الغول: الصهيونية ومَحاورها الثلاثة
...............................................................
| |
ديفيد بن جوريون | |
بقلم : زياد السلوادي
.......................
الغول في لغتنا العربية لفظة مؤنثة ، و لكن الغول الذي أقصده هنا هو أكثر من مذكر مجرد ، إنه الفحل الذي يقود القطيع ، إنه الغول الصهيوني الكامن في أمريكا والذي يمتد أثره الى الغرب كله ، بل والى شرقنا أيضاً ، ولكنه خفي محتجب ، ينام في النهار ويقوم في الليل ، يراقب ويتابع ويحلل ويتسمع ويتسلط على جميع وسائل الإعلام وعلى البنوك وعلى جميع المسئولين أصحاب القرار ، حتى إذا لم يعجبه تصريح لمسئول هنا أو هناك تسلل الى ذلك المسئول في أثناء نومه ، وجاءه على شكل كابوس ( يبخ ) في وجهه ( بخـّة ) إرهابية تسلطية مرعبة ، فما يلبث المسئول أن يعود الى جادّة الغول التي رسمها لجميع المسئولين في أمريكا والغرب وبعض الشرق ، فيقوم المسئول من نومه مذعوراً ويركب أول ميكروفون يصادفه ليوضح ما ورد في تصريحه السابق الذي أغضب الغول ، ولنجد أن التوضيح ليس توضيحاً في الحقيقة ولكنه تراجع مهين واعتذار أشد إهانة .
هيلاري كلينتون يوم كانت تشغل منصب الزوجة فقط أيام حكم زوجها بيل كلينتون ، أغضبها ما رأتْ من بطش إسرائيل بالفلسطينيين ، فتحركت إنسانيتها البريئة تحركاً عفوياً ، فانتقدت عنف إسرائيل وأصدرت تصريحاً متعاطفاً جداً مع الفلسطينيين ( ويبدو أنها لم تكن على معرفة بالغول ) ، ولكن الغول زارها في منامها في نفس الليلة وعرّفها بنفسه و( بخّ بخـّته ) المرعبة في وجهها على شكل كابوس مخيف ، فقامت في اليوم التالي مباشرة لتعلن تراجعها 180 درجة عن ذلك التعاطف الإنساني البريء الذي أبدته بالأمس .
مبعوث حكومة تاتشر ( وأظنه كان وزير الخارجية ) في أواخر الثمانينات قام بزيارة الى غزة والضفة فهاله حجم معاناة أهلها من الاحتلال الصهيوني وبطشه بالأطفال والنساء ، مما صدم إنسانيته فأطلق العنان للسانه في نقد عنيف لإسرائيل ، ولكن بعد عودته الى بلاده تلقى توبيخاً عنيفاً من تاتشر ، وهو نفس التوبيخ الذي تلقته تاتشر بدورها من الغول أثناء الكابوس الليلي .
أوباما ، هذا الشاب المثقف المتحمس الذي كان يحلم بأن يحمل العدل بيمينه ويحمل العالم بشماله ، وذلك قبل أن يتعرف الى الغول ، ألقى خطبته الشهيرة الى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة ، وبعد أن تلا علينا ما تيسر من آي الذكر الحكيم ، وروى ما تيسر من صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وعد بسحب جنوده من أفغانستان ، مما أغضب الغول الذي جاءه في المنام فلم يكتف بجعله يخلف وعده ولكن أجبره كذلك على زيادة عدد الجنود هناك . وحين ( زل لسانه ) مؤخراً بانتقاد الاستيطان الإسرائيلي في القدس قبل أيام ، رأى فيما يرى النائم كابوس الغول مرة أخرى فقام مذعوراً يستعيذ بالغول من شيطان العرب ومن شر قد اقترب ، وليؤكد على أن أمن إسرائيل هو الأولوية القصوى لأمريكا ، وليرسل مبعوثه ميتشيل الى المنطقة بثلاثة أشياء ، برسالة اعتذار شفوية ، وببطاقة دعوى لنتنياهو لحضور العرس الآيباكي الأمريكي ، وبمسطرة يقيس بها المسافة بين أمن أمريكا وأمن إسرائيل ليجدهما ملتصقين لا فجوات بينهما .
هذا الغول العجيب ذو السر ( الباتع ) ، والذي لا يعرف أحد مكمنه ، ولا مبلغ سطوته ، ولا سر سيطرته ، إنه يشبه برنامج ( الأنتي فايروس ) الذي يستخدم في الكمبيوتر للسيطرة على الفيروسات التي تعيق عمل برنامج الكمبيوتر ، وهو يعمل على ثلاثة محاور رئيسة ظاهرة ( وما خفي كان أعظم ) ، فأما الأول فمحور ( الاحتواء ) ، وأما الثاني فمحور ( القتل ) ، وأما الثالث فمحور ( العزل ) ، فهو يحاول السيطرة على ( الفيروس ) ودمجه في البرنامج ليقوم بخدمة الغول ، فإن أبى فإنه يقوم بقتله ، فإن لم يستطع فإنه يقوم بعزله مؤقتاً حتى يتسنى له مع الوقت تحديث البرنامج الذي يقتله .
فأما المحور الأول فيتمثل في جميع حكام الغرب والشمال وبعض حكام الشرق والجنوب .
وأما المحور الثاني فيتمثل في من لا يجدي معهم المحور الأول ولا يرتعبون من كوابيس الغول الليلية من أمثال جون كنيدي والملك فيصل وصدام حسين وغيرهم كثير .
وأما المحور الثالث فيتمثل في الاتحاد السوفييتي السابق وفي كوبا (كاسترو) وفي الثورة الإسلامية في إيران وفي سوريا وحزب الله وحركة حماس .
ولعل من الجدير معرفته كيف أن الملك فيصل رحمه الله أدرك أنه سيكون ممن يتعامل الغول معهم بالمحور الثاني ( القتل ) ، وذلك حين زاره كيسنجر يطلب إليه إعادة ضخ البترول الذي كان قطعه الملك عن الغرب ، وحين استقبله الملك في المطار بادره كيسنجر مازحاً : يا جلالة الملك ، جئتك أطلب بنزيناً لطيارتي هذه الواقفة ، فهل تساعدني ؟ فلم يبتسم الملك بل أجابه : وأنا أصبحت شيخاً طاعناً في السن وأعظم أمنياتي أن أصلي لله ركعتين في القدس ، فهل تساعدني؟
وحين نستمع الى كلمات فيصل على هذا الرابط
http://www.youtube.com/watch?v=PJjW1-b8GS8&feature=related
ونسمعه يبكي شوقاً الى الأقصى ، وشوقاً الى الشهادة ، ندرك أنه كان يعلم بأنه يتحدى الغول ، وندرك كم كان هذا الرجل عظيماً ! وكم كان مخلصاً ! وكم نحن في أمسّ الحاجة الى أمثاله اليوم ! لأن أمثاله – مجتمعين موحَّدين – هم وحدهم القادرون على إعادة لفظة ( الغول ) الى التأنيث مرة أخرى .