وماذا بعد الهزيمة ؟
...............................................................
| |
| |
الرئيس مبارك | |
بقلم : سعد رجب صادق
............................
خرجت مصر من التصفيات المؤهلة لكأس العالم فى كرة القدم ، بعد هزيمتها من الجزائر فى المباراة الفاصلة بالسودان ، وبدل أن نبحث عن الأسباب والعوامل التى أدت الى خسارة الفريق المصرى ، وضياع أمل طالما انتظرناه ، انطلق الاعلام فى مشهد عبثى يؤجج نيران الفتنة بين البلدين ، ويستثير غرائز الناس ومشاعرهم ، والعجيب فى الأمر أننا نكرر دائما الخطأ الجوهرى الذى نقع فيه باستمرار ، ألا وهو القاء أسباب هزائمنا ، ومبررات تخلفنا ومشاكلنا ، على غيرنا وكأننا معصومون من الأخطاء ، ومنزهون عما يرتكب فى حق بلدنا من افساد واهمال ، أدى الى ما نحن فيه من تدهور وانحدار، وتراجع وتخلف فى كل مجالات الحياة.
والمتأمل فى الشأن الرياضى المصرى ، لا يجده مختلفا عن شؤوننا الأخرى ، وذلك لبديهية بسيطة ، وهى أن التقدم والتحضر ، والنهضة والتطور ، عملية شاملة ، ومن الوهم الظن أننا يمكن أن ننال مكانا عالميا فى دنيا الرياضة ، ونحن متردون الى الحضيض فى كل المجالات الأخرى ، ولذلك فان عمليات الاصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى والتعليمى والرياضى كلها متشابكة ومتداخلة ، وكل منها يؤثر ويتأثر بالآخر ، وكل منها يدفع بنفسه وبالآخر الى الأمام ، واذا نظرنا الى الدول التى تأتى على رأس قائمة الميداليات فى الدورات الأوليمبية ، أو الدول التى تحصل على بطولة العالم فى الألعاب المختلفة ، نجدها دائما الدول صاحبة النهضة والحضارة ، والتى عرفت ديناميكية التغيير والاصلاح ، واتخذت الخطوات الصحيحة للارتقاء بمجتمعاتها فى كل المجالات ، وتخلت عن سياسة التماس الأعذار والمبررات .
غير أن الأهم من السرد والتنظير الذى أصبح سمة الصحافة والاعلام فى مصر ، أن نبحث عن المشكلة ، ونضع اليد عليها ، ونحدد أسبابها ، بدون مبالغة أو تهويل ، وأيضا بدون تقليل من حجمها ، أو تهوين من أضرارها ، ثم نبحث لها عن العلاج الذى يقضى عليها ، ويضمن عدم ظهورها ، ويضمن فى نفس الوقت استمرارية عملية التحسين والتطوير ، حتى نكون قادرين على مواكبة التغيرات السريعة فى عالمنا اليوم ، وبرؤية أشمل للرياضة المصرية ، تضم الى كرة القدم غيرها من الرياضات ، نجد أن مشاكلنا وحلولها تكمن فى الآتى :
1- الرياضة حاجة فطرية للانسان ، وهى ألزم فى مراحل العمر المبكرة ، ومن سوء التدبير والتخطيط أن نهملها فى مدارسنا وجامعاتنا ، ولذلك فانه من الواجب علينا أن نهتم بها فى جميع مراحل الدراسة ، وأن نخصص لها الاعتمادات والامكانيات ، ونشجع التلاميذ والطلاب على المشاركة فيما يوافق رغباتهم وأهواءهم ، وأن نوفر لهم الوقت والتدريب ، ويمكن توفير النفقات ، وتسهيل ذلك ، بأن يكون لكل مجموعة من المدارس ، أو لمدارس كل مركز ، أو كليات كل جامعة مجمع يحتوى على الملاعب ، وغيرها من الأدوات واللوازم ، والمدربين والمتخصصين ، وعلاوة على التربية البدنية ، واستغلال طاقات الطلاب فى هوايات مفيدة ، فان هؤلاء سيكونون المدد المستقبلى لفرقنا الرياضية فى المسابقات الاقليمية والدولية ، ومما يجدر ذكره أن دول الغرب والولايات المتحدة والصين وغيرها من البلاد المتقدمة رياضيا تنفق بسخاء ، وتولى أهتماما شديدا للرياضة فى مدارسهم وجامعاتهم ، ولذلك يمتلكون خيرة اللاعبين فى كافة الرياضات.
2- التدريب الجيد هو أهم الوسائل الضامنة لوجود لاعبين على درجة عالية من الحرفية والمهارة ، وقد أصبح اعداد اللاعبين وتدريبهم الآن علما له قواعد وأصول ، وتستخدم فيه التقنيات الحديثة ، لايصال اللاعب الى درجة الأداء الأمثل ، وتقليل فرص الاصابة ، وتحسين القوة والتحمل ، والتوازن والتركيز ، وزيادة سرعة الأداء ، وهناك فى بريطلنيا على سبيل المثال مشروع بدأ تطبيقه فى اكتوبر من هذا العام ، ويطلق عليه ESPRIT ، أو The Elite Sport Performance Research in Training with Pervasive Sensing ، ويتكلف 8.5 مليون جنيه استرلينى ، ويساهم فى بحوث هذا المشروع باحثون من ثلاث جامعات ، ويستخدم المشروع أجهزة حول الملعب ، وأخرى يحملها اللاعب ، لقياس التغيرات البيوكيماوية والفسيولوجية ، وحركات العضلات ، ومعلات القلب ، وسرعة المفاصل وغيرها ، وتستخدم تلك المعلومات لتحسين مستوى التدريب ، ومستوى الأداء فى المنافسات ، يقول Dr. Scott Drawer رئيس فريق الباحثين فى هذا المشروع : ان الميداليات تكسب أو تخسر بفروق ضئيلة جدا within the tiniest margins ولذلك من المهم اعداد اللاعبين على المستوى الأمثل .
3- اذا كان التدريب الآن علما ، وهناك الآن ما يسمى sports research and innovation له علماؤه المتخصصون sports scientists ، فان هناك علما آخر يساهم فى اعداد اللاعبين وهو sports psychology أو علم النفس الرياضى ، حيث وجد العلماء علاقة بين تحسين أداء اللاعب ، وأداء الفريق ، ونفسية اللاعب ، حيث أن لكل لاعب درجة مثالية optimal من التواصل والأداء يمكن الوصول اليها عن طريق معرفة أنماط التعلم المفضلة لشخصيته preferred learning and personality styles
4- لا يكتمل اعداد اللاعب والفريق بدون جهاز ادارى ناجح ، يستخدم الطرائق الحديثة فى الادارة ، وهناك الآن نظام يطلق عليه TMS أوTeam Management System ، وهو نظام طور فى استراليا ، ويستخدم فى 119 دولة ، ويتضمن طرقا لحل المشاكل ، وحث الأفراد على الوصول لأعلى درجات الأداء فرديا ، وكفريق ، والمحافظة على التنافسية فى الأداء ، وغيرها من وسائل الادارة اللازمة لنجاح اللاعب والفريق .
5- الصرامة فى وضع الضوابط واللوائح وتطبيقها ، وبدون ذلك يصبح اللاعبون مجموعة من المدللين الذين لا يقيمون وزنا لفريقهم ، ولا يضربون مثلا طيبا للشباب وصغار السن الذين ينظرون اليهم باعجاب واقتداء ، وهناك الكثير من الأمثلة التى يمكن الاستشهاد بها من الرياضات الأمريكية ، حيث تفرض غرامات كبيرة ، وايقاف للاعب بدون مرتب ، وذلك فى حالة الجدال مع حكم المباراة ، أو استخدام الاشارات أو الألفاظ البذيئة تجاه الحكم أو المدرب أو الجمهور ، أو الاعتداء على أحد من الجمهور ، أو التخلف عن التدريب بدون عذر ، أو التأخر عن ميعاد أوتوبيس الفريق ، أو عدم الالتزام بمواصفات الزى ، ولا تتوقف الغرامات عند اللاعب ، بل قد تطال الفريق ، أو مالك الفريق ، أو المدرب ، ومن الأمثلة الجديرة بالذكر ايقاف اللاعبRon Artest ، وهو لاعب كرة سلة أمريكى لمدة موسم كامل لاعتدائه باللكم على أحد المتفرجين ، مما أدى الى خسارته لخمسة ملايين دولار ، هى كل مرتبه فى موسم 2004 ، ويغرم فريق Dalls Maverichs لكرة السلة اللاعب الذى يتأخر عن موعد الأتوبيس 1000 $ ، والذى يتخلف عن التدريب 2500 $ ، وغرم اتحاد كرة السلة الأمريكى NBA مبلغ 10,000 $ لثلاثة عشر لاعبا ارتدوا شورتا أطول مما تحدده اللوائح ب 0.1 بوصة ، وغرم أنديتهم أيضا 50,000 $ لكل نادى ، وتصل تلك الغرامات ملايين الدولارات سنويا ، حيث تعطى للجمعيات الخيرية.
6- المتأمل فى كل ذلك يجد أننا نفتقد لكل المقومات الضرورية للنجاح رياضيا ، ومن الوهم أن نظن غير ذلك ، وما الهزل المسمى الدورى والكأس ، أو البطولات الأفريقية التى نحصل عليها ، الا أقل من المستويات العالمية بكثير ، كما أن لاعبينا الذين جعلنا منه نجوما ومشاهير ، وأغدقنا عليهم الأموال والهدايا ، الا مجموعة من الذين لا يقدرون المسئولية ، والواجب الملقى على عواتقهم كممثلين لوطنهم ، بعد أن أفسدتهم الشهرة والمال ، كما أن الأجهزة الادارية التى تفتقر الى الحكمة والأمانة ، لعبت وما زالت دورا كبيرا فى تخريب الرياضة ، والانحدار بمستواها فى مصر ، بالتركيز على اللعبات الجماعية رغم صعوبة المنافسة فيها عالميا ، وتجاهل اللعبات الفردية والتى من الممكن أن نصل فيها لمستويات أفضل ، وتنافسية أعلى ، وبالرجوع الى احصائيات اللجنة الأوليمبية الدولية International Olympic Committee كمثال لسوء الادارة والتخطيط الذى اعترى مجال الرياضة فى مصر ، ومقارنة انجازاتنا منذ اول مشاركة فى عام 1912 ، وانجازات بعض دول المنطقة ، نجد أن دولة كتركيا والتى شاركت لأول مرة أيضا فى عام 1912 ، حصدت حتى دورة بكين 37 ميدالية ذهبية ، 24 فضية ، 21 برونزية ، بينما حصلت مصر وأيضا حتى دورة بكين على 7 ذهبية ، 6 فضية ، 9 برونزية ، بينما حصدت أثيوبيا والتى اشتركت لأول مرة عام 1956 على 18 ذهبية ، 6 فضية ، 14 برونزية ، وفى دورة بكين كان الوفد المصرى 118 لاعبا ، مشاركين فى 19 رياضة ، والمحصلة ميدالية واحدة ، بينما أرسلت تركيا 68 لاعبا ، فى 12 رياضة ، بمحصلة 8 ميداليات ، وأثيوبيا 36 لاعبا ، فى رياضة واحدة ، بمحصلة 7 ميداليات ، فى حين أرسلت أرمينيا 25 لاعبا ، فى 7 رياضات ، بمحصلة 6 ميداليات .
اننا أمام خيارين لا ثالث لهما ، اما اتباع المعايير الدولية فى اعداد اللاعبين والفرق ، والتدريب والادارة على أسس علمية ، ولوائح وقوانين صارمة ، أو هزليات الدورى ، وملهاة الكأس ، ثم تنقضى سنوات حتى الدورة الأوليمبية القادمة ، أو تصفيات كأس العالم ، وبعدها نعود الى البكاء والنحيب ، والبحث عن المعاذير والمبررات ، للفرص التى يتوالى اضاعتها ، ليطويها التاريخ الذى لم نتعلم منه شيئا .
saad1953@msn.com
06/11/2014