مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 التعليم فى مصر .. مشكلات وحلول : 11- وزراء التعليم

 

التعليم فى خطر

 

بقلم : سعد رجب صادق
...........................


لا أكون مبالغا إذا اعتبرت أن وزراء التعليم هم أكثر المسئولين أهمية ، وأثقلهم حملا ، وأعظمهم دورا فى بناء المجتمعات ونهضتها ، بل إن مكانتهم فى حقيقتها تفوق رؤساء الحكومات ، وزعماء الدول ، وذلك لبديهية بسيطة ، وهى أن كل أفراد المجتمع هم نتاج للعملية التعليمية ، بتأثيراتها الأكاديمية والمهنية والفكرية والنفسية والسلوكية والشخصية وغيرها ، فإذا فسدت تلك العملية ، فسدت الأجيال ، وأصاب التفسخ والانحلال بنيان المجتمع ، ودبت الفوضى والعشوائية فى كل مؤسساته ومصالحه ، وإذا صلحت العملية التعليمية ، صلحت سلوكيات الناس وأحوالهم ، وعم النظام ، وشاعت الدقة ، وتنافس الجميع فى الأداء والإجادة ، مما يرفع شأن المجتمع ، ويحقق له القدرة على المنافسة إقليميا وعالميا ، وكل ذلك ينعكس على إحساس الناس بعزتها وكرامتها ، وشعور الأمة بدورها ومكانتها وريادتها، والمتأمل فى الحالة المصرية يجد إخفاقا ذريعا لوزراء التعليم فى القيام بواجباتهم ، أدى إلى فشل العملية التعليمية بكافة مراحلها ، فماذا كانت النتيجة ؟ ما نراه جميعا من ضحالة المعرفة ، وضعف الأداء ، وتدنى المستوى ، وشيوع التحايل والفهلوة ، وتفشى الخلل والفساد فى كل مرافق المجتمع ، وانعدام التخطيط والتدبير فى كل شئونه ، وقد يجادل البعض بأن العوامل الإقتصادية أوالسياسية أو الدولية هى المسؤولة عما نحن فيه ، ولكن هؤلاء جميعا يتجاهلون أن العلم هو من يصنع الثروة ، ويُصلح حال الإقتصاد ، ويحقق الرخاء ، وأنه أيضا من يُعد للمجتمع قادته ورجالاته من الفاهمين والعارفين ، والأسوياء والأمناء ، والقادرين على وضع كل شئ فى موضعه الصحيح ، وعندما يحدث ذلك تتحرر الأمة من قيود الضعف والمسكنة والحاجة، وتتبوأ مكانتها المحترمة ، وتخلع نفسها من ربقة ضغوط الأقوياء ومساوماتهم وابتزازاتهم .
ويتناول هذا المقال الجوانب المختلفة لدور وزراء التعليم ، وهم القادة المنوط بهم إصلاح العملية التعليمية ، ووضع السياسات الملائمة لها ، وتتبع أدائها بالتقييم والتحسين والتقوييم .. إننا ببساطة شديدة نريد منهم أجيالا صالحة وناضجة ومؤهلة بالعلم والمعرفة ، وقادرة على القيام بتبعات المجتمع فى كل الميادين ، فهل نجحوا فى إعداد تلك الأجيال ؟! والإجابة القطعية هى : لا ، وهو ما يقودنا إلى التساؤل : أين مواطن الخلل ؟ وما هى أسباب الإخفاق ؟

أولا : وزارة التربية والتعليم .. لمحة تاريخية سريعة

تأسست أول إدارة للتعليم فى مصر فى 9 مارس 1837 ، وكانت تعرف بـ ( ديوان المدارس ) ، وتولاها حينئذ مصطفى مختار باشا حتى 17 نوفمبر 1837 ، ثم تعاقب على الديوان إبراهيم أدهم باشا ( 15 مايو 1839- 24 مارس 1849 ، 18 أكتوبر 1849 - 8 مايو 1850 ) ، ليخلفه عبدى شكرى باشا ( 9 مايو 1850 - 16 ديسمير 1854 ) ، وفى عام 1854 ألغى الخديوى سعيد الديوان ، ليُعيده الخديوى إسماعيل فى يناير 1862 ، ليعود إبراهيم أدهم باشا مرة ثالثة ( 26 يناير 1862 - 26 يوليو 1863 ) ، ليليه محمد شريف باشا ( 26 يوليو 1863 - 14 إبريل 1868 ) .
وفى عام 1868 تغير ديوان المدارس إلى نظارة المعارف ، وكان أول ناظر لها على مبارك باشا ( 15 إبريل 1868 - 20 سبتمبر 1870 ) ، عَقِبه مصطفى بهجت باشا ( 21 سبتمبر 1870 - 12 مايو 1871 ) ، ثم على مبارك باشا مرة ثانية ( 13 مايو 1871 - 25 أغسطس 1872 ) ، ليتولى بعده الأمير حسين كامل ( أصبح السلطان حسين كامل فيما بعد ) لحوالى عام ( 26 أغسطس 1872 - 14 أغسطس 1873 ) ، ثم على مبارك باشا مرة ثالثة ورابعة ( 28 أغسطس 1878 - 8 إبريل 1879 ، 11 يونيو 1888 - 13 مايو 1891 ) .
وفى عام 1915 تغيرت نظارة المعارف إلى وزارة المعارف ، حتى صدر القرار الوزارى رقم 472 لعام 1955 بتغيير الإسم إلى وزارة التربية والتعليم .

ثانيا : تعاقب وزراء التعليم

من الأشياء المثيرة للانتباه ، والجديرة بالتأمل فى نفس الوقت ، ما لاحظته عند الإعداد لتلك المقالة من التعاقب والتتابع السريع لوزراء التعليم ، حتى أن معظمهم تولى أمر الوزارة لأيام أو أسابيع أو شهور قليلة ، وتُظهر تلك القائمة بعضا من هؤلاء :
- محمد ثابت باشا ( 9 إبريل 1879 - 1 يوليو 1879 ) .
- محمود سامى البارودى باشا ( 2 يوليو 1879 - 17 أغسطس 1879 ) .
- عبد الله فكرى باشا ( 4 فبراير 1882 - 26 مايو 1882 ) .
- سليمان أباظة باشا ( 2 يونيو 1882 - 27 أغسطس 1882 ) .
- أحمد حلمى باشا ( 5 إبريل 1914 - 18 ديسمبر 1914 ) .
- حسين رشدى باشا ( 9 إبريل 1919 - 20 مايو 1919 ) .
- أحمد زيور باشا ( 21 مايو 1919 - 1 يونيو 1919 ) أى عشرة أيام فقط .
- أحمد طلعت باشا ( 2 يونيو 1919 - 20 نوفمبر 1919 ) .
- جعفر والى باشا ( 17 مارس 1921 - 24 ديسمبر 1921 ) .
- محمد توفيق باشا ( 15 مارس 1923 - 5 أغسطس 1923 ) .
- محمد محب باشا ( 6 أغسطس 1923 - 7 أغسطس 1923 ) أى يوم واحد فقط .
- محمد سعيد باشا ( 28 يناير 1924 - 24 أكتوبر 1924 ) .
- أحمد ماهر باشا ( 25 أكتوبر 1924 - 23 نوفمبر 1924 ) أى شهر واحد فقط .
- حافظ حسن باشا ( 14 أكتوبر 1929 - 31 ديسمبر 1929 ) .
- بهى الدين بركات باشا ( 1 يناير 1930 - 19 يونيو 1930 ) .
- عبد السلام فهمى جمعة ( 3 أغسطس 1937 - 9 نوفمبر 1937 ) .
- محمد حسن العشماوى ( 17 فبراير 1946 - 9 ديسمبر 1946 ) .
- على أيوب باشا ( 27 فبراير 1949 - 25 يوليو 1949 ) .
- أحمد سرس بدر ( 26 يوليو 1949 - 2 نوفمبر 1949 ) .
- عبد الخالق حسونة باشا ( 28 يناير 1952 - 1 مارس 1952 ) .
- محمد أحمد رفعت باشا ( 2 مارس 1952 - 1 يوليو 1952 ) .
- سامى مازن ( 2 يوليو 1952 - 22 يوليو 1952 ) .
- سعد اللبان ( 24 يوليو 1952 - 6 سبتمبر 1952 ) .
- د . عباس مصطفى عمار ( 14 يناير 1954 - 16 أبريل 1954 ) .
- د . محمد عوض محمد ( 17 أبريل 1954 - 9 سبتمبر 1954 ) .
- كمال الدين حسين ( 10 سبتمبر 1954 - 22 أغسطس 1955 ) .
وبالرغم من هذا التاريخ الطويل ، حيث تم الاحتفال بالعيد المئوى للوزارة فى مارس 1937 ، والمئوية الثانية ليست ببعيدة ، ورغم الحياة الحزبية فى مرحلة ما قبل 23 يوليو 1952 ، وتعاقب الحكومات ، ورغم أن مستوى التعليم كان أفضل مما هو عليه الآن ، إلا أن تولى الوزارة ليوم أو أسابيع أو شهور قليلة ، لا يحمل دلالة الجدية ، ولا يدل على استراتيجية طويلة المدى ، ومتعددة المراحل ، فليس من المعقول أن يعلم الوزير عن وزارته شيئا فى تلك الفترات القصيرة ، وليس من المنطقى أن يؤدى دوره فى إرساء الخطط والبرامج الضرورية لإصلاح التعليم وتطويره مع هذا التعاقب السريع ، وخاصة إذا علمنا أن من عادة وزرائنا أن ينقضوا ما أرساه سلفهم ، وتبقى الدلالة الوحيدة هى سوء الاختيار ، وسوء التخطيط ، بل وربما أيضا ليقال عن كل واحد من هؤلاء صاحب المعالى أو صاحب السعادة الوزير السابق .

ثالثا : وزراء التعليم فى الحقبة المباركية

حيث أن التعليم انحدر إلى أسوأ حالاته فى عهد الرئيس حسنى مبارك ، حتى أن كل مكونات العملية التعليمية اعتراها الخلل ، ودبت فى جنباتها الفوضى ، وجب أن نُولى تلك الفترة شيئا من التمحيص والتحليل ، وهى فترة تمتد على زهاء ثلاثة عقود ، شهدت خلالها سبعة وزراء ، ورغم مكوثهم لفترات أطول فى الوزارة ، إلا أنهم أصّلوا لما هو أسوأ وأشد ضررا من التعاقب الزمنى السريع ، وهو التعاقب العشوائى للبرامج ، والتغيير والتبديل والتجريب بلا خطط محددة أو أهداف مدروسة ، والوزراء هم :
1- د . محمد مصطفى كمال حلمى ( أبريل 1974 - نوفمبر 1986 ) ، ورغم كونه معلما ، ثم أصبح نقيبا للمعلمين ، إلا أن اهتمامه انصب على مسخ التعليم المصرى ، ومسخ هوية الطلاب ، ليتوافق المسخ الجديد مع ما يسمى بعصر السلام مع إسرائيل ، أى أنه ضحى بمكونات الهوية من دين ولغة وتاريخ مقابل وهم السلام المزعوم ، وكان الأولى به أن يدرك أمرا بديهيا وهو أن تشويه عقل وضمير الإنسان المصرى يفقده الولاء والانتماء لوطنه ، ليصبح غير قادر أو حتى راغب فى الدفاع عنه ، وهو أخطر ما يمكن أن ينتاب المجتمعات ، وتتعرض له الأوطان .
2- د . أحمد فتحى سرور والذى خلف الوزير السابق لمدة أربع سنوات ، ألغى فيها الصف السادس الإبتدائى فى تجربة عشوائية عقيمة ، وفى عهده أيضا بدأت الدولة فى التراجع عن الإنفاق على التعليم لتقليل النفقات ، ورغم أن سرور رجل قانون ودستور ، إلا أن دوره فى الوزارة لا يختلف عن دوره فى مجلس الشعب ، وهو فى كلمات قليلة ، كل ما لا ينفع الشعب ، ولا ينعكس عليه بالفائدة .
3- د . عادل عز ، والذى تولى الوزارة لخمسة أشهر فقط ، بجانب منصبه كوزير الدولة للبحث العلمى ، وكأنه الحنين مرة أخرى لعادة التوالى والتعاقب السريع .
4- حسين كمال بهاء الدين ، والذى امتد عهده لثلاثة عشر عاما ، حدثت فيها نوازل جسام ، أصابت نظام التعليم بخلل واضطراب شديد ، حيث تفشت الدروس الخصوصية وكأنها الوباء ، وانتشر ما يعرف بمراكز الدروس الخصوصية ، وكأنها عمل مشروع تحت سمع وبصر الجميع ، وتم تغيير نظام الثانوية العامة إلى نظام العامين ، وكانت عاما واحدا منذ وجودها ، وفى عهده أيضا ظهرت المجاميع الخرافية فى الثانوية العامة ، والتى تتجاوز %100 ، وهو ما ليس له مثيل فى جميع بلاد الدنيا ، بل إنه كافأ واضعى الامتحانات السهلة التى لا يشكو منها الطلاب ، وعاقب بالنقل خارج محافظته من يضع امتحانا صعبا ، واخترع نظام تحسين المجموع ، الذى أجاز للطالب أن يدخل الامتحان فى المادة الواحدة خمس مرات ، وهو ما أفرز ظاهرة المتفوقين الجهلاء ، بعد أن أفرز عهد سلفه محمد مصطفى كمال وفتحى سرور ظاهرة المعلمين الجهلاء ، وبذلك اجتمع جهل المعلمين وجهل الطلاب ليحدث أكبر مسخ وتشويه فى تاريخ التعليم المصرى .
5- د. أحمد جمال الدين ، وهو رجل قانون مثل فتحى سرور ، وتولى الوزارة لمدة عام واحد ، وبالقطع لم ينجز فيه شيئا .
6- د . يسرى الجمل ( 2010-2006 ) ، وهو أستاذ بكلية الهندسة ، وصديق لرئيس الوزراء د . نظيف ، وما عدا ذلك لم يُعرف له غير اشتراكه فى تطوير بعض مدارس الإسكندرية من خلال إحدى الجمعيات الأهلية ، وقد مارس نفس لعبة حسين كمال فى التغيير والتبديل ، فأعاد السنة السادسة الإبتدائية والتى ألغاها فتحى سرور ، ثم وضع قواعد تغيير نظام الثانوية العامة ، وقام بعمل كادر خاص للمعلمين ، وفى عهده انتشر الغش الجماعى ، وتم تسريب وبيع امتحانات الثانوية العامة ، وكلها عوامل أثارت ضده المدرسين والإداريين والطلاب وأولياء أمورهم .
7- د . أحمد زكى بدر ، والذى تولى الوزارة فى بداية هذا العام ، وهو نجل وزير الداخلية الأسبق ، وكان رئيسا لجامعة عين شمس ، وفى فترة رئاسته للجامعة انتشرت ظاهرة غير مسبوقة فى تاريخ التعليم الجامعى فى كل بلاد العالم ، وهى ظاهرة استقدام البلطجية للاعتداء على الطلاب الذين لا ترضى عنهم إدارة الجامعة .

رابعا : وزارة التعليم العالى .. لمحة تاريخية سريعة

تعود بدايات نشأة التعليم العالى فى مصر إلى الجامعة الأهلية فى عام 1908 ، وفى عام 1925 أُنشئت أول جامعة حكومية ، وهى الجامعة المصرية ، والمعروفة حاليا بجامعة القاهرة ، وفى عام 1942 أُضيفت جامعة فاروق الأول ، والمعروفة حاليا بجامعة الإسكندرية ، وفى عام 1950 تم إنشاء جامعة ثالثة وهى جامعة إبراهيم باشا ، والمعروفة حاليا بعين شمس ، وكان لكل جامعة قانون مستقل لتنظيم شئونها ، بالإضافة إلى قوانين أخرى خاصة بتنظيم إنشاء كراسى الأساتذة ، وتعيين أعضاء هيئة التدريس ، واللجان العلمية ، وأنظمة الدراسة والامتحانات ، وفى عام 1950 صدر القانون 496 بتأسيس المجلس الاستشارى للجامعات ، ليتولى مسئولية التنسيق بينها ، وبعد حركة 23 يوليو 1952 صدر القانون 508 لسنة 1954 ليجعل من وزير التربية والتعليم الرئيس الأعلى للجامعات ، وبموجب القانون أيضا حلّ المجلس الأعلى للجامعات محل المجلس الاستشارى للجامعات ، على أن يتولى رئاسته أقدم مديرى الجامعات ، وصدر فى نفس الوقت أيضا قانون مستقل للائحة الأساسية لكل كلية على حدة ، ثم ضُمت جميعها فى قانون تنظيم الجامعات رقم 345 لسنة 1956 ، وفى عام 1957 تأسست جامعة أسيوط كأول جامعة فى صعيد مصر ، وفى عام 1958 صدر قانون تنظيم الجامعات رقم 184 ، والذى تضمن نفس نص قانون 508 باعتبار وزير التربية والتعليم الرئيس الأعلى للجامعات ، وأن يتولى مدير جامعة القاهرة رئاسة المجلس الأعلى للجامعات ، وفى غيابه يحل محله أقدم مديرى الجامعات ، وفى عام 1961 أُنشئت وزارة التعليم العالى زمن الوحدة مع سوريا ، وتولاها لأول مرة د . أمجد الطرابلسى ، وحدد القرار الجمهورى 1665 لسنة 1961 تنظيم ومسئوليات الوزارة ، والتى تشمل التعليم العالى ، والعلاقات الثقافية الخارجية والبعثات ، وإنشاء وإدارة الكليات والمعاهد ، ونص أيضا على أن يكون لوزير التعليم العالى نفس الصلاحيات التى كانت لوزير التربية والتعليم ، وفى عام 1963 عُدل قانون 184 ليصبح وزير التعليم العالى الرئيس الأعلى للجامعات ، ورئيس المجلس الأعلى للجامعات أيضا ، وصدرت بعد ذلك العديد من القوانين التى تضمنت إنشاء جامعات وكليات ومعاهد أخرى ، وفى عام 1996 صدر القرار الجمهورى رقم 31 بدمج وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى فى وزارة واحدة ، على أن يحتفظ التعليم العالى بنفس هياكله التنظيمية ، وبعد عام من هذا القرار صدر القرار الجمهورى رقم 270 لسنة 1997 بتنظيم وزارة التعليم العالى ، والذى يحدد أهدافها فى نشر التعليم فيما بعد مرحلة الثانوية العامة ، ووضع الخطط والبرامج لذلك ، كما حدد القانون أيضا اختصاصات مختلفة للوزارة ، تقوم عليها إدارات مختلفة يصل عددها إلى زهاء ستين إدارة .

والأمر الجدير بالملاحظة هنا هو الاستقلالية التى تمتعت بها كل جامعة عند نشأتها فى قوانينها ولوائحها ، وهو النظام الأمثل ، وهو أيضا المتبع فى الجامعات الغربية ، وكل الجامعات الناجحة فى العالم ، حتى أتت حركة 23 يوليو لتؤصل للمركزية البغيضة التى أفقدت الجامعات استقلالها ومكانتها ودورها ، وحولتها إلى مفارخ لتخريج كوادر النظام وموظفيه .

خامسا : ما هى المشكلة ؟

ليست مشكلة واحدة ، وإنما عديد من المشاكل المعقدة والمتشابكة ، والتى يمكن الإشارة إليها فيما يلى :

1- مشاكل مرتبطة بطبيعة الأنظمة المتعاقبة ، والتى لا تحسن اختيار الوزراء والمسؤولين ، فتقدم فى معظم الأحوال أهل الثقة على أصحاب الخبرة والكفاءة والأمانة والمصداقية ، وبذلك تستحوذ على ولائهم وتبعتهم ، وتضمن انقيادهم وطاعتهم ، ولكنها تخسر فى المقابل أداءهم لدورهم بدقة وتفان ، وتكون النتيجة تبديدا للموارد المادية والبشرية ، ونشرا للفساد والفوضى والعشوائية ، وحرمانا للمجتمع من التغيير والإصلاح والتطوير .
نشرت صحيفة الدستور بتاريخ 16 أبريل 2010 تحقيقا عن وزراء التربية والتعليم فى عهد الرئيس مبارك تحت عنوان ساخر ( وزراء التربية والتعليم فى عصر الرئيس مبارك : لا تربية ولا تعليم ولكن مبارك طبعا ) ، وفيه استطلع كاتب التحقيق ( محمد توفيق ) آراء بعض المهتمين ، ومنها ما ذكره عبد الحفيظ طايل مدير مركز الحق فى التعليم ( وزراء التربية والتعليم مثل بقية الوزراء ، لا توجد معايير واضحة لاختيارهم ، ولا تخرج أسباب عند خروجهم من الوزارة ... فبعد أن كانت وزارة الزعماء والمفكرين أمثال سعد زغلول وطه حسين ، أصبحت وزارة المهندسين التى تحكمها رؤية رجال الأمن ، وطبيعتهم فى التعامل مع المشاكل ، ففى عهد د . أحمد فتحى سرور شهدت مصر انتشار التيارات الدينية ، وانسحاب الدولة من الإنفاق على التعليم ، وإلغاء الصف السادس الإبتدائى لاعتبارات غير تربوية ، لها علاقة بتقليل النفقات على التعليم الحكومى ... بعد د . سرور ، جاء حسين كمال بهاء الدين الذى اهتم بزيادة أعداد المدارس ، والبدء فى سياسة خصخصة التعليم ، وجعله سلعة من خلال مجموعات الدروس الخصوصية التى تقوم بها المدارس الحكومية لزيادة رواتب المدرسين دون تدخل الوزارة ، وفى الوقت نفسه كان يتعامل بالطريقة الأمنية مع المدرسين الذين لهم وجهات نظر فى الحياة السياسية وتحديدا الإسلاميين عن طريق نقلهم من مدارسهم ... بعد ذلك ظهرت فكرة الكادر الخاص للمعلمين أيام د . أحمد جمال الدين الذى لم يستمر طويلا ، ليأتى د . يسرى الجمل ويقوم بتشويه كادر المعلمين عن طريق عمل اختبارات وهمية للمدرسين ، لا هدف لها سوى تقليل أعداد الذين سيحصلون على الكادر الخاص ... كان منطقيا أن يتم تسليم ملف التعليم إلى د . أحمد زكى بدر مع قدوم انتخابات مجلس الشعب والشورى وانتخابات الرئاسة ، وإلغاء الإشراف القضائى على الانتخابات ، ليكون وزير التعليم ومدرسوه الذين يرضى عنهم هم المشرفون على الانتخابات المقبلة ... وزراء التعليم فى عصر الرئيس مبارك جزء من النظام الحاكم القائم على التسلط والاستبداد ، لذلك عندما قال الرئيس إن قضية التعليم أمن قومى ، تم التعامل معها وتفسيرها بالمعنى الأمنى والسياسى ، وليس بالمعنى التنموى الذى يجعل التعليم أداة للتغيير ، وليس أداة لقمع المجتمع ) ، ومنها أيضا ما ذكره د . عمار على حسن ، أستاذ العلوم السياسية ، والذى يتفق مع الرؤية السابقة ( كل وزراء التعليم لا يمكن أن يجلسوا على مقاعدهم ويستمروا فيها إلا بعد استطلاع رأى الأمن ... والدليل على ذلك أنه تم استبعاد د . أحمد جمال الدين بعد عام واحد فقط من توليه لأسباب أمنية ، فى الوقت الذى نجد فيه أن وزير التعليم الحالى تمت مكافأته ووضعه فى هذا المكان نظرا لما فعله فى جامعة عين شمس ، وقدرته على قمع الطلاب والأساتذة ) .

ملحوظة : ربما لا يعلم الكثيرون أن شئون التعليم قد تولاها بعض مشاهير المصرين ومنهم :

- سعد زغلول باشا ( 28 أكتوبر 1906 - 23 فبراير 1910 ) .
- د . محمد حسين هيكل ( 27 أبريل 1938 - 18 أغسطس 1939 ) .
- د . عبد الرازق السنهورى ( 15 يناير 1945 - 14 فبراير 1946 ) .
- د . طه حسين ( 1950 - 27 يناير 1952 ) .
2- مشاكل مرتبطة بالوزراء والمسؤولين أنفسهم ، ولأن الأنظمة تسيئ اختيارهم ، فإنهم فى العادة لا يتمتعون بالعلم والمعرفة ، ولا يمتلكون الدراية والتجربة ، والأسوأ من ذلك افتقارهم إلى الطموح والرؤية ، وانشغالهم بسفاسف الأمور ، وتقريبهم لنوعيات رديئة من المساعدين والمعاونين ، وإقصاؤهم لأصحاب الفضل والفهم والمكانة ، والعجيب أن الوزير السابق د . أحمد جمال الدين يلتمس بعض المعاذير للوزراء ( سلطات الوزير محددة وليست مطلقة ... وبالتالى لا يمكن تحميله كل ما يحدث فى المجتمع الذى يتأثر بقراراته ) ، رغم أنه يعلم جيدا ضرورة توافر مواصفات معينة فى الوزير ليؤدى دوره المنوط به تجاه شعبه ( أهم صفة يجب توافرها فى من يجلس على مقعد وزارة التعليم ، أن تكون لديه رؤية ، وفى الوقت نفسه يملك الحسم حتى يتمكن من تنفيذ رؤيته ، التى إن لم تكن مدروسة يترتب عليها كوارث فى المستقبل ، يتأثر بها كل أفراد المجتمع على المدى الطويل ) [ تحقيق الدستور السابق الإشارة إليه ] ، فإذا لم تتحقق تلك المواصفات لا يكون الشخص حقيقا بتولى الوزارة ، بل إنه فى الحقيقة يكون مدلسا وأفاكا وملحقا الضرر البليغ بالطلاب وبالعملية التعليمية برمتها وبالمجتمع بأكمله ، ومن المفيد هنا الإشارة لما ذكره د . فاروق الباز فى حديثه لصحيفة المصرى اليوم بتاريخ 25 أكتوبر 2010 ، لما فيه من دلالات على تبديد الموارد البشرية والمادية ، وعلى الاستهانة بالطلاب والاستخفاف بعقولهم ، يقول الباز : ( عندما رجعت لمصر ، وجدت وزارة التعليم العالى تخبرنى أنى سأدرس الكيمياء فى المعهد العالى بالسويس ، وكان الموضوع غريبا ... أدرس كيمياء بناء على أيه ؟ والراجل يقوللى : يعنى يا سيدى مش هتعرف تفتح كتاب الكيميا فصل فصل وتقول للعيال ؟ ... المهم كافحت سنة بأكملها فى مصر عام 1966 لتغيير هذا الوضع ، وأقول لهم : طيب لو الوزير شرح لى بناء على أيه أدرس كيمياء سأقبل الوظيفة تانى يوم ، لكن أفهم بناء على أيه ؟ ولمدة ثلاثة أشهر يوميا من 9 صباحا كنت أذهب لمكتب الوزير لمقابلته والوزير يرفض مقابلتى ) . ولتكتمل الصورة فى ذهن القارئ ينبغى أن أذكر هنا أن الباز متخصص فى الجيولوجيا ، أى أن الدولة أرسلته فى بعثة علمية إلى الولايات المتحدة ، وأنفقت عليه ليتم إعداده لفهم طبيعة الأرض المصرية وما بها من ثروات ، وعندما يرجع إلينا لنستفيد بعلمه ، نحوله ليدّرس الكيمياء لطلاب ( عيال ) المعهد العالى بالسويس ، ورغم أن تلك الحادثة مضى عليها قرابة نصف قرن ، إلا أن العقليات والممارسات التى حكمت الوزارة يومها هى نفس العقليات والممارسات التى تحكمها الآن وطوال تلك العقود ، أى أننا لنصف قرن نمارس تهريجا فاضحا ، ثم نتساءل ببله وتعجب : لماذا خرجت جامعاتنا من التصنيفات العالمية ؟! .
3- من الأخطاء الفاحشة التى يقع فيها وزراء التعليم أن كل وزير جديد يبدأ عهده بنقض كل ما فعل سلفه ، وهى سياسة خرقاء تؤدى إلى كثرة التغيير والتبديل ، وإلغاء الخطط والبرامج قبل أن تؤتى ثمارها ، أو قبل أن يمر عليها الوقت الكافى لمتابعة نتائجها وتقييمها ، إذا أضفنا إلى ذلك أن معظم أو كل ما يأتى به وزير جديد لا يحظى فى العادة بالدراسة الكافية ، والتخطيط السليم ، وأن المسألة لا تعدو الأمزجة والأهواء الشخصية ، وكلها دلائل على الارتباك والاضطراب ، مما ينعكس سلبيا على الطلاب ، وعلى كل مكونات العملية التعليمية . كتب د . سعيد إسماعيل على ، وهو أستاذ وخبير فى التربية ، مقالا فى صحيفة ( المصريون ) ، بتاريخ 13 أكتوبر 2010 ، بعنوان ( عندما يكون التعليم لعبة وزراء ) ، وفيه يقول : ( ... كل وزير تربية جديد يهدم كل أو معظم ما قام به سابقه ، وكأن التاريخ سوف يبدأ فقط بلحظة توليه الوزارة ، ويعتبر ما قبله هو ما يقولون عنه ما قبل التاريخ ) ، ثم يتناول ما أحدثه وزير التربية والتعليم الحالى عند توليه الوزارة (... يبدو التعليم وكأنه قد تحول إلى لعبة فى يد الوزير ، يلهو بها صائحا فى كل مكان أنا شجيع السيما ، كان أول مظهر هو الإطاحة بمعظم رجال الوزير السابق ...فمعنى ذلك أنهم كانوا على درجة من السوء لا تحتمل ... وفضلا عن ذلك فهؤلاء كانوا يصنعون السياسة التعليمية ، وفعلوا كذا وكذا مما جرى عبر السنوات القليلة الماضية ، فهل كان وزيرهم نايم على ودانه ؟ وأين الجهات الرقابية ؟ أو لم تكن سياسة التعليم تعرض على مجلسى الشعب والشورى ؟ وألم تكن تعرض على مجلس الوزراء ؟ ) ، ثم يصرخ الكاتب فى وجه هؤلاء (... أولادنا ليسوا فئران تجارب ) .
يذكر كاتب تحقيق صحيفة الدستور السابق ذكره أن: ( وزراء التربية والتعليم فى عصر الرئيس مبارك كل واحد منهم تسبب فى أخطاء يمكن تدريسها فى دول أوربا ، باعتبارها نموذجا فى الفشل الذريع ، لدرجة جعلت د . فتحى سرور يتحدث عن فشل نظام التعليم فى مصر ، وأنه لم يستطع تعليم أحفاده فى مدارس حكومية ، ونسى أنه كان أحد أسباب وجود هذه المنظومة الفاشلة ، بفضل سياساته التى سار عليها من جاءوا بعده ، رغم أنهم كلهم حاصلين على الدكتوراة من علوم مختلفة ، ولكنهم فى التعليم حصلوا على شهادة دكتوراة واحدة فى الفشل من جامعة الفساد ... هذه هى السياسة التى نجح فيها باقتدار كل وزراء التعليم ، فكلهم ألفوا ولحنوا وأخرجوا نظم التعليم الفاشلة ، التى صنعت متعلما من نوع خاص لم يعرفه العالم إلا عن طريقنا ، وهو المتعلم الجاهل الذى حصل على شهادة الثانوية ولا يجيد القراءة والكتابة ، وإن أجادها فلا يستطيع النجاح فى الجامعة ، وإن نجح فى الجامعة لا يملك المعرفة التى تجعله ينجح فى عمله ، كلهم فشلوا ، كل واحد منهم وضع مسمارا فى نعش التعليم المصرى ، أحدهم ألغى السنة السادسة الإبتدائية ، فجاء زميله ليعيدها مرة أخرى ، وأحدهم قام بعمل الثانوية عاما واحدا ، ليأتى آخر يجعلها عامين ، لذلك تجد أن كل وزراء التعليم علموا أولادهم فى المدارس الأجنبية والخاصة ... حتى لا يدعو عليهم فى المستقبل ، ويتهموهم بتخريب عقولهم ... مدارس الحكومة مغامرة غير مأمونة العواقب ... لا يصلح معها سوى القنبلة الذرية ... ستة وزراء جلسوا على مقعد وزارة التربية والتعليم ، فى عصر الرئيس مبارك على مدار 29 سنة ، ساءت فيها أحوال التعليم ، وصارت فيها المدارس من سئ إلى أسوأ ) .
4- وظيفة الوزير الرئيسية ، ودوره الجوهرى ، أن يجمع حوله خيرة العلماء والخبراء والمتخصصين لوضع البرامج والخطط والسياسات ، ثم متابعة تنفيذها ، مع التقييم الدورى لنتائجها ، وإصلاح وتعديل ما يحتاج منها للإصلاح والتعديل ، وعندما يتخلى الوزير عن هذا الدور ، ويبدد وقته وجهده فى أعمال ثانوية أخرى ، فإن ذلك يعنى أنه غير ملم بطبيعة مسؤوليته وواجباته ، أو أنه يختار الطريق الأسهل متجاهلا أن أى عمل مؤسساتى بدون سياسات مدروسة وواضحة لن يُكتب له النجاح أبدا ، لأنه يصبح عملا فوضويا وعشوائيا ، والمتأمل فيما يقوم به وزير التربية والتعليم الحالى يجده اختار الطريق الأسهل ، وشغل نفسه بزيارات المدارس ، ونقل هذا المدرس الفاسد إلى مدرسة أخرى ، وذاك المدرس المنحرف إلى عمل إدارى ، وكأنه فى مهمة لنشر الفاسدين والمنحرفين فى جنبات الوزارة وقطاعاتها المختلفة ، والعجيب أن تلك الزيارات والمفروض فيها الفجائية تتم عادة فى زفة إعلامية من الصحافة والتلفزيون ، وكأن الأمر فى أساسه دعاية رخيصة ومبتذلة ، وقد استثار هذا السلوك بعض التربويين والصحافيين ، فكتبوا منتقدين طريقته فى توقيع جزاءات بدون تحقيق ، وغيرها مما هو من صميم عمل النظار ومديرى المدارس ، يقول د . سعيد إسماعيل على واصفا مهاتفة الوزير له ردا على مقال كتبه ، وعلى ظهوره على قناة ontv متناولا نتائج امتحانات الثانوية العامة : ( انطلق فيها كالصاروخ بكلام خشن لا يليق بالمتحدث باعتباره وزيرا للتربية ، ولا يليق كذلك أن يوجه لى ) ، ثم يستطرد متناولا أسلوب الوزير ، وواصفا شخصيته بأنها ( اندفاعية تذهب به فى وقت إلى أقصى اليسار ، وفى وقت آخر إلى أقصى اليمين ، وهو ما رأيناه فى بعض مواقفه العملية ، إلى الدرجة التى ساق فيها الكاتب الألمعى لبيب السباعى فى الصفحة التعليمية بالأهرام ، تشبيها مضحكا للوزير بأنه مثل " المعلم حنفى " فى الفيلم الشهير " ابن حميدو " للمثل العبقرى الراحل " عبد الفتاح القصرى " صاحب " نورماندى تو " حيث كان يجأر بصوت عال أن كلمته لا تنزل الأرض ، ولكن عندما تكشر له زوجته أو أى سلطة أقوى عن أنيابها ، يكمل تصريحه بأن كلمته أحيانا يمكن أن تنزل الأرض ... الذى أزعجنى وقذف الرعب فى قلبى عندما يقود التعليم عقل يفكر بهذا النهج المؤسف حقا ، ويتحدث بمثل هذا الأسلوب المحزن فعلا ، خاصة وأننا نعيش ثقافة من أمراضها الأساسية النظر بعين التقديس إلى ما يقول به ولى الأمر وصاحب السلطة ، وكأنه لا ينطق عن الهوى ، وإنما هو وحى يوحى ، فضلا عن أساليب النفاق والتزلف التى يتسابق البعض إلى انتهاجها دفاعا عن صاحب السلطة ) [ د . سعيد إسماعيل على : درس فى الشك نهديه وزير التربية !، المصريون 21-10-2010 ]، والشئ الباعث على الدهشة هنا أن الوزير لا يشغل نفسه فقط باللف على المدارس ، والتتميم على المدرسين ، وإنما أيضا بالرد بجفاء على مقال لم يرق له ، رغم أن كاتبه من أساتذة التربية وخبراء التعليم لأكثر من نصف قرن .
وكتب د . جابر قميحة مقالا بعنوان ( وفى مصر لا تربية ولا تعليم ) ، نشرته صحيفة [ المصريون 7-11-2010 ] ، وفيه يوجه أيضا سهام النقد لمسلك الوزير ( وفى مطلع سنة 2010 سلموا الوزارة للوزير الهمام أحمد زكى بدر ، الذى كنا نتمنى أن يملك خبرة فى التربية والتعليم ، ولكنه كان يعالج المسائل بطريقة اندفاعية لا تلد إلا تقدما للوراء ) ، ثم يعدد بعضا من ذلك : ( 1- معاقبة المدرسين المخالفين من وجهة نظره بنقلهم إلى مدارس أخرى ، أو تحويلهم إلى إداريين ، فإذا كانت صورتهم كما رآها الوزير فإنهم يسيئون إلى المدارس التى نقلوا إليها ، ويهبطون بالأداء ، وإذا حُولوا إلى إداريين كان فى ذلك إساءة إلى الإدارة ، لأنهم لا علم لهم بمجريات هذه الوظيفة الجديدة . 2- ومن أواخر الوقائع المؤسفة واقعة التلاميذ الثلاثة فى مدرسة مصر الجديدة الإعدادية ، الذين استدرجوا زميلا لهم إلى بدروم المدرسة ، وتحرشوا جنسيا به ، واعتدى عليه أحدهم ، وقام وزير التربية والتعليم الدكتور أحمد زكى بدر بزيارة مفاجئة للمدرسة ، فاكتشف غياب حوالى ثلث التلاميذ ، وعدد كبير من المدرسين ، وقرر نقل كل أعضاء هيئة التدريس ، وتوزيعهم على مدارس أخرى ) .
وما يفعله وزير التربية والتعليم من تبديد لوقته وطاقاته ، يفعله أيضا وزير التعليم العالى د . هانى هلال الذى أصبح علما على مطاردة الفتيات المنقبات ، ومنعهن من دخول الجامعة ، أو أداء الامتحانات ، أو سكنى المدن الجامعية ، وكأن جامعات مصر وتعليمها العالى الذى أصبح مهزلة مزرية لا يحتاج إلى كل الجهد لإصلاح ما أفسدته السياسات العشوائية على مدار العقود ، والعجيب أنه بمراجعة القرارات والقوانين المنظمة للتعليم العالى والتى أشرت لبعضها فى اللمحة التاريخية ، يجد المرء أن اختصاصات وزارة التعليم العالى تشمل تلك الجوانب :

- بحث واقتراح سياسة التعليم العالى ، ووضع الخطط والبرامج المتطورة لذلك .
- مراجعة المناهج والمقررات ، والربط بينها وبين المراحل السابقة .
- اقتراح الوسائل لنشر التعليم العالى والجامعى ، مع مراعاة التوزيع الجغرافى لتلبية احتياجات مصر من الجامعات والمعاهد ومراكز التدريب .
- إعداد مشروعات البعثات العلمية ، ورعاية المبعوثين .
- النهوض بمستويات هيئات التدريس ، ووضع الخطط اللازمة لذلك .
- التعرف على احتياجات الوزارات وغيرها من الخريجين ، والبحوث العلمية ، وتوطيد العلاقة بين الجامعات والبيئة مما يخدم احتياجات المجتمع .
- وضع الخطط لمواجهة احتياجات البلاد العربية والإسلامية والأفريقية من الأساتذة والمتخصصين .
- وضع السياسات المالية والتمويل اللازم لمشروعات الوزارة .
- متابعة تنفيذ الخطط والمشاريع ، وتقويم ما تم منها .
- وضع الإحصائيات والتقارير لجميع الجوانب التعليمية والتربوية .
والسؤال هنا : هل لمن يقوم حقا على تلك الأعباء الجسام من وقت أو جهد لمطاردة وتعقب الفتيات المنقبات ، واللائى هن أخواتنا وبناتنا ؟! وهل قام الوزير بدوره فى توفير الأساتذة والخبراء للدول العربية والإسلامية والأفريقية ، وقد انصرفت جميعها عنا لتدنى مستوى خريجينا ؟! وهل أعدت الجامعات المناهج الحديثة ، ورفعت من مستوى أعضاء هيئات التدريس ؟! ، وهل ربطت جامعاتنا بينها وبين احتياجات المجتمع من الخريجين والأبحاث ؟! الإجابة القطعية على تلك الأسئلة وغيرها هى : لا ، لقد نسى وزراء التعليم دورهم ، وانصرفوا إلى صغائر الأمور ، فضيعوا أجيالا بأكملها ، لم تحصد من تعليمها غير الجهل والأمية ، وضيعوا مع تلك الأجيال فرصة مصر فى النهضة والحضارة والتقدم .
5- إذا كان وزراء التعليم قد شغلتهم السفاسف عن دورهم الحقيقى ، فإن ذلك قد أنساهم أيضا دور التعليم الحقيقى فى صناعة الشخصية المتوازنة ، والتوازن لا يمكن تحقيقه بالمناهج والمقررات الدراسية فقط ، وإنما يحتاج إلى كل الأنشطة التكميلية ، والتى بدونها يصيب الخلل والإنحراف تركيبة الإنسان النفسية والعقلية والسلوكية ، وانشغال وزراء التعليم فى التضييق على الطلاب ، وحرمانهم من استخدام طاقاتهم وملكاتهم فى الأنشطة المختلفة الدينية والثقافية والإجتماعية والسياسية والرياضية وغيرها ، أنتج لنا أجيالا خائفة حذرة متوجسة ، عازفة عن المساهمة فى كل ما يرفع من شأن مجتمعها ، فاقدة الولاء والإنتماء لوطنها ، ومع هذا الخوف والعزوف فشت كالنار فى الهشيم عادات قبيحة كالنفاق والتزلف والمداهنة ، والمحسوبية والتسلق على أكتاف ومجهود الآخرين ، والسلبية واللامبالاة ، والمدهش أن الجميع يتساءل بعد ذلك باستعباط واستهبال : ماذا حدث للإنسان المصرى ؟! .

كتب محمد منصور فى صحيفة القدس العربى بتاريخ 20-10-2010 مقالا بعنوان ( ... والبحث عن استقلالية الجامعات فى زمن التأميم الأمنى ) ، وفيه يذكر كيف ( أن أول أسفين دُق فى نعش الرأى العام كان التدخل الأمنى فى الجامعات ، وقتل استقلالية الجيل الشاب فى أول سنوات تفتح طموحه الحياتى والفكرى ، لقد حرّمت الأنظمة الشمولية والقمعية السياسة على الطلاب ، وثمة الكثير من خيرة الطلاب أُخذوا من مدارج جامعاتهم إلى غياهب السجون فى أقسى عملية تدمير شهدتها بنية المجتمعات العربية ... وإذا كنا نشتكى اليوم من تفاهة جيل شاب غير معنى بالحياة والنهوض والتطوير ، وبأمية جيل جامعى صار خارج معادلات التغيير ، فيجب ألا نلوم شبابا صارت جامعاتهم معقلا للهتاف وللرأى الواحد ، وكتابة التقارير الأمنية ، بل نلوم من أعدم أمنيات تلك الأجيال ، وشل حراك رأى عام بأكمله ، عبر قتل روح التنوع والاستقلالية فى الجامعات ) .
فى جامعاتنا المصرية تم جلب البلطجية إلى جامعة عين شمس عندما كان وزير التربية والتعليم الحالى ( أحمد زكى بدر ) رئيسا لها ، وتم إطلاق يدهم يعتدون على الطلاب أصحاب التوجهات التى لا ترضى عنها إدارة الجامعة ، وهى حادثة غير مسبوقة فى تاريخ التعليم فى مصر أو غيرها ، ولكنها للأسف تكررت فى 4 نوفمبر 2010 ( بلطجية يعتدون بالمطاوى والجنازير على أساتذة وطلاب داخل جامعة عين شمس ، لمنع وقفة ضد الحرس الجامعى ) [ المصرى اليوم 5-11-2010 ] ، وبدلا من أن تستقيل إدارة الجامعة ، أو تفتح تحقيقا نزيها فى الحادثة ، أو على الأقل تتوارى كسوفا وخجلا ، خرجت ببيان يدافع عن البلطجية ويصفهم بأنهم ( طلاب غيورون على هيبة جامعتهم ، اعترضوا على هذا التجاوز الخارجى من قبل أشخاص ليس لديهم صلة بالجامعة ، مما أدى إلى تعدى هؤلاء الغرباء على الطلاب بالسباب ) ، ولا يكتفى البيان بوصف الأساتذة المُعتدى عليهم بأوصاف مثل : ليس لديهم صلة بالجامعة - الغرباء - اقتحموا - يوزعون منشورات ، وكلها أوصاف معهودة فى التقارير الأمنية وإنما يضيف أوصافا أخرى لا يقدر على فبركتها غير هؤلاء المتمرسين فى الكذب والتلفيق ، مثل ( قلة مندسة بيتت النية لإحداث قلاقل وفتنة فى الجامعة ) ، وإذا كان الأساتذة قلة مندسة اقتحمت الجامعة بنية الفتنة ، فإن معنى ذلك أن الجامعة هى ملك خالص للأمن ، ولا يحق لأحد أن يدخلها إلا خائفا يترقب ، وتمضى المهزلة إلى بعد آخر حيث ترسل إدارة جامعة عين شمس المدعومة من وزير التعليم العالى شكوى إلى جامعة القاهرة للتحقيق مع أساتذتها المتهمين بالاقتحام وتوزيع المنشورات ( والتى هى فى الحقيقة صورة من حكم المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة بإلغاء الحرس الجامعى ) ، وقد أحالت جامعة القاهرة الشكوى للتحقيق ، والغريب فى كل ذلك أن البلطجية ومن حركهم تم نسيانهم تماما ، ولا عجب فى ذلك فوزير التعليم العالى صرّح فى الصالون الثقافى لدار أوبرا الأسكندرية بتاريخ 27-10-2010 بأن ( الطالب لديه حصانة داخل الحرم الجامعى مادام يحترم التقاليد الجامعية ، ومن حقه أن يخطئ ليتعلم ، غير أن من يخرج على تلك التقاليد متعمدا لن نتهاون معه ، فهو مجرد عروسة ماريونيت ، وسنقطع حبالها أولا بأول ... لن نسمح لأحد بالترويج لأية شعارات سياسية ، وسنقطع لسان من يقوم بذلك ) ، وياله من مسكين ذلك الطالب المصرى ، الذى حرموه من كل الأنشطة ، وكبتوا طاقاته فى تلك السنوات الفتية من عمره ، وأرادوه فقط ليلقنوه مناهجهم البالية ، فإذا تملمص منهم ، وأراد أن يمارس حقه فى الحياة الكاملة بمباهجها ، وجد نفسه بين بلطجية الوزير بدر ، وسكاكين الوزير هلال الجاهزة لقص لسانه ، وقطع حباله ، فما هو إلا دمية يحركونه كيفما شاءوا ، فبئس هؤلاء الوزراء ، وبئس النظام التعليمى العقيم .

تلك هى المشكلات الخمسة الكبرى ، والتى ينبثق منها عديد من المشكلات الأخرى ، وكلها تساهم فى الخلل والعشوائية التى هوت بالنظام التعليمى المصرى إلى الحضيض ، وحرمت أجيالا متتالية من التعبير عن ملكاتها وطموحاتها ، مما حرم المجتمع بالتبعية من جهد أبنائه وطاقاتهم ، وحرم مصر من الندية والمنافسة ، وأرجع بمكانتها القهقرى إقليميا وعالميا .

سادسا : الأولويات الملحة لوزراء التعليم

إذا كان وزراء التعليم قد أخفقوا جميعا فى وضع استراتيجية تعليمية ، تراعى ظروف المجتمع وكافة جوانب المنظومة التعليمية ، ويتوافق عليها الخبراء والمتخصصون ، بعد تقنين وتخطيط ودراسات مستفيضة لأهدافها ومراحلها ، ويرتضيها المجتمع ، ويقرها النظام ، وتلتزم بها الحكومات المتعاقبة أيا كانت توجهاتها السياسية ، حتى يُكْمِلَ كل وزير وكل حكومة مرحلة منها ، حتى تُؤتى ثمرتها بتخريج جيل يتميز بالعلم والخبرة والمعرفة ، ويتصف بالدراية والمران ، ويستحوذ على آخر محدثات التقنيات الحديثة ، لتولى قيادة المجتمع ، والإنطلاق به فى كافة المجالات ، إذا كان ذلك ما زال حلما بعيد المنال تحت ظروفنا الحالية ، رغم أنه طريقنا الوحيد للخروج من كبوتنا ، والنهوض من تخلفنا وتأخرنا ، وما عداه فهو مقامرة بالمستقبل ، وترقيع وتبديد للموارد البشرية والمادية ، فإننا على الأقل يلزمنا التنبه لبعض الأمور الملحة ، والتى لا تحتمل التأجيل ، ولا يجب فى حقها التجاهل ، وهى :
1- أولويات ملحة لوزير التربية والتعليم
تفشت فى السنوات الأخيرة فى مراحل التعليم العام المختلفة ظاهرة بالغة الخطورة ، وشديدة الضرر فى عواقبها ونتائجها ، وهو ظاهرة العنف ( تناولت الظاهرة من جوانبها المختلفة فى مقال خاص ضمن مقالات تلك السلسلة تحت عنوان " العنف فى النظام التعليمى المصرى " ) الذى أصبح أمرا شائعا ، وحدثا يوميا ، يمارسه المدرسون ضد الطلاب وأولياء أمورهم وضد بعضهم البعض ، ويمارسه الطلاب وأولياء أمورهم ضد المدرسين والطلاب الآخرين وأولياء أمورهم ، وكلها أمور لم تكن معهودة فى السابق ، وقد نشرت صحيفة الشروق بتاريخ 19 أكتوبر 2010 تقريرا أعده المركز المصرى لحقوق الإنسان عن حصاد العنف فى الشهر الأول من العام الدراسى الحالى ( 2011 / 2010 ) ، وهو كما يلى : 14 ضحية ، منها 6 حالات انتحار ( 3 أولاد ، 3 بنات ، بتناول سم الفئران ، الشنق ، القفز من مكان مرتفع ) ، ومن ضمن الضحايا طالب قتله زميله بسبب التنافس على أسبقية الجلوس أمام الكومبيوتر ، 13 حالة طعن بالمطواة ، 33 حالة عنف من المدرسين ومديرى المدارس ضد الطلاب ( ضرب مبرح ، كسر ذراع ، فقأ عين ، عقاب بالفلكة ، ضرب بعصا المقشة ، ضرب حتى فقدان الوعى ) ، 15 حالة عنف من أولياء الأمور ضد المدرسين والنظار ، 7 حالات تعدى من الطلاب على مدرسيهم ، 5 حالات عنف من أولياء الأمور ضد زملاء أبنائهم ( نوع جديد من العنف لم يرصد من قبل ) ، 7 حالات عنف بين الطلاب وبعضهم البعض انتهت إحداها بقتل طالب لزميله ، 11 جريمة متنوعة ( تجارة مخدرات ، بلطجة ، ابتزاز ، وغيرها ) ، أما حصاد الشهر الثانى وحسب ما نشرته صحيفة " المصريون " فى 19 نوفمبر 2010 ، نقلا عن تقرير نفس المركز ، فهو كالآتى : 21 حالة طعن بمطواة أو سكين ، 6 حالات اغتصاب وهتك عرض ( 4 ذكور ، 2 إناث ) ، 3 حالات انتحار ( طالبان ، ومدرس ) ، 41 حالة عنف من المدرسين ضد الطلاب ( وتشمل بجانب ما سبق ذكره : ضرب بالحذاء ، صعق بالكهرباء ، كسر أنف ، كسر إصبع ، ثقب الأذن ، تهديد بالإلقاء من الأدوار العليا ) ، 29 حالة عنف من قبل أولياء الأمور ضد المدرسين ، 338 حالة تسمم بسبب الوجبات التى تقدمها المدارس ، أو ما يُباع أمام المدارس ، 6 حالات معاكسة وتحرش فردى داخل أسوار المدارس ، 280 حالة معاكسة وتحرش أمام المدارس ، 9 ضحايا منهم 4 دهستهم أوتوبيسات المدارس ، 9 حالات عنف من المدرسين تجاه بعضهم البعض وتجاه أولياء الأمور ، 15 حالة عنف من الطلبة ضد مدرسيهم ، ويشير التقرير لأمور أخرى ضارة بالبيئة المدرسية مثل تراكم القمامة داخل المدارس وحولها ، ووجود تزاحم وارتباك مرورى أمام المدارس ، وكابلات كهرباء عارية ، وبالوعات مجارى مفتوحة ، كما أن بعض المدارس ليس بها صرف صحى .
والمتأمل فى تلك الحالات يجد مجموعة من الدلالات الجديرة بالفحص والدراسة ، وأهمها :
1- القسوة المفرطة فى التعامل مع الطلاب ، ومن أمثلة ذلك فقأ عين تلميذة بالصف الأول الإبتدائى عندما ضربها مدرسها بالحزام [ الشروق 19-10-2010 ] ، كسر أنف طالب بمدرسة إعدادية بسبب لكمة قوية من المدرس [ اليوم السابع 19-10-2010 ] .
2- تحويل حصص الأنشطة المختلفة والتى من المفروض أن تكون وقتا للعب والتبسط والاستمتاع بين الطلاب وبعضهم البعض ، وبين الطلاب ومدرسيهم ، إلى أجواء من الكبت والإرهاب ، ومن أمثلة ذلك تعدى مدرسة إقتصاد منزلى على طالبتها بالصف الخامس الإبتدائى بالضرب والخنق وشد الشعر [ الشروق 25-10-2010 ] ، وكسر مدرس تربية رياضية لأنف طالب بمدرسة إعدادية بلكمة قوية سددها إلى وجهه [ اليوم السابع 19-10-2010 ] .
3- الاستهانة بأرواح الطلاب وسلامتهم ، وكأنهم ليسوا آدميين ستؤول إليهم قيادة هذا المجتمع ، ومن أمثلة ذلك مصرع تلميذ بالصف الثانى الإبتدائى تحت عجلات أوتوبيس المدرسة داخل فناء المدرسة [ المصرى اليوم 21-10-2010 ] ، تسمم 55 طالبا بمركز طما إثر تناولهم وجبة مدرسية [ اليوم السابع 21-10-2010 ] ، تسمم 146 تلميذا بالمرحلة الإبتدائية بمحافظة الشرقية جراء تناولهم وجبة مدرسية [ المصرى اليوم 13-10-2010 ] ، تسمم 21 تلميذا بمعهد أزهرى بسوهاج بعد تناولهم وجبة مدرسية [ اليوم السابع 2-11-2010 ] .
4- افتقار المدرسين إلى أخلاقيات التربية وسلوكياتها القويمة حتى فى تعاملاتهم واختلافاتهم مع بعضهم البعض ، وهو ما يعطى أسوأ الأمثلة للطلاب ، ومن ذلك تعدى مدير مرسة ثانوية صناعية على مُدَرسة بالضرب مما تسبب فى إجهاضها [ اليوم السابع 25-10-2010 ] ، موجه دراسات اجتماعية بالمحلة يعتدى بالضرب على مدرس داخل الفصل [ المصرى اليوم 21-10-2010 ] ، عضو هيئة تدريس بكلية الشريعة والقانون بالأزهر يعتدى على مديرة مدرسة إبتدائية بالمحلة بالضرب ، وينزع خمارها ويكسر نظارتها ويوجه إليها ألفاظا نابية [ اليوم السابع 7-11-2010 ] .
5- شيوع المفاسد والسلوكيات الجنسية المنحرفة ، وهو أمر شديد الخطورة على الصحة النفسية للطلاب ، وعلى سلامة المجتمع وتماسك بنيانه ، وقد ذكرت الصحف عديدا من الحوادث خلال الفترة الماضية ، وكلها مما يثير الغثيان ، ويبعث على التقزز مما صارت إليه أحوال مدارسنا ، ومن ذلك أن ثلاثة تلاميذ بمدرسة مصر الجديدة الإعدادية استدرجوا زميلا لهم إلى بدروم المدرسة ، حيث هتك أحدهم عرضه ، بينما قام الثانى بتصوير الواقعة ، ووقف الثالث يتفرج [ المصرى اليوم 13-10-2010 ] ، وعندما اشتكى الضحية لناظر المرسه ضربه وطلب منه العودة لمنزله ، واستدعى التلاميذ الثلاثة ومسح الفيديو [ المصرى اليوم 1-11-2010 ] ، مدرس يغتصب تلميذا بالمرحلة الإبتدائية داخل الفصل ، أربع مرات على مدار أربعة أيام ، ويصوره عاريا ، ويهدده بإظهار صوره إذا بكى أو اشتكى مما حدث له [ الأهرام 5-11-2010 ] .

هذه الوقائع وغيرها مما نشرته الصحف ، حرر ضحاياها محاضر بالشرطة ، أو قدموا شكاوى لإدارات المدارس ، أثارت انتباه بعض الكتاب الذين تناولوها من زوايا مختلفة ، فكتب مثلا صبرى غنيم فى المصرى اليوم بتاريخ 11-11-2010 مقالا بعنوان ( نريد وزيرا للتربية وليس وزيرا للتعليم ) ، وفيه يقول : ( السؤال الآن : من المسؤول عن هذا الانفلات اللاأخلاقى ، الاغتصاب عينى عينك ، والسلاح الأبيض ، والضرب والعنف ، هل بعد كل هذا نتهم وزير التربية والتعليم ونحمله المسؤولية ؟ أنا شخصيا أقول إن وزارة التربية والتعليم محفوظة بوزير جدع اسمه الدكتور أحمد زكى بدر ... اتركوا التعليم جانبا لمدة عام واهتموا بالأخلاق ... اسمعونى ولو مرة ، أعطوا وزيرا مثل أحمد زكى بدر الضوء الأخضر ، واجعلوه مسؤولا عن التربية ... المهم لا تحاسبوه عن العملية التعليمية ، فمدارسنا فى حاجة إلى انضباط ، لذلك أقول اغرسوا القيم والتربية السليمة فى نفوس أولادنا أولا قبل المناهج وقبل أن نعلمهم ) ، ولا شك أن ما يذكره الكاتب لا يمكن أن يكون حلا ، والوزير بدر لم يقدم لنا خلال عام غير التنطيط بين المدارس فى زفته الإعلامية ليوقع الجزاءات على المدرسين ، كما أن الوزير الذى لا يستطيع أن يهتم بالجوانب الأساسية لواجباته ، والتعليم وسلامة الطلاب من أهمها ، كيف لنا أن نعطيه ضوءا أخضر ليكون مسؤلا عن التربية لمدة عام نغفل فيه أمر التعليم ؟! كلام هزلى ، واقتراحات لا تقل هزلا .

وفى صحيفة الشروق كتب وائل قنديل بتاريخ 2-11-2010 مقالا بعنوان ( بغلة العراق وتلميذ مصر الجديدة ) ، وفيه انحى باللائمة على الوزير ( وصفوه بأنه وزير الضبط والربط ، وقالوا إن الوزارة فى عهده ستكون وزارة التربية ، وأنها ستتحول إلى تأديب وتهذيب وإصلاح ...ولكن .. لا تربية تحققت ، ولا إصلاح انطلق ... إن ما جرى فى مدرسة مصر الجديدة إن صحت الوقائع المنشورة يكفى لإسقاط حكومة بكاملها ... فتلك كارثة تستوجب مساءلة الوزير ومحاكمته ، وليس فقط إيقاف مدير المدرسة عن العمل ، وفصل الطلاب الثلاثة الذين هتكوا عرض زميلهم فصلا مؤقتا ... يا سيادة الوزير : كان عمر بن الخطاب يقول " لو عثرت بغلة فى العراق لسألنى الله عنها " ، بغلة يا سيادة الوزير ، فماذا أنت فاعل لتلميذ مصر الجديدة ؟ ) .
أما الأستاذ فهمى هويدى فقد كتب مقالا تحليليا للظاهرة بعنوان ( بذور العنف فى مدارسنا ) ، نشرته صحيفة الشروق بتاريخ 1-11-2010 ، وفيه يبدأ بالتنبيه على خطورة الظاهرة الجديدة ( كل الشواهد تدل على أننا لسنا بصدد حوادث عنف فى بعض المدارس ، بقدر ما إننا أمام ظاهرة عامة لا يعرف حجمها بالضبط ، ولكنها تنمو وتتطلب دراسة جادة ، وعلاجا حاسما وسريعا ، إنقاذا للحاضر والمستقبل أيضا ، ذلك أن أطفال اليوم هم جيل الغد ، وإذا كان زرعنا فاسدا أو شائكا اليوم فإننا لن نستطيع أن نتفاءل بالحصاد المر الذى نجنيه غدا ، ومن المدهش أن صحفنا تنشر أخبار تلك الحوادث يوما بعد يوم ، دون أن يحرك ذلك شيئا من الاهتمام بها ) ، ثم يقسم الأسباب إلى مجموعتين ( بعضها يتعلق بأوضاع التعليم ذاته ، والبعض الآخر بأوضاع البلد بشكل عام ) ، ويذكر الأسباب المتعلقة بأوضاع التعليم ( أصبحت المدارس طاردة للتلاميذ بسبب ضعف إمكاناتها ، وانصراف التلاميذ عنها ، واعتمادهم على الدروس الخصوصية ، وزاد الطين بلة أن المدارس أوقفت أنشطتها التكميلية - الرياضة خصوصا - التى كانت تمتص طاقات التلاميذ ، وتصرفها على نحو إيجابى ، فاتجهوا إلى تصريف طاقاتهم فى اتجاهات أخرى ، فى الوقت ذاته فإن المدرس فقد هيبته ، ولم يعد المثل الأعلى الذى يتولى التوجيه والتربية ، وأنه منذ أصبح بحاجة إلى الدروس الخصوصية ، وإلى ما يتقاضاه من أولياء الأمور لقاء ذلك ، فإنه تخلى عن مكانته الرفيعة ، وتراجعت قيمته فى نظر التلاميذ وأولياء الأمور ، وأسهم ذلك فى اجتراء الآخرين عليه ) ، ثم يتناول الأسباب المجتمعية العامة ( فيما يخص الأوضاع العامة لا تفوتنا ملاحظة أن القمع هو أسلوب السلطة فى تعاملها مع المجتمع ، وحين يحدث ذلك فإن هيبة القانون تتراجع على الفور ... إضافة إلى دروس القمع اليومية التى تلقنها السلطة للمجتمع ، هناك عنصر آخر له أهمية يتمثل فى أن ضغوط الحياة المعيشية دفعت الآباء والأمهات إلى قضاء أغلب الأوقات خارج البيت سعيا وراء لقمة العيش ، الأمر الذى غيب دورهم فى رعاية الأبناء وتوجيههم ، ومن ثم أصبح الأبناء يربون فى الشارع ، وعلى أفلام العنف التى تبثها قنوات التلفزيون ، إذا أضفنا إلى ما سبق الضغوط الاقتصادية الشديدة الوطأة التى يتحملها الناس ، وعذاباتهم فى المواصلات ، مع بقية مرافق الدولة ... فإن الحصيلة النهائية ستكون تبرما وضيقا فى الصدور ، يعد العنف إفرازا طبيعيا لهما ... ولكن يبدو أن ترهل السلطة وعدم جديتها ، إضافة إلى انشغالها بأمن النظام عن أمن المجتمع ، ذلك كله أغلق باب التفكير فى الموضوع ، ومن ثم تركت الظاهرة تنمو وتستشرى لندفع الثمن باهظا من المستقبل ) .
وقد أوصى المركز المصرى لحقوق الإنسان فى تقريره السابق الإشارة إليه بمجموعة من التوصيات للتعامل مع تلك الظاهرة ومنها : إقالة حكومة نظيف بأكملها باعتبارها المسؤول الأول عن العملية التعليمية ، وتبنى حملة قومية لتدريس مادة حقوق الإنسان فى المدارس المصرية ، والاهتمام بتدريب المدرسين وتأهيلهم لكيفية التعامل مع الطلاب ، والاستعانة بشركات أمن متخصصة للتعامل مع الطلاب والمدرسين ، ومحاسبة وزارة الصحة على تقصيرها تجاه الطلاب وعدم مراقبتها لوجباتهم المدرسية ، وتطبيق القانون على جميع المصريين والمساواة بينهم ، ولا يخفى أن بعض تلك المقترحات تحمل من المبالغة وتقليد الغربيين أكثر مما تحمل من واقعية وإدراك للشأن المصرى ، كما أن حكاية الاستعانة بشركات الأمن فيها من الضرر أكثر مما فيها من النفع ، ويكفى أنها تفتح الباب لتحويل مدارسنا إلى ما يشبه جامعاتنا المحكومة والمحاصرة من الأمن الذى يتدخل فى كل شئونها .
إن قضية العنف فى النظام التعليمى المصرى تزداد انتشارا كل يوم ، وتتطلب نظرة جادة من وزير التربية والتعليم ، بعيدا عن الحركات المسرحية ، والزفات الإعلامية ، فالأمر شديد الإلحاح ، لا يحتمل التجاهل أو التسويف ، ولا تُقبل فيه الحجج أو المعاذير ، لأنه يمس أمن وسلامة أبنائنا فى أجسادهم وأعراضهم وعقولهم ونفوسهم .
2- أولويات ملحة لوزير التعليم العالى
إذا كان القضاء على العنف فى التعليم العام هو المقترح هنا ليكون الأولوية الملحة لوزير التربية والتعليم ، فإن القضاء على نوع آخر من العنف هو الأولوية الأخرى الملحة لوزير التعليم العالى ، وأقصد بذلك الحصار الخانق للحرس الجامعى ، والذى أصبح تدخله فى كل صغيرة وكبيرة من أمور الجامعات شيئا شائعا ، حتى صار أمرا مألوفا وكأنه من لوازم الحياة الجامعية ، وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة فى 23 أكتوبر 2010 ، بتأييد الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بإلغاء الحرس الجامعى من حرم الجامعات المصرية ، وذكرت المحكمة فى حيثياتها أن ( وجود قوات للشرطة تابعة لوزارة الداخلية بصفة دائمة يمثل انتقاصا للاستقلال الذى كفله الدستور والقانون للجامعة ، وقيدا على حرية الأساتذة والباحثين والطلاب فيها ) ، وعلى وزير التعليم العالى أن ينتهز ذلك الحكم القضائى ، ويتمسك بتنفيذه ، ليكون إنجازا يشفع له عند كتابة تاريخ تلك الفترة ، وموازنا لإخفاقاته فى كل الأمور الأخرى .

سابعا : هل هناك من حل ؟

المعروف فى بلادنا أن الوزراء يتم تعيينهم وخلعهم لأسباب غير معلومة ولا مفهومة للناس ، وأنهم لا يستقيلون أبدا من مناصبهم ، مهما عظمت إخفاقاتهم ، كما أن مجالسنا النيابية المُدَجنة لا تستوجبهم ولا تحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة ، ولا تقدر على سحب الثقة فيهم ، وبالتالى فإن أقصى ما يمكن لنا عمله أن نذكرهم ونذكر من يختارهم ببعض الأسس التى أرساها الإسلام لاختيار المسؤولين من العلم والخبرة والكفاءة والصدق والأمانة والإخلاص وتقوى الله ، وضرورة قيامهم بواجباتهم على أكمل وجه :
1- اختيار المسؤولين : عن ابن عباس ( رض) أن رسول الله (ص) قال : ( من استعمل رجلا على عصابة من المسلمين وفيهم من هو أرضى لله منه ، فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين ) [ أخرجه الحاكم فى " المستدرك فى كتاب الأحكام " ] ، وفى حديث آخر صحيح الإسناد أخرجه الحاكم أيضا ، قال (ص) : ( من وُلى من أمر المسلمين شيئا ، فأمّر عليه أحدا محاباة ، فعليه لعنة الله ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يُدخله جهنم ) ، صرفا ولا عدلا يعنى فرضا ولا نفلا .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ( رحمه الله ) فى اختيار الولاة للمسؤولين : ( فإن عَدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما ، أو ولاء عتاقة ، أو صداقة ، أو موافقة فى بلد أو مذهب أو طريقة ، أو جنس ، كالعربية والفارسية والتركية والرومية ، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب ، أو لضغن فى قلبه على الأحق ، أو عداوة بينهما ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ، ودخل فيما نهى عنه فى قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) الأنفال 27 ) [ السياسة الشرعية ] .
2- ضرورة القيام بالواجب على أكمل وجه : روى البخارى ومسلم عن ابن عمر ( رض ) أن رسول الله (ص) قال : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع فى أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والولد راع فى مال أبيه ومسؤول عن رعيته ، والخادم راع فى مال سيده ومسؤول عن رعيته ، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) ، والحدبث عظيم الدلالة حيث يبدأ فى بعض الروايات ( ألا كلكم راع ...) ، وألا حرف استفتاح وتنبيه لما فى الأمر من أهمية وخطورة ، والراع هو الحافظ المؤتمن الملتزم بصلاح ما أؤتمن عليه ، وهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه ، وكلكم تعميم يندرج تحته كل فرد فى الأمة ، ثم يخصص الحديث أنواعا من الرعاية فيبدأ بالحاكم والأسرة لأنهما أخطر مسؤوليات المجتمع ، وأكثرها أهمية .
وفى حديث صحيح آخر يقول أبو ذر (رض) : قلت لرسول الله (ص) : ألا تستعملنى ؟ فضرب رسول الله على كتفى وقال لى : يا أبا ذر إنك رجل ضعيف ، وإنها أمانة ، يوم القيامة خزى وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذى عليه فيها ) .
عندما يصبح وزراء التعليم جزءا من مشكلة التعليم فى بلادنا ، فإن دلالة ذلك لا بد وأن تعنى شيئا واحدا ، وهو أن الخلل الشامل قد ضرب بنيان المجتمع ضربة قاصمة ، حتى لأصبح القائمون على مصالحه هم المفسدون حقا !!

سعد رجب صادق
saad1953@msn.com

 


06/11/2014

مصرنا ©

 

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية