القوة الذكية
...............................................................
| |
المياه اكسير الحياة | |
بقلم : غريب المنسى
.......................
القوة الذكية - Smart Power - للدولة تكمل القوة الناعمة - Soft Power - والقوة الخشنة - Hard power - وبدونها تكون منظومة التفكير الاستيراتيجى على مستوى الدولة ناقصة ومبتورة . ومصطلح القوة الذكية المقصود منه جهاز الاستخبار والاستطلاع للدولة الذى يعمل من خلف الستار ليقدم معلومات صحيحة ودقيقة للقيادة السياسية والتى تستخدمها بدورها فى تنقيح القرار السياسى الذى يحمله أعضاء منظومة القوة الناعمة الى طاولة المفاوضات قبل اللجوء لاستخدام القوة الخشنة لتسوية أى نزاع .
وفى الولايات المتحدة تعتبر وكالة المخابرات المركزية من أكبر مؤسسات القوة الذكية فى العالم وان كانت بالضرورة ليست هى الأذكى عالميا , ويكفى أن تعرف أن مكاتبها منتشرة فى كل بقعة من بقاع العالم وفى كل الدول الصديق منها والعدو تحت مسميات وأشكال مختلفة . وعملها يتلخص فى جمع المعلومات ثم تحليلها ومقارنتها بالمعلومات التى توصلت اليها مؤسسات القوة الذكية فى الدول الحليفة عن نفس الموضوع وبعد ذلك تقدمها للقيادة السياسية فى صورة نهائية مبسطة . وتستخدم القيادة السياسية فى الولايات المتحدة هذه المعلومات الاستشارية فى خدمة القرار السياسى النهائى بصدد أى مشكلة أو صراع.
ومازال الصراع بين القوى الذكية فى العالم وبالذات بين روسيا والولايات المتحدة وحتى بعد انتهاء الحرب الباردة على أشده, ودخلت فى حلبة المنافسة القوى الذكية الصينية والانجليزية والالمانية والاسرائيلية والايرانية, فجمع المعلومات هواية وحرفة وعمل لاينتهى فصديق اليوم قد يكون عدو الغد. وتتباهى الدول الكبرى بعدد العملاء المزروعين فى الدول الأخرى وقدرتها على الاختراق وكسر الحواجز التقنية التى تضعها الدول الأخرى فالصراع بين قوى ذكية أولا وأخيرا .. وتستخدم فيه الطريق الغير قانونية فى معظم الاحيان , فالغاية تبرر الوسيلة .
واستخدام العرب للقوة الذكية يكاد يكون محدودا وأجهزة القوة الذكية فى العالم العربى تعتبر أجهزة مساعدة للدول العظمى وهذا يرجع بطبيعة الحال الى أن معظم الأجهزة الذكية فى العالم العربى تعتمد على الدعم الأمريكى والغربى فى الادارة والتقنية , وبعد أحداث سبتمبر اشتركت القوى الذكية على مستوى العالم فى تبادل المعلومات لمواجهة الارهاب فى ظاهرة عولمية جديرة بالمناقشة حتى أن بعض الأجهزة الذكية فى العالم العربى انصهرت فى التفانى لخدمة الغرب ونست أن قوة اسرائيل الذكية مازالت تستخدم ضدهم وضد الولايات المتحدة وضد كل الدول الغربية لخدمة أهداف الدولة العبرية الاستيراتيجية أولا , فهم مزروعون فى كل دول العالم ولديهم خلايا نائمة لوقت الشدة. وبالتالى ليس غريبا أن تعتمد الولايات المتحدة فى معظم الأحيان على قوة اسرائيل الذكية فى جمع معلومات عن دول بعينها عجزت الولايات المتحدة وحلفائها عن اختراقها فى العمق . وليس مستغربا أيضا أن اسرائيل تتجسس على الولايات المتحدة الحليف الأكبر لها.
وهنا لنا سؤلان : هل يصح عولمة القوة الذكية وبالذات فى العالم العربى؟ وهل عولمة الأجهزة الذكية فى العالم العربى يؤثر على دور هذه الأجهزة فى خدمة مصالحها الاستيراتيجية ؟ والاجابة هنا بكل بساطة أن التعاون الدولى بين الأجهزة الذكية مطلوب لمواجهة المشاكل الدولية كاالارهاب وخلافه , وفى نفس الوقت ينبغى أن تكون هذه الاجهزة مستقلة تماما لخدمة أهدافها الاستيراتيجية . فالقوة الذكية والناعمة والخشنة صممت وأسست حتى تخدم نفسها ومصالحها وشعبها ودستورها وعلمها أولا.
وهنا تعالوا معى نستعرض مشكلة اسرائيل مع المياه منذ تأسيسها , والدور الذى ينبغى على القوة الذكية فى العالم العربى وبالذات مصر من أن تقوم به فى ظل المعطيات الدولية القائمة . ونبدأ بمشكلة اسرائيل مع المياه:
مشكلة المياه فى اسرائيل كما حددها الباحث الفلسطينى حسام شحادة فى كتابه "موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي من منظور مستقبلي" هى أن كمية المياه المستهلكة في فلسطين المحتلة فى عام 1948 كانت حوالي 230 مليون متر مكعب، وقد ارتفعت هذه النسبة إلى مليار و750 مليون متر مكعب سنة 1990، وفي عام 1994 وصل الاستهلاك إلى 2 مليار متر3، وفي عام 2000 وصل الاستهلاك إلى 2100 مليون متر3، وفي عام 2006 قدر الاستهلاك ب2200 مليون متر3. ويبلغ نصيب الفرد الإسرائيلي السنوي من المياه ما بين 440 إلى 573 م3 (بين سنتي 75-83) مقابل 142 م3 للفرد في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وتكشف الإحصائيات المختلفة أن إسرائيل ومنذ عام 1980 تستهلك ما يعادل 95% من الموارد المائية المتاحة، وهو مؤشر خطير يؤسس لحجم الأطماع الإسرائيلية المستقبلية في المياه الفلسطينية والعربية. ويتزايد حجم استهلاك الماء من سنة إلى أخرى بسبب حاجات الصناعة والاستهلاك المنزلي وزيادة عدد المهاجرين والمستوطنات،وهذا بالطبع سيؤدي حتما إلى تناقص الموارد المائية المتاحة للأراضي الفلسطينية إلى معدل 30% عما هو مطلوب، وتفكير إسرائيل في البحث عن مصادر جديدة للمياه. وتشير كل الدراسات إلى أن إسرائيل في حالة من العجز المائي، وأن هذا العجز قدر عام 2000 ب 800 مليون متر مكعب، لهذا ستعمل إسرائيل بكل الوسائل المتاحة لاستغلال مياه نهر الأردن، وستُبقي مياه الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تحت سيطرتها، وستعمل على سرقة المياه اللبنانية، تماما مثلما تتمسك في المفاوضات بأن تبتعد سوريا عن خطّ ماء نهر الأردن وبحيرة طبريا.
وبسبب حاجة إسرائيل المتزايدة للماء فإن المتضرر الأكبر هم سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تسعى إسرائيل إلى مزيد من إحكام قبضتها على مصادر المياه واستغلالها الاستغلال الأمثل وأن تطبيع العلاقات بين المملكة الأردنية وإسرائيل، لم يسهم في حماية وتأمين حصة الأردن من المياه حسب بنود الاتفاقية الموقعة. وذهب الأمر بدولة إسرائيل إلى حدّ حفر آبار جديدة في الأراضي الأردنية داخل وادي عربة، للحصول على 10 مليون م3 من المياه من أجل ري الأراضي الزراعية. وتستفيد إسرائيل من طاقة مائية كبيرة من خلالها احتلالها للجولان، والذي تعادل مساحته 1% من مساحة سوريا الإجمالي، ويتمتع بمردود مائي يعادل 3% من المياه التي تسقط فوق سوريا، و14 % من المخزون المائي السوري. وقد سعت إسرائيل مع توسع مستوطناتها في الجولان إلى إقامة المشاريع المائية.
وبالنسبة للبنان تستولي اسرائيل سنويا على حوالي (250 إلى 350 ) مليون متر مكعب من المياه اللبنانية. ويؤكد الباحث اللبناني الدكتور طارق المجذوب أن الرقم الإجمالي للمياه السطحية والجوفية التي تستولي عليها إسرائيل من الأراضي اللبنانية يمكن أن تصل إلى 429 مليون متر مكعب سنويا. وتستغل إسرائيل حاليا، وبصورة كاملة، مياه الحاصباني، والوزاني، وبمعدل يتجاوز في معظم الأحيان مقدار 145 مليون متر مكعب سنويا.
وتمتد الأطماع الإسرائيلية التي ليس لها حدود إلى نهر النيل ونهر الفرات، ومن المعلوم أن إسرائيل اشترطت على واشنطن خلال التوقيع على اتفاق شراكة بينهما ضمان توفير المياه لإسرائيل. وقد تم تداول عدة مشاريع تضمن لهذه الدولة الحصول على مياهها، ويكون مصدرها حصة سوريا من نهر دجلة، ومياه مصر من نهر النيل، وكذلك من تحلية مياه البحر، بتمويل أوروبي وأمريكي.
الإسرائيليين يصرون على الاستيلاء على مصادر المياه العربية، وحتى لو وقعوا اتفاقا مع أي دولة عربية، فسوف يخرقونه إذا أحسوا بخطر مائي يتهددهم كالجفاف الحالي، وهذا ما فعلوه مع الأردن ثم عادوا للالتزام بالاتفاق بعدما تحسن الوضع المائي. فالأطماع الإسرائيلية بالمياه العربية ستبقى مؤججا للصراع في المستقبل.
ويمكن رد الأسباب والدوافع التي تكمن وراء نشوب النزاعات بشأن المياه، واحتمالات تحولها إلى صراع مسلح، إلى ثلاث أسباب رئيسية هي: وقوع أهم منابع المياه خارج الأرض العربية، وتناقص النصيب النسبي للدول العربية من المياه، والاعتداء المباشر بالقول والفعل من قبل الكيان الصهيوني على الحقوق العربية المائية.
ولتنشيط الذاكرة فلقد أقرت محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 1974 مجموعة من المبادئ المتعلقة بحل النزاعات الدولية على المياه :
1- حق الدولة التى تقع في الجزء الأسفل من النهر تسلم إشعار مسبق عن أي نشاط في الدول التى تقع في أعلى النهر والذي يؤثر عليها، ووجوب دخول الأطراف ذات العلاقة في إستشارات ومداولات فيما بينها قبل البدء بأي مشروع في الحوض النهري.
2- منع الأعمال التى يمكن أن تسبب أضرار كبرى لأي طرف من الأطراف، ووجوب التعاون بين الجميع حول المشاكل المعنية.
3- منع أي أعمال تؤدي الى أضرار بيئية في الدول الأخرى.
4- ضرورة تأجيل الأعمال المتعلقة باستغلال المصادر المشتركة في حال توقع أن تكون المفاوضات بين الدول المعنية طويلة.
وقد طورت لجنة القانون الدولي عام 1983 هذه المبادئ، وأقرت أن يعتمد مبدأ توزيع الحصص في المياه من دول الحوض على الإحتياجات الضرورية المتمثلة بجوانبها الإقتصادية والإجتماعية.
وهنا اسمحوا لى أن أنصرف على أن نعود مرة أخرى باذن الله لمناقشة دور القوة الذكية المصرية فى مواجهة موضوع محاولة سرقة اسرائيل المياه جهارا نهارا من نهر النيل أطول أنهار العالم والذى تعتمد عليه مصر فى حياتها بنسبة 95% .
تحياتى.
القوة الذكية – 2