| | | | نحن وفكر التنوير ...............................................................
بقلم: محمد زكريا توفيق ..................................
من أين أتت أفكار الثورة الفرنسية؟ هل من فلاسفة أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو, أو ديكارت وهيوم وهيجل؟ لا. أفكار الثورة الفرنسية أتت من كتاب ومفكرين غير أكاديميين, وسياسيين نشطين وصحفيين وشعراء وفنانين. أتت ممن يسمون بفلاسفة المقاهى. هؤلاء تبنوا أفكار عصر التنوير فى أوروبا. ونقلوها إلى الشارع والجماهير. بحيث أصبحت مطلبا شعبيا فى فرنسا. وهذا ما يجب أن نفعله فى بلادنا. فلا خلاص لنا إلا بوصول فكر التنوير إلى الشارع, وإلى الجماهير العريضة. كيف يتسنى ذلك؟ هذه مهمة كتابنا ومفكرينا. ولا فائدة من التناطح مع القوى التى تحكمنا. طالما شعوبنا يسيطر عليها الجهل والتخلف والسلفية الدينية.
من هؤلاء نجد فولتير(1694-1778م). وهو شاعر وكاتب دراما ومؤرخ وكاتب مقال. وأشهر أعماله رواية كانديد. ومنهم أيضا, ديدرو(1713-1784م). وهو كاتب مقال وكاتب دراما وفيلسوف وروائى. ويعتبر من عباقرة التنوير الفرنسى الذين مهدوا للثورة. وهناك لامتريه(1709-1751م), وهيلفتيوس(1715-1771م), وهلباخ(1723-1789), وروسو(1721-1778م). وهم فلاسفة وكتاب مقالات ومصلحون إجتماعيون. يمثلون البرجوازية الصغيرة. وكلهم متحمسون للفكر العلمى المادى. ومنهم أيضا, الفيلسوف وعالم الرياضيات دالمبرت(1717-1783)م, وعالم الرياضيات كوندورسيه(1743-1794م).
فى منتصف القرن الثامن عشر, باتت أفكار ديكارت ونيوتن من شئون الماضى. وكانت الأمور هادئة وعلى ما يرام بين الكنيسة الكاثوليكية والعلوم الحديثة. ولم يقع المفكرون الفرنسيون في فخ الجدل العقيم الغير مثمر. ولم يجروا إلى خوض المعارك الغير مجدية بين الفكر العقلاني والفكر التجريبى. أو فى الصراع الفلسفى بين ديكارت وهيوم. لكنهم إستغلوا كل الفلسفات الموجودة. وإستفادوا سياسيا من كل الأفكار. لأنه كانت أمامهم معركة أهم وأجدى. وهى تخليص فرنسا من الإستبداد والحكم المطلق. وكذلك تحريرها من ربقة سيطرة الكنيسة الكاثوليكية والفكر الدجماتى المتخلف. وبناء مجتمع جديد ونظام سياسى, على أسس مبادئ التنوير وحقائق العلوم وحقوق الإنسان.
لماذا كانت الحقائق العلمية والفيزيائية, ومعرفة طبيعة الإنسان وحقوقه المشروعة, غائبة عنا هذه المدة الطويلة؟ السبب هو أن عقل الإنسان كان مكبلا بالأغلال. العقل كان, خلال معظم فترات التاريخ, مقيدا بالطمع والشبق للسلطة, لمصلحة فئة معينة. العقل بدأ يتحرر الآن من الأغلال التى وضعها الملك والكنيسة. فالسلطة الحاكمة. والسلطة الدينية, تشوهان المعرفة الحقة والتعليم الجيد. وتعملان على أن تبقى الجماهير جاهلة غبية غير واعية. وذلك لكى يسهل السيطرة عليها جسمانيا وروحيا.
إتهم المفكرون الملك والكنيسة, بغسل مخ العامة بالمعتقدات المشوهة. لحماية مصالح الفئة الحاكمة وسلطة الكنيسة. معتقدات مشوهة مثل الحق الإلهى وإتهام الشعب بالتفاهة والجهل بحقوقة السياسية, وعدم فهمه للحرية. وعدم قدرته على تولى أموره بنفسه والمشاركة فى الحكم.
طالما أغلال العقل قد بدأت تتحطم, فهذه الأفكار الخاطئة يمكن دحضها بكل المعايير المنطقية والعلمية والفلسفية. لذلك فدونية الشعب, بالنسبة للطبقة الأرستقراطية أو العسكرية أو رجال الدين, هى فكرة خاطئة من أساسها. فالإنتماء إلى طبقة معينة لا يعطيها حقا إلهيا فى الحكم. ولا يثبت تفوقها على باقى الطبقات. فقدرتنا على التفكير وحبنا لبلادنا ليس له علاقة بنوع الطبقة التى ننتمى إليها. ولكن هذه القدرة, تعتمد على التعليم والمجتمع والثقافة السائدة. كما أن التاريخ يثبت أن السلطة والكنيسة ليسوا أبرياء من تهمة طمس وتشويه الحقائق. فهما يستخدمان أى شئ وكل شئ, سواء كان فكرا فلسفيا أو دينيا, أو عنفا دمويا, لتعضيد سيطرتهما على رقاب الشعب.
ليس الهدف من التنوير هو رفض الدين. أو حرمان الناس من أديانهم. وإنما الهدف هو تحرير عقل الإنسان لكى يفكر بنفسه بدون وصاية. أى الهدف هو خلق إيمان تنويرى فى مواجهة سلطة الكنيسة الطاغية. وتحرير المعرفة من سلطة الغيبيات. فلا يكفى أن تقول: "قال المسيح كذا, أو قال الرسول كذا." لكى يصدقك الناس بدون مناقشة. فالعلم والفكر لهما المرجعية العليا, وليس البابا أو الشيخ. وهنا يقول ديدرو:
"يجب تفكيك التراث التقليدى. وإستخدام العقل بدون وصاية من رجال الدين."
ويقول كوندورسيه:
"يجب غربلة كل شئ على ضوء العقل. وما جاءنا من السلف ليس مقدسا ولا معصوما. وما يثبت صحته نأخذ به وإلا رفضناه."
ويقول روسو فى رسالة إلى فولتير:
"إننى ناقم مثلك على تدخل رجال الدين والدولة فى ضمائرنا وسرائرنا. فالإيمان موضوع شخصى. والله وحده يعلم ما فى الصدور"
الإنسان الحديث فى عصر العلم, مسلح بالعقل. ويستطيع أن يكتشف النظريات وتطبيقاتها العملية. المؤسسات التى تبنى على أفكار خاطئة وخرافات وتعصب, والتى تتعارض مع قوانين الفيزياء والطبيعة الإنسانية, عليها أن تتطور أو تنقرض. عالم الإنسان يجب أن يؤسس بمؤسسات تخدم القوانين الطبيعية والتقدم.
وكان فولتير يطالب بسحق المؤسسات سيئة السمعة. حكم الملك المطلق يجب أن يسحق ويستبدل بالجمهورية. وحيث أن الإنسان مقهور وضحية, ومستهدف بواسطة المؤسسات الشريرة. لذلك فالسلطة الدينية المطلقة, يجب أن تنتهى. وتنتهى معها المعتقدات الخاطئة التى تدافع عن الإستبداد وتحميه.
لم يحدث من قبل أن كان الإنسان واثقا من معارفه العلمية وطبيعته الإنسانية ومبادئه الخلقية والسياسية. الإنسان يستطيع أن يعيد بناء المجتمع والنظام السياسى على أسس الحق والعدل. ولم لا. أعطنى حريتى أطلق يديا. فقدرة الإنسان الحر ليس لها حدود.
أهم ما جاء بفكر التنوير الفرنسى هو مفهوم الحق الطبيعي, ومفاهيم الحرية والمساواة والملكية الخاصة. ولقد تكلم المفكرون الفرنسيون عن الإيخاء العالمى للإنسانية. وطالبوا بوضع حد لصراع الطبقات. والصراع بسبب الجنس والنوع والقومية. ولقد كانوا ينظرون لأبعد من فرنسا. ينظرون إلى مستقبل الإنسانية.
القوانين الطبيعية للإنسان تجعله يكتشف الحقائق العلمية التى تسير الكون. ومن ثم إستخدام هذه المعلومات عمليا لخدمة الإنسان. وتقويض دعائم المئسسات الإجتماعية سيئة السمعة. الفلسفة لم تعد مجرد إنعكاسات مرفهة على قضايا أو مشاكل فرضية. وإنما أصبحت قوة دافعة لتغيير العالم.
فى عام 1793م, دخلت الثورة الفرنسية فى ما يسمى بعهد الرعب. وكلما حمى وطيس الثورة, وقعت فى أيدى الراديكاليين وأقصى اليسار. الجماهير الغاضبة والحشود الثائرة هى التى تحكم. وبدلا من الفلاسفة والمفكرين وصوت العقل, أصبح صوت الغضب هو المسيطر. الأعداء يجب تدميرهم. وكذلك أى شخص أو مجموعة تعارض إرادة الجماهير. وهذا هو عهد الرعب بعينه. الذى تسبب فى أن تبتلع الثورة قادتها. عهد يعتبر من أشد عهود الرعب والعنف الدموى فى التاريخ الإنسانى.
جاء عهد الرعب, ومعظم المفكرين الفرنسيين الذين مهدوا للثورة الفرنسية كانوا قد ماتوا. هذا العهد بدا كظلمة حالكة للماركيز كوندورسيه, آخر مفكرى فلسفة التنوير. كوندورسيه وتوماس بين, كتبا المسودة الأولى لدستور الجمهورية الفرنسية الجديدة. لكن مسودة الدستور قوبلت بالرفض. وعندما إعترض كوندورسيه على التعديلات المقترحة, اتهم بأنه يتآمر على الجمهورية. وحكم عليه بالإعدام بالمقصلة.
من مخبئه, ظل كوندورسيه ملتزما بأفكار التقدم والحرية المثالية والمساواة والتعليم الشامل والسلام العالمى. وكتب عن فلسفة التاريخ, وذكر فيها أن الإنسان يتقدم إلى الأمام بالرغم من الصعوبات والعراقيل التى تواجهه. وأنه فى طريقه إلى مستقبل أكثر إشراقا. حيث يتحقق الإيخاء العالمى والسعادة والصحة والتعليم لكل البشر, بدون تمييز عنصرى. ويتحث عن عصر التنوير بكلمات مثل:
"سوف يأتى يوما تشرق فيه الشمس على الإنسان الحر. الذى يعتبر العقل فقط هو سيده. عندما يحتل الطغاه والعبيد ورجال الدين وأدواتهم الجهنمية, مكانهم الطبيعى فى صفحات التاريخ, وعلى خشبة المسرح."
لكنه, بعد إكتشاف مخبئه, مات فى سجنه بأزمة قلبية أو بتجرع السم. ولم يجر كغيره إلى المقصلة.
الثورة الفرنسية, والتى أصبحت الأسمى بين الثورات فى العصر الحديث, بات أمرها محيرا. لما تثيره من تناقضات وتباين. فقد كان هاديها هو فلسفة التنوير والعقلانية. والنظام والتوافق مع القوانين الفيزيائية وطبيعة الإنسان. لكن ما أنتجته من عنف, يدل على العكس. يدل على أنها تعادى العقل وتحكم بالرعب. وتقاد بالأهواء الغير معقولة وعنف الغوغاء.
هدفها الأساسى كان الإطاحة بنظام لويس السادس عشر, وإستبداله بالجمهورية. لكن الثورة إنتهت إلى النقيض من هذا. أحداث متلاحقة, جاءت بنابليون إلى السلطة كإمبراطور جديد لفرنسا. وكانت قبضته الحديدية وحكمه الفردى, يفوق فى شموليته وإستبداده حكم الملك, الذى قامت الثورة أصلا للإطاحة بنظامه.
كما أن دعاة الإستعمار فى فرنسا, إستغلت مبادئ التنوير, لكى تحتل بلادا أخرى وتنهب ثرواتها. بحجة خدمة شعوبها ودفعها للتقدم والحرية والديموقراطية. وفى عصرنا الحديث, نجد الرئيس الأمريكى بوش يتذرع بنفس حجج التنوير فى إحتلاله للعراق. ويخفى بالطبع السبب الحقيقى وراء هذا الغزو. وهذه جريمة بشعة, تعتبر سبة فى التاريخ الإنسانى. وعار فى جبين الشعب الأمريكى على مدى الأزمان.
كما أن التنوير يلقى هجوما شرسا من رجال الدين والسلفيين. فنجد البابا يوحنا بولس الثانى يتهم فكر التنوير فى أوروبا بأنه المسئول عن الفاشية والنازية والشيوعية. ويقول بأنه لا حل لأزمة الحضارة الغربية الا بالعودة إلى الإنجيل والسيد المسيح.
سيطرة الغوغاء على الثورة وخروجها عن المسار الصحيح, لا ينقص من قدر فلسفة الأنوار السابقة للثورة الفرنسية. كما أن أفكار التنوير غير مسئولة عن الفتوح الإستعمارية لخدمة السياسات القومية الضيقة, سواء فى القرون الماضية أو فى وقتنا الراهن. فقد أدان ديدرو وروسو وكوندورسيه وآخرون عديدون الحملات الإستعمارية بكل أشكالها. وأكدوا أن مبادئ التنوير لا تعترف بالقومية الشوفينية. وإنما فلسفة التنوير تؤمن بالمساوات بين الشعوب وحقها فى الإستقلال والحياة الكريمة, والحرية الفردية لكل إنسان.
ونجد أن بعض حركات التحرر الوطنى, فى الهند ومصر والجزائر وغيرها, قد إستخدمت أفكار التنوير والثورة الفرنسية لمقاومة كلا من الإستعمار الفرنسى والبريطانى. ومن ثم يكون الفكر التنويرى قد سار فى الإتجاه الصحيح كما أراده فلاسفة الثورة.
خطيئة التنوير وجريمته الكبرى, كما يقول المفكر الفرنسى تودوروف, هو أنه يضع الإنسان مكان الرب كمصدر للمثل العليا. ويضع العقل مكان التراث القديم. ويساوى بين البشر. ويضع حرية العقيدة مكان الإيمان بالإكراه. ويمنع إستخدام الدين وإستغلاله فى الحياة العامة والسياسة. حتى يتجنب الناس ويلات الطائفية والتفرقة بين مواطنى البلد الواحد.
لماذا نجح التنوير فى أوروبا, ولم ينجح فى بلادنا؟ بذور التنوير كانت موجودة فى العالم الإسلامى من القرن الثامن إلى القرن العاشر الميلادى. لكنها للأسف لم تستمر. وقفل باب الإجتهاد وتراجعنا وفاتنا الكثير. عصر النهضة, وعصر الثورة الصناعية, والثورة العلمية والتكنولوجيا, وثورة المواصلات. ونحن الآن نلهث ونجرى فى كل الإتجاهات بدون هادى أو دليل. ولا ندرى من نحن أو إلى أين نذهب. وتتحكم الدكتاتورية فى رقابنا وكأنها قدرنا. ويسطر رجال الدين على أرواحنا وحياتنا من المهد إلى اللحد. وما علينا إلا أن نقارن حالنا الآن, وحال البلاد التى سبقتنا فى الإيمان بفلسفة التنوير, لكى نعرف الفرق.
لقد كان لدينا فى الماضى, مفكرين أحرار مثل الكندى والرازى والفارابى وابن سينا وابن رشد وابن الطفيل وابن باجة واخوان الصفا والمعرى وابن المقفع وابن خلدون. لكنهم قمعوا بشدة بعد القرن العاشر فى المشرق. والقرن الثانى عشر فى الأندلس والمغرب. ولم تقم لنا قائمة بعد ذلك. وسبقتنا أوروبا ووصلت إلى ما وصلت إليه. وتحقق لديهم الحلم الطوباوى بعد موت فلاسفة التنوير بقرن أو أكثر. وتحولت بلادهم إلى جنة الحداثة بما فيها من حرية الفرد والخدمات الممتازة والنظام المستتب والنظافة السائدة والعلاقات الحضارية بين المواطنين.
هل ننكر أن فلسفة التنوير هى السبب فى إلغاء الرق وإبادته من بلاد العالم المتحضر. الأمر الذى فشلت فى تحقيقه الأديان السماوية الثلاث. حقيقة كان هناك تشجيعا على العتق. ولكن الحقيقة المرة التى لا يجب أن نغفلها, هى أن الرق لم يحرم فى أى دين من الأديان الثلاثة. فأسفار العهد القديم والعهد الجديد والقرآن, تجيز الرق وتباركه. وتنظم العلاقة بين العبد وسيده. وتذهب إلى حد إخبارنا بكيفية الحصول على العبيد والجوارى. وكيف نعاقبهم وطريقة ممارسة الجنس معهم!!
العبودية هى أشنع الأمور التى يمارسها الإنسان بعد القتل. إلا أن الكثيرين منا, يغضون الطرف عن هذه المشكلة الأخلاقية. بحجة أن العبيد كانوا مجرد خدم. يقومون بأعمال البيت والغيط. وإرواء الشبق الجنسى للرجل. لكن هذا لا يغير من الحقيقة شيئا. فهم عبيد وجوارى. سرائر وأقنان. غلبوا على أمرهم. وسلبت كل حقوقهم. وعوملوا كالمواشى. تباع وتشترى رغما عنهم ودون ذنب إقترفوه.
فى أوائل حكم بنى أمية, كان الرجل يمتلك العشرات من السرايا. يفعل بهن ما يشاء. وفى عهد يزيد بن عبد الملك, كانت الملكية بالمئات. ثم بالآلاف فى عهد الخلفاء العباسيين. حتى وصل الرقم إلى 4000 سرية. كان يمتلكهن الخليفة المتوكل. الذى وطئ الجميع خلال خلافته التى دامت ربع قرن. كما يقول الأصفهانى فى باب أخبار النساء فى كتاب الأغانى.
هل ننكر أن فلسفة التنوير, هى التى نادت بمساواة المرأة بالرجل. ونظرة واحدة على مكانة المرأة البائسة والمتدنية بالنسبة للرجل فى الأديان الثلاثة, تجعلنا ننحنى إعجابا بفكر التنوير الراقى فى المساواة بين الجنسين.
كما أن المساواة بين البشر غير موجودة فى الأديان الثلاثة أيضا. فالدين اليهودى يؤمن بأنه شعب الله المختار. فكيف يتساوى مع البشر. والدين المسيحى والدين الإسلامى لا يؤمنان بالتساوى إلا بين أفراد الدين الواحد. والحروب الصليبية والفتوحات الإسلامية خير دليل على ذلك. لذلك فكرة المساواة بين البشر بغض النظر عن الدين والعقيدة أو الجنس هى فكرة إنسانية بحته. تنم عن عمق وفكر راق إلى أبعد حدود الرقى.
لذلك يمكننا القول بأن فكر التنوير يتلخص فى تحرير اللإنسان من عبودية أخيه الإنسان. والتخلص من طغيان السلطة المطلقة أينما وجدت بين الحكام أو بين رجال الدين. والمساواة فى الحقوق والواجبات بين الناس بدون النظر للجنس أو العرق أو الدين. وتحرير العقل لكى يعمل بحرية وأمان. دون خوف أو إرهاب فكرى أو وصاية من أحد.
فالتنوير لا يعنى القضاء على الدين. وإنما يعنى حصره فى المجال الشخصى للفرد. فلن يمنعك أحد من أن تؤمن وتصلى وتقيم الشعائر كما تريد. بل هذا حق لك. وفى نفس الوقت, لن يجبرك أحد على الإيمان. وهذا حقك أيضا, وما يعرف بالحرية الدينية. وهو مفهوم راق للتدين. لأن التدين الإجبارى الناتج عن الخوف والسيطرة, لا أمل فيه وليس هو المطلوب.
zakariael@att.net
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|