستطيع أن يهمل التقديرات المنخفضة ، وكذلك التقديرات المرتفعة ، وهو نفس المنهج المستخدم فى التجارب العلمية ، ثم يركز على التقديرات المتوسطة ، ويقارن الاحصائيات الرسمية بالتقديرات ذات المصداقية مثل تقديرات مركز Pew ، والفاتيكان ، وتقديرات المراجع الأجنبية البعيدة عن التوجه الكنسى ، ثم يضع فى الاعتبار انخفاض متوسط عدد أفراد الأسرة القبطية ، مقارنة بالأسرة المسلمة ، وكذلك الهجرة المستمرة للأقباط الى أوربا وأمريكا الشمالية وأستراليا ، وأيضا التحولات من الأورثودكسية الى الاسلام أو غيرها من الطوائف النصرانية ، لو فعل المرء ذلك سيجد نفسه أقرب الى تصديق الاحصائيات الرسمية ، أو القريبة منها ، والتى تضع العدد حول الأربعة ملايين ، ومما يجدر ذكره هنا أن احصاء عام 1966 ، والذى تم فى الحقبة الناصرية ، قدر عدد السكان ب 27,833,306 ، منهم 2,017,536 قبطيا ، بنسبة %7.2 ، وفى احصاء 1976 ، والذى تم فى الحقبة الساداتية ، كان عدد السكان 34,334,328 ، منهم 2,285,630 قبطيا ، بنسبة %6.2 ، وفى احصاء 1986 ، والذى تم فى الحقبة المباركية ، كان عدد السكان 45,377,538 ، منهم 2,868,139 قبطيا ، بنسبة %5.9 ، وما ذكره محمد بركة فى مقاله السابق الاشارة اليه عن احصاء 1996 ، والذى قدر عدد الأقباط عند 3 ملايين ، ومع مرور 15 عاما على ذلك ، فاننا أيضا نستطيع القول مرة أخرى أن عدد الأربعة ملايين أو ما حوله هو الأقرب للصواب .

ما هو الحل ؟

تخطئ الكنيسة خطأ فاحشا باخفاء أو تضخيم عدد أقباط مصر ، أو التفكير فى المساومة على ذلك بكوتة للنصارى فى البرلمان ، أو تمثيل لهم فى المناصب الهامة ، أو باالتلاعب فى مدى حاجتهم الى بناء الكنائس ، والبديهية التى يغفلها الأقباط هنا أن المجتمع القويم يرعى جميع أبنائه ، ويعدل بين فئاته وطباقته وأقلياته ، حتى ولو كانت أقلية واحدة فقط ، يتبعها شخص واحد فقط ، ومن العبث والمقامرة الاستمرار على هذا الطريق ، لأن الحقائق لا يمكن اخفاؤها ، وايغار صدور المسلمين لن يحقق للأقباط نفعا أو فائدة ، كما أن تلك الأساليب الملتوية لأنصع دليل على كذب وتدليس كل من يبالغ فى نسبة الأقباط وعددهم ، ومن مصلحة الأقباط والمجتمع بأكمله أن يتوحد الجميع لمواجهة الأخطار الخارجية ، ولتحقيق الاصلاح الداخلى ، والذى سينعكس خيرا ورفاهية على مصر كلها بمسلميها وأقباطها ، كما أن الادعاء أيضا بأن الحديث عن العدد يكرس الطائفية ، ويخدم المصالح الأجنبية ، لهو ادعاء فارغ ، فالحقيقة تخدم الجميع ، وتخرس الغرب المتحفز لدس أنفه فى شئوننا ، فيا أيها القائمون على أمر أقباط مصر .. كفى هزلا وعبثا .

سعد رجب صادق
saad1953@msn.com

موضوعات ذات صلة :

الاصلاح والتغيير .. والمسألة القبطية ( 2 )

نعم.. نحن نظلم النصارى!
هل نحن فى طريقنا الى فتنه ؟


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية