مطبوعة الكترونية عربية مهتمة بموضوع المواطنة وتداول السلطة القانونى وحرية التعبير  فى العالم العربى  .. تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكى للنشر الالكترونى .. والأراء الواردة تعبر عن وجهة نظر أصحابها.
............................................................................................................................................................

 
 

 التعليم فى مصر .. مشكلات وحلول 9- الثانوية العامة والدروس الخصوصية ومكتب التنسيق
...............................................................

 

قم للمعلم وفيه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا

 

بقلم : سعد رجب صادق
.............................

يعانى التعليم فى مصر من مشكلات جسام ، وتراكمات متعاقبة لأخطاء فاحشة فى السياسات والتخطيط والتنفيذ والتقييم والمتابعة والتقويم ، والمشكلة الكبرى فى تردى الحالة التعليمية أنها تتعدى إلى جميع جوانب الحياة فى المجتمع ، بل وتتجاوز ذلك إلى تعويق مستقبله ، وتقليص فرصه فى المنافسة ، وتقويض أحلام وتطلعات أجياله فى حياة عزيزة كريمة ، والحط من مكانته إقليميا وعالميا ، وقد وصل تدهور المنظومة التعليمية المصرية منحدرا سحيقا طال كل مكوناتها ، من الطفل الصغير فى المرحلة الإبتدائية ، إلى الحاصلين على درجات الدكتوراة ، والتى لا تتعدى قيمتها الوجاهة الإجتماعية ، بل إن وجاهتها الإجتماعية أصبحت أمرا مشكوكا فيه لأنها فى معظمها تفتقد إلى القيمة العلمية ، وتفتقر إلى جديد تضيفه للعلوم والمعارف ، أو إلى حلول ناجعة لمشاكل المجتمع وأزماته ، وقد دعا هذا الإخفاق غير المسبوق الكثيرين إلى التشكيك فى إمكانيات الإصلاح ، بتغيير شئ هنا أو هناك ، أو تبديل وتحوير بعض المكونات ، أو تحسين وتطوير البعض الآخر ، وهم محقون فى ذلك ، فقد وصلنا إلى مرحلة لا يجدى معها الترقيع ، ولا ينفع معها إلا المراجعة الشاملة ، وإرساء أسس جديدة تضع فى الاعتبار أحوال المجتمع وحاجاته ، والتطورات التقنية والعلمية ، والمناهج الحديثة ، ونظم التقييم العادلة ، وكفاءة المدرسين وأعضاء هيئات التدريس ، واحتياجات الطالب الذهنية والنفسية والبدنية ، وغيرها من الضرورات لعملية تعليمية متكاملة ، يكون ناتجها خريجين يمتلكون العقل والفكر والمران والمهارة اللازمة للعمل والبحث ، والاستجابة لتحديات العصر ، ومتطلبات المجتمع ، يقول خالد الخميسى فى مقاله ( الثورة هى الحل ) ، والمنشور فى جريدة الشروق بتاريخ 4-7-2010 : ( ..الحديث دائما ما يكون عن إصلاح النظام التعليمى ، أما المطلوب فى الواقع ليس إصلاحه ، وإنما الثورة الكاملة عليه ، المطلوب تقديم رؤية جديدة لمنظومة تعليمية جديدة تماما ) ، ويتناول هذا المقال ثلاث قضايا مترابطة ومتداخلة ، وكل واحدة منها تلعب دورا شديد السلبية فى إفساد التعليم المصرى ، وتبديد الموارد والطاقات والإمكانيات والإبقاء علي النظام التعليمى بأكمله عقيما غير ذى جدوى .

أولا : التانوية العامة

1- لمحة تاريخية سريعة
كتب د . كمال مغيث فى صحيفة المصرى اليوم ، بتاريخ 14-7-2010 ، مقالا بعنوان ( الثانوية العامة شهادة لها تاريخ ) ، تعرض فيه للأطوار المختلفة للتعليم الثانوى فى مصر ، وهى فترة تمتد لزهاء قرنين من الزمان ، خضعت فيهما العملية التعليمية لظروف وتغيرات مختلفة ، غير أن الشئ الملاحظ دائما عند الحديث عن محاولات النهضة المصرية أن محمد على باشا ، والذى أُنشئت فى عهده ( 1805-1848 مـ ) أول مدرسة ثانوية ، وكانت تسمى وقتها تجهيزية ، لأنها تجهز الطلاب للمدارس العليا أو الخصوصية ، أو ما نطلق عليه الآن الكليات ، كان مدركا لقيمة التعليم ، وأهمية تحديث المجتمع ، وضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين فى الميادين المختلفة ، وهو ما يدفع إلى المقارنة بينه وبين أنظمتنا المعاصرة ، والتى خذلتنا فى كل شئ ، ولم تنفذ شيئا واحدا بتخطيط سليم ، أو غيرة حقيقية على مصالح الأمة ومستقبلها ، ومما يجدر ذكره أن الجامعات الأمريكية تستخدم مصطلح مدرسة school للإشارة إلى كليات الجامعة المختلفة ، فيقال مثلا مدرسة الطب أو الهندسة أو القانون وغيرها ، وأطلق على أول تجهيزية فى مصر اسم تجهيزية القصر العينى (1825 مـ ) ، وضمت 500 طالب ، وكانت تتبع ديوان ( وزارة ) الجهادية ، وتُعد طلابها الذين كانوا عادة من أبناء المماليك وموظفى الدولة ، للالتحاق بمدارس الطب والهندسة والمشاة والفرسان ، وكانت مدة الدراسة بها 5-4 سنوات ، يَدرس فيها الطالب اللغات ( العربية والتركية والفارسية ) ، والعلوم ، والحساب والجبر والهندسة ، والتاريخ والجغرافيا ، وبعد تجهيزية القصر العينى بعدة سنوات أُنشئت تجهيزية الأسكندرية ، ولم تعرف مصر ديوانا خاصا بالتعليم إلا فى عام 1837 حيث تأسس ديوان ( وزارة ) المدارس ، غير أن مشروع محمد على لم يكتب له الاستمرار فى عهدى الخديوى عباس الأول ( 1848-1854 مـ ) الذى أغلق المدارس ، واستغنى عن المدرسين ، وأبقى على عدد قليل من التلاميذ فى مدرسة وحيدة هى المفروزة ، واستمر الحال كذلك فى عهد الخديوى سعيد ( 1854-1863 مـ ) ، وفى عهد الخديوى إسماعيل أُنشئت تجهيزية الخديوية بالقاهرة ، وتجهيزية رأس التين بالأسكندرية ، وفى عهد الخديوى توفيق ( 1879-1892 مـ ) أُنشئت تجهيزية التوفيقية بالقاهرة ، ومما يجدر ذكره هنا أن كل تجهيزية كانت مستقلة فى نظامها وامتحاناتها ، ولم تعرف مصر نظام الامتحان الموحد ( ما يماثل الثانوية العامة الآن ) إلا فى يونيو 1877 مـ ، بعد أن شَكلت وزارة عبد الرحمن رشدى لجنة تنظيم التعليم فى 29 مارس 1877 ، والتى حددت الدراسة التجهيزية بأربع سنوات ، وحددت نظاما عاما للامتحان على مرحلتين تحريرية وشفوية ، وفى عهد الخديوى عباس حلمى الثانى ( 1892-1914 مـ ) أُنشئت ثلاث مدارس تجهيزية جديدة ، وقُسمت الدراسة إلى مرحلتين فى عام 1905 مـ ( وزارة حسين فخرى ) مدة كل مرحلة سنتان ، الأولى عامة ، ويُمنح الطالب الناجح فى نهايتها شهادة الكفاءة ، والتى تؤهل صاحبها للوظائف العامة ، أو لمواصلة الدراسة بالمرحلة الثانية ، والتى تتشعب إلى قسمين ، هما الأدبى والعلمى ، ويُمنح الطالب الناجح فى تلك المرحلة شهادة البكالوريا ، وفى عام 1920 مـ أُشئت أول تجهيزية للبنات ، ووصل عدد التجهيزيات إلى تسع ، ثمان للبنين ، وواحدة للبنات ، واستمرالعدد فى التزايد حتى وصل إلى 30 تجهيزية ، منها خمس للبنات ، وكان ذلك فى عام 1935 مـ ( وزارة أحمد نجيب الهلالى ) ، وقُسمت الدراسة إلى مرحلة عامة ، مدتها أربع سنوات ، يُمنح من يجتازها شهادة الثقافة ، ومرحلة من عام واحد ، تتشعب فيها الدراسة إلى ثلاثة أقسام : أدبى وعلمى ورياضة ، ويُمنح من يجتازها شهادة التوجيهية ، ثم حدث تعديل آخر زمن وزارة طه حسين ( 1951 مـ ) ، حيث قُسمت الدراسة الثانوية إلى المرحلة الإعدادية ( مدتها سنتان ) ، يلتحق بعدها الطالب بالمرحلة الثانوية ، والتى قُسمت إلى فنية لأصحاب الدرجات المنخفضة ، وعامة مدتها سنتان ، تُمنح فى نهايتها شهادة الثقافة للناجحين ، والتى تؤهلهم للسنة الأخيرة ( التوجيهية ) ، والمتشعبة إلى الأدبى والعلمى ، وفى تعديل لاحق سنة 1953 ( وزارة إسماعيل محمود القبانى ) ، تم تقسيم المرحلة الثانوية إلى إعدادية ( مدتها سنتان ) ، وثانوية ( مدتها ثلاث سنوات ) ، الأولى عامة ، والسنتين الثانية والثالثة تنقسم فيهما الدراسة إلى علمية وأدبية ، ويحصل الناجح فيها على شهادة الثانوية العامة ، واستمر مسلسل التغيير( وزارة كمال الدين حسين ، 1956 مـ ) ) ، حيث تم فصل المرحلة الإعدادية كمرحلة مستقلة ، مدتها ثلاث سنوات ، تليها المرحلة الثانوية ، والتى تبدأ بسنة عامة ، تليها سنتين من الدراسة العلمية أو الأدبية ، يُمنح الناجح فى سنتها الأخيرة شهادة الثانوية العامة ، وبعد عقود من الثبات على هذا الوضع ، حدث تغيير آخر ( وزارة حسين كمال بهاء الدين ، 1994 مـ) ، حيث أُدخلت المواد الاختيارية ، ومواد المستوى الرفيع ، بجانب المواد الإجبارية ، وهو ما قفز بالمجاميع فوق حد المائة بالمائة ، وهو أمر غير مسبوق فى جميع الأنظمة التعليمية فى العالم ، وفى تلك الفترة كانت شهادة الثانوية العامة حصيلة امتحانات السنتين الثانية والثالثة ، ولكن هذا النظام سرعان ما تم إلغاؤه فى 1999 مـ ، وإن بقيت الشهادة الثانوية حصيلة السنتين الثانية والثالثة ، والغريب أنه وبعد تلك الرحلة من التغيير والتعديل والتحوير ، والتى بدأت مع أول مدرسة تجهيزية سنة 1825 ، وحتى الآن ( 2010 مـ ) ، أى حوالى قرنين من الزمان فإننا لم نصل بعد إلى الصورة التى تحقق المنفعة للطلاب والمجتمع ، وما زلنا نبدد الوقت والجهد والمال فى تغييرات تفتقر إلى الدراسة المتأنية ، والتخطيط السليم ، ومراعاة كافة الاعتبارات ، وما زلنا أيضا غير قادرين على الاستفادة من تجارب الآخرين الناجحة ، والاقتباس منها بالقدر والشكل الذى ينفع مجتمعنا ، ويوائم ظروفنا ، والعجيب أيضا أن معظم تلك التغيرات تخضع لمزاج وأهواء كل وزير جديد ، فإذا مضى عهده ، نقض خلفه ما أدخله من تغييرات ، وأحدث تغييرات أخرى ، وكلها طابعها الوحيد العشوائية ، وانعدام الدراسات ، والخضوع أيضا للضغوط الخارجية ، وشروط أصحاب المنح والمعونات ، وكلهم لا تتوافر لديهم أية رغبة حقيقية فى تحديث التعليم المصرى وتطويره والنهوض به .

2- ما هى المشكلة فى الثانوية العامة بصورتها الحالية ؟
الحقيقة أنها ليست مشكلة واحدة ، ولكنها خليط من المشكلات المعقدة والمتشابكة ، والتى يمكن الإشارة إليها على النحو التالى :

1- أصبحت الثانوية العامة وامتحاناتها ترتبط كل عام بمشهد هزلى عبثى يغذيه الإعلام الفاسد بالأخبار والإثارة والحكايات والتهويلات ، والمتأمل فى مشهد هذا العام ، والذى مازال حيا فى أدمغة الكثيرين ، يرى أخبارا يومية على مدار الساعة عن تظاهرات تندد بصعوبة الامتحانات ، واحتجاجات ، وطلبات إلى البرلمان ، ومقالات صحفية ، وبرامج تلفزيونية ، وهو ما لا مثيل له فى أى مجتمع من مجتمعات البشرية ، ومن أمثلة ذلك ما نشرته المصرى اليوم بتاريخ 21-6-2010 ( مواجهة بين وزير التعليم والمعارضة فى مجلس الشعب بسبب امتحانات الثانوية ) ، حيث شهدت الجلسة مواجهة بين نواب المعارضة ووزير التعليم د. أحمد زكى بدر ، والذى تحداه النائب الوفدى مصطفى شردى أن يثبت أن السؤال الخامس فى امتحان اللغة الإنجليزية من المنهج !!، وفى نفس العدد خبر آخر عن مظاهرة بمحافظة الدقهلية ، نظمها أولياء الأمور ، ضد ما وصفوه بالأسلوب الإرهابى !!، وحملوا لافتات تطالب بإقالة الوزير ومحاكمته ، بل وطالبوا بتدخل الرئيس ، حيث تقول إحدى اللافتات : ( يا ريس ارفع الظلم والقهر عنا ، يا راع الأمة أبناؤنا أمانة فحافظ عليهم ) ، وخلال أيام الامتحانات دأبت الصحف على كتابة أخبارها بصورة بعيدة تماما عن الحرفية والأمانة : صراخ وإغماءات وسيارات إسعاف أمام لجان الثانوية العامة بسبب صعوبة امتحان الإنجليزية ، والطلاب يصفونه بالمجزرة ، والتعليم تعد لجنة عاجلة لتقييم مستوى الأسئلة .. بمجرد انتهاء الوقت المحدد للامتحان بدأ الطلاب والطالبات فى الصراخ والبكاء والعويل أمام اللجان .. ووصف الطلاب والطالبات الامتحان بأنه تعجيزى .. وقال ولى أمر أحد الطلاب ( منك لله يا زكى يا بدر ، دى مش وزارة الداخلية علشان يعمل فى الطلاب كده ) ، وقالت إحدى وليات الأمر ( حرام على الوزير اللى بيعمله فى ولادنا ، ياريت يحل الامتحان بنفسه قبل ما الطلبه تحله ) ( اليوم السابع 14-6-2010 ) ، طالب ثانوى بالأسكندرية حاول الانتحار بسبب صعوبة الامتحان ( اليوم السابع 17-6-2010 ) ، مجزرة التفاضل تطرح طلبة الثانوية أرضا ( المصرى اليوم 18-6-2010 ) ، حصيلة الثانوية العامة 2010 : وفاة 6 مراقبين ، وطالبين ، وإصابة 17 ( المصرى اليوم 28-6-2010 ) ، وانتهز الصحافيون هذا ( المولد ) السنوى ، وانقسموا إلى حزبين ، أولهما يقف فى صف الطلاب وأولياء الأمور، ويلومون على الوزير صعوبة الامتحانات ، ومن هؤلاء هانى صلاح الدين الذى كتب مقالا بعنوان ( الثانوية وبدر والانتقام من الطلاب ) ، نشرته صحيفة اليوم السابع بتاريخ 17-6-2010 ، وفيه يقول : ( بكاء وعويل وإغماءات وعربات إسعاف تنقل الطلاب من اللجان مشاهد تعودنا عليها لتكرارها كل عام مع انطلاق ماراثون الثانوية العامة التى أصبحت بعبع الأسرة المصرية ) ، ثم ينحى باللائمة على الوزير ( تجربة الرجل بجامعة عين شمس كانت كفيلة أن تخفيه عن المناصب العامة ، ولكنها أحوال البلد الذى لا نعرف كيف يدار ) ، ومن هؤلاء أيضا إيهاب البديوى ، والذى كتب فى صحيفة ( المصريون )بتاريخ 18-6-2010 مقالا بعنوان ( مطلوب كشف نفسى على واضعى امتحانات الثانوية ) ، وفيه يقترح ( ..لا أجد حلا أمامى إلا المطالبة بتوقيع الكشف النفسى على معظم واضعى امتحانات الثانوية العامة لتحديد المشاكل والإحباطات النفسية التى عانوا منها فى طفولتهم ، وجعلتهم يقررون الانتقام من هؤلاء الأولاد بهذا الشكل السادى عن طريق أسئلة مركبة يفشل الأخ أينشتين فى حلها ) ، وفى الحزب المقابل بعضٌ ممن التزموا بشئ من العقلانية ، يقول محمد حمدى فى مقاله ( البرلمان والامتحانات والخيبة القوية ) ، والذى نشرته اليوم السابع بتاريخ 16-6-2010 : ( لم أسمع أو أشاهد طوال 48 عاما هى كل عمرى فى هذه الحياة عن برلمان فى أى مكان من العالم يناقش امتحان مادة دراسية ، كما فعل برلماننا الموقر حينما انعقد بكامل هيئته ليناقش بيانات عاجلة يلقيها النواب ، وطلبات إحاطة حول صعوبة امتحان اللغة الإنجليزية ) ، ويقول د . عبد الله هلال فى ( المصريون) بتاريخ 4-7-2010 ، تحت عنوان ( امتحانات الثانوية العامة والإعلام ) : ( ما دخل وسائل الإعلام بالامتحانات ؟ المفروض أن الامتحانات مجرد اختبار لقياس قدرات الطالب ، وليست معركة بين أولياء الأمور ووسائل الإعلام وبين الوزارة ..ألا تتفقون معى على أن المطالبة بأسئلة سهلة هو غش مقنع ؟ ) .
والمشكلة هنا ليست فى الإعلام رغم تدنيه وتركيزه على الصياح والهيصة ، وابتعاده عن الأمانة والموضوعية ، ولكنها فى خلل المفاهيم ، واضطراب المعانى فى نفوس الطلاب وأولياء أمورهم والمجتمع فى معظمه ، والتى تجعل غالبية هؤلاء يظنون أن الامتحانات ينبغى أن تكون سهلة ومباشرة فى مجملها ، وبعيدة عن اختبار الفهم والمقدرة على التفكير وحل المشكلات ، وهو ما يقف حجر عثرة بيننا وبين كسر هذا الطوق الذى وضعناه حول عقولنا وملكاتنا فأعجزنا عن تناول قضايانا وأزماتنا ، وإيجاد الحلول العملية لها ، إننا بحاجة ملحة إلى تغيير كثير من مفاهيمنا وتصوراتنا كمرحلة أولية ولازمة لتغيير نظامنا التعليمى الفاشل.

2- الثانوية العامة تعكس المركزية البغيضة فى التعليم وغيره من أمور المجتمع ، والتى تحجر على الإبداع وتلبية الاحتياجات المحلية ، ومن المثير للتأمل أن المدارس التجهيزية عند بداية ظهورها فى مصر كانت تتمتع باستقلالية فى نظامها وامتحاناتها ، وهو نفس النظام المتبع فى الولايات المتحدة والدول الغربية والمتقدمة الآن، حيث تحظى كل ولاية ، أو منطقة تعليمية بحرية فى وضع سياساتها ومناهجها وامتحاناتها ولوائحها وميزانياتها ، وهو ما يشجع التفاعل وتلبية المطالب الاقليمية ، ويحفز رجال الأعمال والاستثمارات لدعم التعليم والمساهمة فى نفقاته ، وتوجيهه للبحث وتوفير الخريجين اللازمين للاقتصاديات المحلية ، أو المشاريع البيئة أو المميزة لمنطقة ما .

3- الثانوية العامة استنزاف نفسى وعقلى للطلاب بدون مقابل ، واستنزاف نفسى ومادى لأسرهم أيضا ، وأوائلها الذين يحصلون على مائة بالمائة أو قريب من ذلك أو أكثر ، ينتهون عادة بدون انجاز علمى يذكر ، وحتى لو استمروا على نفس المنوال ، وانتهى بهم الأمر كمعيدين ثم أساتذة ، فإنهم ليسوا إلا مجموعة من الحفظة الذين يفتقرون إلى مهارات الفهم والنقد والتحليل والمقارنة والاستنباط ، وكلها ضرورات للبحث والاختراع والتفكير ومعالجة المشاكل ، ولكى نفهم حقيقة الوضع المزرى الذى نعانى منه ، علينا أن نتأمل فى تلك الحلقات المتشابكة ، لندرك أن أغلب الوزراء وقيادات المجتمع هم نتاج هذا النوع العقيم من التعليم ، ولذلك لا عجب إذا لم ينجح هؤلاء فى حل أى من مشاكلنا ، أو تحسين أى من أوضاعنا ، إنهم ببساطة غير قادرين على التفكير وتقديم الحلول ، إنهم دائما ينتظرون تعليمات الرئيس ، وتوجيهات الرئيس ، وتوصيات الرئيس .
4- وإذا كان الحفظ تحت تلك الظروف المتردية ، والمفاهيم المغلوطة ، هو وسيلة النجاح ، وجب أن يكون هناك من ييسر المناهج ويلخصها ، ومن هنا ظهرت الدروس الخصوصية ، والكتب المساعدة ، وفقدت المدرسة مكانتها ، والكتب الدراسية دورها ، وانتشرت ظواهر شديدة الضرر على الأفراد والمجتمع ، مثل تسريب الامتحانات أو سرقتها وبيعها للطلاب ، وقد ذكرت صحيفة ( المصريون) بتاريخ 18-5-2010 أن 13 مسئولا بإدارتى أسيوط وأسوان التعليميتين قد تمت إحالتهما للمحاكمة التأديبية بسبب تسريب امتحانات الثانوية العامة عام 2008 ، بجانب ظواهر أخرى كالغش ، وهجران المدرسة معظم العام الدراسى ، والاعتماد على الملخصات ، ومعرفة أجوبة الأسئلة المتوقعة فقط ، وإهمال باقى المقرر الدراسى ، وخطر تلك الظواهر يتعدى الجانب التعليمى لأنه يشيع ثقافة الاستسهال ، وعدم الدقة والأمانة ، والكسل وتضييع الوقت وعدم الاجتهاد ، والتدليس والاعتماد على الغير ، وعدم إيفاء العمل أو البحث أو أى واجب يقع على عاتق المرء حقه من الجهد والإحاطة بجوانبه المختلفة .

ثانيا : الدروس الخصوصية
ذكرت صحيفة اليوم السابع بتاريخ 14-5-2009 أن المؤتمر السنوى لمجلس أمناء الآباء والمعلمين برئاسة د . صفوت النحاس ناقش دراسة بحثية للدكتور عبد الجابر عيسى لعلاج ظاهرة الدروس الخصوصية ، والتى وصفتها الدراسة بأنها سرطان مدمر للطلاب وأولياء الأمور ، وهى فى الحقيقة كذلك ، وأُضيف أنها سرطان ينال من بنية المجتمع بأكمله ، ومن مستقبله أيضا ، والدروس الخصوصية وإن أصبحت معلما ومفردة فى حياة المصريين ، وإن أصبحت شائعة فى كل مراحل التعليم حتى الجامعى منها ، إلا أنها صارت مرتبطة بالثانوية العامة ارتباطا لصيقا حيث أنها الشهادة التى يترتب عليها الالتحاق بالجامعة ، وما يترتب على ذلك من تحديد لمستقبل حياة الفرد ومكانته الاجتماعية ، ويذكر هانى صلاح الدين فى مقاله السابق الإشارة إليه أن نفقات الدروس الخصوصية تصل إلى ألف جنيه شهريا للطالب الواحد ، ويذكر د . زكى البحيرى فى مقاله ( استراتيجية بديلة لنظام التعليم الثانوى -4- ) ، والمنشور فى المصرى اليوم 28-4-2010 ( أن المبالغ المالية التى ينفقها الأهالى على الدروس الخصوصية تتعدى ال 12 مليار جنيه سنويا ) ، ولنا أن نتخيل كم العنت والإعضال المادى لكثير من الأسر المصرية ، والتى لا تصل مرتبات الأب أو الأم فيها إلى ألف جنيه شهريا.

ربما لا يُقدر أغلب الناس مضار الدروس الخصوصية ، وربما ينحصر تفكيرهم فى تكلفتها المادية على الآباء ، إلا أن الحقيقة أبشع من ذلك بكثير ، فالدروس الخصوصية ترتبط بعدد كبير من المفاسد ، منها عدم حضور الطلاب إلى المدرسة ، وازدياد حالات الغياب ، وما يرتبط بذلك من التحايل فى كل ميادين الحياة ، وهجر صفات حميدة كثيرة كالجد والمثابرة والنفس الطويل ، واحترام النظم واللوائح والضوابط ، كما يؤدى الغياب المدرسى إلى تضييع الوقت فى الطرقات والمقاهى وأماكن اللهو ، وما يرتبط بذلك من انحرافات كالتحرش والتدخين والإدمان ، وتهدم الدروس الخصوصية مكانة المدرس واحترامه كمرب ومثل وقدوة تحتذى ، حيث يصبح فى نظر الطلاب وأسرهم مثالا قبيحا للتقصير فى واجبه المدرسى ، وابتزازالطلاب واستغلالهم ، وتطويع القوانين المدرسية للتغافل عن نسب الغياب ، وأمانة التصحيح وإعطاء الدرجات وسرية الامتحانات ، ويرتبط أيضا التغافل عن نسبة الحضور الضرورية لأداء الامتحانات مع شيوع رذيلة الحصول على شهادات طبية بمقابل مادى يُدفع إلى أطباء لا يرون الطالب ، ويذكرون عن حالته ما ليس به لتبرير غيابه ، فماذا تكون النتيجة لكل ذلك وغيره ؟ بالقطع تدهور فى مستوى الخريجين ، وضحالة فى مستوى مداركهم ومعارفهم ، وخلل سلوكى عام يُحدث ضررا بليغا فى أخلاقيات المجتمع وقيمه ، ولذا لا عجب أن نرى ونسمع عن شيوع الجرائم والتجاوزات الخطيرة فى كل أنظمة المجتمع ومؤسساته .

ثالثا : مكتب التنسيق
هل سأل أحدنا نفسه عن السر فى المعاملة السيئة التى يلقاها المصريون عند قضاء مصالحهم فى كافة مؤسسات الدولة وأجهزتها ؟ وهل حاول أحد أن يجد تفسيرا لوجوه الموظفين المكفهرة ، وسحناتهم العابسة ، وجلافتهم وغلظتهم فى التعامل مع زبائنهم ، ورواد مكاتبهم ؟ قد يقول البعض أن ضغوط الحياة والتزاماتها تنزع البهجة من القلوب ، وتمحو البسمة من على الوجوه ، وقد تكون مشاكل العمل ، وخلافات الأسرة ، ومتطلبات العيش ، بعضا من أسباب ذلك وعوامله ، رغم أن الحرفية ، وضرورات الإتقان تقتضى أداء العمل على أفضل وجه ، وإحسان معاملة الناس ، وتيسير حاجاتهم ، وقد يقول آخر أن تعقييد الأمور للناس يجعلهم يسلكون سبلا أخرى لقضاء مصالحهم ، وأهمها الرشاوى والإكراميات والهدايا والعمولات وغيرها ، وهو ما يصبو إليه قطاع كبير من العاملين لتحسين مستوياتهم ، والتعويض عن مرتباتهم التى لا تكفى ضرورات الحياة ، غير أننى بشئ من التأمل وجدت سببا آخر ربما يفوق كل تلك الأسباب ، وهو مكتب التنسيق ، وذلك لبديهية بسيطة عبر عنها بكلمات قليلة شديدة الدلالة الحكيم الصينى كونفوشيوس Confucius , 551-479 B.C ، فى قوله ( إذا أحب المرء عمله فلن يكون فى حاجة لأن يعمل يوما واحدا فى حياته ) ، وهى حقيقة لا تحتاج إلى برهان ، فمن يحب عمله يقبل عليه برغبة وحماس ، فلا يحس مرور الوقت ، ولا ينتابه التعب ، وتتولد لديه عاطفة جياشة تجاهه ، فتسيطر على قلبه وعقله ووجدانه ومشاعره ، فيخلص فى أدائه ، ويحسن معاملة كل من حوله ، فينجح وينجز ويترقى ، ويتولد لديه إحساس الرضا والإشباع الذى يجعله وكأنه يمارس هواية وليس عملا ، ومكتب التنسيق يحرم كثيرا من الطلاب من الالتحاق بفروع الدراسة التى يحبونها ، ويشترك معه فى ذلك كثير من الأسر التى ترغم أبناءها على اختيار دراسة ما للمباهاة أو بأمل الكسب المادى أو الوجاهة الاجتماعية ، فينتهى غالبية الطلاب فى مجالات لا تروق لهم ، ومن ثم فى أعمال لا يحبونها ، ولا يمكن أن ينجحوا فيها ، ولا أدرى كيف يغفل المسئولون عن التعليم فى مصر تلك المشكلة ، وكيف أهملوها كل تلك العقود ، وكيف لم يخطر ببالهم ضرورة وضع آليات أخرى تساعد الطلاب على الاختيار ودراسة ما يهوون من أجل النجاح والتفوق ، والأمر لا يقتصر على خطيئة الحرمان من الاختيار ، وإنما هناك خطيئات أخرى مثل ما يعرف بكليات القمة وكليات القاع ، وهو مفهوم مختل ، إذ كيف يمكن لأحد أن يدعى أن هناك فرعا للمعرفة ، أو عملا من الأعمال أقل قيمة من غيره ، إن جميع مجالات العلوم ، وجميع أنواع الأعمال ، تتكامل فيما بينها لخدمة الجنس البشرى ، ولا ينبغى أن يكون هناك معيار للتفاضل إلا رغبة المرء وميوله ، والعجيب أن الدراسة التى نشرتها مجلةThe Economist البريطانية مؤخرا عن مصر بتاريخ 15 يوليو 2010 بعنوان ( تقرير خاص عن مصر ) A Special Report on Egypt ، تنبهت لتلك المشكلة ، وذكرت كيف أن مجالات بأكملها مثل العلوم الإنسانية والقانون أصبحت دراستها مقصورة على ما تسميه نفايات الطلاب dross، وكيف طغت نظم الامتحانات القائمة على الصم rote learning ، مما أوجد خللا مزمنا بين مهارات الخريجين واحتياجات سوق العمل the education system relies heavily on national exams , not only for rating students but also for placing them in various faculties of the state universities...Since 1960s these have been ranked by prestige , with medicine and engineering accepting only the highest-scoring students . The humanities , including law and education , are left with the dross . In fact , this creates a tyranny of exams largely based on rote learning . It forces unhappy students into disciplines they would not have chosen themselves and produce a chronic imbalance between the skills of graduates and the needs of the marketplace ، والحقيقة المرة أن مكتب التنسيق إذا لم يكن من سوءاته غير توزيع الطلاب على فروع من الدراسة لا تروق لهم ، وزرع مفهوم القمة والقاع المختل فى أذهانهم ، لكان ذلك كافيا لإلغائه ، والتفكير فى نظام جديد يخدم الطلاب والمجتمع ، ويرتقى بالعملية التعليمية .

رابعا : ما هو الحل ؟
1- ينبغى التأكيد دائما على حقيقة هامة وهى أن الحلول التعليمية مترابطة ، ولا يمكن الأخذ ببعضها ، وإهمال البعض الآخر ، فالترقيع لن يجدى شيئا ، لأننا بحاجة ملحة إلى منظومة تعليمية جديدة ومتكاملة .

2- من الاقتراحات الجيدة ما كتبه خالد الخميسى فى مقاله ( الثورة هى الحل ) ، والسابق الإشارة إليه فى بداية هذا المقال ، وهى أقرب إلى النظام الأمريكى ( البداية يجب أن تكون بدراسة متأنية وجادة من المهمومين والمثقفين وعلماء الاجتماع والإحصاء باحتياجات المجتمع فى كل تخصص .. التعليم إما أن يكون هدفه الإعداد لمهنة ، أو أن يكون هدفه إعداد الطالب للبحث العلمى .. ما يحصل عليه الطالب المصرى لا يحقق أيا من الهدفين .. وتهدف هذه الدراسة إلى تحديد قائمة بجميع المهن والوظائف والتخصصات المتاحة مقسمة على المناطق الجغرافية المختلفة .. وتحديد القوة التعليمية المطلوبة فى مختلف التخصصات الوظيفية التى يتيحها المجتمع المصرى خلال خمسة أعوام قادمة .. وسوف تكون هذه الدراسة هى النواة أو البذرة لخلق منظومة تعليمية جديدة مؤسسة على أسس علمية ومنهجية .. يجب تقسيم الدراسة بعد المرحلة الثانوية أولا إلى معاهد متخصصة ، مدة الدراسة فيها ثلاثة أعوام ، تقوم بتخريج طلبة لشغل وظيفة بعينها ، يتم ربط الدراسة فيها بمقتضيات سوق العمل ، بناء على الوظائف الموجودة بالفعل فى المجتمع المصرى ، وثانيا إلى كليات نظرية مدة الدراسة فيها من أربعة إلى خمسة أعوام ، وتقوم بتخرييج باحثين هدفهم تطوير المعرفة الإنسانية ، وثالثا إلى كليات عملية تقوم بتخريج طلاب يمتهنون تخصصات هذه الكليات . الالتحاق بهذه المعاهد المتخصصة والكليات لا يجب أن يكون بالدرجة التى حصل عليها التلميذ فى المرحلة الثانوية وإنما بنظام المسابقة ، وهو امتحان قبول ليس فيه درجة للنجاح ، وإنما يتم قبول أفضل من تقدم بناء على العدد المحدد سلفا ) .

3- لكى نتخلص من نظام الثانوية العامة والدروس الخصوصية ومكتب التنسيق ، وكلها أثبتت فشلا ذريعا ، ولم يعد هناك من بد فى القضاء عليها ، علينا أولا أن نضع نظاما إداريا يقوم على اللامركزية ، ومن الاقتراحات فى هذا المجال ما ذكره د . زكى البحيرى فى مقاله السابق الإشارة إليه ( تقسم مصر إلى ثمانية قطاعات تعليمية ، كل قطاع أشبه بوزارة تعليمية متكاملة ، مع الخضوع للاستراتيجية العامة التى يجب أن ترسمها وزارة التعليم ، لكل قطاع منها ميزانيته وإدارته الخاصة ، وحريته فى اتخاذ القرارات التى تسعى لتوفير مدارس متمبزة المبنى والأفنية والمعامل والمكتبات ، تتوفر بها جميع متطلبات المدرسة الحديثة ، وتراعى متطلبات العمل والبيئة المحيطة بها ، ولا بد أن تسعى هذه القطاعات التعليمية لخفض الكثافة الطلابية داخل الفصول الدراسية حتى لا يزيد العدد عن ثلاثين طالبا فقط فى الفصل الواحد ، وهذا بالطبع لا يتم بين يوم وليلة ، ولكن يمكن إتمامه خلال ثلاث أو أربع سنوات إذا تولى شئون التعليم الأكفاء فى هذا المجال ) ، ثم علينا أن نُحدث تطويرا شاملا فى المناهج ، وإعدادا جيدا للمدرسين ، وتغييرا فى أنظمة الامتحانات ، والقبول بالجامعات ، يذكر د . زكى البحيرى فيما يتعلق بالامتحانات والقبول بالجامعات ( وبالنسبة لشهادة الثانوية العامة أو الفنية يجب أن تكون درجات السنة الثالثة هى المُعبر الأساسى عن مستوى الخريج ، ولكنها ليست المعبر الوحيد ، بمعنى أنه يجب أخذ نسبة من مجموع الصفين الأول والثانى الثانويين ولتكن %15 ، تضاف إلى مجموع السنة الثالثة ، والغرض من ذلك تحقيق التقويم الشامل ، وإرغام الطالب على الانتظام والحضور والجد والاجتهاد فى جميع السنوات ، كذلك يجب تحديد نسبة من الدرجات لأعمال السنة للصف الثالث الثانوى لتشجيع الطالب على الانتظام والاجتهاد ، ولتكن هذه النسبة %20 من مجموع الشهادة الثانوية ، وبذلك يمثل الامتحان التحريرى النهائى %65 من المجموع الدال على الشهادة الثانوية عامة أو فنية ، ثم يكون هناك امتحان تأهيلى للكلية أو المجال الذى سيتوجه إليه الطالب) .

4- إذا نجحنا فى تحقيق اللامركزية ، نكون بذلك قضينا على النظام القومى للثانوية العامة ، وإذا نجحنا فى تطوير المناهج ، وطرق التدريس ، واهتممنا بإعداد المدرس ذى الكفاءة العالية ، وحسّنا وضعه الوظيفى ومرتبه ، يكون الطالب فى غير حاجة إلى الدروس الخصوصية ، وإذا نجحنا فى تطوير نظام الامتحانات ، ووزعنا الدرجات على الامتحانات الدورية وأعمال السنة ، وكذلك نسبة من مجموع السنتين الأولى والثانية الثانوية ، وجعلنا للقبول بالجامعة امتحانا آخر تحدده كل كلية ، كما تحدد العدد المسموح بقبوله فى كل عام ، نكون بذلك قد ألغينا مكتب التنسيق ، وفتحنا للطالب مجالا واسعا للاختيار وإعداد نفسه لفرع الدراسة التى يهواها ، ونكون أيضا قد قضينا على كل الظواهر السلبية المرتبطة بتلك الأنظمة التعليمية الفاسدة ، وخلقنا حالة من الحراك والمنافسة الضرورية لتحسين العملية التعليمية ، وتحسين مستوى الخريجين .

5- لكى تؤتى تلك التغيرات ثمرتها المرجوة لا بد من تغيير المفاهيم ، فالمجتمع المصرى من طول عهده بتلك المفاسد أصبحت جزءا من المألوفات فى حياته اليومية ، حتى أنه اعتادها ولايرى فيها أخطارها الحقيقية ، وتبعاتها المدمرة على مستقبل أجياله ، ومن أهم المفاهييم التى ينبغى تغييرها مفهوم الشهادة الجامعية ، فالتعليم الجامعى وإن كان هاما ، إلا أنه لا يمكن أن يكون هدف كل الناس ، كما أن الطلاب يتفاوتون فى مقدراتهم العقلية ، واستعدادهم لتحمل تبعات التعليم الجامعى الشاقة ، ومن ثم وجب فتح كل المجالات البديلة فى التعليم الفنى والمتوسط ، والمدارس والمعاهد التى تعد طلابها لوظائف معينة ، وغيرها من مجالات النشاط والحركة فى الحياة ، وقد نشرت صحيفة USA Today الأمريكية فى عددها 7-7-2010 مقالا بعنوان? Is College Overrated ، وفيه تناقش فكرة اعتقاد الكثيرين أنه بدون شهادة جامعية سيصبح المرء مهمشا أو فقيرا ، وتخلص إلى خطأ الفكرة ، وإلى أن مؤشرات سوق العمل المستقبلية تتجه نحو أصحابات المهارات من خريجى المدارس والمعاهد المتوسطة أكثر من خريجى الجامعة ، مفهوم آخر علينا أيضا تغييره وهو مفهوم الفهلوة والاستسهال ، والذى لا يحقق خيرا لصاحبه أو للمجتمع ، لأن الجد والاجتهاد والمثابرة والإجادة والعمل الشاق والدؤوب والالتزام بالنظم والقوانين هى المعايير الوحيدة للرقى والنجاح ، ولذلك فإن مفهوم الامتحان السهل والملخصات وغيرها مفاهيم مغلوطة ، ومخلة أيضا بمعنى العملية التعليمية وأهدافها ، والتى من المفروض أن تستحث العقل وتدفعه للتفكر ، ومن العجيب أن غيرنا ينادون بصرامة فى نظام الامتحانات ، وفى نظام الدرجات ، للمحافظة على مكانة الجامعات ، ومستوى الخريجين ، ونحن نسير فى الاتجاه المخالف للناس جميعا .
إننا أمام خيارات لا تقبل التردد أو المساومة ، إما أن نغير نظام الثانوية العامة ، ونقضى على الدروس الخصوصية ، ونجرم فاعلها ، ونلغى مكتب التنسيق ، من أجل تعليم أفضل ، واستثمار حقيقى لثروتنا البشرية ، أو نستمر على ما نحن فيه من هزل وتهريج ، وتبديد للموارد والطاقات ، وهو طريق الخسران المبين .


*** *** ***
خارج الموضوع

إيران ونذر الحرب القادمة

كتب عبد البارى عطوان فى صحيفة القدس العربى بتاريخ 4-8-2010 مقالا بعنوان ( أمريكا وإيران وأم الحروب ) ، وفيه ذكر أنه ( عندما يؤكد الأدميرال مايك مولين رئيس هيئة الأركان المشتركة أن لدى القوات الأمريكية خطة جاهزة لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران ، فإن علينا أن نتوقع حربا اقليمية كبرى فى منطقتنا العربية قد تغير خريطتها السياسية وربما البشرية أيضا ..والمسألة محصورة الآن فى إيجاد المفجر أو الذريعة ) ، ومما يجدر ذكره أن صحيفة Times اللندنية ذكرت بتاريخ 12-6-2010 أن مصدرا فى وزارة الدفاع الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط صرح بأن السعودية قد أعطت تصريحا للطائرات الإسرائيلية بالعبور عبر إجوائها للإغارة على إيران ، وأن السعوديين قد أجروا بالفعل اختبارات لضمان عدم تدخل طائراتهم ، وأن كل ذلك تم بالاتفاق مع وزارة الخارجية الأمريكية This has all been done with the agreement of the US State Department ، صحيح أن الحكومة السعودية قد أنكرت ما كتبته الصحيفة ، وصحيح أن إسرائيل والغرب عادة ما ينشرون أخبارا كاذبة لقياس ردود الأفعال ، ولكن التاريخ يذكر أنهم جميعا غير أمناء ، وغير صادقين ، غير أن السؤال الهام هنا هو : لماذا تعادى الولايات المتحدة إيران ؟ وهل الأمر فعلا له علاقة بالملف النووى ؟ ونترك الإجابة لنعوم تشومسكى Noam Chomsky، المفكر الأمريكى اليهودى ، والذى تعتبره صحيفة NewYork Times أشهر مفكر لا يزال على قيد الحياة ، يقول نعوم فى حديثه لصحيفة السفير اللبنانية بتاريخ 24-6-2010 : ( هناك سببان للعداء الأمريكى لإيران : 1- أنها لا تتبع الأوامر ، فيما الجميع يتبعون الأوامر ، وهذا غير مقبول ، وهذا السبب ذاته الذى دفع أمريكا إلى حصار كوبا طوال خمسين عاما ، كوبا لم تكن تهدد أحدا ، ولكنها لا تتبع الأوامر ، وإذا اطلعنا على الوثائق نجد أن كوبا متورطة بما سمته ادارة كينيدى - تحديا ناجحا للسياسات الأمريكية - ، وهذا ليس مسموحا به . 2- أن العلاقات الدولية تدار بطريقة أشبه بعمليات المافيا ، العراب لا يقبل التمرد ، والعناصر الصغار يجب أن يطيعوا ، لأن العراب إن تساهل مع متمرد سيظهر متمرد آخر ) ، أما عن الملف النووى فيذكرنعوم تشومسكى أن ( البرازيل وتركيا توصلتا إلى عرض ، فأحست الولايات المتحدة بالرعب ، وحاولت على الفور قطع الطريق عليه ، وجاء قرار الأمم المتحدة ، وكان فارغا من أى مضمون لدرجة أن روسيا والصين وافقتا عليه على الفور ، وكان الهدف منه تحذير الجميع : نحن من يدير العرض ، وهؤلاء الدخلاء كالبرازيل وتركيا لا يمكنهما القيام بالمهمة .. وهكذا تدار لعبة المافيات ، لا يمكن أن يكون هناك تابعون يهزمون العراب ) ، ثم يمضى نعوم فى تحليله المنطقى والعميق فيذكر أن الولايات المتحدة تقف فى وجه أية اتفاقية لجعل العالم خاليا من السلاح النووى ( كانت هناك مناطق عديدة فى العالم خالية من السلاح النووى ، وجميعها قُوضت من قبل الولايات المتحدة ، أفريقيا وافقت قبل أشهر على إقامة منطقة خالة نوويا ، ولكن إدارة أوباما لم توافق لأن تلك المنطقة تضم جزيرة دييجو جارسيا فى المحيط الهندى ، وهى قاعدة عسكرية أمريكية تخزن فيها الأسلحة النووية .. والآن الحديث عن منطقة خالية من النووى فى الشرق الأوسط ، ولكن كلينتون قالت ( إن التوقيت غير مناسب ) ، وهو موقف كررته واشنطن ( نحن جميعا نتفق على هذا الهدف ، ولكن بعد أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام شامل ) ، ثم يسخر نعوم قائلا : ( بمعنى بعد أن يعود المسيح ) .

هناك أمر هام وخطير فى هذا الملف ، وهو الموقف المخزى الدول العربية ، إذ يصعب على المرء مهما حاول أن يجد أي حجج أو معاذير لتعاونها مع الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد إيران ، أو تصوير إيران وكأنها العدو الذى ينبغى الحذر منه ، أو التعاون للقضاء عليه ، أو أن البرنامج النووى الإيرانى خطر علينا ، بينما أسلحة إسرائيل النووية ( 200 رأس نووية ) ليست خطرا علينا ، ومشكلة الأنظمة العربية الفاسدة أنها تقف مع أعدائها ضد بعضها البعض ، ويكفى تلك الأنظمة عارا مشاركتها فى حصار ليبيا والعراق من قبل ، وتعاونها فى تخريب وتدمير العراق ، وسكوتها على ما يحدث فى الصومال ، وما يحدث فى دارفور وجنوب السودان ، إنها مأساة محيرة أن نشارك فى أذى بعضنا البعض ، وتخريب مصالح بعضنا البعض ، وترصد الشرور لبعضنا البعض ، والعجيب أن هناك الكثيرون فى الاعلام من الذين يروجون للفرقة والتشرذم بين العرب والمسلمين ، تحت دعاوى الدفاع عن السنة ضد الشيعة ، أو غير ذلك من الدعاوى التى تدل على ضيق الأفق ، وتبلد الإدراك ، يقول جمال سلطان فى مقاله ( دفاع العوا المتجدد عن التشيع ) ، والمنشور فى صحيفة ( المصريون ) ، بتاريخ 18-6-2010 : ( والدكتور العوا أصبح رمزا على الدفاع عن إيران والشيعة طوال السنوات الماضية .. نحن لسنا ضد إيران لأنها إسلامية ، ولا حتى لأنها شيعية ، ولكن لأنها امبراطورية توسعية مخربة فى العالم الإسلامى ، تضلل الجميع بعباءة الإسلام ، وتتحالف مع الشيطان من أجل مصالحها القومية ) .

ملحوظة : كلمة العراب التى استخدمتها صحيفة السفير هى ترجمة لمقابلها فى الإنجليزية the godfather ، والكلمة من ضمن معانيها الزعيم فى عصابة أو مافيا ، وهو المقصود فى هذا السياق .

*** *** ***

المُزًة والمُزًات

من الدلائل على هزل الذين يتصدون لقضايا الإصلاح والتغيير فى مصر وجود مجموعة على ال facebook تطلق على نفسها ( مُزز ضد التوريث ) ، وكلمة مُزًة كما يعرفها لسان العرب هى الخمر اللذيذة الطعم ، التى تجمع بين الحلاوة والحموضة ، وسميت بذلك للذعها اللسان ، أى فيها مزازة ، وتُجمع الكلمة على مُزات ، وفى الحديث الشريف عن أنس (رض) : ( ألا إن المزات حرام ) ، يعنى الخمور ، تقول صاحبات مزز ضد التوريث : ( إيمانا منا كمزز بأهمية دورنا فى الحياة السياسية ، نعلن أننا نرفض التوريث بكل أشكاله .. وبناء على ذلك نعلن عن تدشين الجروب الخاص بالحركة على الفيس بوك ) ، ولا أدرى سببا وجيها لاختيار مزز بدلا من مصريات ضد التوريث مثلا ، وخاصة أن مزة تُستخدم فى أوساط الشباب كما تُستخدم أيضا الكلمة الإنجليزية chick ، والتى يعرفها القاموس بأنها كلمة عامية slang غير مرغوبة offensive ، للدلالة على الفتيات والنساء صغيرات السن ، أى أن الاستعمال للكلمتين يحمل معنى يجافى الاحترام والتقدير ، ومن الغريب أن أنيس منصور يكتب فى عموده اليومى بالأهرام بتاريخ 13-7-2010 أنه سمع فى حوار تلفزيونى أن الفتيات لا يفضلن أن يقال عليهن مزات لأن شكل الكلمة وطعمها ليس جميلا وإن كانت شائعة فى أوساط الشباب ، وأنه من غير المعروف متى خرجت الكلمة من القاموس وانتشرت على ألسنة الشباب ، وربما حسب ظنه ( أنها الكلمة الوحيدة المناسبة لما يريد الشبان أن يصفوا أية فتاة جميلة ، جمالها حراق ) ، ويضيف ( ولكن الفتاة ترى أن كلمة مزة فيها نوع من التحرش ، والدعوة إلى التذوق والامتصاص ) ، ورغم هزلية المقال كمعظم ما يكتب أنيس منصور ، إلا أن ما استوقفنى هو قوله : ( والعرب يستخدمون كلمة مزة ومزمز وتمزز والتمزز ومعناها أنهم يشربون الخمر على مراحل ، ويقال أن الرسول (ص) نصح بأن يشربوا الخمر كما يشربون الماء ، مرة واحدة ، ولا يمصونها .. أو يمزمزونها) ، والذى عليه كل علماء المسلمين أن الرسول (ص) لم يشرب الخمر فى حياته قبل البعثة ، ولا قبل التحريم القاطع لها فى القرآن الكريم ، ولا يمكن أن يأمر بشربها ، وهو المعصوم قبل البعثة وبعدها من الكبائر ، وربما يقصد أنيس منصور ما رُوى عن أبى العالية أنه (ص) قال : ( اشرب النبيذ ولا تمزز) ، ورُوى أيضا بزاء واحدة ( ولا تمز ) ، والحديث ذكره ابن الأثير فى كتابه ( النهاية فى غريب الحديث والأثر ) ، والعرب كانت تعرف أنواعا من النبيذ كما يذكر ابن الأثير، فرقوا بين حلاله وحرامه بالنار ، وقالوا ما طبخ فهو حلال ، وما كان من النقيع ، وما لم تمسه النار فهو حرام ، والحديث يذكر النبيذ وليس الخمر كما يقول أنيس منصور ، والذى اختلطت عليه أيضا معانى الكلمات ، فمَزًة تعنى مصة ، وفى الحديث الشريف ( لا تُحَرُم المَزًة ولا المزتان ) ، يعنى فى الرضاع ، وتَمَزًز الشئ أى مصه ، أما كلمة مزمزة فتعنى التحريك الشديد ، مثلها مثل كلمة بزبزة ، ومن ثم فليس لها موقع فى السياق الذى ذكره ، ومما يجدر ذكره هنا أيضا وحسب ابن أثير فى كتابه سالف الذكر ، أن كثيرا من أصحاب رسول الله (ص) حرموا على أنفسهم الخمر فى الجاهلية لعلمهم بسوء مصرعها ، وكثرة جناياتها ، ومن هؤلاء أبى بكر الصديق (رض ) ، حيث تقول أم المؤمنين عائشة (رض ) : ( ما شرب أبو بكر خمرا فى جاهلية ولا إسلام ) ، وكذلك عثمان بن عفان (رض) ، والذى يقول : ( لا شربت خمرا فى جاهلية ولا إسلام ) ، فياليت أنيس منصور يتوقف عن الهزل ، وياليت مزز ضد التوريث يقدمن أنفسهن فى صورة أكثر احتراما وتقديرا .

سعد رجب صادق
saad1953@msn.com


06/11/2014

مصرنا ©

 

.....................................................................................

 


 

 
 



مطبوعة تصدر
 عن المركز الأمريكى
 للنشر الالكترونى

 رئيس التحرير : غريب المنسى

مدير التحرير : مسعد غنيم

 

الأعمدة الثابته

 

 
      صفحة الحوادث    
  من الشرق والغرب 
مختارات المراقب العام

 

موضوعات مهمة  جدا


اعرف بلدك
الصراع الطائفى فى مصر
  نصوص معاهدة السلام  

 

منوعات


رؤساء مصر
من نحن
حقوق النشر
 هيئة التحرير
خريطة الموقع


الصفحة الرئيسية