| | | | إبراهيم عيسى والدستور
| | عيسى | |
بقلم : سعد رجب صادق ...........................
إذا أراد المرء أن ينظر إلى المجتمع المصرى فى صورته المصغرة بكل تناقضاتها وهزلياتها ، فلينظر إلى صحيفة الدستور ، ورئيس تحريرها السابق إبراهيم عيسى ، الذى نصبه دراويشه مفكرا ورائدا ومقننا للتاريخ الإسلامى ، رغم أن كل ما فعله كان تشويها واستخفافا بهذا التاريخ ، وبرموزه وأعلامه الأجلاء ، وهو الهاوى أو الحاوى المغرض الذى لا يفقه فى هذا التاريخ أو غيره شيئا ، وصفق له أتباع آخرون فى رؤيته للحديث النبوى الشريف ، وهو لم يفعل غير التطاول بجهل وسفه على واحد من رواته ، الصحابى الجليل أبى هريرة (رض) ، وأقام له نفر آخر من مريده الموالد لأنه المكافح الصلب ضد التوريث ، والحقيقة أنه والأكاديمى الذى فقد أكاديميته د . سعد الدين إبراهيم ، هما من أصّلا لفكرة التوريث فى نفسية الشعب المصرى ، وجعلاها أمرا حادثا لا محالة ، يتوقعه الجميع فى أى وقت ، وأية ساعة ، ولا يستطيع أحد إزاءها منعا أو وقفا ، فأسديا للنظام الحاكم خدمة ما كان يقدر عليها بكل رموزه ومنظريه ، وبكل ما يملك من صحافة وإعلام ، ولذلك لم يكن غريبا أن ينطلق سعد الدين فى نوبة من نوبات المبالغة الفجة ، والتدليس الرخيص ، فيكتب على موقع الدستور الألكترونى بتاريخ 14 أكتوبر 2010 مقالا بعنوان ( أفضل صحفى عربى فى القرن الواحد والعشرين ) ، هكذا مرة واحدة رفعه إلى قمة الصحافة المصرية فى قرن لم يكتمل بعد ، وفى هذا المقال الذى يشبه كلام المداحين القدماء فى حق الملوك والأمراء ، طمعا فى صرة الدنانير ، يقول الأكاديمى الذى فقد أكاديميته : ( فهناك بالفعل حالة عشق صوفية بين إبراهيم عيسى ، شيخ الطريقة الدستورية الإبراهيمية العيساوية والآلاف من مريديه ، ولذلك فهم مثل من أخذوا العهد أو السر على شيخ الطريقة ، ينتقلون إليه ومعه حيثما كان أو حيثما ذهب ، إن إبراهيم عيسى هو الذى خلق الطريقة الدستورية الإبراهيمية العيساوية ولم تخلقه الطريقة ... لقد كانت أحد أساليب أصحاب القرار لحصار أصحاب الأفكار ، هو تعبئة أصحاب المال بمقاطعة الإعلان فى الدستور حتى يتغير حالها ، ومع ذلك صمدت كتيبة الدستور بفضل المدد الروحى للمريدين من أنصار الطريقة الإبراهيمية العيساوية ) .
والعجيب أن شيخ الطريقة الدستورية ، والمنافح الصلد ضد التوريث ، والخصم اللدود لزرع أصحاب الثقة على حساب أهل المصداقية والخبرة والأمانة ، فعل ما ينهى عنه ، فمكن لأقاربه وأصدقائه ( شقيقه وأقاربه ، وأقارب زوجته ، وبعض أصدقائه وزوجاتهم ) فى الصحيفة ، ومنحهم مرتبات شهرية تصل إلى عدة آلاف ، بينما غالبية الصحافيين لا يتقاضون أكثر من 300 جنيه شهريا ، وبعضهم يعمل بالمكافأة ، رغم ما يقومون به من جهد خارق ، وعمل دؤوب ، والأعجب من ذلك أنه وطبقا لبيان لجنة الأداء النقابى فى نقابة الصحافيين ، والتى يرأسها على القماش ، والذى نشرته صحيفة المصريون بتاريخ 15 أكتوبر 2010 ، فإن إبراهيم عيسى والذى يبلغ راتبه الشهرى 75,000 جنيه ، هو الذى رفض إعداد عقود عمل لهؤلاء الصحافيين حفظا لحقوقهم ، وعندما احتج على ذلك بعضهم قبل أسابيع من بيع الصحيفة قال لهم فى استعلاء : ( أن اللى صنعت الدستور ، يعنى أنا اللى صنعتكم ) ، وذكر البيان أيضا أن إدعاء عيسى بأن مقال البرادعى هو السبب فى الإطاحة به إدعاء ساذج ، فالمقال عادى ، وتنشر الصحف أكثر منه وأقوى ألف مرة ومرة ، وخلص البيان إلى ( نطالب عيسى بالرجوع إلى النفس ، وتقديم القدوة والإيثار برعاية شباب الصحافيين ... إن حل الأزمة فى يده إذا قدم الإيثار ، وفى يد إدوارد "رضا إدوارد" إذا قدم التعهدات بحقوق الصحافيين ، والإلتزام بمبادئ حرية التعبير ) .
والأعجب من هذا وذاك حكاية بيع الصحيفة والتى اعتبرها عيسى مؤامرة عليه ، رغم أنه من سعى فى البيع ، وقد نشرت اليوم السابع بتاريخ 16 أكتوبر 2010 رسالة بعث بها رضا إدوارد مالك الدستور لنقيب الصحافيين مكرم محمد مكرم وفيها : ( ... حينما بدأت عملية التسجيل فوجئنا بأن شقيق عيسى هو أحد المساهمين بنسبة %10 ، هنا عرفت أسباب لهفة عيسى على عملية المطالبة بالإسراع بالبيع ... إن من تولى عملية السعى لبيع الدستور هو إبراهيم عيسى ولسنا نحن ، إننا أكدنا منذ البداية تمسكنا بإبراهيم عيسى رئيسا للتحرير ، رغم أنه أبدى استعداده لترك رئاسة التحرير فى وقت سابق ) ، وأكدت الرسالة أيضا ( أن الدكتور البدوى لم يكن طرفا فى شراء الدستور ) وكذلك رغبة الملاك الجدد فى ( الحفاظ على الخط السياسى والمهنى للصحيفة ، دون التدخل من الإدارة فى التحرير ) . إن مشكلة إبراهيم عيسى الكبرى أن أوهامه وخيالاته هيأت له الزعامة والريادة والبطولة ، وأن النظام الحاكم ترتعد فرائسه من مقالاته ، والحقيقة المرة أن النظام لا يعنيه من يشتم ، ومن ينتقد ، ومن يندب ويولول كل يوم ، فى الصحافة والإعلام ، فى كل مقال وفى كل برنامج ، بل إن النظام يعلم علم اليقين أن كل ذلك ينصب فى مصلحته ، لأنه يُفرغ جرعات الغضب عند الناس ، ويُجمل صورة النظام فى الخارج ، ولا شئ بعد ذلك ، لقد فشل كل الصحافيين والإعلاميين والحزبيين وأدعياء الفكر أن يؤلفوا قلوب المصريين حول فكرة محورية تقود للتغيير والإصلاح ، وذلك لسبب بسيط وهو أن الإنسان المصرى يعلم بفطرته أن كل هؤلاء كاذبون منافقون متاجرون بآلامهم وعذاباتهم ، إنهم مرتزقة يبيعون الكلام ويجنون فى المقابل شهرة وثروة ، يقول عيسى فى لقاء جمعه بأقاربه وبعض أصدقائه فى بلدته قويسنا بمحافظة المنوفية : ( النظام لا ينام الآن من إبراهيم عيسى ) وأنه سيجعل عام 2011 ( سنة سودة على الحكومة ) !!! [ المصريون 26-10-2010 ] .
غير أن الأسوأ من كل تلك الهزليات أن بعض المصريين مازالوا يمارسون عملهم القبيح فى صناعة الآلهة والفراعين ، وخلع صفات المجد والفخار عليهم ، رغم أن سجلهم لا يحفل بشئ غير الكلام والرغى والجعجعات الفارغة ، يقول فرانسوا باسيلى فى مقاله ( إبراهيم عيسى وعبقرية التمرد : أخرجوه من جريدته فأخرجهم من التاريخ ) ، والذى نشرته صحيفة القدس العربى بتاريخ 20-10-2010 : ( إبراهيم عيسى حالة خاصة بين الكتاب والصحافيين المصريين المعارضين ، لا يشبهه أحد لا فى أسلوب كتابته ، ولا لغته ، ولا جرأته ، ولا فكره ، ولا شخصيته ، ولهذا احتل مكانة فريدة وحميمة فى قلوب الآلاف وربما الملايين من المتابعين لمواقفه وكتاباته وبرامجه ... بدأ يأخذ فى الوعى الوطنى والشعبى المصرى حجم وصورة البطل الأسطورة ، الذى يدافع عن المسحوقين والبسطاء والفقراء من أهله وشعبه ، فإبراهيم عيسى فى زماننا الحاضر هو أدهم الشرقاوى فى زمن مضى ... لقد أخرجوه من جريدته فكشفهم وأخرجهم هو من دون أن يسعى لذلك من الصحافة والسياسة والتاريخ ... تتجلى فى إبراهيم عيسى عبقرية التمرد المصرى بأسلوبه الساخر الصارم الصادق الحاذق المتأوه المقهقه العاقل المجنون الحامل على جناحيه آمال وآلام المصريين الطيبين الذين فقدوا ثقتهم فى الإعلام الرسمى ، ووجدوا فى عيسى وقلمه البديل النبيل ) ، وهكذا جعل باسيلى عيسى البطل الأسطورة ، وأدهم الشرقاوى لعصره ، والمُخْرج لخصومه من التاريخ !!! ، وفى نوبة أخرى من نوبات صناعة الزعماء الوهميين يكتب وائل قنديل فى صحيفة الشروق سلسلة من المقالات التمجيدية فى إبراهيم عيسى ، يقول فى واحدة منها بعنوان ( إعادة إعمار الدستور ) : ( يخطئ السيد البدوى وإدوارد كثيرا حينما يتصوران أو يتصور أحدهما أنه بالإمكان إنتاج دستور بذات النكهة السابقة بغير إبراهيم عيسى ، حتى وإن جاءوا بألف شبيه ودوبلير ، ويجرم أى زميل فى حق نفسه وحق المهنة إذا تصور لحظة أنه يستطيع إعادة إنتاج التجربة ... وهذه مسألة مستبعدة تماما ، حتى وإن ضخ المانحون مليارات الجنيهات فى عملية إعادة الإعمار ) [ الشروق 10-10-2010 ] ، وكما جعل باسيلى عيسى بطلا أسطوريا ، جعله قنديل شيئا مستحيل النسخ أو التكرار ، ولله الحمد والمنة أننا لسنا فى زمن الأساطير الأغريقية والرومانية Greek and Roman Mythology ، وإلا كنا شهدنا ميلاد إله الصحافة Abrahamus the God of Journalism ، وسبحانه الذى لا يحمد على مكروه سواه أننا أيضا لسنا فى بلاد الغرب أو الولايات المتحدة ، وإلا لأطلقت بعض شركات المأكولات اسمه على نوع جديد من التوابل أو الأطعمة، ربما إرضاء لمذاق وائل قنديل الذى لا يستطعم أكله إلا بالنكهة الإبراهيمية العيساوية .
يا قوم كفاكم تشويها لعقل الإنسان المصرى ووجدانه ، إن إبراهيم عيسى لو كان نموذجا وقدوة حقا ، لأرسى دعائم مؤسسة صحفية تحكمها مبادئ راسخة ، لتستمر بعد موته أو تقاعده أو رحيله طوعا أو كرها ، ولوضع قواعد العدل بين الصحافيين ، ولفعل ما يدعو إليه من فضائل الحق والمساواة والإيثار ، ولكنه اختار أن يلعب دور المهرج البهلوان ، يهاجم التوريث بينما يوزع الدستور على الأهل والأصدقاء ، ويدعو للمساوة والانتصاف للفقراء والمهمشين ، ولا يساوى بين كتابه ومحرريه ... أليست حقا صورة مصر المصغرة فى الدستور هى صورة مصر الكبرى فى نظامها وأهلها؟!!
سعد رجب صادق saad1953@msn.com
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|