وعاد القاضى الى منصته سالما
...............................................................
| |
مشرف | |
بقلم : غريب المنسى
.......................
قررت المحكمة العليا فى باكستان اعادة قاضى القضاة افتخار محمد الى عمله فورا واسقاط الاتهامات الموجهة اليه من قبل حكومة مشرف وهى تهم لاأساس لها من الصحة.. بدليل أن الشعب الباكستانى التف حول هذا القاضى الشجاع النزيه وتحدوا السلطة !! .. وهى خطوة جريئة وقوية من القضاة الباكستانيين نتمنى أن يحذوا حذوهم قضاة العالم الثالث.. فالقضاة هم ضمير المجتمع وبدونهم لا أمل فى مستقبل حر وآمن لآية دولة..
التفاف الشعب والقضاة حول كبير القضاة افتخار محمد ذكرنا بالتفاف الجيش الباكستانى حول اللواء براويز مشرف سنة الف وتسعمائه تسعة وتسعون عندما أراد رئيس الوزراء حينذاك نواز الشريف أن ينفيه بطريقة غير متحضرة وهى عدم السماح للطائرة التى كانت تقله فى رحلة العودة من مهمة رسمية - وهى طائرة تجارية عليها أطفال وشيوخ ونساء - من الهبوط فى العاصمة وتحويلها الى مطار نائى حتى يسهل لرجال الأمن القبض عليه وتوجيه تهم سابقة التجهيز له .. وابعاده عن منطقة السلطة والأضواء.
ما أشبه اليوم بالبارحة !!
باكستان دولة اسلامية .. نووية .. تقع فى قلب وسط أسيا محاطة بالهند عدوها اللدود من جهة ...وأفغانستان وبها طالبان عدو الولايات المتحدة والغرب من من جهة أخرى.. وهذا ما يجعل الرئيس مشرف فى وضع بالغ الخطورة ... فهو يمشى على حبل بين جبلين واحتمال سقوطه فى آية لحظة أمر وارد ولا سيما أنه على ما يبدوا ليس موهوبا فى الكذب والتلون كرجل دولة .
مشكلة مشرف أنه يريد أن يكون ديكتاتورا محبوبا .. فهو كرجل كوماندو سابقا يتمتع بشعبية عارمة داخل الجيش الباكستانى وهى المؤسسة التى تحكم باكستان من خلف الستار وبعيدا عن الأضواء.. وفى نفس الوقت يريد أن يحتفظ بموقعه كقائد للجيش ورئيسا للدولة وهذه هى المشكلة التى بدات تخلق له أعداء فى اوساط الشعب الباكستانى الذى يبحث عن قائد سياسى وليس زعيم عسكرى ليس له جذور قوية بالطبقات المطحونة . ولقد تعرض مشرف لعدة محاولات اغتيال تركت اثارها على نفسيته وقد ذكرها فى كتابه " على خط النار " وهى قصة حياته.
مشرف مثله مثل كل العسكر الذين هبطوا الى السلطة .. لايثق كثيرا فى السياسيين ولذلك نراه يحاول أن يسيطر على أكبر عدد من الصلاحيات الدستورية حتى ينجز ما يراه ضروريا لبلده .. ولقد نجح فى بعض التعديلات الاقتصادية على حد تقرير صندوق النقد الدولى وأيضا سمح ببعض حرية الصحافة وأيضا قدم عروض دبلوماسية لحل مشكلة كشمير مع الهند واستطاع أن يضع الهند فى موقف سياسى صعب أمام المجتمع الدولى .. واستغل أحداث سبتمبر فى أن يكون رجل أمريكا الأول بعد حميد كرزاى فى هذه المنطقة الملتهبة وبهذا التحالف مع الولايات المتحدة رفعت الولايات المتحدة الحظر الاقتصادى على باكستان وهو حظرا كان بسبب تنفيذ باكستان لبرنامجها النووى ضاربة عرض الحائط بتهديدات الغرب.
بعد أحداث سبتمبر كان دور مشرف مهم جدا لبداية الأطاحة بطلبان والقاعدة وبأنضمام مشرف لقوات التحالف ضمن لبلده المساعدات العسكرية والاقتصادية .. ولدور باكستان القاتل فى هذه الحرب قرر الرئيس الامريكى جورج بوش مد باكستان بما تحتاجه من سلاح على وجه السرعة متفاديا روتين الكونجرس .. ويحكى بوب وود وورد فى كتابه الهروب من الواقع أن الرئيس الأمريكى استدعى الأمير بندربن سلطان سفير أمريكا السابق لدى الولايات المتحدة وطلب منه أن تقوم السعودية بدفع ثمن صفقة طائرات هليكوبترمتطورة يراها مشرف ضرورية لجيشه للحرب على الارهاب .. ووافقت السعودية وكان ثمن تلك الصفقة حوالى ثلاثمائة مليون دولار.
ولكنه كرجل عكسرى وليس ألعوبان.. لم يعد لديه الكثير فى جعبته .. فلقد قدم فى هذه الفترة كل ما يمكن أن يقدمه فى حدود وطنيته لذلك بدأت الاصابع الخفية فى الادارة الأمريكية باتهامه بأنه قد أفلس كحليف واليكم بعض الاتهامات الموجهة اليه :
أولا : لم يبدء مشرف نظام سياسى ديمقراطى .. ولم يسمح بانتخابات نزيهة .. فالديقراطية هى التى ستحارب التطرف .
ثانيا : أقحم الجيش فى السياسية .. وهذه ديكتاتورية من وجهة نظر الغرب.
ثالثا : عدم السماح لبنازير بوتو ونواز الشريف بالعودة وممارسة حقوقهم الدستورية فى الترشيح لانتخابات نزيهة.
رابعا : أسس حزب سياسى وهمى لكى يقنع الغرب بتعدد الأحزاب .. وهذا الحزب يسبح بحمده ليلا ونهارا بدون أى تأييد شعبى .
خامسا : دخل فى تحالف مع الاسلاميين .. حتى يستطيع القضاء عليهم ولكنه أثبت أنه لن يستطيع القضاء عليهم .
الحكم على مشرف بعين محايدة :
الرئيس مشرف ببساطة رئيس دولة من دول العالم الثالث .. دولة اسلامية ولها قدرة نووية .. له عدو تقليدى هو الهند يحاول جاهدا أن لايخسر طالبان لأنه بخسارتها سيعطى الفرصة لحميد كرازى لمد النفوذ الهندى فى أفغانستان .. وبذلك يجد مشرف نفسه محاصرا بالهند من كل النواحى .. أما حميد كرزاى فيريد أن يقضى على طلبان ووسيلته الوحيدة بعد المساعدات الأمريكية هى الهند... والولايات المتحدة كعادتها تريده أن يغامر بالأمن القومى لبلده فى سبيل الحرب على الارهاب وهو أمر لايستطيع مشرف القيام به لأن المؤسسة العسكرية الباكستانية لن تسمح بتهديد مصالحها الاقليمية لارضاء الغرب .. فهو أمر خارج نطاق صلاحيات مشرف ولو حاول أن يضغط قليلا فى سبيل ارضاء الولايات المتحدة سيعرض نفسه لصراع مع الجيش قد لاينتصر فيه.
موقف مشرف ببساطة .. أنه يريد أن يتحالف مع الغرب لانه يرفض الأرهاب كمبدء للتعامل وأيضا يريد أن يضع بلده فى علاقة جيدة مع الغرب و يستفيد من مساعدات الغرب الاقتصادية والعسكرية والسياسية وفى نفس الوقت لايكون مطالب بتفيذ كل ما يطلبه منه الغرب لانه يتعارض مع الواقع اليومى فى باكستان.... فالواقع مختلف تماما عن الخيال النظرى !!
عندما تطلب الولايات المتحدة من باكستان أن تسلك الطريق الديمقراطى .. فعلى باكستان أن تختار الديمقراطية التى تتناسب مع طبيعة باكستان كدولة اسلامية نامية تقع فى منطقة صراع ملتهبة .. وليس بالضرورة النموذج الأمريكى فى الديمقراطية والذى نادى به جورج بوش عشية أحداث سبتمبر.
لمزيد عن هذا باكستان والتحديات التى تواجهها اضغط هنا