الصحافة المصرية وإدمان الفشل : 2- الإخوان المسلمون
| |
المرشد العام | |
بقلم : سعد رجب صادق
...........................
ليس هذا مقالا عن " الإخوان المسلمون " ، ولكنه تناول لكيفية تعرض الصحافة المصرية للإخوان ، ويستخدم أسلوب المقارنة مع الصحافة الغربية ، وخاصة بعض المقالات التى نُشرت حديثا ، والغرض من ذلك التأكيد على مجموعة من الملاحظات الجديرة بالتأمل ، وخاصة بعد الشكوك التى يبديها الكثيرون الآن فى مصداقية وأمانة الإعلام المصرى برمته ، وأهمها :
1- الإعلام المصرى يميل إلى التهييج والإثارة أكثر من ميله إلى التناول المتوازن لقضايا المجتمع .
2- الإعلام المصرى يفتقد المنهج العلمى فى تقديمه لجميع الموضوعات ، وهو المنهج الذى يراعى أصول العرض الأمين ، والتحليل الدقيق ، واستخلاص النتائج ، وتقديم الحلول والبدائل .
3- الإعلام المصرى تسيطر عليه شلة من العلمانيين أصحاب الصوت العالى ، والذين يُعطون الانطباع بضجيجهم وصياحهم أنهم يمثلون غالبية المجتمع ، وهم فى الحقيقة قليلون لا يمثلون غير أنفسهم ومصالحهم والأنظمة الحاكمة التى قدمتهم ليمارسوا الدعاية لها بالتضليل والتدليس والكذب ، ويستعين هؤلاء بضيوف معتادين لا يقلون عنهم تضليلا وتدليسا وكذبا .
4- الإعلام المصرى يتساوى فيه المطبلون والمهللون للأنظمة والحكومات ، بالمهاجمين والناقدين لتلك الأنظمة والحكومات .. كلاهما وجهان لعملة واحدة من القبح والجهل والنفاق والانتهازية ، وكلاهما يؤدى الدور المطلوب منه بالمواصفات الموضوعة ، وطبقا للحدود المقررة .
لتلك الأسباب وغيرها فشل هذا الإعلام فى التواصل مع الناس ، وأخفق فى تكوين رأى عام قوى ومؤثر تجاه معظم أو كل القضايا والمواضيع التى تعنى الإنسان المصرى ، حتى لأصبح الانطباع العام عند غالبية الناس أنه إذا روجت النخبة الإعلامية لشخص ما ، أو دافعت عن قضية ما ، أو مالت تجاه رأى ما ، فإن على الناس أن تقف الموقف المعاكس تجاه هذا الشخص أو تلك القضية أو هذا الرأى ، والمأساوية فى تلك الحالة أنها تبدد أجواء الثقة التى يُفترض أن تسود علاقة الناس بنخبتها ، كما أنها أيضا تحرم عوام الناس من التوجيه والتنوير الذى يحتاجونه تجاه فهم قضايا المجتمع ، والأسوأ من ذلك أنها تُسهم فى تضليل قطاع عريض من الشعب ، من ذوى العلم القليل والمعرفة المتواضعة ، وتعطى مثلا وقدوة سيئة للصغار والأجيال الشابة ، وتحرم أبناء المجتمع كله من الحياة المتفاعلة النشطة ، والتى فيها يستفيدون ويُفيدون ، وهو ما ينعكس عليهم جميعا حيوية وفاعلية وإحساسا بالذات ، وإحساسا بالدور والقيمة فى المجتمع .
إذا أراد المتأمل والمتابع والمهموم بالشأن المصرى نموذجا صارخا لكل ذلك فلينظر إلى موضوع " الإخوان المسلمون " ، والتيارات الإسلامية بوجه عام ، وكيف يحرص الإعلام على إبرازه وتصويره بصورة ممسوخة ومشوهة ، ويزداد الأمر وضوحا وجلاء إذا ما انعقدت مقارنة بين إعلامنا الذى من المفروض أن يكون منا ونحن منه ، وبين إعلام غيرنا الذى هو ليس منا ولا نحن منه .
أولا : تناول الصحافة المصرية
كتب د. معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية فى صحيفة " الشروق " بتاريخ 20 فبراير 2011 مقالا بعنوان ( دعوة لزويل والبرادعى وموسى ) ، يتناول فيه السيناريوهات المحتملة فى مصر بعد انتفاضتها الأخيرة : " السيناريو المخيف الثانى هو أن تستغل جماعة الأخوان ، رغما عن اطمئنانى لكلمة الشرف التى أعلنوها بصدد عدم سعيها للرئاسة أو الأغلبية البرلمانية ، حالة الفراغ السياسى ، وتدفع بثقلها فى اتجاه محاولة السيطرة على الحياة السياسية قبل أن تشكل حزبا مدنيا خالصا ، وقبل أن تستقر قواعد العمل الديموقراطى فى البلاد " ، أى أنه يجعل سيطرة محتملة للإخوان حسب ظنونه وتوقعاته شيئا مخيفا ، حتى ولو تمت من خلال الممارسة الديموقراطية التى يطنطن بها وأمثاله ، بينما الخوف الحقيقى الذى عانى منه الشعب المصرى طوال العقود الست الماضية من سيطرة العلمانيين كأنه لم يكن ، ويعاود معتز الكتابة فى الموضوع نفسه بتاريخ 5 مارس 2011 ، فيقول فى نفس الصحيفة ، وفى مقال بعنوان ( ترشيد متناقضات الثورة ) : " فى ظل السيولة السائدة حاليا ، فإن هناك حديثا متواترا عند العديد من القوى والجماعات الدينية ، مثل الإخوان والسلفيين والصوفيين والجماعة الإسلامية ، لتكوين أحزاب سياسية ، وهو أمر جد خطير ، إن لم يسبق ذلك أو يتزامن معه تربية على التسامح السياسى ، وبناء ثقافة ليبرالية حقيقية ، وهو ما يجعلنى اقترح إضافة مادة أخرى فى الدستور الجديد ، على أن تكون مادة فوق دستورية ، أى غير قابلة للتعديل ، تؤكد على حل أى جماعة أو حزب يتبنى رؤية سياسية تقوم على التفرقة بين المواطنين بسبب الاعتقاد الدينى ، ويكون القرار فى هذا الصدد لمحكمة النقض ، حتى نضمن لأتباع الجماعات الدينية حقهم فى أن يشاركوا فى حياتنا السياسية كمواطنين مصريين ، مع ضمان أن تكون حركتهم منضبطة فى حدود ما يحفظ الوحدة الوطنية " ، أى أن حركة الجماعات الدينية أو أحزابها يجب أن تُضبط حتى ولو تطلب الأمر مواد فوق دستورية غير قابلة للتعديل ، تحت دعاوى الوحدة الوطنية ، بينما كل الأحزاب العلمانية حرة طليقة فى تعديها على دين الأمة وثقافتها وهويتها ، وصدامها الفج مع غالبية شعبها المسلم ( %96 ) ، المهم هو الأقباط ( %4 ) ، والعجيب أن هذا الكلام يتناسى أصلا أنه لا يوجد فى الإسلام كعقيدة وشريعة ، ولا فى ممارسات المسلمين كأفراد وجماعات ودول طوال أربعة عشر قرنا ما يدل على تمييزهم بين الناس فى الحقوق والواجبات ، بل إنه من صميم الإسلام أن الخلق جميعا سواسية ، لا يفرق بينهم غير التقوى والعمل الصالح ، وأن غير المسلمين فى المجتمع المسلم لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم .
ويكتب د. شريف حافظ وهو أستاذ آخر من أساتذة السياسة فى صحيفة " اليوم السابع " بتاريخ 25 فبراير 2011 مقالا بعنوان ( الإخوان ومين اللى جاب التورتة ؟ ) : " الإخوان يستغلون التغيير الحادث فى السياسة المصرية اليوم أكثر من غيرهم ، ولكن بفوضى عارمة كشفت الكثير خلال الأسابيع الماضية ، وربما أكثر المشاهد التى أوردت تلك الفوضى هو مشهد خطبة الشيخ القرضاوى فى ميدان التحرير يوم الجمعة الموافق 19 فبراير الماضى " ، ثم يكتب مرة أخرى بتاريخ 3 مارس 2011 ، وفى نفس الصحيفة ، تحت عنوان ( ماذا يريد الإخوان المسلمون ؟ ) : " هذا هو السمو الأخلاقى لدى الإخوان المسلمين !! تسلقوا الثورة ، ويريدون تسلق الحكم اليوم من خلال استغلالهم للديموقراطية بصفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ، التى يتعرضون لها فى العلن ، بينما يساومون معها فى ظلام الغرف المغلقة !! ، فبينما يستعد المصريون بإخلاص للمرحلة القادمة يتسلق على أكتافهم الإخوان دون إخلاص من أجل حكم مصر " ، ثم يوجه النداء للشعب المصرى : " هل سيجلس المصريون مستمتعين بالقراءة ... هل سيجلسون فى خوف من إمتطاء الإخوان لسدة الحكم دون إبداء آرائهم فى السياسة ، ويتجهزون لمصر مدنية بمرجعية الشرائع السماوية ، والميثاق الدولى لحقوق الإنسان ، مما يصون الأديان ، وحقوق الجميع سواء مسلمين أو مسيحيين أو بهائيين أو غيرهم فى ظل مواطنة كاملة ... هل نحن منتظرين اقتلاعهم إيانا وإقصاءنا ، أم سنؤكد على مبادئنا التى تقبل الجميع " ، ثم يعلق على مقال عصام العريان مسؤول المكتب السياسى للإخوان ، والذى نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بتاريخ 10 فبراير 2011 : " إن طرح الإخوان فى مقال العريان يقصى بوضوح أى حزب مدنى ، مرجعيته لا تكمن فى الدين الإسلامى فقط ، وهو ما يعنى أن يقصى الجميع المدنى إلا من يخلط الدين بالسياسة وفقط !! إنه اعتداء صارخ على مطالب الثورة والديموقراطية ، وعلى مصر والمصريين جميعا ، فلا تصدقوا ألاعيبهم وأكاذيبهم ، وهدوءهم الذى يسبق العاصفة اليوم !! إن لم تقولوا كلمتكم اليوم أيها المصريون ، فلا تلوموا إلا أنفسكم فى المستقبل حينما تنجح صفقة الإخوان مع الأمريكان " .. شريف حافظ هنا يقدم عريضة اتهامه للإخوان : الاستغلال ، الفوضى العارمة ، التسلق والانتهازية ، التخطيط للوصول للحكم ثم اقتلاع وإقصاء الآخرين ، العدوان الصارخ على مطالب الثورة والديموقراطية وعلى مصر والمصريين جميعا ، الألاعيب والأكاذيب ، وترتيب الصفقات مع الأمريكان .. أما دليله على تلك القائمة من الجرائم فهو خطبة الشيخ القرضاوى فى ميدان التحرير ، ومقالة عصام العريان فى نيويورك تايمز !! .. هل هناك استهبال أكثر من ذلك ؟!
ويبدو أن خطبة الشيخ القرضاوى التى وصفها شريف حافظ بأنها أكثر مشاهد الفوضى العارمة ، تثير قلق الآخرين من أساتذة الجامعات والكتَّاب فى الصحافة المصرية .. كتبت د . نيفين مسعد أستاذة العلوم السياسية ، فى صحيفة " الشروق " بتاريخ 22 فيراير 2011 مقالا تحت عنوان ( ثورة بلا إمام ) ، وفيها : " إمامته ما يربو على مليونى شخص احتشدوا لأداء صلاة الجمعة ، والاحتفال بانتصار الثورة فى ميدان التحرير ... تترك انطباعات غير مريحة لدى المراقب الذى يتابع تفاعل القوى السياسية على الساحة المصرية " .. لماذا تركت الخطبة تلك الأحاسيس السيئة عند الأستاذة ، رغم أن الشيخ لم يتحدث عن الإخوان ، ولم يتعرض لأية قضية خلافية ، بل إنه وجه التحية والتقدير للمصريين جميعا بمسلميهم وأقباطهم ؟! السبب كما تمضى فى مقالها : " القرضاوى بحكم خلفيته الإخوانية يؤمن أن المشروع الذى أعده مؤسس الجماعة هو المشروع السياسى الذى يحتاج إلى تفعيل ، كما أنه يقتنع بأن الإخوان هم أفضل مجموعات الشعب المصرى بسلوكهم وأخلاقياتهم وفكرهم ، وأكثرهم استقامة ونقاء ، وهو حر فيما يعتقد ، ولكن ميدان التحرير هو ساحة عامة لجميع المصريين ... كما أنه ليس منبرا للدعاية السياسية غير المباشرة لتيار بذاته " ، أى أن سر انزعاج نيفين مسعد وانطباعاتها السيئة هو أن الشيخ كان عضوا فى الإخوان ، وهى تهمة عندها وعند أمثالها لم تسقط بالتقادم ، ولم تسقط حتى بعد تركه للجماعة منذ عقود ، وهى نفس أسباب أستاذ جامعى وكاتب آخر ( د. سعد الدين إبراهيم ) ، عبر عنها فى خوفه ولهفته !! على الثورة المصرية من أن يختطفها الإخوان ، وضرب المثل على ذلك بخطبة الشيخ فى الميدان .. يقول سعد الدين إبراهيم فى مقاله ( هل هناك إتفاق بين المجلس العسكرى والإخوان ؟ ) ، والمنشور فى صحيفة " المصرى اليوم " بتاريخ 2 يوليو 2011 : " ألا يدرك المجلس العسكرى أن هناك سوابق لاختطاف الثورات ؟ ... وحينما شاهد كثيرون ... الشيخ يوسف القرضاوى أتى من منفاه الاختيارى فى دولة قطر ، ليخطب صلاة الجمعة فى ميدان التحرير ، استعاد بعض المؤرخين مشهد عودة لينين إلى موسكو عام 1917 ، ومشهد عودة الخومينى إلى طهران عام 1979 ...إن عقدانتخابات مبكرة هو بمثابة تسليم السلطة إلى الإخوان ... إن ذلك لو حدث فإن التاريخ لن يغفر للمجلس العسكرى تعجله فى عقد الانتخابات " .
إن هاجس الإخوان أصبح كالمرض النفسى عند غالبية النخبة الإعلامية والصحافية ، فلا يمر يوم إلا وهناك العديد من المقالات التى تتهجم على الإخوان .. صحيفة " المصرى اليوم " وحدها وعلى سبيل المثال نشرت ثلاث مقالات عن الإخوان بتاريخ 19 يونيو 2011 ، أولها يرى أن اهتمام الإخوان بالحكم سيؤدى إلى تفكيك الجماعة ، ولذلك عليهم الاقتصار على العمل الدعوى فقط إذا أرادوا الاستمرار ( هل يسير الإخوان فى طريق التفكك ؟ .. د . محمود خليل ) ، وثانيها يوجه للإخوان 23 سؤالا عليهم الإجابة عنها ، وكأنه أصبح لزاما عليهم أن يقدموا للنخبة الإعلامية كشف حساب يومى بنواياهم وتحركاتهم ، وأن يُقْسموا بأغلظ الأيمان أن أهدافهم لا تتعارض مع رغبات تلك النخبة ( 23 سؤالا مطلوب من الإخوان الإجابة عليها .. د . عمرو هاشم ) ، وثالثها يحذر من أن وصول الإخوان إلى الحكم يعنى تكفير المفكرين والمبدعين ( الإخوان المسلمون ومستقبل الديموقراطية .. د . محمد أبو الغار ) .. هل حقا عندنا فى مصر مفكرون ومبدعون ؟! .. وهل يمكن لأمة أن تنحدر إلى هذا القاع السحيق وعندها مفكرون ومبدعون ؟!
كاتب آخر أخذ يقدح زناد فكره باحثا عن شئ يُدين به الإخوان ، حتى وجد ضالته فى ما يسميه الإقصاء المتعمد لأم كلثوم ومن يماثلها فى الفن الأخوانى .. كتب د. محمد المخزنجى الطبيب النفسى والأديب فى صحيفة " الشروق " بتاريخ 19 مايو 2011 مقالا بعنوان ( أم كلثوم والجماعة ) : " هذا الإقصاء المتعمد لأم كلثوم ومن يماثلها فى مفهوم الفن الإخوانى ، شئ لا يُطمئن مثلى وملايين غيرى من عموم الناس العاديين ، الذين يعبدون ربهم بلا إعلان ولا استثمار سياسى ، ويسبحون بحمده فى كل النعم التى حباهم بها فى هذا الوجود ، ومنها نعمة الفن الراقى والجميل ... وأم كلثوم علامة عليه ، ونجمة متالقة فى سمائه ، أم كلثوم هذه لم نسمع قطبا إخوانيا ممن يقودون مسيرة الزحف الإقصائى الآن يوليها ولو لمحة تدل على إنسانيته لا إنسانيتها ... وعلى العكس منهم كان الصادق المحترم ورحيب الأفق الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ، الذى أخرجوه من مكتب الإرشاد ، ربما لإصراره أن يطور نفسه ، ويستفتى قلبه ، ويكون إنسانا لا حجرا أصمَّ فى قلعة تنظيم أو جماعة ... خيرت الشاطر غايته قوة جماعته ، وطموحه سيادة العالم ... ولا أعتقد أن الإخوان إن حكموا سينجزون نهضة علمية واقتصادية وسياسية كنهضة حزب العدالة التركى ... ولا أصدق قدرة الجماعة على قيادة أى نهضة حقيقية فى مصر ، لا جماعة الإخوان ، ولا أى جماعة تستغنى بنفسها ، وتستعلى وتستقوى على كل أطياف الأمة لمجرد أن لاحت لها ثمرة السلطة أو التسلط دانية ... وأنا أزعم أن الكثرة من هذه الملايين التى صنعت الثورة ، وبينها شباب فى الإخوان ، تحب أم كلثوم ، وأناشيد وابتهالات غير تلك التى يعتمدها القسم الفنى فى الجماعة ويبشرنا بها المرشد العام ، لنجزع من زمن ستُفرض علينا فيه تلك الاناشيد الركيكة ، ويغيب عن أسماعنا شدو أم كلثوم " .
الكارثة الكبرى ، والمصيبة العظمى فى فكر الإخوان وسلوكهم كما يرى المخزنجى ، أنهم لا يضعون أم كلثوم كعلامة ونجمة متألقة فى سماء الفن ، وأنهم بتلك الفعلة النكراء ليسوا إلا أحجارا صماء هدفها الإجرامى سيادة العالم ، ولذلك فهم غير جديرين بالحكم ، أو تحقيق النهضة المأمولة لمصر .. إنهم يريدون أن يحرموا شعب مصر من شدو أم كلثوم .. هل هناك بشاعة أكبر من ذلك ؟! .
حرصت فى تلك النماذج القليلة التى ذكرتها أن أختار كتَّابا من أساتذة الجامعات ، لأنهم من المفروض أن يكونوا أكاديميين حريصين على الدقة والأمانة ، واستخدام المنهج العلمى فى البحث والتحليل ، فماذا قدم لنا هؤلاء فى حكمهم القاطع على عدم صلاحية الجماعة للحكم أو المشاركة فيه ؟! وما هى مبرراتهم فى تبديد وقتهم وجهدهم وطاقتهم فى النقد المستمر للإخوان ، إذا صَحّ أن تلك الكتابات تُعتبر نقدا وليس ردحا ؟! الإجابة : لا شئ !! ، ولو تركنا كتابات هؤلاء ، ونظرنا إلى طائفة أخرى من الصحافيين والذين لا يكتبون فى الحقيقة شيئا غير الهزل والاستخفاف بعقول القراء ، لوجدنا أمثلة أكثر تدَّنيا ، وأشد ضحالة ، وهم معروفون لغالبية القراء .. مرتزقة يبيعون أقلامهم من أجل منافع مادية وأدبية لا يستحقونها ، بل إنهم فى الحقيقة لا يستحقون أن يكونوا صحافيين، ولا أن يعهد إليهم المجتمع فى بناء عقول أفراده ، وصياغة توجهاتهم وآرائهم .
ثانيا : تناول الصحافة الغربية
نشرت مجلة Time الأمريكية فى عددها بتاريخ 21 يونيو 2011 مقالا كتبه الصحافى Bobby Ghosh بعنوان ( لماذا الإخوان المسلمون هم أفضل الديموقراطيين فى مصر ؟ ) Why the Muslim Brotherhood are Egypt’s Best Democrats ، ولأن الكاتب قضى زمنا طويلا فى العراق بعد الاحتلال الأمريكى لمتابعة التغيرات التى طرأت على المجتمع ، وهى طريقة كل من يبغى الأمانة ، وينشد الفهم والحقيقة ، ويحترم نفسه وقراءه ، فإنه فى مقاله هذا يعقد مقارنة بين وضع الأحزاب والجماعات العلمانية والإسلامية العراقية ، ويطبق نفس الأسلوب على الأحزاب والجماعات العلمانية والإسلامية المصرية ، ويخلص إلى استنتاجه الذى عبر عنه عنوان المقال .
يصف الكاتب بدقة ونظرة ثاقبة قادة الأحزاب الليبرالية العراقية ، والذين عاشوا لعقود فى الغرب ، ولكنهم لم يتعلموا من ديموقراطيته شيئا ، وظنوا أن الناس ستصوت لهم لمجرد أنهم حداثيون تقدميون مشهورون ، وفى الوقت نفسه لم يلقوا بالا للدعاية لأحزابهم ، أو تكوين قاعدة جماهيرية عريضة لها ، وعاشوا للتنظير ، وأحاديث الصالونات النخبوية " Iraq’s liberal parties ... Their leaders , despite having spent decades in exile in Western democracies , seemed not to understand how democracy works ... assuming that people would vote for them merely because they were modern , progressive and famous . They didn’t bother to create a national party infrastructure , nor did they care to campaign . Instead , they held all – day salons in the manner of medieval monarchs giving audience to the elite " .. ماذا فعلت الحركات الدينية فى المقابل ؟ يصف الكاتب بنفس الدقة والنظرة الثاقبة تبنيهم للديموقراطية وتعدد الأحزاب ، وسرعتهم فى تكوين الأحزاب السياسية ، وتكوين قاعدية جماهيرية واسعة فى طول البلاد وعرضها ، ودخولهم فى ائتلافات حزبية قبل الانتخابات .. لقد أظهروا بتألق قدرتهم على التكيف ، وبرع قادتهم فى حملاتهم الانتخابية كمحترفين متمرسين " Iraq’s religious movements adapted to multiparty democracy ... were quick to organize into political parties , set up grass – roots organizations across the country and form practical coalitions ahead of elections ... these groups showed they were in fact brilliantly adaptable . Their leaders , despite having little experience in kissing babies , campaigned like seasoned pros "
يُجرى الكاتب نفس المقارنة على الوضع المصرى الذى يكاد أن يكون متطابقا مع الوضع العراقى .. حركات شبابية لا تحصى ، وأحزاب علمانية ، ويساريون ، وبقايا الحزب الوطنى الديموقراطى ، ولكن الإخوان هم الوحيدون الذين يمتلكون أفضل فهم لكيفية عمل الديموقراطية .. إنهم يمارسون حملتهم الانتخابية بقوة ونشاط ، فى القاهرة ، وفى الريف ، بينما الحركات الشبابية مازالت غير قادرة على التخلص من حالة التظاهر والاحتجاج " Something very similar is unfolding in Egypt . Of all the political groups to have emerged since the fall of Hosni Mubarak – including the myriad youth movements , secular parties , leftists and remnants of the old National Democratic Party – the Muslim Brotherhood seem to have the best understanding of how democracy works ... it has wasted little time in preparing for the post – Mubarak era ... is already campaigning vigorously , in Cairo and the countryside . The youth movement , on the other hand , seems unable to break out of protest mode "
ثم يَخْلُص الكاتب إلى أن الشكوى غير المبررة لليبراليين من خسارة الإستفتاء على التعديلات الدستورية ، تجعلهم يبدون كالخاسر الذى لا يستطيع تقبل خسارته ، وهو ما ليس ديموقراطيا ، بينما الإخوان أعربوا عن رغبتهم فى تكوين ائتلاف عريض مع الليبراليين واليساريين ، وتعهدوا بعدم اختطاف عملية صياغة الدستور ، وهو ما يجعل الإسلاميين أكثر عقلانية وواقعية وتوافقية ، وكلها مما يجذب الناخبين للتصويت لهم "The carping makes the liberals look like sore losers , and far from democratic ... The Brotherhood , meanwhile , is sitting pretty . It has offered to form a broad coalition with liberals and leftists in the elections , and promises that there will be no attempt to hijack the constitutional reform process afterward ... This makes the Islamists look responsible and conciliatory "
نشرت مجلة Foreign Policy – السياسة الخارجية – ، وهى مجلة أمريكية تحظى بالمصداقية ، مقالا بتاريخ 10 فبراير 2011 ، كتبه James Traub تحت عنوان ( لا تَخْف من الإخوان ) Don’t Fear the Brotherhood ، ويتعرض فيه بأمانة ومصداقية لمجموعة من المسائل الهامة التى يمكن إجمالها كالآتى :
1- لماذا يخشى الغرب الإخوان ؟!
يؤكد الكاتب على أن خشية الغرب للإخوان ليست لها علاقة بتطبيق الشريعة ، وإنما سببها الوحيد هو الخوف على أمن ووجود إسرائيل ، لأن الإخوان لا يعترفون بشرعية هذا الكيان ، ولكنه فى نفس الوقت يتساءل مستنكرا ما إذا كانت إسرائيل ستحظى بالتعاطف حتى من ديموقراطية علمانية فى مصر ، وإذا كانت النخبة فى مصر وغيرها من بلاد العرب تعلمت أن قبول الوجود الإسرائيلى هو الثمن للرضا الدولى ، فإن الرجل والمرأة فى الشارع المصرى والعربى يتمنون زوال إسرائيل غدا "The specific agenda they fear is not that the Brotherhood will impose Sharia , but that it could destroy Israel ... But would a secular democracy in Egypt be more sympathetic to Israel than an Islamist one ? In Egypt , as elsewhere in the Arab world , elites have learned that accepting Israel’s existence is the price of admission to the international good opinion . But the man or woman on the street would like to see Israel disappear tomorrow "
2- لماذا تدعم الإدارات الأمريكية المتعاقبة الأنظمة القمعية العربية ؟!
يربط الكاتب بين هذا الدعم وبين رغبة الولايات المتحدة فى ضمان وجود وأمن إسرائيل ، وهو أيضا ما يمنع الولايات المتحدة أو يقلص من تأييدها للديموقراطية فى المنطقة ، ويستخدم الكاتب المثال التركى ، حيث مع التحول الديموقراطى التركى ، تحولت تركيا بعيدا عن السياسات الداعمة لإسرائيل ، والتى انتهجتها فى الماضى ، ولكنه يرى أيضا أنه يستحيل على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تقفا ضد حركة التاريخ ، وليس أمامهما من خيار غير الإقرار بحق الفلسطينيين فى دولتهم " Successive U.S. administrations have supported Arab autocrats because they help advance a number of vital American interests ; defending Israel is , of course , right on top of the list . Concern for Israel’s security has thus been one of the chief factors limiting U.S. support for democracy in the Arab world . The repudiation of Israel is a very serious problem – but it is a problem with Middle Eastern democracy , not with Islamism . Turkey , the one democracy in the region , has taken a sharp turn away from its pro – Israel policies of years past . The answer , for the United States and for Israel , can not be to stand athwart history shouting , " Stop ! " . The only possible answer is to accept the legitimate aspirations of the Palestinian people for a state of their own "
3- ما هى مشكلة النظام المصرى السابق والعلمانيين مع الإخوان ؟!
يصف الكاتب العلمانيين فى مصر بأنهم لم يكونوا خطرا على النظام ، ولكنهم فقط مصدر إزعاج ضئيل ، بينما الإخوان بتنظيمهم وانضباطهم والقبول الشعبى الواسع لهم ، كانوا التهديد الحقيقى ، ولذلك حاول النظام والمدافعون عنه باستماتة تشويه نواياهم ، ويضرب مثلا على ذلك بما ذكره له حسام البدراوى السكرتير العام للحزب الوطنى الديموقراطى عندما قابله فى القاهرة فى 2007 من أن السماح للإخوان بالتنافس الحر يماثل إعطاء الشرعية للحزب النازى فى ألمانيا ، وأن العلمانيين المصريين يحملون نفس الرؤى المتشككة فى الإخوان "And while the secularists have been a minor nuisance to the regime , the Brotherhood – well organized , disciplined , and widely admired – really did constitute a political threat . So the regime and its defenders harp relentlessly on the Brotherhood real intentions . When I was in Cairo in early 2007 , Hossam Badrawi , the man who was just named Secretary – General of the ruling National Democratic Party , told me that allowing the Brotherhood to freely run for office would be like legalizing the Nazi party in Germany ... I had no trouble finding secular Cairenes who took an equally dim view "
4- ما هو الفرق بين الإخوان والعلمانيين المصريين ؟!
يرى الكاتب من خلال أسبوعين قضاهما فى القاهرة مختلطا بأفراد الجماعة ومتحدثا إليهم ، وهو ما لا يحاول العلمانيون المصريون فعله إلا نادرا ، أن الإخوان لا يحاولون فرض رؤاهم على أحد ، وأنهم مخلصون للعملية الديموقراطية ، وأن الناس تنجذب إليهم ليس فقط بسبب تقواهم ، وإنما أيضا بسبب الخدمات الاجتماعية التى يقدمونها ، وبسبب استقامتهم وأمانتهم ، وأن منهم المحامون والأطباء والمهندسون ، وأن أعضاءهم فى البرلمان أظهروا جدية فى عملهم كل يوم مقارنة بغيرهم ، وتجنبوا القضايا الدينية ، وتعاونوا مع أفراد المعارضة العلمانية فى قضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان ، واستدعوا الخبراء من خارج البرلمان للاستفادة من آرائهم ، وأن على من يتشكك فى نواياهم أن يثبت ذلك " I spent two weeks talking to members of the brotherhood - - something the secular critics rarely do ... I was struck by their reluctance to impose their views on others and their commitment to democratic process ... They had been drawn to the Brotherhood not only by piety but also by the group’s reputation for social service and personal probity . Many of these men were lawyers , doctors , or engineers ... 88 – member caucus in the legislature studiously avoided religious issues and worked with secular opposition members on issues of democracy and human rights ... showed up for work every day , and invited outside experts for policy briefings . It was widely agreed that the Brothers took parliament far more seriously than members of the ruling party ever had ... the burden of proof is on those who view the group’s promise as a cynical ruse "
5- ما هو مستقبل الجماعة فى مصر ؟
يخلص الكاتب من ملاحظاته الدقيقة والشاملة ، إلى أن الإخوان أيا كانت التحولات التى ستسفر عنها المرحلة الانتقالية فى مصر ، سيظلون على بذلهم وعطائهم " No matter how Egypt’s transition unfolds , one thing is likely to remain constant for Egypt’s " defensive and endangered ruling class : The Muslim Brotherhood will be a gift that keeps on giving ، وينبه أيضا إلى خطأ الإدارة الأمريكية فى نظرتها للإخوان ، ويذكر تصريح وزيرة الخارجية Hillary Clinton التى تتهم فيها الجماعة بمحاولة حرف أو اختطاف عملية التغيير المصرية من أجل أجندتها الخاصة " forces at work that will try to derail or overtake the process to pursue their own specific agenda " ، وكذلك تصريح رئيسة لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكى Ileana Ros – Lehtinen والذى تدعو فيه إلى عدم تمكين الجماعة من اختطاف التغيير المصرى نحو الديموقراطية والحرية " must not be allowed to hijack the movement toward democracy and freedom in Egypt
"
ثالثا : ما هى مشكلة النخبة الإعلامية والصحافية فى مصر ؟!
المتأمل فى الفارق الشاسع بين تناول الإعلام المصرى وتناول الإعلام الغربى لموضوع الإخوان ، يجد أن الإعلام المصرى يبخس الإخوان حقهم فى كل شئ ، ويثير حولهم التهم والشائعات ، وينسب إليهم العيوب والمساوئ ، بل ويتطرق إلى نواياهم ومكنون نفوسهم ، وفى كل تلك الأحوال لا يقدم دليلا ، ولا يبرز حجة .. فقط صياح وضجيج ، وجلبة وضوضاء ، وإعادة وتكرار ، حتى يبدو للمتأمل والمتابع أن كلَ الأحاديث والكتابات متطابقةٌ فى مصادرها ومضمونها ومعناها ، على الجانب الآخر فإن الكتابات الغربية ، حتى المتحاملة منها على الإخوان ، تتحامل من منطلق السياسة والثقافة الغربية التى يعنيها وجود إسرائيل وأمنها ، وما عدا ذلك فإنها تُقر للجماعة بأهميتها ودورها ، بل وتثنى على مزاياها التنظيمية وممارساتها ، والسؤال المشروع الآن : ما هى مشكلة نخبتنا الصحافية والإعلامية مع الإخوان ؟!.. والإجابة تكمن فيما يلى :
1- النخبة الصحافية والإعلامية المصرية تفتقد إلى الأمانة ، والأمانة خلق نبيل ، يُلزم صاحبه بالعدل والإنصاف ، ولأن الأمانة لا تتجزأ ، فلا يمكن أن يكون المرء منصفا فى قضية ما ، وغير منصف فى قضية أخرى ، ولذلك فإن غالبية هؤلاء غير أمناء وغير منصفين فى كل المسائل والقضايا التى يتعرضون لها بالكتابة والتحليل .
2- النخبة الصحافية والإعلامية المصرية تفتقد إلى الحرفية professionalism : قد يكون المرء أمينا ، ولكنه يفتقد الحرفية ، فلا يستطيع استخدام المنهاج العلمى فى طرح القضايا وتحليلها ، وبالتالى تأتى معالجته غير متوازنة وغير دقيقة ، وقد يكون حرفيا ، ولكنه يفتقد الأمانة ، فتأتى أطروحاته أيضا غير متوازنة وغير دقيقة ، لأنه هنا سيتبع رغبات قلبه ، وأهواء نفسه ، وعندما يفتقد المرء الحرفية والأمانة معا فإنه لا ينتج إلا كل مشوه وممسوخ ، وقد لا يروق ذلك للبعض بحجة أن النماذج التى ذكرتها غالبيتهم أساتذة جامعيون ، ولكن الحقيقة أيضا أن غالبية رؤساء الوزراء والوزراء والقائمين على مؤسسات المجتمع وأجهزته هم من أساتذة الجامعات ، فماذا قدموا لمصر ، وماذا تحقق على أيديهم من إنجازات ؟! .. لا شئ ، ولو أن هؤلاء طبقوا ما درسوه من مناهج العلم وأساليبه ، ولو أنهم عصموا أنفسهم بالأمانة والمصداقية والإخلاص ، لأنجزوا لهذه الأمة الكثير فى كل مجالات الحياة .
3- النخبة الصحافية والإعلامية مشكلتها مع الإسلام ومن يحمل رسالته : وتلك هى النقطة الجوهرية فى الصراع الدائر فى المجتمع الآن وخلال العقود الماضية ، ولذلك فإن كل من يريد أن يحكم الإسلام حركة الحياة فى مصر أو غيرها من بلاد المسلمين سيجد نفس المعاملة من تلك النخب العلمانية الفاشلة ، سواء كان فردا أو جماعة كالإخوان أو غيرهم أو حتى الشعب نفسه .. إنهم يريدون أن يفرضوا على قلوب الناس وعقولهم وأنشطتهم الدنيوية مفاهيمهم العلمانية ، شرقية كانت أو غربية ، المهم ألا يكون الإسلام ، وبأية طريقة كانت ، حتى ولو كان بالقمع والاستبداد ، وكل ما يتناقض مع شعاراتهم الجوفاء عن الديموقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ، وحتى وإن كان بترديد المقولات البلهاء عن الفتنة الطائفية ، وحقوق الأقباط والبهائيين وغيرهم ، وحتى وإن كان بالتخويف من سطوة الغرب وغضبه ، وحتى وإن كان بالتخويف من إسرائيل وفقدان السلام المزعوم معها .
كتب د. سعد الدين إبراهيم فى صحيفة " المصرى اليوم " بتاريخ 25 يونيو 2011 تحت عنوان ( الإخوان هم المستفيد الأول من انتخابات مبكرة ) ، يحذر فيه من أسلمة المجتمع والدولة إذا سيطر الإخوان على الحياة العامة فى مصر : " إنهم يهدفون إلى : 1- انتخابات برلمانية مبكرة يحصلون فيها على أكثرية . 2- استخدام هذه الأكثرية فى التأثير على اختيار أعضاء اللجنة أو الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور الجديد ، بحيث تستحدث نصوصا تكرس إسلامية المجتمع والدولة . 3- فإذا تحقق ما يبتغونه فى 1 ، 2 فإن ذلك يدعم فرص انتخاب رئيس جمهورية جديد ، إما من صفوفهم مباشرة ، أو قريب من أفكارهم وممارستهم ، وبذلك يستكملون مظاهر ومباطن الهيمنة على الحياة فى مصر المحروسة " ، ثم يدعو كل القوى الأخرى للتكاتف لمنع ذلك ، ويذكر " أقباطها %10 ، ويهودها وبهائييها %1 ، إننا نريد مصر وطنا لكل أبنائه على قدم المساواة ، دون تفرقة أو تمييز من أى نوع ، فالدين للديان جل جلاله ، ولو شاء ربك وحد الأديان ". ، وكتب سليمان جودة فى " المصرى اليوم " بتاريخ 21 مارس 2011 تحت عنوان ( تأثير أبشع من التزوير ) ، واصفا تأثير التيار الإسلامى على استفتاء التعديلات الدستورية بأنه أبشع من التزوير ، وراجيا " رجاء خاص إلى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ... نريدكم أن تسلموا البلد إلى رئيس منتخب وليس إلى الإخوان " ، وكتب سعيد شعيب فى " اليوم السابع " بتاريخ 20 مارس 2011 تحت عنوان ( أنا كافر ) محذرا من سيطرة الإخوان : " فإذا كانوا يفعلون ذلك وهم خارج السلطة ، فماذا سيفعلون إذا استولوا على السلطة فعلا ؟! " .
ويمضى مسلسل التحذيرات .. كتبت د. نيفين مسعد فى " الشروق " بتاريخ 22 مارس 2011 تحت عنوان ( فى خطورة تديين السياسة ) : " خبث سياسى ما بعده خبث ، وخلط للأوراق لا يرتدع صاحبه عنه لحرص على مصلحة الوطن ، أو لدرء الفتنة الطائفية ... توظيف الدين فى السياسة لا ينتج إلا فتنة طائفية ، والاستقطاب الدينى لا يفعل إلا أن ينخر فى أساس المجتمع " ، وكتب علاء الأسوانى فى نفس اليوم فى " المصرى اليوم " تحت عنوان ( قبل أن تتحول الثورة إلى فرصة ضائعة ) : " الإخوان مستعدون دائما لتغيير مواقفهم طبقا لمصالحهم ... يبدو أن مبادئ الإسلام عند الإخوان تتعطل تماما أيام الانتخابات ، من أجل الوصول إلى الحكم يفعل الإخوان كل شئ ، بدءا من اتهام مخالفيهم فى الرأى بالعمالة والكفر ، وصولا إلى توزيع السكر والزيت ، وإرهاب الناخبين أو حتى ابتزازهم دينيا ... إن ظهور الإخوان القوى ... يقدم للثورة المضادة أكبر خدمة " ، وكتب د. عمرو الشوبكى فى " المصرى اليوم " بتاريخ 27 مارس 2011 تحت عنوان ( البداية بقطع الأذن ) : " الجماعات الدينية المتطرفة التى بدأت تحاصر المجال العام بفتاوى شبه تكفيرية لمن قالوا لا فى الاستفتاء ، فماذا نتوقع أن يقولوا فى قضايا سيحضر فيها الدين مثل المادة الثانية من الدستور ، وقضايا المواطنة ، وحقوق الأقباط والشيعة والبهائيين والعلمانيين وغيرهم " ، وكتب محمد حمدى فى " اليوم السابع " بتاريخ 28 مارس 2011 تحت عنوان ( دور الإخوان فى الثورة ) : " على الإخوان أن يوضحوا لنا دورهم بالكامل ... نحتاج تحقيقات قضائية وافية فى هذه القضية بالذات ، وخاصة أن ما قيل عن ضبط أسلحة وعناصر مسلحة فى ميدان التحرير تكرر خلال الثورة وبعدها ، كما يجب أن يشمل التقرير معرفة من هاجم أقسام الشرطة تحديدا ، وكيف تم الهجوم ، ومن هاجم السجون وأطلق عناصر حماس وحركة الجهاد الفلسطينى وحزب الله اللبنانى " .
يا سادة .. ما هى المشكلة أن نُعَّلم أنفسنا وأن نُعَّلم أجيالنا الشابة أن كل إنسان له ما له وعليه ماعليه ؟! .. لو فعلنا ذلك ما صنعنا الفراعين والآلهة .. ما هى المشكلة أن نُعَّلم أنفسنا وأن نُعَّلم أجيالنا الشابة أن كل جماعة لها ما لها وعليها ما عليها ؟! .. لو فعلنا ذلك ما خلعنا كل صفات الشر على الإخوان أو غيرهم ، ونسينا ما لهم من فضل وخير .. ما هى المشكلة أن نُعَّلم أنفسنا وأجيالنا الشابة أن كل دولة لها ما لها وعليها ما عليها ؟! .. لو فعلنا ذلك ما قدّسنا الاتحاد السوفيتى السابق ، وشيطنا الولايات المتحدة ، ثم شيطناه وقدّسنا الولايات المتحدة .. لو فعلنا ذلك لتعاملنا مع الأفراد والجماعات والدول معاملة الندية والعدل ، ولاستقامت فى الأفهام معانى الأمانة والإنصاف .
عندما تفتقد نخبتنا الصحافية والإعلامية ، ومعها نخبتنا السياسية والأدبية والفنية .. عندما يفتقد هؤلاء جميعا الأمانة والحرفية ، والولاء والانتماء لتلك الأمة ولدينها ، وعندما يضللون الناس بالجدل العقيم ، والتنظير الفارغ ، والسفسطة البلهاء ، ويستخفون بثقافة المجتمع وتاريخه وهويته ، عندما يفعلون تلك القبائح وغيرها ، فإنهم بالقطع يصرفون الشعب عن حاضره ومستقبله ، ويبددون وقته وطاقاته وإمكانياته ، وهو ما يستلزم منا جميعا أن نقول لهم عالية مدوية : شيئا من العدل والإنصاف .. قولوا قولا سديدا ولو كلمة واحدة ، وافعلوا شيئا نافعا ولو صغيرا .. يا سادة .. لقد أصبتمونا بالملل والسأم ، وحولتم قراءة الصحف ، ومتابعة الإعلام ، ومشاهدة التلفاز، من متعة بسيطة ، وترويح وتثقيف ، إلى نكد ونرفزة وعكننة !!
سعد رجب صادق
saad1953@msn.com