مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 عن أي إنسانية يتحدث؟
...............................................................

 

قضايا شائكة

 

بقلم : مسعد غنيم
...................


كنت قد امتنعت عن التعليق على أي مقال للأستاذ أحمد أبو مطر لأنه لم يلتزم بأمانة الحوار "الإنساني" في آخر تعقيب له على مقال فندت فيه مقالا سابقا له . وكان قد اجتزأ عمدا وفي تصرف بائس، بعضا من أقوالي ليثبت بالانتقاء والزيف وجهة نظرة، وهذا ما أثبته في تعقيبي على تعقيبه آنذاك (فضلا يمكن الرجوع لمقالي بعنوان: تعقيب على رد الأستاذ أحمد أبو مطر في 10 مايو 2009). ومن نافلة القول أنه ليس هناك أي فائدة ترجى من حوار يفتقد الأمانة من أحد طرفيه. ولكن كاتبنا نجح في استفزازي للرد علي مقاله الأخير المنشور على صفحات "مصرنا" بعنوان "ياإلهي: كيف ولماذا فقدنا إنسانيتنا؟" ويقصد بـ"نا الفاعلين" هنا العرب والمسلمين، طبعا مقارنة بأصدقائه من خواجات الصهاينة والإمبرياليين!. ما استفزني في مقال كاتبنا هو حجم الاستخفاف الغير معقول بذكاء القارئ من خلال الاجتزاء الفاضح للتاريخ القديم والمعاصر على السواء، بل والاجتراء الصارخ على واقع أحداث لم يجف فيها بعد دم شهداء غزة من الأطفال والنساء، كما أثبتها تقرير جولدستون، والمفارقة المدهشة، في توقيت خان فيه الموساد توقيت كاتبنا، مع خبر اغتيال الموساد لأحد قادة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو محمود المبحوح على أرض دبي العربية، وذلك في مسلسل اغتيالات "إنسانية" طالت محمد مغنية مهندس المقاومة اللبنانية ضد العدوان الصهيوني، وعالم الذرة الإيراني مسعود علي محمدي، والقائمة طويلة طويلة.

يأتي مقال كاتبنا في سياق استراتيجية صهيونية واضحة لما بعد المحرقة في غزة، حيث تعمل إسرائيل، كما خططت سلفا، على استعادة مافقدته في غزة إلى جانب هزيمتها من حيث عدم تحقيق هدفها وهو إسقاط حماس المنتخبة من الشعب الفلسطيني. فقدت إسرائيل في غزة الكثير من مصداقيتها كدولة ديموقراطية في أعين الغرب، كما فقد أصدقاؤها "العرب" جدية مقومات تبرير المشروع الاستيطاني الصهيوني. في إطار هذه الاستراتيجية فليس هناك مفاجأة في توقيت كاتبنا للبدء في تجميل الوجه الصهيوني العنصري المدان عالميا، باستدعاء الوجه المتطرف والمتخلف فقط من الثقافة العربية الإسلامية الواسعة الأطياف شأنها شأن أي حضارة كبرى في التاريخ.

في مقاله المتهافت يحمل كاتبنا بكل "إنسانية" على "همجية" ثقافتنا العربية الإسلامية في مقارنة مع ثقافة "خواجات" الغرب الإنسانية. ويمكن ببساطة دحض كل مقال كاتبنا جملة وتفصيلا بدفع منطقي واحد لاغير، وهو الانتقائية الساذجة والمكشوفة. إن كاتبنا، ببساطة، انتقى كالعادة، ثقافة الأقلية المتطرفة المتحجرة، وثقافة الشارع العربي المتخلف، من كل محيط الثقافة والحضارة العربية، وعمم ذلك الانتقاء ونسف به كل الرصيد الإنساني المتنوع للحضارة العربية الإسلامية. وفي المقابل اختزل كل ثقافة الغرب في القشرة الرقيقة للسلوك الحضاري في الشارع والمستشفى، وتناسى في استخفاف مذهل كم التاريخ الدموى للإمبريالية الغربية التي استعبدت ملايين الأفارقة لتسيير عجلة اقتصادياتها فيما قبل الثورة الصناعية، وأبادت ملايين السكان الأصليين في أمريكا في إطار بناء الإمبراطورية الأمريكية، وأهدرت دم عشرات الملايين من البشر في حربين عالميتين من صنع الغرب "المتحضر" وحده. بل ومازال الدم الفلسطيني والعراقي والأفغاني والباكستاني يجري برصاص "متحضر" وصواريخ "ذكية" أمريكية لاتفرق بين أم أفغانية وأطفالها الأبرياء، وزوجها المقاوم، ذكاء أين منه الغباء العربي والإسلامي كما صوره كاتبنا بذكاء يحسد عليه!.

وفي سياق انتقائيته المستفزة يتسائل كاتبنا عن فقدنا لإنسانيتنا، والسؤال يتضمن نصه أنه كانت لنا إنسانية يوما ما، ولكن الكاتب لم يتبرع ولو مرة واحدة بذكر أي من وجوه تلك الإنسانية الغابرة! هو فقط معني باستدعاء كل موجبات الازدراء والتحقير للثقافة العربية الإسلامية، ليس فقط بالانتقاء الفج، بل وبالنفي المتعمد لكل مايستدعي العكس. ويحق لنا والأمر هكذا أن نربط بقدر كبير من المصداقية بين توجه الكاتب الواضح في معظم مقالاته ومنها هذا المقال وبين استراتيجية تطهير الوجه العنصري اللأنساني للمشروع الصهيوني. من الغريب أن موشى ديان لم يهتم بهذا التجمل أو التطهر عندما بدا في بناء المستوطنات في سيناء والجولان المحتلتين بعد هزيمة يونيو 1967 عندما قال طبقا لرواية نعوم تشومسكي "...نحن نعلم أن بناء المستوطنات على أرض محتلة أمر مخالف للقانون الدولي، ولكن ما الجديد في ذلك؟..." في إشارة واضحة للربط مع الاستيطان الأوروبي للأمريكتين على حساب أرواح الملايين من السكان الأصليين، وهذه إشارة تشومسكي!.

ومن زاوية أخرى وفي إطار انتقائية كاتبنا "الإنسانية"، يتعامى عمدا عن المقابل المنطقي للمتطرفين في الجانب العربي الإسلامي، وهم المتطرفون الغربيون، يهودا على أرض فلسطين، ومسيحيين ويهود في الغرب الأوروبي والأمريكي. لم يفتح الله على كاتبنا بجملة واحدة تكسر انتقائيته المفضوحة عن منطلقات و"دعاء" المتطرفين السلفيين الغربيين يهودا ومسيحيين على المسلمين الكافرين!، والمقتطفات الإنجيلية على وثائق الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق، والصلاة الورعة للجنود اليهود قبل حرق أطفال غزة بالفوسفور!. فقط استحضر كاتبنا بكثافة دعاء الأئمة المتخلفين على "أبناء القردة والخنازير". هذا رغم أن أدبيات الثقافة العالمية تمتلأ بسرديات التطرف والعنصرية والدموية في الثقافة الغربية، ويكفي أن نقرا فقط أحد كتب الفيلسوف الإنساني اليهودي نعوم تشومسكي عن مآسي الإمبريالية الأمريكية لنعرف مدى تجنى وتزييف كاتبنا لتاريخ ماض ومعاصر أكبر وأعمق من أن تنفيه مثل دعاويه "الإنسانية" الساذجة في انتقائيتها وكذبها بالتالي، ولا أجرؤ أن أقول بالرجوع لكتاب الاستشراق للفلسطيني الرائع، الراحل إدوارد سعيد، حتى لايتهمني كاتبنا "الإنساني" بالانحياز للثقافة العربية "اللأنسانية"!.

لأنتظر من كاتبنا ردا، ولا أرجو ذلك، فلا أعتقد أن حوارا تنقصه أمانة الكلمة والتزام المثقف من أحد طرفي الحوار يمكن أن يستمر. وإذا كانت للنصيحة جدوى، وإن كنت أشك في ذلك مع من ينطلق من أجندة تتوافق بغرابة مع استراتيجية وتكتيكات المشروع الصهيو-أمريكي في فلسطين، فإني أنصح كاتبنا "الإنساني" أن يقرأ عن "الإنسان المقدس" الذي أهدرت دمه الإمبريالية الغربية ومن قبلها الإمبراطورية الرومانية، بحسب التعبير المعكوس للفيلسوف الإيطالي جورجيو أجامبين في كتابه "الإنسان المقدس!: قوة السيادة والحياة العارية - 1998Homo Sacred: Sovereign Power and Bare Life ".، وكما شرحه كتاب "الجغرافيا السياسية: الاقتصاد العالمي، والدولة- الأمة والمحلية" (2007)، من تأليف د.كولين فلنت أستاذ زائر الجغرافيا في جامعة إلينوي بالولايات المتحدة، و د. بيتر تايلور أستاذ الجغرافيا بجامعة لوبروف بالمملكة المتحدة.

في هذا الكتاب، لو غامر وقرأه كاتبنا ضد توجهاته الواضحة، أظهر المؤلفان التناقض في الخطاب المهيمن الأمريكي، حيث أن قتل النساء في الغارات على الشعوب الإسلامية المتخلفة في نظر كاتبنا، يتناقض مع مفهوم "الجغرافيا النسائية" الذي يتصدر خطاب الهيمنة الأمريكي، والذي يتلى علينا في شرقنا العربي والإسلامي بإلحاح مريب في مقولة "تمكين المرأه"، تلاوة في صور شتى تبدأ بالكلمة والخبر ولا تنتهي بالمسلسل التليفزيوني أو الفيلم السينمائي، فهي شرط أساسي لايغيب أبدا في أي منحة غربية أو قرض دولي. يقول مؤلفا كتاب الجغرافيا السياسية نقلا عن الفيلسوف الإيطالي أجامبين أنه:

"لحل تلك المتناقضة بشأن قتل النساء في البلاد الفضاء (الشرق العربي والإسلامي) مع استمرار المناداة بحقوق المرأة، فإن قوى الهيمنة قد صاغت البنية الجيوسياسية للـ"الإنسان المقدس!" بإنكار حق الإنسانية على أفراد البلاد الفضاء. ولفعل ذلك فقد تطلب الأمر صياغة وجودهم باعتبارهم كائنات موجودة بالضرورة (تصادف وجودهم في الموقع المستهدف!)، وبدون تعقيد تعدد الأدوار: فلا دور للأم أو الأب أو الزوج أو الزوجة أو الأخ أو الأخت وهكذا. " انتهى الاقتباس، ولا تعليق!.
ترى عن أي إنسانية يتحدث كاتبنا الإنساني؟....وهل لي أن أتسائل بدوري عن حياء المثقف؟

20 فبراير 2010


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية