مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 التعليم فى مصر .. مشكلات وحلول 13- الامتحانات والميزان المُخْتَّل

 

اللغة العربية

 

بقلم : سعد رجب صادق
............................

الامتحانات هى ميزان العملية التعليمية ، والميزان إما أن يكون ميزان قِسْطٍ وعدل ، أو يكون ميزان خلل وعوج ، فكيف هو يا ترى ميزان التعليم فى مصر ؟! .. الإجابة الأمينة : ميزان خلل وعوج ، والتتابع المنطقى أن كل شئ فى المجتمع المصرى قد أصابه الخلل والعوج .. الناس قد أصابها الخلل والعوج ، ومؤسسات المجتمع قد أصابها الخلل والعوج ، وكل شئ فى المجتمع قد أصابه الخلل والعوج ، وذلك لأن العملية التعليمية بجميع حلقاتها ومكوناتها قد أصابها الخلل والعوج ، بل إنها نالت من الخلل والعوج أكثر من أى شئ آخر فى المجتمع ، والمشكلة الكبرى هنا أن اختلال واعوجاج العملية التعليمية يعنى بالضرورة ، ويعنى بالتسلسل الطبيعى للأشياء ، اختلال المجتمع واعوجاجه .. فى أفراده وجماعاته ، وفى مؤسساته وأجهزته ومنظماته .. أليس هؤلاء الطلاب هم من سيتولون أمور الدولة فى كل ميادينها ؟ أليس هؤلاء الطلاب هم من سيقومون على كل شؤونها ؟ أليس هؤلاء الطلاب هم المدد والمخزون المتجدد لحاجات المجتمع من الرؤساء والوزراء والمفكرين والإعلاميين والقضاة ورجال النيابة والشرطة والمدرسين وأساتذة الجامعات والباحثين ورجال الاقتصاد والعمال وغيرهم ؟!
ولذلك يصبح من الخطأ الجسيم أن ننظر للعملية التعليمية كدفعات من الطلاب ، ينتقلون من مرحلة إلى مرحلة ، ويصبح من الخطأ الجسيم أيضا أن ننظر للامتحانات كبوابة يجتاز فيها هؤلاء الطلاب تلك المراحل .. إن الأمر أخطر من ذلك كثيرا .. إنه مستقبل المجتمع بأكمله ، وفى هذا المقال سأتناول نظام الامتحانات من جوانبه المختلفة .
أولا : ما هى المشكلة ؟
ليست مشكلة واحدة ، ولكنها مشاكل عديدة ، مترابطة ومتداخلة ، ومتراكمة أيضا عبر سنوات طوال من الإهمال والفوضى والعشوائية ، والمعالجات التى تفتقر للدراسة الشاملة ، والتخطيط الدقيق ، مع غياب الإرادة السياسية المخلصة والأمينة ، والفاهمة والواعية لعمق الهوة ، والضرورة الملحة للإصلاح والتغيير .. إنه النمط العام لكل أمور المجتمع ، ولكل شؤون الدولة المصرية ، رغم أننا جميعا شعبا وحكومة نتغنى بحب مصر ، ونَدَّعى الهيام بها .. أليس ذلك من المفارقات التى تتطلب التأمل ؟! إن أهمية التعليم ، وضرورته للنهضة ، من الحقائق التى لا تقبل جدالا ، ورغم ذلك ما زلنا نتخبط ، ومازالت خطواتنا تتعثر ، ومازال النظام التعليمى بجميع مكوناته ينحدر من قاع إلى قاع .
1- نظام الامتحانات الحالى يتناغم مع أسلوب التلقين : التعليم فى مصر يعتمد على التلقين والحفظ والسرد ، والتلقين يقضى على كل ملكات التأمل والتخيل والإبداع والتفكير، ويتعارض مع القراءة والتساؤل والتجريب ، وكلها لوازم لتخريج طلاب قادرين على البحث ، وقادرين على إيجاد حلول لمشاكل المجتمع ، وقادرين على المنافسة فى تقنيات العصر ، وهى ضرورات للانتعاش الاقتصادى ، والثراء العلمى والفكرى والثقافى ، والسلام والتوافق الاجتماعى ، وتحقيق الرفاهية للأمة ، وما يستتبع ذلك من قوة ومكانة ونفوذ على المسرح العالمى ، ومشكلة التلقين فى النظام التعليمى المصرى ترجع لأسباب عديدة ، فهى طريقة سهلة وبسيطة وسريعة ، ولا تتطلب مناهج متطورة ، ولا عوامل مساعدة كالمكتبات والمعامل ، ولا يلزمها مدرسون وأساتذة على درجة عالية من الكفاءة والإعداد ، ولا تحتاج فصولا دراسية ، أو قاعات للمحاضرات والمعامل ذات أعداد قليلة من الطلاب ، ولا يخفى على المتابع للشأن التعليمى تخلف المناهج الدراسية ، ورداءة الكتاب المدرسى والجامعى ، وهزال مستوى المدرسين والأساتذة ، وضعف التجهيزات المعملية ، وسوء أحوال المكتبات ، وفقرها فى المراجع والدوريات العلمية ، بل وانقطاع اشتراكها فى معظم تلك الدوريات ، وارتفاع أعداد الطلاب فى الفصول والمدرجات .. أى أننا هنا استعضنا عن العمل الجاد لإصلاح تلك النقائص ، بأسلوب التلقين العقيم ، الذى يشجع على الكسل والخمول ، وانغلاق العقل والأفق والخيال ، وجعلنا نظام الامتحانات متناغما مع هذا الأسلوب ، حيث يطفح الطالب ما حفظه من معلومات على ورقة الإجابة ، ليمر من مرحلة إلى مرحلة ، بدون أن نكون قد حركنا فيه غريزة التفكير ، أو نشَّطناعقله للتأمل والنقد والربط بين الأشياء ، أو درَّبناه على اكتشاف العيوب والأخطاء ، ورصد المشكلات ، واإيجاد الحلول ، واقتراح البدائل ، والغريب أن مشكلة التلقين قد تنبه لها كثيرون من المتابعين والدارسين للحالة المصرية ، فمثلا مجلة The Economist البريطانية ، فى الملف الذى خصصته للحديث عن مصر بتاريخ 16 يوليو 2010 ، تحت عنوان " ملف خاص عن مصر " A Special Report on Egypt ، أفردت جزءا للحديث عن التعليم الذى وصفته بأنه يقوم على الصم والاستدعاء بدون فهم rote learning ، وفى كتاب Inside Egypt ، أو " فى داخل مصر " ، وهو كتاب جيد للمؤلف البريطانى John R. Bradley ، والذى صدر عام 2008 عن دار النشر Palgrave MacMillan , NY ، يتحدث الكاتب عن تعليم يعانى من زيادة عدد الطلاب ، والعجز عن إحداث التأثيرات المرغوبة للطالب أو المجتمع ، مع طريقة تدريس تعتمد على الحفظ والصم ، والتقليد والمحاكاة ، بدلا من الفضول وحب البحث والتدقيق Historically , the educational establishment has been bloated and inefficient , with instruction driven by rote and mimicry rather than inquisitiveness
2- نظام الامتحانات الحالى يُشَّجع على الغش : رغم أن الغش ظاهرة معروفة بدرجات متفاوتة فى جميع المؤسسات التعليمية فى جميع أنحاء العالم ، إلا أنه يشيع وينتشر بدرجة وبائية فى النظام التعليمى الذى يعتمد على التلقين ، حيث يصبح كل المطلوب من الطالب أن يعيد سرد ما حفظه أو تلقنه من معلومات ، فلا مجال هنا للتفكير ، أو الربط بين الأشياء ، أو البحث عن حلول لمشاكل ما ، أو النقد والتقييم لأمر ما ، أو إظهار المقدرة على الفهم ، والإلمام بالبدائل والاحتمالات ، وكلها مما لا يمكن فيها الغش ، لأنها جميعها تتطلب استخدام العقل ، وإعمال الفكر ، وتتطلب المران والخبرة والتدريب طوال السنة الدراسية .
والغش له أشكال وطرائق مختلفة ، بعضها تقليدى ككتابة المعلومات على أجزاء من الجسد أو الثياب ، أو الأدوات المدرسية ، أو بخط دقيق على ورقة صغيرة ، أو استنساخ إجابة الآخرين ، وبعضها يعتمد على وسائل أخرى مثل شراء الامتحانات ، حيث يقوم البعض بتسريبها أو سرقتها وبيعها للطلاب ، وقد ذكرت صحيفة " المصريون " بتاريخ 18 مايو 2010 أن 13 مسؤولا بإدارتى أسيوط وأسوان التعليميتين قد تمت إحالتهما للمحاكمة التأديبية بسبب تسريب امتحانات الثانوية العامة عام 2008 ، ومن الشائع الآن فى جميع الجامعات المصرية أن الامتحانات يتم تسريبها أو بيعها ، كما يتم استبدال كراسات الإجابة ، أو تغيير الدرجات ، وهو ما حَوَّل وقت الامتحانات إلى موسم للتكسب أو النصب على الناس .. تحدثت صحيفة " المصرى اليوم " فى عددها بتاريخ 28 يونيو 2011 عن واقعة نصب على المواطنين ، حيث باع شاب امتحان مادة التاريخ لطلاب الثانوية العامة مقابل 1000 جنيه ، ليتضح لهم بعد ذلك أنه ليس الامتحان الحقيقى ، وفى امتحانات الثانوية العامة الماضية ذكر المسؤولون بوزارة التربية والتعليم حسب ما نشرته " الدستور " بتاريخ 2 يوليو 2011 ، حدوث حالات من الغش الجماعى بمحافظات كفر الشيخ وأسيوط والشرقية ، واستخدام التكنولوجيا الحديثة ( التليفون الخلوى وغيره من الأجهزة الصغيرة gadgets التى تُحمل فى اليد أو الجيب أو الحقائب ) فى بعض الحالات ، وأن محافظة الشرقية احتلت المركز الأول على مستوى المحافظات فى حالات الغش ، تلتها محافظة كفر الشيخ .
ويذكر الأستاذ " فهمى هويدى " صورا أخرى للغش ، أكثر فجاجة ، وأشد ضررا ، وأعمق دلالة على ما وصل إليه حال التعليم والمجتمع بأسره ، فى مقال بعنوان " فضيحة فى الجامعة " ، نشرته صحيفة " الشروق " بتاريخ 16 فبراير 2009 ، وفيه ينقل عن د . سالم الديب الأستاذ بكلية الطب ، جامعة الزقازيق ، مجموعة من التجاوزات الخطيرة فى امتحانات السنة النهائية لطلاب الطب : 1- تعمد توجيه مُمْتَحِنين معينين لامتحان طلاب محددين ، على نحو يكشف عن رغبة صريحة فى المجاملة . 2- الموافقة على أن يُغَير المُمْتَحِنون اللجان التى تحددت لهم سلفا ليباشروا مهماتهم فى لجان أخرى ، ولا يُفسر ذلك إلا بتعمد إشرافهم على امتحان طلاب بذواتهم ، ليكيلوا لهم درجات لا يستحقونها . 3- إجراء الامتحان لطلاب قبل الموعد المحدد لهم ، لكى يقفوا أمام مُمْتَحِنين معينين لذات السبب . 4- إجراء قرعة صورية لتوجيه طلاب معينين إلى من يمنحهم الدرجات النهائية ، فى حين طُبِقت القرعة الحقيقية على الآخرين ، مما يخل بتكافئ الفرص . 5- فى حالة محددة اختار الأستاذ المشرف على الامتحان عددا محددا من الطلاب ( المحاسيب ) لكى يمتحنهم بنفسه ، مما يعنى حصولهم على الدرجات النهائية . 6- فى واقعة أخرى شُكلت لجنة بها مُمْتَحِنون مختارون لامتحان لجنة محظوظة ، ضمت طالبات من بنات ذوى الحيثية . 7- أحد المُمْتَحِنين قدم مساعدة مباشرة لطالب كان مطلوبا منه تشخيص صور طبية تظهر على شاشة العرض ، هكذا بمنتهى الفجاجة والجرأة . 8- تسرب الأوراق من الكنترول ، وعند إبلاغ النيابة رجعت الأوراق إلى مكانها الأصلى ، وكان منها ورقة ابنة رئيس الجامعة ، والتى كانت بعد النتيجة من العشرة الأوائل . ثم يذكر د. سالم الديب أن : " هذه الوقائع وأكثر منها معلوم لدى إدارة الجامعة ، ولذلك فليس فيها ما يفاجئهم أو يصدمهم ) ، ويختم الأستاذ " فهمى هويدى " مقاله قائلا : " ثمة قصص وفضائح أخرى ترسم صورة الكارثة فى طب الزقازيق ، الذى يروعنى ألا يكون الأمر مقتصرا عليها ، إحدى تلك الفضائح أن هذا الذى حدث مسكوت عليه من الجميع ، فى حين أنه كفيل بالإطاحة بأكبر الرؤوس فى التعليم ، وفى الحكومة بأسرها ، هذا إذا وقع فى أى بلد يحترم العلم ، أو يحترم مواطنيه ، الذين سيكونون الضحايا فى نهاية المطاف " ، ثم يمضى قائلا : " إن هذا يوفر لنا إجابة عن سؤالين مهمين هما : لماذا تُعيد بعض الدول الخليجية امتحان حملة الدكتوراة فى الطب من الجامعات المصرية ؟ ولماذا خرجت الجامعات المصرية من تصنيف الجامعات المحترمة فى العالم ؟ " .
والغش وغياب الأمانة الأكاديمية academic dishonesty لا يقتصر على التعليم الأساسى والجامعى فى النظام التعليمى المصرى ، ولكنه يمتد ليشمل الدراسات العليا ، والأبحاث العلمية فى الجامعات ومراكز البحوث ، وفى تقييم الأبحاث المُقَدَمة للترقية ، والأبحاث المُقَدَمة للنشر فى المجلات العلمية المصرية ، وقد تعرضت لبعض من تلك الظواهر فى مقال " البحث العلمى " ، وهو أحد مقالات تلك السلسلة ، وسأتناوله بمزيد من التحليل فى مقال لاحق عن أخلاقيات التعليم .. غير أن الشئ الذى أود أن ألفت الانتباه إليه هنا أن كل تلك الظواهر والممارسات القبيحة تُفَسر الفشل الذى أصاب كل مؤسسات المجتمع ، والإخفاق الذى أصبح سمة ملازمة للمشاريع والبرامج المصرية ، وتُفَسر أيضا انحطاط مستوى خريجى الجامعات ، وتفشى الفساد فى كل مكان ، أليس أمرا منطقيا أن من يغش فى المدرسة سيغش أيضا فى الجامعة ، وسيغش بالتأكيد فى عمله وممارساته فيما بعد الجامعة ؟! وأنه من الحمق والغفلة أن نظن أن أمثال هؤلاء يمكن أن يؤتمنوا على أمورالمجتمع وقضاياه ؟!.
3- نظام الامتحانات الحالى يرتبط إيجابيا بظاهرة الدروس الخصوصية : أصبحت الدروس الخصوصية فى المجتمع المصرى ظاهرة عامة ، اعتاد عليها الناس حتى صارت جزءا من همومهم المالية والنفسية ، ويذكر د . زكى البحيرى فى مقاله الذى نشرته صحيفة " المصرى اليوم " بتاريخ 28 أبريل 2010 تحت عنوان " استراتيجية بديلة لنظام التعليم الثانوى –4- " : " أن المبالغ المالية التى ينفقها الأهالى على الدروس الخصوصية تتعدى 12 مليار جنيه سنويا " ، وهو بلا شك رقم كبير فى مجتمع يعانى غالبيته من الفقر وتدنى الدخل وسوء أحوال المعيشة ، وقضية الدروس الخصوصية لا ترتبط فقط بالإعضال المالى للأسرة المصرية ، وإنما تمتد لتشمل عديدا من المفاسد السلوكية والأخلاقية ، ومن الأضرار الفادحة بمستوى التعليم ، ومستوى الخريجين ، وبالمنظومة التعليمية بأكملها ، وخاصة أنها تجاوزت التعليم الأساسى وامتدت لتشمل التعليم الجامعى أيضا ، وقد تحدثت عن الدروس الخصوصية فى مقال آخر فى تلك السلسلة بعنوان " الثانوية العامة والدروس الخصوصية ومكتب التنسيق " ، وما يعنينى هنا هو التأكيد على الارتباط الإيجابى بينها وبين النظام الحالى للامتحانات ، حيث أن الدروس الخصوصية فى حقيقتها هى تلخيص واختصار للمقرر الدراسى ، وتحويله إلى مجموعة من الأسئلة الهامة والأجوبة عليها ، يُعِدُها المدرس للطلاب ، وهذه الأسئلة عادة ما تكون أسئلة الامتحانات ، وينتهى الأمر بالطالب إلى سرد تلك الإجابات فى كراسة الامتحان ، وفى غمرة ذلك تضيع أو تتضاءل قيمة المدرسة ، وأهمية الحضور والمواظبة طوال العام الدراسى ، وضرورة العمل والمثابرة والفهم والإلمام بالمقرر الدراسى ، وكلها علل خطيرة تنعكس سلبيا على الناتج النهائى للعملية التعليمية وعلى المجتمع بأسره ، ولذلك لا عجب أن انحدر مستوى أصحاب الشهادات الجامعية فى مختلف المهن والتخصصات ، واتصفت الغالبية العظمى منهم بالضحالة والسطحية ، وقلة المعرفة والخبرة والإدراك ، وهو ما كانت له أوخم العواقب على المجتمع فى كل منظماته ومؤسساته .
4- تضخم الدرجات أو ما يعرف بــــ grade inflation : ظاهرة تضخم الدرجات معروفة فى النظام التعليمى المصرى ، وتعنى حصول الطلاب على مجاميع تتجاوز %100 ، وقد بدأت تلك الظاهرة فى عهد وزارة حسين كمال بهاء الدين ، الذى أدخل المواد الاختيارية ، ومواد المستوى الرفيع ، بجانب المواد الإجبارية ، مما قفز بالمجاميع فى الثانوية العامة فوق حد المائة بالمائة ، وهو ما ليس مسبوقا فى جميع الأنظمة التعليمية فى جميع أنحاء العالم ، ولا يقتصر تضخم الدرجات على الثانوية العامة ، ولكنه معروف أيضا فى التعليم الجامعى ، حيث ترتفع أعداد الحاصلين على درجة امتياز ، سواء كان فى مقرر ما أو فى التقدير النهائى ، وقد يظن البعض أن تضخم الدرجات ظاهرة صحية ، ولكنها عكس ذلك تماما ، لأنها تُعطى الدلالة على سهولة المواد الدراسية ، وسهولة الامتحانات ، وهو ما يؤثر سلبيا على مستوى الطلاب ، ومستوى إعدادهم وتأهيلهم لما بعد الجامعة ، وهو ما ينعكس فى النهاية سلبيا على الجامعات ومكانتها العلمية ، وعلى المنظومة التعليمية برمتها ، وعلى المجتمع أيضا .
5- استخدام الامتحانات للترويج والدعاية للنظام أو الحزب الحاكم : العملية التعليمية المحترمة والجيدة لا يتم استخدامها حزبيا أو سياسيا ، وهناك دائما فارق بين القضايا القومية التى هى جزء من هدف التعليم وغايته ودوره فى غرس الهوية والولاء والانتماء للوطن ، وبين القضايا الحزبية ، حتى لو كانت للحزب الحاكم ، وفى الحقبة الناصرية كان " الميثاق " مفروضا على الطلاب ، وكانوا يُلزمون بحفظ أجزاء منه ، ويُمتحنون فيها ، وفى الحقبة المباركية كان البعض أيضا يستخدم الامتحانات كأداة حزبية ودعائية ، ومن أمثلة ذلك ما ذكره د . جابر قميحة فى مقاله " فى مصر لا تربية ولا تعليم " والذى نشرته صحيفة " المصريون " بتاريخ 7 نوفمبر 2010 : " أصبح النفاق لازمة تعليمية تربوية ، يرفع لواءها الآثم الفاضح مدرسون ومسئولون فى مدارسنا ... قامت الإدارة التعليمية بمنوف بمحافظة المنوفية بالدعاية والترويج لأفكار الحزب الوطنى ، وذلك من خلال وضع سؤال إجبارى فى سؤال التعبير بمادة اللغة العربية للصف الأول الإعدادى ، بامتحانات نصف العام ، حيث كان نص السؤال : أكتب لأستاذك برقية تهنئة لفوزه بأمانة الحزب الوطنى عن دائرته " ، ثم يضرب الكاتب مثلا آخر : " وفى امتحان الصف الأول الثانوى ، فى مادة التربية الفنية ، بمحافظة شمال سيناء ، مدرسة العريش الثانوية للبنين ، فى امتحان نهاية الفصل الدراسى الثانى 2005/2004 ، جاء سؤال التعبير الفنى بالنص الآتى : أولا : التعبير الفنى : تشهد الأيام القليلة القادمة منعطفا خطيرا فى مصر للرؤية المستقبلية للشعب المصرى ، لتحديد الأهداف والأولويات لتحسين حياة الفرد ، والرئيس حسنى مبارك قائد له تاريخ مستمر ، واستطاع أن ينقل مصر نقلات حضارية فى الاقتصاد والسياسة والتعليم والثقافة والزراعة والاستقرار والأمان ، وحرص على عدم المساس بأصحاب الدخل المحدود ، وسعى لتحسين أحوال المعيشة ، ووضع خططا خمسية متتالية لازدهار التنمية ، وحرص على إقامة مدن جديدة ، ومشروعات ضخمة مثل : توشكى – شرق العوينات – ترعة السلام ، لرفع معيشة أبناء الوطن ، فلا يحتاج الرئيس لدعاية انتخابية ، والكل سيقول كلمته نعم يوم الانتخاب للرئيس مبارك . عبر بقلمك وألوانك عن إحدى المشاهد التالية :
مشهد من مشاهد التأييد للرئيس مبارك فى الشوارع ، أو فى داخل اللجنة الانتخابية ، أو مشهد من مشاهد الإصلاح والخدمات فى مصر على يد الرئيس مبارك . ثانيا : التصميم الابتكارى : داخل مستطيل مساحته 15x30 سم ، صمم شعار تأييد للرئيس مبارك فى الانتخابات القادمة مستخدما الرموز المناسبة ، على أن تكتب عبارة نعم لمبارك داخل التصميم مستخدما الألوان التى تناسب الشعار " ، ثم يمضى الكاتب ضاربا مثلا ثالثا : " فى إحدى مدارس منوف ، جاء الامتحان مكونا من فقرتين هى أ ، ب ، والفقرة ب مقسمة إلى 1 ، 2 ، الأول موضوع عن الحج ، والثانى موضوع عن الرياضة ، إلا أن واضع الامتحان أضاف كلمة إجبارى فى نهاية الفقرة أ ، حتى يجبر التلاميذ فى الكتابة عن الحزب الوطنى بدلا من الحج أو الرياضة ، وكأن أهمية الحزب الوطنى أهم عنده من الحج مثلا ، ونتساءل : ما فائدة الفقرة ب ما دام أن أ إجبارى ، أم هى من باب التجميل ؟! " .
6- الامتحانات والتهريج الإعلامى واختلال المفاهيم : مشكلة مصر الكبرى هى اختلال المفاهيم فى جميع المجالات ، فالأمر ليس قاصرا على النواحى السياسية ، ولكنه يمتد ليشمل النواحى الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية والتعليمية والإعلامية والصحافية والفنية والرياضية وغيرها ، بل وحتى النواحى الدينية أيضا ، ووسط هذا الخلل العام تنشط بضاعة كثير من السياسيين والصحافيين والإعلاميين والفنيين فى الكذب والتدليس والتهييج ، وإحداث مزيد من الخلل فى مفاهيم الغالبية العظمى من الناس ، والمتأمل فى قضايا التعليم يجد تلك الظاهرة واضة جلية ، فالكل يشكو من انحدار التعليم وتدهور أحواله ، ولكنهم فى نفس الوقت يدافعون عن المجانية ، والتى هى سبب رئيسى فى ذلك ، ويتقبلون التعايش مع مهزلة الدروس الخصوصية ، رغم ما فيها من إعلان صريح عن فشل السياسة القومية للتعليم ، ورغم ما فيها من تغييب لمعنى التعليم وهدفه فى المجتمعات ، ورغم ما فيها من مال حرام يستنزفه المدرسون من عرق وجهد الأسر المصرية الفقيرة ، ويتكالبون على التعليم الجامعى ، ويتغاضون عما فيه من ضحالة وتؤخر وغش وفساد ، وانفصال عن مشاكل المجتمع ، ومستحدثات العصر وتقنياته ، ثم يشتكون بعد التخرج من البطالة ، رغم أن الأمانة تقتضى القول بأن خريجى جامعاتنا غير مؤهلين وغير مدربين ، ولا يستحقون التعيين فى معظم المواقع والوظائف ، ويتصارعون على الدرجات العلمية بعد الجامعة ، مع أن ما نسميه البحث العلمى عندنا هو مهزلة بكل المعايير .. بحوث لا قيمة لها ، وأبحاث لا تصلح للنشر فى أية دورية عالمية ، ولو نظرنا لموضوع الامتحانات نجد أن الطلاب وأسرهم قد استقر فى أذهانهم أن الامتحانات ينبغى أن تكون سهلة يسيرة ، وأنه من القسوة والإجحاف أن تكون هناك أسئلة صعبة ، أو تتطلب تفكيرا ، أو تختبر فى الطالب عقله وفهمه وربطه للموضوعات ، ولذلك يلاحظ المتابع والمهموم بقضايا التعليم سيركا إعلاميا كل عام ، وحوادث انتحار وإغماءات ، وشكاوى واحتجاجات وتظاهرات ، وتحقيقات ، بل واستجوابات فى البرلمان .. أليس هذا ورب الكعبة هو الهزل والعبث والاستهبال بعينه ؟! ، ومن أمثلةالتغذية الإعلامية لتلك المفاهيم المختلة التى تراكمت فى العقلية المصرية ، وأصبحت واقعا مُعَاشا ، لا سبيل لنقضه أو هدمه ، أو حتى المطالبة بتقويمه وتصحيحه ، ما يلى :
- محاولات انتحار وإغماءات ، وتمزيق أوراق الإجابة ، بسبب صعوبة امتحان الفيزياء للثانوية العامة [ المصرى اليوم ، 19 يونيو 2011 ] .
- بدأت وزارة التربية والتعليم اليوم ( 20 يونيو 2011 ) التحقيق مع اللجنة الفنية التى وضعت أسئلة امتحان اللغة الإنجليزية للمرحلة الأولى من الثانوية العامة ، بعد وضعها 4 جزئيات بالسؤال الثالث من خارج المنهج المقرر على الطلاب ، وهو ما استدعى توزيع درجاتها على 4 جزئيات أخرى بنفس السؤال ، وأكد مصدر مطلع بالوزارة أن اللجنة المسئولة عن وضع أسئلة الامتحان مكونة من 4 أعضاء من أساتذة الجامعات ، وفى حال انتهاء التحقيق معهم إلى وقوعهم فى مخالفات لمواصفات الورقة الامتحانية ، فإن الوزارة ستقرر حرمانهم من وضع الامتحانات مستقبلا ، وستُخطر جامعاتهم رسميا بأخطائهم [ اليوم السابع ، 20 يونيو 2011 ] .
- نظم العشرات من طلاب المرحلة الثانية فى الثانوية العامة الشعبة الأدبية وقفة احتجاجية أمام وزارة التربية والتعليم بسبب صعوبة امتحان الجيولوجيا وعلوم البيئة ، فيما شهدت بعض اللجان بالقاهرة والمحافظات حالات إغماء وبكاء [ المصرى اليوم ، 24 يونيو 2011 ] .
- الطلاب يصفون امتحان اللغة الإنجليزية للثانوية العامة بأنه مجزرة ، وأنه تعجيزى .. الوزارة تُعد لجنة عاجلة لتقييم مستوى الأسئلة .. أحد أولياء الأمور يقول : " منك لله يا زكى يا بدر ، دى مش وزارة الداخلية علشان يعمل فى الطلاب كده " .. إحدى وليات الأمر : " حرام على الوزير اللى بيعمله فى ولادنا ، ياريت يحل الامتحان بنفسه قبل ما الطلبة تحله " .. مجزرة التفاضل تطرح الطلبة أرضا [ اليوم السابع ، 14 يونيو 2010 ] .
- إيهاب البدوى يكتب مقالا بعنوان " مطلوب كشف نفسى على واضعى امتحانات الثانوية " ، وفيه يقول : " لا أجد حلا أمامى إلا المطالبة بتوقيع الكشف النفسى على معظم واضعى امتحانات الثانوية العامة ، لتحديد المشاكل والإحباطات النفسية التى عانوا منها فى طفولتهم ، وجعلتهم يقررون الانتقام من هؤلاء الأولاد بهذا الشكل السادى ، عن طريق أسئلة مركبة يفشل الأخ أينشتين فى حلها " [ المصريون ، 18 يونيو 2010 ] .
- مواجهة بين وزير التعليم د . أحمد زكى بدر ونواب المعارضة فى مجلس الشعب ، حيث تحداه النائب الوفدى مصطفى شردى أن يثبت أن السؤال الخامس فى امتحان اللغة الانجليزية من المنهج [ المصرى اليوم ، 21 يونيو 2010 ] .
- مظاهرة بمحافظة الدقهلية نظمها أولياء الأمور ، ضد ما وصفوه بالأسلوب الإرهابى لوزير التعليم ، وقد حَمَلَ المتظاهرون لافتات تطالب بإقالة الوزير ومحاكمته بسبب صعوبة الامتحانات ، وطالبت إحدى اللافتات تدخل الرئيس : " يا ريس ارفع الظلم والقهر عنا .. يا راعى الأمة أبناؤنا أمانة فحافظ عليهم "
- حصيلة الثانوية العامة لعام 2010 : وفاة 6 مراقبين ، وطالبين ، وإصابة 17 [ المصرى اليوم ، 28 يونيو 2010 ] .
كل تلك النماذج التهريجية القبيحة نتاج لغياب الجد والمثابرة ، وغياب الدقة والإتقان ، وغياب الفهم والإدراك لصعوبة العلم والتعلم ، وضرورة الإقرار والتسليم بتلك الحقيقة ، وهى أيضا نتاج لثقافة عامة تقوم على الاستسهال والتحايل والاستهبال ، وثقافة تعليمية تقوم على الغش والدروس الخصوصية ومذاكرة ليلة الامتحان واستخدام الملازم والملخصات .. فى خضم هذا الهزل والتهريج ارتفعت أصوات لا يكاد المرء يسمعها من قلتها ، تعترض على تلك الحالة العبثية ، ومنها محمد حمدى الذى كتب مقالا بعنوان " البرلمان والامتحانات والخيبة القوية " ، نشرته صحيفة " اليوم السابع " بتاريخ 16 يونيو 2010 : " لم أسمع أو أشاهد طوال 48 عاما هى كل عمرى فى هذه الحياة ، عن برلمان فى أى مكان من العالم يناقش امتحان مادة دراسية ، كما فعل برلماننا الموقر ، حينما انعقد بكامل هيئته ليناقش بيانات عاجلة يلقيها النواب ، وطلبات إحاطة حول صعوبة امتحان اللغة الإنجليزية " ، ومنها أيضا د . عبد الله هلال ، الذى كتب فى " المصريون " فى 4 يوليو 2010 مقالا بعنوان " امتحانات الثانوية العامة والإعلام " ، وفيه يتساءل : " ما دخل وسائل الإعلام بالامتحانات ؟ المفروض أن الامتحانات مجرد اختبار لقياس قدرات الطالب ، وليست معركة بين أولياء الأمور ووسائل الإعلام وبين الوزارة ... ألا تتفقون معى على أن المطالبة بأسئلة سهلة هو غش مُقَّنع ؟ " .
7- الرأفة : الرأفة جزء من نظام تصحيح الامتحانات فى المدارس والجامعات ، حيث تضاف درجات لا يستحقها الطالب لمساعدته فى الانتقال للمرحلة التالية ، ورغم ظاهر الرحمة فى إضافة درجات الرأفة بالنسبة للطالب ، إلا أن ذلك يتغاضى عن مصلحة المجتمع ، والتى تتطلب أن يكون خريجو الجامعات على أفضل درجة من العلم والتدريب والإعداد ، وبدون ذلك يُساهم النظام التعليمى فى إلحاق الضرر والتدهور بالمجتمع فى مؤسساته وأفراده ، ورغم أن المدافعين عن الرأفة يرون أنها بجانب فائدتها للطلاب وأسرهم ، فإنها تفسح المكان للطلاب القادمين ، إلا أن الحقيقة تبقى أن ضررها المستقبلى على المجتمع يفوق بمراحل جانب الفائدة الضيقة للطالب أو أسرته .. إنها سياسة الاستسهال ، والتغاضى عن الحلول الحقيقية ، والتعامى عن النتائج الكارثية المستقبلية ، عندما ينتشر فى مؤسسات المجتمع وأجهزته أشباه المتعلمين ، أو أشباه الجاهلين .
8- نظام الامتحانات الحالى وارتباطه الوثيق بتدهور مكونات العملية التعليمية : العملية التعليمية تشبه آلة أو ماكينة كبيرة ذات تروس ومكونات شتى ( المناهج ، الكتاب المدرسى والجامعى ، المدرس والأستاذ ، المعامل ، المكتبات ، الامتحانات ، وغيرها ) ، المادة الخام التى نغذى بها تلك الآلة هى الطالب ، والمُنتج النهائى هو الباحث والطبيب والمهندس والمحامى والقاضى وخبير السياسة والاقتصادى والمدرس وأستاذ الجامعة وغيرهم ، هؤلاء جميعا هم من يقومون على شؤون المجتمع ، فإن كانوا مؤهلين جيدا ، أحسنوا الرعاية ، وأدوا الأمانة ، وحفظوا مكانة المجتمع ، وصانوا حاضره ومستقبله ، وإن كانوا غير مؤهلين ، نشروا الفوضى والعشوائية والتخبط ، فينحدر المجتمع ، ويضيع حاضره ومستقبله ، تماما كما هو حالنا الآن .. تلك الآلة أو الماكينة بدورها تحتاج إلى تناغم كل تروسها ومكوناتها ، فإذا اختل أحد تروسها أو مكوناتها أختل عمل باقى التروس والمكونات ، وكان الناتج النهائى بضاعة مضروبة لا قيمة لها ، كما هو الحال مع غالبية خريجى مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا ، والتشبيه وإن كان فيه قدر كبير من التبسيط إلا أنه يعكس وضع العملية التعليمية التى اختلت كل مكوناتها .. مناهج قديمة تم إعدادها بطريقة صماء ، لتتماشى فقط مع أسلوب التلقين ، وطُبعت فى كتب رديئة ، وأسلوب متهالك ، مما ينفر الطالب ولا يجذبه ، ومدرس أو أستاذ مبرمج ليقوم بدور المُلَقِن ، وليس بدور المُفَجر لطاقات العقل والفكر ، ويقومَ أيضا بدور المُخْتزل للمناهج فى صورة ملخصات وملازم أو كتب خارجية مساعدة ، أو أسئلة وأجوبة ، ومعامل ومكتبات هزيلةالإعداد والتجهيزات ، وامتحانات تلبى كل ذلك وتتماشى معه ، ولا تختبر فى الطالب غير الحفظ والسرد .. كل تلك المكونات تعمل فى ظلال ثقافة سائدة أدمنت التحايل والتدليس ، وطلقت الجدية والعمل ، وعشقت كل سهل ميسور ، وكرهت الصبر والنفسَ الطويل ، وتحللت من قواعد الدقة والالتزام .. إن النظام التعليمى فى مصر ببساطة شديدة هو المنهج المختصر والمختزل لوقت الامتحان وساعته ، من أجل ورقة تُسمى شهادة ، تستوى فى ذلك شهادة الابتدائية والثانوية والدكتوراة ، ولا معنى ولا ضرورة لأن يتعلم الطالب شيئا ، يفيد به نفسه ومجتمعه ، ومن لا يصدق تلك الحقيقة الواقعية والمؤلمة فلينظر حوله لضحالة الخريجيين وسطحيتهم وافتقارهم للمهنية .. إنهم لا يستطيعون حتى كتابة جملة واحدة سليمة لغويا ، خالية من الأخطاء الإملائية والنحوية !!
ثانيا : ما هو الحل ؟
1- كما أسلفت مرارا فإن حل مشاكل النظام التعليمى عملية متكاملة ومترابطة ، ولا بد أن تشمل جميع مكونات العملية التعليمية .
2- التخلص من أسلوب التلقين ، وهو عملية مركبة تحتاج إلى تطوير المناهج الدراسية ، وتحسين الكتب المدرسية والجامعية ، وتحتاج إعدادا جيدا للمدرسين وأعضاء هيئات التدريس ، وتحتاج اهتماما بالجوانب العملية فى المناهج ، وتحتاج أن تصبح المكتبة جزءا أصيلا فى العملية التعليمية ، أى أنها تحتاج إلى التغيير الشامل لجميع المكونات ، وهى عملية تحتاج وقتا وجهدا وصبرا ، ولكنها الطريقة الوحيدة لاستثمار المجتمع فى ثروته وطاقاته البشرية ، والسبيل الوحيد لنهضتة وتقدمه ، ولا يمكن أن يتم كل ذلك إلا بالتخطيط والدراسية ، لأن التخبط والعشوائية لا يمكن أن يحققا نجاحا أو إنجازا ، كما أثبتت تجارب العقود العديدة الماضية .. يذكر د . جابر قميحة فى مقاله السابق الإشارة إليه أن : " جل اهتمام المسئولين انصرف إلى الانتشار الأفقى للعملية التعليمية ، أى الاهتمام بالكم بصرف النظر عن الكيف ، فزاد عدد المدارس والفصول زيادة رهيبة ... كما أخضعت الدولة نظامنا التعليمى لعدد من التجارب التى ثبت إخفاقها كلها ، لأنها لم تعتمد على منهج علمى مدروس لهذه التجارب ، هذا زيادة على التخريج الآلى للمدرسين ، والسماح بالتدريس لمن لا يملك مؤهلا تربويا ، حتى أصبح الحديث عن جودة التعليم نكتة سائدة ، ودفع أحد خبراء التعليم فى مصر إلى القول : هو فين التعليم حتى نحكم عليه بالجودة أو عدمها " .
إصلاح مكونات العملية التعليمية سيقود بالضرورة إلى الخلاص من أسلوب التلقين ، لأنه لا حاجة للتلقين مع مناهج حديثة ، ومدرس فاهم وقادر على أداء دوره ، وهو ما سيقود أيضا إلى القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية ، لأن الطالب سيجد فى مُدَرسه ومَدْرسته ما يحتاج إليه من فهم ورعاية ، ومع المناهج الحديثة ، والكتاب المدرسى والجامعى المُعدل والمُطور والجذاب ، سيتم القضاء على المذكرات والملازم والملخصات والكتب الخارجية المُساعدة ، وكلها ظواهر مصرية لا توجد عند غيرنا من الشعوب والأمم .. هذا الإصلاحات ستقود أيضا إلى استبدال نظام الامتحانات الحالى القائم على سرد المعلومات التى سبق تلقينها ، إلى نظام يستثير العقل والتفكير .
3- ذكرت مرات عديدة فى مقالات تلك السلسلة أن إصلاح النظام التعليمى لا يمكن أن يتم إلا بالإصلاح الشامل للمجتمع ، والإصلاح الشامل لا يحدث إلا بتغيير المفاهيم المغلوطة ، والثقافة الفاسدة ، فلا يمكن أن نقضى مثلا على الغش ، أو نظام الرأفة فى تصحيح الامتحانات ، فى مجتمع يبحث عن كل الوسائل السهلة والسريعة ، والأساليب الملتوية والمتحايلة على القوانين واللوائح والأعراف ، ولا يمكن أن يتوقف الإعلام عن الابتذال والتهريج والتهييج فى مواسم الامتحانات ، بدون أن يستقر فى أذهان الناس أن العلم ليس قصصا وحكايات سهلة ، وإنما مواضيع وقضايا صعبة ومعقدة ، وأن التعلم ليس نزهة أو حاجة سريعة يقضيها الطالب ، ولكنه عملية طويلة وسنوات عديدة من الاجتهاد والعمل والمذاكرة والمثابرة ، وأن تلك العملية الطويلة والصعبة ضرورة لا مناص منها لمصلحة الفرد والمجتمع ، وبالتالى لا بد أن تكون الامتحانات انعكاسا ومقياسا لتلك المفاهيم .. لو استقرت تلك المعانى فى العقلية المصرية ، لن تخرج مظاهرات تندد بالوزير لصعوبة الامتحانات ، ولن يحتج الطلاب وأولياء أمورهم على ما يدَّعونه من صعوبة الأسئلة ، أو أنها خارج المقرر ، ولن يُقدم نواب البرلمان استجوابات بسبب الامتحانات ، ولن تخرج الصحافة والبرامج التلفزيونية تتلاعب بالعواطف متحدثة عن الامتحان المجزرة ، والامتحان التعجيزى ، أو ضرورة الكشف النفسى على واضعى الأسئلة ، ولن يتمسك النظام والناس بمجانية التعليم الجامعى ، مع علمهم بهزالها وتأثيراتها السلبية على الجامعات ، ومع علمهم بالكلفة العالية للتعليم الجيد ، والتى يستحيل مع بقاء المجانية على مصر أو غيرها الوفاء بمتطلباتها ونفقاتها .
4- القضاء على ظاهرة تضخم الدرجات grade inflation من الأمور الضرورية لإصلاح نظام الامتحانات ولإصلاح النظام التعليمى ، ومن الأمور المثيرة للانتباه أن هناك لجانا فى الجامعات الأمريكية ، وفى النظام التعليمى عموما ، تراقب نسب النجاح ، وتراقب نوعية الدرجات ، وتقدم توصياتها كلما زادت تلك النسب أو الدرجات عن حدود معينة ، وذلك لأن زيادة تلك النسب أو الدرجات يعنى ضعف الامتحانات ، وضعف المناهج الدراسية ، ويعنى ضعف المنافسة بين الطلاب ، ويعنى بالتالى ضعف مكانة الجامعة ، وقد رفعت بعض الجامعات الأمريكية الدرجة المطلوبة للحصول على تقدير A أو ما يقابل امتياز فى جامعاتنا من 100-90 إلى 100-94 ، وكانت جامعة Princeton الشهيرة من أوائل الجامعات التى غيرت نظام الدرجات ، لتجعل الحصول على A مهمة صعبة ، وهو ما أدى إلى انخفاض نسبة الحاصلين على هذا التقدير من %47 قبل عام 2004 إلى حوالى %40 الآن ، وتسعى الجامعة للوصول بالنسبة إلى %35 ، وقد تبعت الجامعة جامعات أخرى ، وهو ما أدى إلى زيادة المنافسة بين الطلاب ، وتحويلها إلى منافسة أكثر قوة ونشاطا ، وقد عبر عن ذلك أحد الطلاب فى مقال كتبه لصحيفة الجامعة اليومية Daily Princetonian : Reducing the number of A’s for a class mathematically implies that students will compete more vigorously for them
5- التقييم الشامل للطلاب ضرورة ملحة من أجل نظام امتحانات جيد وعادل ومفيد للطالب والمجتمع ، وهو وإن احتاج تغييرا لمكونات العملية التعليمية إلا أنه الطريق الأمثل لإصلاح مظاهر الخلل فى الامتحانات وفى المنظومة التعليمية ، علاوة على فوائده لشخصية الطالب وسلوكه ، وانعكاسات كل ذلك إيجابيا على المجتمع ، وهو الأسلوب المُتَبع فى كثير من الأنظمة التعليمية الناجحة فى العالم ، وقد تناوله د . حسين البيلاوى فى مقاله " الضرورة السياسية والتربوية للتقويم الشامل فى مدارسنا " ، الذى نشرته صحيفة " المصرى اليوم " بتاريخ 25 أغسطس 2010 ، وفيه يبدأ بالتفرقة بين النظام التقليدى والذى يعتمد على ما يسميه امتحانات الفرصة الواحدة ، والنظام الشامل ، ويربط بين النظام التقليدى وشيوع كثير من المفاسد التعليمية والاجتماعية فى مصر : " التقويم التقليدى يهدف إلى غربلة وفرز التلاميذ ، لانتقاء الناجح واستبعاد الراسب ، وهذا الاستبعاد فى صميمه استبعاد اجتماعى ... وبعض علماء الاجتماع التربوى يعتبرون أن هذا التقويم يعمل على إعادة إنتاج وترسيخ التفاوت الاجتماعى الطبقى القائم فى المجتمع ... التقويم التقليدى يرتبط بنمط من التدريس يرتكز على التلقين ، ويكرس الحفظ ، ويكون فيه التلميذ متلقيا سلبيا ، حيث يحشو المدرس أدمغة التلاميذ وكأنها خزانة فارغة ، يملؤها بالمعلومات المعلبة سابقا فى مناهج وكتب جامدة ، ثم تأتى امتحانات الفرصة الواحدة لجرد هذه الخزانة ، وقد هيأ هذا المفهوم الضيق للتقويم الفرصة السانحة لنشأة الدروس الخصوصية ، التى تخصص محترفوها فى التعامل مع امتحانات الفرصة الواحدة ... تكونت تاريخيا بسبب هذه الامتحانات ذات الفرصة الواحدة ، والبعد الواحد المعرفى ، منظومة ذات علاقة وطيدة بين تعليم قائم على التلقين والحفظ ، ومعلومات ومعارف معلبة فى كتب سطحية جامدة ، وامتحانات تقليدية قاهرة ، وهكذا تمكنت هذه المنظومة الثلاثية من تكريس ثقافة الصمت فى أجيال متعاقبة ، وغرست فيهم السلبية والاتكالية ، فالتلميذ منذ أن يدخل المدرسة حتى تخرجه ، يظل يُلقن ويحفظ ويسترجع ، حتى يفقد روح التفكير والإبداع ، ويصبح أحادى التفكير ، رافضا التعددية والاختلاف " ، ثم يتحدث عن التقييم الشامل فيقول : " التقويم الشامل يرتبط بالضرورة بمنظومة تعليمية مختلفة تماما ، هى منظومة التعليم النشط ، الذى يهدف إلى تحقيق عملية تربوية ترتكز على اهتمامات المتعلم ، وتحفزه على النشاط والحوار والمناقشة ، والبحث العلمى والتفكير الناقد ، وأخذ المبادرة فى العملية التعليمية ، وهذه العملية ترتبط هى الأخرى بمناهج المعرفة المتنوعة ، والتكنولوجيا المتقدمة " .
ويذكر د . حسين البيلاوى أن وزير التربية والتعليم السابق د . حسين كمال بهاء الدين هو أول من أدخل مفهوم التقويم الشامل فى عام 2003 بصورة تجريبية فى الصفوف الثلاث الأولى من التعليم الابتدائى ، على أن يتسع نطاق التجربة تدريجيا لتشمل التعليم الإعدادى ، ثم يبدأ تطبيقها على الصف الأول الثانوى فى العام الدراسى 2012/2011 ، ويرى البيلاوى أنه لنجاح تلك التجربة ومن ثم تطبيقها يلزم تحقق مجموعة من الشروط وهى : بناء ثقافة الثقة بين أولياء الأمور والمعلمين والمدرسة ، وتوعية المعلمين سياسيا بضرورة وأهمية التقويم الشامل والتعليم النشط ، وتنمية القدرات الفنية للمعلمين ، لرفع كفاءة الأداء بإخلاص وحرفية ، والمتابعة المستمرة ، وتفعيل المشاركة المجتمعية .
ينبغى الإشارة هنا إلى أن ربط البيلاوى بين ما يسميه امتحانات الفرصة الوحيدة وما يصفه بالاستبعاد الاجتماعى وترسيخ التفاوت الطبقى ، ربط فيه كثير من المبالغة والخيال ، كما أن نظام التقييم الشامل يترتب عليه أيضا سقوط كثير dropout من الطلاب من العملية التعليمية ، سواء كان ذلك فى المدارس أو الجامعات ، والولايات المتحدة هى خير مثال على ذلك ، وينبغى الإشارة أيضا أن عهد الوزير حسين كمال والذى امتد لثلاثة عشر عاما ، قد حفل بكل أنواع الخلل والتدهور فى المنظومة التعليمية ، مثل تفشى الدروس الخصوصية ، وانتشار ما يعرف بمراكز الدروس الخصوصية وكأنها عمل مشروع ، وتحويل الثانوية العامة لنظام العامين ، وشيوع ظاهرة المجاميع التى تتجاوز %100 ، ومكافأة واضعى الامتحانات السهلة ، ومعاقبة واضعى الامتحانات الصعبة ، وكلها دلائل غياب التخطيط والدراسة ، وسيطرة التخبط والعشوائية .
ملحوظة : استخدمت خلال هذا المقال كلمة " تقييم "للدلالة على قياس قدرات الطلاب بالامتحانات وغيرها ، واستخدم د . البيلاوى كلمة " تقويم " فى عنوان مقاله وخلاله للدلالة على نفس الاستخدام ، والكلمتان بنفس المعنى ، وهما من الفعل " قوَّم " ويعنى تعديل الشئ ، ويعنى أيضا تقديره ، وإن جرت العادة على استخدام التقييم بمعنى تقدير قيمة الشئ ، والتقويم بمعنى تعديل الشئ وإصلاح خلله .
دعا د . زكى البحيرى أيضا إلى فكرة التقييم الشامل ، وقدم تصورا لها فى الثانوية العامة ، فى مقاله السابق الإشارة إليه : " بالنسبة لشهادة الثانوية العامة أو الفنية يجب أن تكون درجات السنة الثالثة هى المُعبر الأساسى عن مستوى الخريج ، ولكنها ليست المعبر الوحيد ، بمعنى أنه يجب أخذ نسبة من مجموع الصفين الأول والثانى الثانوى ولتكن %15 تضاف إلى مجموع السنة الثالثة ، والغرض من ذلك تحقيق التقويم الشامل ، وإرغام الطالب على الانتظام والحضور والجد والاجتهاد فى جميع السنوات ، وكذلك يجب تحديد نسبة من الدرجات لأعمال السنة للصف الثالث الثانوى لتشجيع الطلاب على الانتظام والاجتهاد ، ولتكن هذه النسبة %20 من مجموع الشهادة الثانوية ، وبذلك يمثل الامتحان التحريرى النهائى %65 من المجموع الدال على الشهادة الثانوية عامة أو فنية ، ثم يكون هناك امتحان تأهيلى للكلية أو المجال الذى سيتوجه إليه الطالب " .
يجب التأكيد هنا على أن فكرة التقييم الشامل فكرة مرنة وفضفاضة ، وقابلة للتحوير والتعديل ، وأنها تتسع لتشمل أنواعا مختلفة من الامتحانات ، وطرقا مختلفة لوضع الدرجات أو توزيعها ، وهو ما يجب التنبيه إليه فى التعليم المصرى ، حيث أن كل الكتابات والمناقشات التى تدور حول هذه الفكرة تصورها وكأنها سلسلة من الامتحانات التحريرية ، وهذا التصور الضيق لا يختلف فى حقيقته عن الامتحان الواحد فى نهاية السنة الدراسية .. إن الإعداد الجيد للطالب لا يمكن أن يتم إلا بتنمية قدراته وملكاته المختلفة ، ليكون الخريج وهو الناتج النهائى شخصية متكاملة ، ولذلك يلزم تنوع الاختبارات لقياس وتنمية تلك الشخصية المتكاملة لتشمل :
- الامتحانات التحريرية التى تختبر الفهم والإلمام الشامل بالمنهج الدراسى ، والمقدرة على الربط بين عناصره المختلفة ، وكيفية التعبير عن هذا الفهم والربط بلغة سليمة مترابطة ومتسلسة منطقيا .
- الامتحانات العملية التى تقيس مقدرة الطالب على استخدام التجربة لاختبار فرضية ما ، أو للبرهنة على حقيقة ما ، أو للحصول على قياسات ما ، أو للتعرف على عناصر أو مكونات أو خلايا أو أنسجة أو كائنات أو حالات مختلفة ، وغيرها الكثير مما يلزم تعويد الطالب عليه ، وعلى ما يتطلبه من دقة ، وما يحتاجه من محاولة ، وكلها مما يلزم لإعداد الباحث أو الطبيب أو المهندس أو غيرهم .
- كتابة الأوراق البحثية مع ما فيها من تعويد على ارتياد المكتبات ، ومراعاة الضوابط المطلوبة فى تجميع المعلومات ، ونسبتها إلى مصادرها ، وطرح الفرضيات ، والطرق العلمية للتعامل معها ، ومناقشة النتائج ، والتعبير عن كل ذلك بأسلوب سليم .
- الامتحانات الشفوية وهى لازمة لتعويد الطالب على الجرأة ومواجهة الآخرين ، والتفكير والتعبير السريع .
- حلقات النقاش أو ما يسمى seminars وفيها يتناول الطالب بحثا أو موضوعا ما ليعرضه على مدرسه أو أستاذه ، ليحاوره فيه مع باقى طلاب الفصل أو المقرر ، وفيها تعويد أيضا على مواجهة الآخرين ، والحديث إليهم ، وإجابة أسئلتهم ، ونقل المعلومة أو الفكرة إليهم بطريقة منطقية وأسلوب جذاب .
- اختبارات العمل الحقيقية لإعداد طلاب الطب أو الهندسة أو الزراعة أو غيرها من المجالات التى تتطلب فهما ومقدرة على التعامل مع المرضى وتشخيص عللهم ، أو التعامل مع المشاريع الهندسية ، أو النباتات الزراعية ، أو الحيوانات ، أو غيرها .
- من المفيد أيضا تنويع طرق إعطاء الدرجات لتناسب نوعية المقرر الدراسى ، ونوعية الواجبات والتوقعات المطلوبة من الطلاب ، وفى النظام الأمريكى على سبيل المثال تتفاوت الدرجات بين الأرقام numerical score ، والنقاط points ، والحروف letter grades ، والنتيجة النهائية : ناجح/غير ناجح pass / fail ، والمصطلحات الوصفية descreiptor terms ، وهو ما يعطى المدرس أو الأستاذ أيضا حرية فى تقييم طلابه بالطريقة التى يراها متناسبة مع حجم المقرر ، وحجم المعرفة والإلمام الواجبة على الطلاب .
- امتحانات خاصة تعقدها الجامعات للراغبين فى الالتحاق بها بعد التعليم الثانوى ، وتختلف حسب نوع الدراسة المرغوبة ، وهى طريقة جيدة لتحديد أعداد الطلاب بما يتوافق مع رغباتهم فى نوعية التخصص ، وما يتوافق أيضا مع إمكانية الجامعة ، وقدرتها على تقديم تعليم جيد ، وهى وإن كانت غير مطبقة فى الجامعات المصرية إلا أنها فكرة مقبولة للتطوير المستقبلى .
الملاحظ فى التعليم المصرى تركيزه على الجوانب النظرية والامتحانات التحريرية ، وإغفال الجوانب الأخرى ، أو عدم إعطائها ما يلزمها من وقت وتدريب ومران ، ولذلك نجد فى واقعنا مثلا أطباء على مستوى ضئيل من الخبرة والمقدرة على التشخيص والعلاج ، مما يوقعهم فى أخطاء فادحة ، وكذلك الحال مع كثير من المهندسين ، وكثير من الزراعيين الذين لا يستطيعون حتى التفريق بين الحاصلات الزراعية ، وغالبية المحامين الذين لا يستطيعون الكتابة أو الحديث بلغة سليمة .. هل من المعقول أن المحامى الذى من صميم وظيفته إعداد المرافعات ، وإقناع المحكمة بصحة موقف موكله ، غير متمكن من الآلة اللازمة لذلك وهى اللغة ؟! ، وهو ما عبر عنه الأستاذ فهمى هويدى فى مقال نشرته صحيفة الشروق بتاريخ 11 أغسطس 2011 ، تحت عنوان " فضيحة فى المحكمة " : " ما شاهدناه فى محاكمة الرئيس السابق كان مثيرا ... ولكن ما سمعناه كان جارحا للآذان ... من بين عشرين محاميا تحدثوا للمحكمة فإن واحدا فقط هو الأستاذ فريد الديب تحدث بلغة عربية سليمة ، أما الباقون فإن لسانهم العربى بدا عاجزا ومشوها على نحو مذهل ، إذ أن مستواهم فى التعبير اللغوى لم يكن يتجاوز مستوى تلاميذ المدارس الإعدادية " ، هل من المعقول أيضا أن الإعلاميين ومقدمى البرامج لا يستطيعون التكلم بلغة سليمة خالية من الأخطاء ؟!
ليس أمام النظام التعليمى المصرى مفر من استخدام أنظمة الامتحانات المختلفة ، وليس أمامه مفر من التركيز بجانب المعرفة النظرية على الجوانب العملية ، والتجريب ، والتدريب والمران ، هذا إذا كنا فعلا صادقين فى رغبتنا فى الارتقاء بمستوى طلابنا وخريجينا ، وإعدادهم الإعداد السليم لسوق العمل ، وللقيام بواجباتهم فى إصلاح المجتمع والإرتقاء بشؤونه ، أما المعرفة النظرية ، وسردها فى الامتحانات التحريرية ، فلن يكون أبدا الطريق السليم لإصلاح المنظومة التعليمية ، سواء أبقينا على أسلوب التقييم التقليدى أو أحللنا التقييم الشامل مكانه .
ثالثا : وماذا عن تقييم باقى مكونات المنظومة التعليمية والبحثية ؟
يظن الكثيرون عند الحديث عن التقييم فى النظام التعليمى أن المقصود فقط هو تقييم الطلاب بالامتحانات وغيرها من الاختبارات ، ولكن الحقيقة أنه فى نظام تعليمى جيد ومحترم لا بد من تقييم باقى مكونات المنظومة التعليمية والبحثية :
- المدرسون : فى عهد وزير التعليم الأسبق يسرى الجمل ( 2010-2006 ) ، تم عمل كادر خاص للمعلمين ، وهو ما استلزم اختبارا خاصا يتوجب على المدرسين اجتيازه ، ورغم أن اختبار المدرسين ، وإلزامهم بتعاطى مقررات بصورة دورية ، من الشروط المطلوبة لاستمرارهم فى ممارسة المهنة فى دول مختلفة ، إلا أن المدرسين فى مصر قابلوا الفكرة بالهزل والتحقير ، واعتبروها مساسا بكرامتهم ، رغم أن الأَوْلى أن يتباروا جميعا من أجل تحسين قدراتهم التعليمية والتربوية .. كتب د . أحمد عبد الحميد فى صحيفة " المصريون " بتاريخ 10 أغسطس 2011 ، مقالا بعنوان " وزارة التربية من امتحان المدرسين إلى امتحان الموجهين " ، وفيه ينحى باللائمة على الفكرة ، ويقلل من أهميتها : " يبدو أن وزراء التربية والتعليم قد اعتاد كل منهم أن يثير الزوابع ... من تلك الزوابع زوبعة اختبار الكادر الخاص بالمعلم ... التى أتت على ما تبقى من هيبة وكرامة لدى المعلم ، ذلك لأن الاختبار العسير الذى وُضع أمامه كل مدرس ، بعد أن جلس على الطاولة يمسك بورقة أسئلة وورقة إجابة ، وحوله المراقبون من كلية التربية ، الذين جاءوا للإشراف على عملية الامتحان ، وبعضهم أصغر من الممتحنين سنا ، جعلت المدرس يفقد ما تبقى له من ثقة بنفسه ، وازداد الأمر سوءا عندما اضطر أكثر المدرسين لنقل الإجابة من بعضهم البعض ، وسط حالة من الهرج والمرج والغش الجماعى ، إذا تنازل المعلم عن المبادئ التى كان يؤمن بها ، ومنها تحريم الغش ، وصار بعدها مكسور النفس ، فكيف يقف أمام التلاميذ ... وكيف يقول لهم إذن الغش محرم " ، ثم يمضى الكاتب مقللا من أهمية اختبار آخر تنوى الوزارة إعداده لمن يرغبون فى العمل بالتوجيه : " تحاول الوزارة أن تعيد كرة الاختبار مرة أخرى ، ولكن هذه المرة مع الرؤوس العليا ، وهم الموجهون الذين يقومون بالإشراف على المدرسين وتوجيههم ، لتجعل الموجه هو الآخر مثار سخرية واستهزاء وتندر ... على كل من أراد أن يلتحق بالتوجيه أن يخضع لاختبار تحريرى فى مادته " ، ثم يلوم الوزراء ويصفهم بأنهم : " لا يزالون يديرون العملية التعليمية بأسلوب بدائى لن يزيد مصر إلا تراجعا وتخلفا " .
إن اختبار المدرسين ليس عيبا ، واختبار الموجهين ليس عيبا ، كما يزعم د . أحمد عبد الحميد ، وليس فى الاختبار انتقاص من قيمة المدرس أو الموجه ، ولكن الانتقاص الحقيقى من قيمة العملية التعليمية عندما يمارسها مدرسون جهلاء ، يشرف عليهم موجهون غير أكفاء ، ولذا يلزم اختبار المدرسين والموجهين ، واجتيازهم لدورات تدريبة دورية ، حتى يكونوا على إطلاع ودراية مستمرة بالجديد فى المجال التعليمى ، واستبعاد من لا يصلح منهم ، وبدون ذلك سيضيع أمل الإصلاح والتطوير للتعليم المصرى المأزوم بمشاكله المستعصية .. إن فكرة الاختبار التى أدخلها الوزير لتقييم المدرسين فكرة جيدة ، ويجب تطويرها وتصحيح عيوبها وإضافة وسائل أخرى إليها ، ولا يمنع هذا من الإقرار بأن سنوات يسرى الجمل فى الوزارة شهدت أيضا التخبط والعشوائية ، وتسريب امتحانات الثانوية العامة ، وانتشار ظاهرة الغش الجماعى ، وإعادة السنة السادسة الابتدائية والتى ألغاها سلفه فى الوزارة د . أحمد فتحى سرور ، وهى كلها عوامل ألبت عليه المدرسين والإداريين والطلاب وأولياء أمورهم .
- هيئات التدريس بالجامعات : تقييم أعضاء هيئات التدريس بالجامعات موضوع شديد الأهمية ، وذلك لأن جامعاتنا تفتقر إلى الوسائل المناسبة لذلك ، وكل ما يحدث هو الترقيات التى تعتمد على نشر مجموعة من الأبحاث ، غالبا ما قام بها طلبة الدراسات العليا الذين يشرف عليهم العضو ، وهو أسلوب عقيم ساهم فى التخلف والركود العلمى فى الجامعات المصرية ، وفى تدهور مكانتها كمراكز علمية وبحثية ، بينما فى الجامعات العالمية يختلف الأمر تماما ، ففى الجامعات الأمريكية على سبيل المثال يتم الربط بين التدريس والبحث ، حيث كليهما من واجبات أعضاء هيئات التدريس ، ولذلك تعتمد ترقياتهم على المجالين ، وفى جامعة University of California , Berkeley مثلا تضع اللجان المختصة بالترقيات فى اعتبارها دور العضو فى وضع المقررات الدراسية design and redesign of courses ، ومدى وضوح أهدافها ، ووصولها للطالب بجلاء ، وإثارتها لفضوله ، ونزعة الإبداع عنده ، وتطويرها وتحديثها باستمرار ، وكذلك دوره فى التوجيه والإشراف على الرسائل العلمية ، ودوره فى توجيه وإعداد طلاب الدراسات العليا للتدريس ، وتمكن العضو نفسه من مجاله ، وعمق معرفته وانشغاله بالقراءة والبحث فيه ، ومساهمته فى التأليف ، وعمل الشرائح والمنشورات وبرامج الكومبيوتر والأشرطة وغيرها مما يساهم فى وضوح المقررات وتطويرها ، وتضع لجان الترقيات أيضا فى اعتبارها تقييم الطلاب والخريجين وطلبة الدراسات العليا للمقررات الدراسية ، وتقييم العضو لنفسه self-evaluation ، وتقييم الأعضاء الآخرين بالقسم له .. إن المرء ليحس بالخجل العميق كلما قارن بين ما يحدث فى جامعاتنا من جمود وتكلس ولا مبالاة ، سواء فى عقلية أعضاء هيئات التدريس ، أو فى المقررات الدراسية ، أو فى طرائق التدريس ، أو فى المجال البحثى ، وبين جامعات العالم التى تموج بالحركة والتطوير والبحث والأنشطة المختلفة .
- تقييم الأبحاث العلمية للترقية أو للنشر : يكفى هنا وصف د . أحمد الجريسى ، وهو أحد علماء الكيمياء الكونية cosmochemistry العالميين ، للأبحاث والرسائل العلمية المصرية ، والمجلات العلمية المصرية : " أكثر من %99 من الباحثين المصريين لا يمكنهم النشر فى المجلات الدولية لسوء وتدنى مستوى أبحاثهم ... غالبية رسائل الماجستير والدكتوراة فى الجامعات المصرية لا قيمة لها ... الغالبية العظمى لأعضاء هيئات التدريس يواظبون على نشر بحوثهم غير الموفقة حسب تقديرنا فى مجلات أو منشورات محلية " البعكوكة " ، تفتقد لأى مراجعة نوعية ... بل إن كلمة مراجعة لا تصدق عليها أصلا بسبب إهمال المسؤولين ، وربما عدم كفاءة لجان التقييم إن وجدت ... العوار المنهاجى لفحص الإنتاج العلمى فى لوائح المجلات العلمية المصرية ، والسياسة المتبعة فى التقييم ، ما ضمنت سوى تخريج الكثيرين من أعضاء هيئات التدريس بدون وجه حق ، وتوظيفهم فى مناصب لا يستحقونها أساسا ... الغالبية العظمى من رسالات الماجستير والدكتوراة المقدمة والمنشورة فى الجامعات المصرية تعانى من التخلف العلمى ، ولا عجب فالمشرفون على تلك الرسالات يحيون فى وسط علمى تخلف 80-50 عاما عن ركب الحضارة الأوربية " ، ثم يقرر الجريسى حُكْمَه على المهزلة المصرية : " المنهاج القائم فى تقييم البحوث ، وكذلك فى توظيف أعضاء هيئات التدريس ، لا يمكن أن يعتد به لنهضة كيان سليم على أرض الوطن ، ونشر الثقافة العصرية ، فما ينشر فى المجلات المحلية للوطن لا حاجة قائمة له محليا ودوليا ، لافتقاره إلى القيمة العلمية النوعية ... إنها حقا مسخرة " [ المصريون ، 16 أبريل 2011 ] .. إنها حقا مسخرة ، ولكن المأساة فيها أن لا أحد يوليها اهتماما ، فولاة الأمور أدمنوا الوعود الكاذبة والتصريحات الجوفاء ، والنخبة الفاسدة حتى النخاح تعيش فى أوهام السفسطة العقيمة والتنظيرات البلهاء ، ولا مجال هنا للتغلب على هذا العبث إلا بإصلاح المنظومة التعليمية والبحثية ، والتخلص من الثقافة الفاسدة وما فيها من غش وتدليس .. من المقترحات المؤقتة التى يمكن الاستعانة بها إرسال الأبحاث العلمية لتقييمها فى الجامعات الأوربية والأمريكية كما فعلت بعض دول الخليج ( السعودية والكويت والإمارات العربية ) .
- تقييم المنظومة التعليمية : مر التعليم المصرى خلال العقود الماضية بسلسلة من التغييرات العشوائية التى لا تعتمد على الدراسة والتخطيط ، ولم تخضع أى من تلك التغييرات للتقييم الدورى ، ومعالجة الأخطاء ، وإصلاح العيوب ، علاوة على الفردية ، وغياب اللجان والأجهزة المتخصصة ، أو عدم فاعليتها ، وانعدام دورها ، وفشل النظام السياسى الحاكم فى وضع خطة استراتيجية ذات أهداف معينة ، ومراحل محددة ، وآليات واضحة ، وتُرك أمر التعليم لأهواء الوزراء وأمزجتهم ، يغيرون ويبدلون ، وكل وزير جديد ينقض ما أرساه سلفه ، ويمارس مزيدا من التغيير والتبديل ، حتى تحول الأمر إلى فوضى عارمة وعشوائية كاملة ، نرى آثارها فى كل مدرسة وفى كل جامعة ، وفى مستوى كل طالب وكل خريج .
تحرص الأنظمة التعليمية المتطورة على تقييم كل مكوناتها بصفة دورية regular and systematic evaluation ، ومما يشمله هذا التقييم الدورى سياسات القبول بالجامعات admission policies ، والبرامج التعليمية education programs ، وأعضاء هيئات التدريس faculty members ، والتعليمات instructions والتوجيهات orientation الخاصة بالطلاب ، كما يشمل أيضا عديدا من التقييمات الخاصة بالطلاب مثل : التقييم الأكاديمى academic assessment وهى عملية مستمرة لتحسين مقدرة الطلاب على التعلم ، وتشمل وضع المعايير standards ، والتوقعات expectations ، وتجميع المعلومات وتحليلها للتأكد من موافقة الأداء للتوقعات – التقييم الحقيقى authentic assessment لقياس مقدرة الطلاب تحت الظروف الحياة الحقيقية real-world tasks بعيدا عن بيئة الجامعة الضيقة – التقييم الضمنى embedded assessment ويشمل أداء واجبات معينة فى الفصل ، ولكن بدون أن يعرف الطالب أنه سيتم تقييمه فيها ، وهى طريقة لاختبار الأداء تحت الظروف العادية بدون ضغوط تدفع لمزيد من الإنجاز .. هذه التقييمات وغيرها أصبحت من الضروريات الملحة للتعليم الجامعى المصرى ، الذى يعانى جمودا وتخلفا فى كل مكوناته ، حتى أن الفجوة بينه وبين التعليم الكورى تصل إلى نصف قرن ، وبينه وبين التعليم التركى تصل إلى ثلاثة عقود ، بينما تزيد إلى قرن كامل مع التعليم الأوربى ، حسب تقرير مجلة The Economist السابق الإشارة إليه Egyptians’ educational level now equals not only South Korea’s in 1960 but also Turkey’s in 1980 and much of Western Europe’s at the end of the 19th century ، وهى كلها دلائل على أنه لا خيار أمامنا الآن غير الإصلاح الشامل أو التخبط والضياع ، ويجب التنبيه هنا أيضا إلى ضرورة اللامركزية ، وهو ما سيعطى مدارس كل منطقة تعليمة ، وسيعطى كل جامعة ، حرية ومرونة فى تطبيق السياسات التى تلائم ظروفها ، كما سيشحذ روح المنافسة بينها ، ويشجع ارتباطها ببيئها المحلية ، وينمى استفادتها وتفاعلها مع ظروف منطقتها الاقتصادية ، ومع ورجال الأعمال والصناعات وغيرها من الاستثمارات الاقتصادية ، مما يفتح لها مصادر تمويل تساعدها بجانب المخصص لها من الموازنة العامة .. إن التعليم المصرى بحاجة ماسة إلى عصر جديد للنهضة والإحياء ، تقوم عليه عقول جديدة ، وعزائم جديدة ، وشخصيات واعية ومخلصة وصادقة وأمينة .
إن ميزان العملية التعليمية هو فى حقيقته ميزان المجتمع ، وترجع أهميته البالغة لسببين : أولهما ترسيخ قيمة العدل ، الذى هو العامل المحورى فى نهضة المجتمعات وسلامها وأمنها واستقرارها ، وشعور أفرادها وطوائفها بالولاء والانتماء لها ، وترسيخ قيمة العمل والجد والإتقان ، وترسيخ قيمة الأمانة والإخلاص ، وكلها نقائض الظلم والتكاسل والخمول والغش والتحايل والتدليس والانتهازية والتقاعس واللامبالة ، وثانيهما أن هذا الميزان هو ضمانة مستقبل المجتمع المتمثل فى أجياله الجديدة ، والتى ستقوم بإدارة شؤونه ، وحمل مسؤولية كل شئ فيه .. لو انصلح ميزان التعليم انصلحت كل موازين المجتمع ، وعندما يختل هذا الميزان تختل كل موازين المجتمع ، ويعوج كل شئ فيه.. أليس هذا هو مانعانى منه الآن ؟! خلل وعوج فى ميزان المدارس والجامعات والمؤسسات البحثية .. خلل وعوج فى ميزان القضا والشرطة والنيابة .. خلل وعوج فى ميزان الصحافة والإعلام ، خلل وعوج فى ميزان الفن والرياضة .. خلل وعوج فى ميزان السياسة والاقتصاد .. خلل وعوج فى ميزان السلوكيات والعلاقات والمعاملات .. ولذلك أمرنا رب العالمين فى مواضع كثيرة من القرآن الكريم أن نقيم ميزان الحق والعدل فى كل أنشطتنا الحياتية : ( والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا فى الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) الرحمن 9-7 ، ( ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ... ) الحديد 25 ، ( وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ... ) الأعراف 85 ، ( ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ) هود 85 ، ( وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ) الإسراء 35 ، ( وأوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين * وزنوا بالقسطاس المستقيم * ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ) الشعراء 183-181
ملحوظة : القسط : العدل ، والقسطاس : الميزان ، المستقيم : العادل
يا أيها القائمون على شؤون التعليم ، ويا أيها القائمون على كل أمر من أمور مصر ، ويا كل واحد من أبناء المجتمع : أقسطوا ( ...إن الله يحب المقسطين ) الممتحنة 8

سعد رجب صادق
saad1953@msn.com
 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية