اعادة كتابة التاريخ
...............................................................
| |
التاريخ | |
بقلم : زهير كمال
....................
شرقنا يتنفس التاريخ كل يوم ، تقوم معارك كثيرة تسيل فيها دماء غزيرة وتفقد ارواح كثيرة بسبب جدل تاريخي مر على وقوع حوادثه اكثر من الف عام . تشكلت مذاهب واحزاب لم يكن هدفها تحسين مستقبل الشعوب والتفكير في طرق جديدة لنهج حياتها بل لمجرد وجهة نظر في خلافات قديمة ولتسوية ثأر لم يسدّد في غابر الزمان ، والبعض يقيم الدنيا ولا يقعدها بسبب أحقية وسبق في تولي السلطة قبل اربعة عشر قرناً.أمر طبيعي في كافة المجتمعات اختلاف الآراء حول الماضي ووجود جماعات لها وجهات نظر في أحداث قديمة ، يبقى ذلك ضمن ما يعتبر اجتهادات فكرية لبعض الفلاسفة والمفكرين. الاّ في فسيفساء شرقنا فالناس تموت بالتغذية الخاطئة والتحريض الذي يعتقد أصحابه انهم يملكون الحق وان غيرهم على ضلال مبين وجهلة مخدوعين. في شرقنا يستعمل المتدينون التاريخ ويفسرونه بطرق تخدم اهدافهم بدون النظر الى ما وقع فعلاً ، نجد روايات مختلفة لواقعة واحدة والكل متأكد انه يروي الحقيقة ، يستشهد بها ويبني عليها نظريات وعقائد يؤجج فيها مشاعر تؤدي غالب الاحيان الى ما لا تحمد عقباه .
لبّ المشكلة يكمن في عدم تدوين وقائع مائتي عام من التاريخ وقت حدوثها ، هذه الوقائع كانت من الأهمية بمكان أنها غيرت مجرى تاريخ العالم ووضعته في مسار جديد ، حجم الاحداث كان هائلاً ، وكان شرقنا في منتهى الحيوية والحركة . انهارت امبراطوريات وقامت على اعقابها امبراطوريات جديدة ، وعلى نطاق واسع تم تغيير الشعوب لدياناتها السابقة ودخلت ديناً جديداً وتبع ذلك تغيير عادات وتقاليد وحتى تغيير لغات قديمة لتحل محلها لغة الدين الجديد.
لمحة سريعة : كان اول تدوين لجزء بسيط من الاحداث بعد ثمانين عاماً من وقوعها ، بدأها محمد بن اسحق شيخ المؤرخين العرب حيث كتب السيرة النبوية الذي يعتبر اول كتاب تاريخ عربي ثم تبعه الواقدي فكتب فتوح الشام ، وكان كلاً من المؤرخين في حالة عدم توفر مصادر للمعلومات يكتفيان بنسبة الحدث اليهما بالقول عن ابن اسحق او عن الواقدي ، تلا ذلك ابن هشام وابن الاثير ثم الطبري الذي الف كتابا جامعا هو تاريخ الرسل والملوك. ما وصل الينا لا يغطي كل ما حدث وكل ما قيل في تلك الفترة الذهبية ، وبعض ما كتب كان لوقائع اصابها التحريف بفعل النسيان ، وبعضه بسوء نية وبعض الوقائع لم يكتب أصلاً ، هل من المعقول ان يكتب المؤرخ ضد اجداد الخليفة وما اقترفته ايديهم من شر ، خاصةً وان الخليفة هو القاريء الوحيد للكتاب الذي دفع ثمناً له .
فيما يلي مثل واحد لكل بند في كتب التاريخ الاصيلة ( بعد الطبري تكرار واضافة ) :
1. تضارب المعلومات
عتبة بن غزوان
رغم انه يتنافس مع سعد بن ابي الوقاص على مرتبة السبق ، فهو اما سابع الاسلام او ثامنه الا ان هذا الصحابي الجليل لم يكن مشهوراً ، ولاّه عمر البصرة ، وحسب تاريخ الرسل والملوك للطبري توفي في السنة الخامسةعشرة للهجرة عند عودته اليها راجعاً من الحج ، وتقول الروايات انه سقط عن راحلته.
وحسب نفس المصدر فان عمر قد وجّه رسالة له في السنة السابعة عشر للهجرة يحثّه فيها على توجيه الناس للسكن في الاماكن المرتفعة. تناقضات كهذه موجودة في الكتب التاريخية بكثرة ولن نستطيع معرفة الحقيقة ، هل سقط عن راحلته او تم اسقاطه عنها خاصة وان بعض مساعديه كانوا ممن لم يحسن اسلامهم ، اذا لم يمت في السنة الخامسة عشرة للهجرة فمتى توفاه الله ، ستبقى هذه مجاهيل ، خاصة وان الرجل لم يؤثر على الاحداث العامة.
2. اخفاء المعلومات
الدواوين
عدم وجود سجلات يعني ببساطة عدم وجود دولة ، فالسجلات او الدواوين هي التي تنظم حركة المجتمع وفي عهد عمر بن الخطاب بدأت الدواوين المختلفة ومنها ديوان الجباية التي يسجل فيها دخل الدولة ويرصد فيها حركات المكلفين وقيامهم بدفع ما يتوجب عليهم او عدمه ، وديوان الخراج وفيه اسماء المستحقين وتلقيهم لرواتبهم الشهرية وديوان الجند وقد سجل فيه اسماء خمسين الف جندي كانوا مشتركين في المعارك على الجبهات الشمالية وديوان الرسائل وهو الصادر والوارد من مراسلات الخليفة ومسؤولي الدولة.
اذا قلّبت كل كتب التاريخ قديمها وجديدها لن تجد اسم من قام بهذا العمل الضخم ولا جيش الموظفين العاملين به اللهم الاّ ثلاثة من العرب خبراء الانساب.
الدواوين تتطلّب الكتابة ، فاذا كان عدد العرب الذين يستطيعون القراءة والكتابة في تلك الفترة لا يتجاوز سبعة عشر فرداً منهم الخليفة ، بعض مستشاريه وبعض الولاة وقواد الجيوش.
واذا علمنا ان المسألة لا تدخل في التجربة والخطأ ، بل يمكن القول : لم يكن عند الدولة دواوين واصبح لديها ذلك. فلماذا اختفى اسم رئيس الديوان المؤسس له وكل موظفيه معه ! لم يبحث احد في الموضوع لعدم الاهتمام ، وحتى رسائل الدكتوراه في العصر الحديث والتي تبحث في الادارة في عهد عمر لم تستطع الغوص واخراج الحقيقة.
قد لا يعجب بعض عرب يومنا هذا القول ان الفرس بقيادة الهرمزان قد قاموا بهذا العمل من ضمن اعمال اخرى مثل ابتداع نظام البريد السريع ونظام الحراسة والتفتيش وكل ذلك تم نقله عن الامبراطورية الساسانية المنهارة ، في مرحلة لاحقة من التاريخ وتحديداً في عهد عبدالملك بن مروان اي بعد خمسين عاماً تم تعريب الدواوين فقد اصبح عدد من يستطيع الكتابة بالعربية كافياً.
3. تحوير الحقائق
فيروز ابو لؤلؤة المجوسي
قاتل الخليفة عمر بن الخطاب فجر الاربعاء الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة 23 هجريةلم يكن فيروز سوى الاداة التي نفذت عملية قتل الخليفة ، واستطاع المتآمرون العرب الذين ارادوا حماية مناصبهم ان يخفوا جريمتهم وتوجيهها نحو الفرس ، صدّق بعض الشيعة الموضوع جعلوا الرجل مسلماً انتقم من عمر لان الخلافة من حق علي ، اي وقعوا في فخ تحوير التاريخ بأثر رجعي فعندما تمت الجريمة لم يكن هناك مذهب شيعي . ولكن لو عرفوا الحقيقة فسيهدمون مقامه الموجود في كاشان بدون طلب من أحد .
غير ذلك كثير ينبغي دراسته والتفكير والبحث فيه للوصول الى حقيقة ما جرى فعلاً .
المفترض ان الحقيقة لا تغضب احداً ، قد لا تعجب البعض ولكنها ستكون الفيصل بين المتخاصمين ومن المؤكّد انها ستوقف اجتهادات لا معنى لها.
للمقال بقية