نداء الى رئيس المحكمة الدستورية
|
ثورة مصر |
بقلم: زهير كمال
...................
بدأت مصر تستفيق بعد تغييب طالت مدته، ترغب مصر في وضع أقدامها على عتبات القرن الجديد، مصر تجدّد نفسها إستعداداً لتحديات العصر التي تستلزم شعباً ليس فيه جوعى ومرضى وأميين ، شعب موحّد لا يستطيع أعداء الداخل، وما أكثرهم، النيل من لحمته الوطنية .
خلال أسبوعين فقط ، بدأت تتكشف حقائق مذهلة عن النظام المصري الراحل وما تم كشفه ليس إلا قمة جبل الجليد، والنظام الجديد (الذي سيتشكّل) سيكشف المزيد من الفضائح التي تزكم الانوف . ضمن الحقائق الخطيرة التي تكشفت ان ألفي شخص فقط ، هؤلاء الذين يلتفون حول مبارك يمتلكون مبلغاً وقدره 3 تريليون دولار ، ويعيش أربعون مليون نسمة اي نصف عدد السكان على دولار واحد في اليوم.
لم تأت هذه الثروات الخيالية بطرق مشروعة، لن يعترض مصري واحد على نجاح أفراده وجدّهم واجتهادهم ، ولكنها أتت بفساد الرأس الذي كان يعتقد أن هدف وجوده في السلطة إنما جمع المال وتكديسه بكل الوسائل، نمط من الحكام الاغبياء محدودي العقل والتفكير وقصر النظر لا يوجد في قاموسهم كلمات المجد والخلود وإسم يذكره التاريخ ويدخل في العقل الجمعي لشعوبهم.
من حقنا ان نتساءل ما الذي كان سيفعله مبلغ كبير، مثل هذا، لو صرف بطريقة صحيحة وتم توظيفه لخدمة التنمية والمجتمع ، اين ستكون مصر بين دول العالم ؟ هل كنا سنجد ملايين البشر يعيشون في مقابر وعشوائيات؟ هل كنا سنجد ملايين آخرين مصابين بالامراض الوبائية؟ هل كنا سنجد ملايين الأُميين في القرن الواحد والعشرين؟ هل كنا سنجد هذا الإنهيار الكامل في مؤسسات الدولة ، الصحة والتعليم والخدمات والتلوث البيئي ؟ والقائمة تطول.
المؤكد ان شعب مصر يعاني ويتعذب ويجوع ، ومثل باقي الطغاة عبر التاريخ ظن السيد مبارك ان الشعب الصابر هو كم مهمل وضعه في جيبه الصغير ثم نسيه تماماً.
سيكون 11 فبراير يوماً مشهوداً في تاريخ مصر والعالم العربي ، ذهب الطاغية مرغماً بفعل الثورة .
واذا استعرضنا الثورات المشابهة ، الثورة الفرنسية أعدمت لويس السادس عشر وماري أنطوانيت ، في الثورة الروسية تم اعدام اسرة رومانوف بالكامل ، في الحالة المصرية سمحوا له ان يرحل، رغم ان جرائمه بحق مصر تنوء عن حملها الجبال ، ما أتمناه ان تصادر أموال عائلة مبارك وترجع الى الخزينة المصرية فالشعب أحق بها ، وان تجري له محاكمة صورية ويوضع قيد الاقامة الجبرية، ليس بغرض الانتقام ولكن حتى يكون عبرة لغيره .
سلّم مبارك سلطاته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ، فرحت الجماهير بنصرها العظيم وبدأت مرحلة جديدة ، مات الملك ، عاش الجنرال ولكن النظام لم يسقط.
لمن يعرف تسلسل الرتب العسكرية والإنضباط وإطاعة الأوامر فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة هو المشير طنطاوي . وخير دليل هو بطء حركة المجلس في بياناته في مرحلة دقيقة تتطلب حسماً وسرعة ولكنه رجل عجوز لا يقدر على ذلك ومعه كل العذر.
ويحق لنا ان نسأل أين كان هذا الرجل عندما كانت مصر تُسرق أمام عينيه ، أين كان عندما أهينت أكثر من مرة ، بعد ان مدّدها مبارك على الأرض وجعلها مداساً لكل مار. الرجل معذور فهو عبد المأمور كما يقول أهل مصر ،
هل إستفاد المشير من إغماض عينيه ؟ وكم تبلغ ثروته؟ وما دمنا في موضوع الثروات، كم تبلغ ثروة عمر سليمان مدير المخابرات العامة ؟ اليس غريباً ان لا يسأل احد هذا السؤال؟
ويحق لنا ان نسأل ايضاً : في ظل نظام فاسد لا يعر اهتماماً للكفاءة والذكاء ، نظام مُخترق من المخابرات الغربية ، من الذي يصل الى المراتب العليا في الدولة والجيش ؟ اليست الطاعة العمياء هي المؤهل الوحيد للوصول الى المناصب العليا في جيوش العالم الثالث؟
الأمر واضح فمبارك سلم السلطة لمرؤوسيه الذين وثق بهم وما يزال.
وللاسف مدح الكثير من المثقفين الجيش وعظمته وتضحياته ومدى تلاحمه مع الشعب وثورته ، وكأن لسان حالهم يقول : لو مدحناهم فسيردعوا أنفسهم عن القيام بعمل يضرّ الشعب وإجهاض ثورته ولكنني أبشّر هؤلاء الخائفين انهم لو استطاعوا لفعلوا ! خوف المثقفين على مؤسسة الجيش كان محقاً فقد كان إنهيارها وشيكاً، وكما لاحظ الجميع فقد بدأ الضباط الصغار بالإنضمام الى الثورة بصفتهم الفردية ، أما الجنود فأمرهم كان محسوماً فلن يستطيعوا تنفيذ الأوامر وإطلاق الرصاص على إخوتهم.
هل سيدرك هؤلاء المرؤوسين في المجلس الأعلى ان الرئيس الجديد للبلاد أصبح شعب مصر؟ وان عليهم تنفيذ اوامر وتوجهات جديدة ؟
سلطة شعب مصر لم تعد سلطة خفية مثل باقي الشعوب التي تظهر سلطتها في الانتخابات ، بل هي موجودة في ميدان التحرير وكل ميادين مصر . وقف أعضاء المجلس الأعلى يتفرجون عليهم يذبحون ويتمنون ذهابهم الى بيوتهم ! لم يفعلوا وانتصروا. فهل سينفذون اوامرهم ؟ الجواب واضح ، لا يقدرون ولا يستطيعون لأنهم لا يستوعبون.
في بيانهم الرابع إرتكبوا الخطيئة الاولى : الحفاظ على المعاهدات الدولية الخ .
من فوّضهم بالتصريح بذلك؟ وكيف يصرًحون وهم لا يملكون السلطة ؟
ان إقتراح الثوار في ميدان التحرير بتشكيل مجلس رئاسي من أربعة مدنيين وعسكري انما هو اقتراح جيد ولكنه لا يكفي. كان عليهم ان يسموا الأربعة ويطلبوا من المجلس الأعلى تسمية ممثله ، هذا ما حدث في الثورات. فرض الأمر الواقع وإتخاذ المبادرة ، ان لم يتخذوها فسيفعل غيرهم ذلك.
مصر اليوم في مرحلة غاية في الدقة وقد يجد الإنسان نفسه في وضع لم يعتقد أبداً انه سيوضع فيه وهنا يظهر معدن الرجال ومدى حكمتهم وقدرتهم على أستشفاف الأمور والشعور بتطلعات شعوبهم .
إستردّ الشعب المصري السلطات التي منحها لنظامه القديم وبدأت الشرعية الشعبية تمارس سلطتها من جديد وقد وجدت نفسها بدون سلطة تشريعية (مجلسي الشعب والشورى) وبدون سلطة تنفيذية ( رئيس وحكومة) وبدون عقد اجتماعي صالح للتطبيق ( الدستور) ، وليس هناك سوى فرد واحد يستطيع بدء المرحلة الجديدة في تاريخ مصر الحديث ولا بد له من قرع الجرس قبل فوات الاوان.
ان رئيس المحكمة الدستورية بصفته يستطيع ان يملأ الفراغ الحالي بصفة مؤقتة حتى يستطيع وضع القطار على سكته. فلا مجال للجيش ان يتولى السلطة وان يُعطى الثقة بتنفيذ الوعود التي يقطعها على نفسه. وتسليم السلطة لرجل مدني ضمانة لقدوم حكم ديمقراطي شفاف ونظيف.
لقد دُفع في هذه الثورة الكثير من الدم والعرق والدموع وأعضاء المجلس الاعلى لا يتمتعون بأي خيال ولا يعرفون ما يفعلون وسيحرفون الثورة عن مسارها لأنها ليست ثورتهم.
المجد والخلود للشهداء الابرار ، وكل التحية لشباب مصر الصامد الذي لن يتوقف حتى يحقق النصر.