التعليم فى مصر ..مشكلات وحلول 3- الأمية
...............................................................
بقلم : سعد رجب صادق
..........................
|
نسبة الأمية عربيا أعلى مستوى عالميا |
الأمية مشكلة عالمية ، لها أضرارها المتفاوتة على الأمم والمجتمعات ، ولكن أضرارها وعواقبها على البلدان النامية أشد وأخطر ، حيث تفتقد تلك البلدان الى الارادة السياسية ، والادارة والتخطيط ، والموارد المالية ، ولفهم أبعاد المشكلة عالميا واقليميا لا بد من الاشارة الى بعض الأرقام والاحصائيات : يبلغ عدد الأميين فى العالم حسب تقارير منظمة اليونسكوUNESCO ، وهى احدى منظمات الأمم المتحدة حوالى المليار ، أى سدس سكان العالم ، وتشكل النساء ثلثى هذا العدد ، وتعيش الغالبية العظمى من الأميين ( %98 ) فى البلاد النامية ، والهند والصين ، وحسب United Nations, 2009 World Almanac فان نسبة الأمية فى أفغانستان تصل الى %72 ، وهى أعلى نسبة فى العالم ، وتصل فى باكستان الى %50 ، موريتانيا %49 ، المغرب %48 ، اليمن %46 ، السودان %39 ، جيبوتى %32 ، الجزائر %30 ، مصر %28 ، ايران %17.6 ، تركيا %12.6 ، فلسطين %8 ، اسرائيل %3
تجاوز عدد الأميين فى الوطن العربى حسب تقديرات المنظمة العربية للتعليم والثقافة والعلوم ALECSO ال 70 مليونا فى عام 2005 ، بنسبة %35 ، مما يضع نسبة الأمية عربيا الى أعلى مستوى عالميا ، ومن الجدير بالذكر أن المتوسط العالمى هو %19 ، ومن المثير للدهشة أن أفريقيا تأتى فى المرتبة الثانية بعد العرب بنسبة %33 ، وتحتل مصر المكانة الأولى عربيا بمجموع 17 مليون أمى ، تليها السودان ، ثم الجزائر والمغرب واليمن ، وفى تلك الدول الخمس يعيش %78 من الأميين العرب ، وقد نجحت الأردن ولبنان والامارات وقطر والكويت فى خفض نسبة الأمية الى ما دون %13 أسباب الأمية تختلف من مجتمع الى آخر ، غير أن الفقر ، وتدنى الدخل يعتبر من أهمها ، وقد وجدت دراسات الأمم المتحدة أن البلاد التى يكون متوسط دخل الفرد فيها سنويا 600 $ أو أقل ، تصل نسبة الأمية فيها الى %45 ، بينما تنحدر النسبة الى %4 عندما يصل الدخل الى 12,600 $ ، ومن أسباب الأمية أيضا الجنس ، حيث ترتفع عادة بين الاناث مقارنة بالذكور ، وتفيد احصائيات اليونسكو أن نسبة الأمية بين الاناث فى المنطقة العربية فى الفترة من 1985-1994 وصلت الى %53.9 ، بينما النسبة العالمية %29.9 ، ومما يبعث الأمل أن تلك النسبة انخفضت الى %40.3 فى الفترة ما بين 1995-2005 ، وان كانت مازالت أعلى من المعدل العالمى لتلك الفترة ( %22.6 ) ، وفى مصر حسب المنظمة العربية للتعليم والثقافة والعلوم ، فان متوسط نسبة الأمية بين النساء انخفض من %69 عام 1986 الى %43.8 عام 2004 . وترتفع نسبة الأمية بين الأقليات فى المجتمعات البشرية عموما ، فنجدها مثلا أعلى بين السود والهنود فى الولايات المتحدة مقارنة بالبيض ، وأعلى بين الأكراد والأمازيغ وغيرهم من أقليات البلاد العربية ، كما أن اللغة أيضا من العوامل المهمة ، حيث فى كثير من مناطق العالم تستخدم لغات غير مكتوبة ، وغير معروفة خارج نطاق القبيلة أو الموطن الجغرافى .
من عوامل الأمية المهمة أيضا ضعف النظام التعليمى ، وعدم مقدرته على قيد الأطفال ، والحفاظ عليهم من التسرب خارج العملية التعليمية ، وقد أفاد تقرير ALECSO لعام 2005 ، والذى أشرنا اليه سابقا أن هناك 10 ملايين طفل عربى خارج العملية التعليمية ، وفى الدول النامية فان %15 من الأطفال 6-11 سنة لا يذهبون الى المدارس ، وتصل هذه النسبة الى %50 فى البلاد الأفريقية جنوب الصحراء Sub-Saharan Africa
اذا كانت الأمية الأبجدية iliteracy وهى جهل القراءة والكتابة من الوجوه القبيحة للمجتمعات المعاصرة ، لما يترتب عليها من تدنى فرص العمل الملائم ، والدخل المناسب ، والحصول على الحقوق السياسية والاجتماعية ، وكذلك القابلية للاجرام ، والاصابة بالأمراض ، واساءة معاملة الأطفال ، فان هناك أنواعا أخرى من الأمية ، يعنينى هنا أن أتناول منها الأمية الثقافية ، أو ما يطلق عليها functional iliteracy ، وأمية الكمبيوتر والشبكة المعلوماتية ، وهما أيضا مشكلة عالمية واقليمية ، فالأمية الثقافية تعنى عدم اجادة القراءة ، وضعف المقدرة على ايجاد المعلومات المطلوبة ، وتدنى المستوى المعرفى ، وكلها أمور ملموسة وجلية فى بلادنا ، ويذهل المرء لركاكة الأسلوب ، وعدم المقدرة على الكتابة بلغة سليمة خالية من الأخطاء الاملائية والنحوية بين طلاب جامعاتنا وخريجيها ، علاوة على افتقادهم للمران والتدريب الكافى اللازم لممارسة العمل بكفاءة واقتدار ، وتعود الأمية الثقافية الى ضعف النظام التعليمى ، وهو أمر شديد الوضوح فى مصر ، وأهمية الموضوع وخطورته تقتضى أن نلقى الضوء عليه ، حتى وان اتخذنا الوضع الأمريكى كمثال ، وذلك لتشابه الأسباب والنتائج بين بلاد العالم ، علاوة على تميز النموذج الأمريكى فى توافر المعلومات والأرقام والدراسات والتقييم المستمر لكل الظواهر التعليمية والاجتماعية ، وهو ما يمكن الاستفادة منه محليا ، وحسب مكتب الاحصاء الأمريكى US Census Bureau فان الولايات المتحدة تحتل المركز 12 بين 20 دولة من ذوات الدخل المرتفع فى اختبارات القراءة والكتابة literacy tests ، وأن 3 من كل 5 فى السجون ، و 3 من كل 4 من المعتمدين على المساعدة الاحتماعية welfare ، و %85 من المراهقين المتهمين بمخالفات قانونية juvenile offenders ، و %46-%51 من ذوى الدخل المنخفض ، و %50 من العاطلين عن العمل ( حسب وزارة العمل US Dept. of Labor ) ، كل هؤلاء لا يحسنون القراءة والكتابة ، أى أن الأمية الثقافية عامل مهم فى البطالة وانحدار الدخل ، وتضاؤل فرص الحصول على العمل المناسب ، بل أنها عامل هام فى الجريمة حسب وزارة العدل US Dept. of Justice ، ويزداد الأمر سوءا اذا علمنا أن %27 من أفراد الجيش الأمريكى لا يحسن قراءة كتيبات التدريب training manuals ، وأن %20 من الأمريكيين البالغين لا يحسن القراءة فوق مستوى الصف الخامس ، وكل ذلك ينعكس على الميزانية بكلفة باهظة تصل الى 20 بليون دولار سنويا ، والمتأمل فى الأمية الثقافية لمعظم خريجى الجامعات المصرية يستطيع أن يدرك بعضا من أسباب البطالة ، وضعف المقدرة فى سوق العمل المحلى أو العالمى المتميز بالتنافسية العالية .
أما أمية الكمبيوتر واستخدام الشبكة المعلوماتية ، فانها هم مصرى وعربى آخر ، وان كانت بشائر التغيير تبعث على الأمل ، فطبقا لاحصائيات Internet World Stats ، فان المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط شهدت قفزة واسعة فى استعمال الشبكة بين عام 2000 (3,284,800 فرد ) ، وعام 2008 ( 41,939,200 فرد ) ، أى %1,177 ، بينما النسبة العالمية لنفس الفترة %305 ، حيث وصل عدد المستعملين لها 1,463,632,361 ، %45 منهم فى أمريكا وأوربا ، رغم تشكيلهما لحوالى %18 فقط من سكان العالم ، غير أن ادخال الكمبيوتر للنظام التعليمى بمراحله المختلفة ، وتوافر الشبكة المعلوماتية للطلاب مازال يحتاج الى كثير من الانتشار والتعميم.
ما هو الحل؟
الحل يحتاج الى جهد قومى يشارك فيه المجتمع بأفراده ومنظماته ، ويبدأ بخطة قومية تحدد مدى زمنيا للقضاء على تلك المشكلة المعيبة لأمة يبدأ كتابها بالآيات الكريمة ( اقرأ باسم ربك الذى خلق . خلق الانسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذى علم بالقلم ) العلق 1-4 ، ويقسم ربها بالقلم ( ن والقلم وما يسطرون ) القلم 1 ، وقد ذكر تقرير التنمية العربية لعام 2005 أن العرب قادرون لو خلصت النوايا ، وجندت الامكانيات ، على التخلص من الأمية فى أقل من عشر سنوات ، وعلى التخلص من الفقر كأكبر مسبب للأمية فى جيل واحد ، وقد استطاعت الصين على سبيل المثال فى محو أمية 110 ملايين امرأة بحلول عام 1994 ، ورفعت نسبة الفتيات الملتحقات بالتعليم من %20 فى عام 1949 الى %97.7 عام 1993 ، ومما يجدر ذكره أيضا أن كوبا الجزيرة الصغيرة التى تعانى الحصار الأمريكى لأكثر من أربعة عقود هى الدولة الأولى عالميا حسب احصائيات اليونسكو لعام 2007 فى عدد من يقرأون ويكتبون ( %99.8 ) ، وتصل النسبة فى معظم بلاد الاتحاد السوفيتى السابق الى %99.5- %99.7 ، وفى معظم أوربا الى %99 ، وفى اندونسيا وماليزيا حوالى %92 .
ان الأمة المسلمة يجب أن تجد فى التعلم طاعة لله سبحانه ، وامتثالا لأوامره ، وتجد فى التعلم أيضا مبعثا للفخر ، ووسيلة للفهم ، ووازعا للتمسك بالحق ، وطريقا للعمل ، والتخلص من البطالة ، وتحسينا للوضع الثقافى والاجتماعى والصحى ، ومما يثير العجب أن دولة كاليابان كانت ترسل البعثات لدراسة النظام التعليمى فى مصر على عهد محمد على لمحاولة تقليده ، حيث كانت مصر فى ذلك الوقت من أوائل الدول التى بها مدارس لتعليم البنات ، ومن العجيب أيضا أن المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه تشهد لتلك الأمة بالسبق ( كانت نسبة %95 على الأقل من الغربيين فى القرن 9,10,11,12 لا يستطيعون القراءة والكتابة ، بينما كان ملايين الأولاد والبنات فى المدن والقرى الاسلامية يقرأون ويكتبون ...وكان عدد مجلدات مكتبة قرطبة نصف مليون مجلد ، وكانت تجذب طلاب العلم من كل أنحاء الشرق والغرب ).
يمكن استخدام المدارس بعد اليوم الدراسى ، بجانب مراكز الشباب ، والمراكز الاجتماعية ، وغيرها من الأماكن العامة ، فى تلك الحملة القومية ، كما يمكن استخدام شباب الجامعات فى العطلة الصيفية مقابل أجر رمزى ، أو كجزء من العمل المدرسى أو الجامعى فى بعض الكليات ، ويمكن أيضا لبعض أحكام القضاء التعزيرية أن تلزم المحكوم عليهم بالمساهمة فى محو أمية عدد من الأفراد ، كنوع من خدمة المجتمع المحلى ، أو ما يسمى community service ، واستخدام الطلاب كجزء من العمل المدرسى أو الجامعى ، أو أصحاب الأحكام التعزيرية ، تقليد موجود فى كثير من بلاد الغرب ، ولا ننسى دور المساجد والأئمة ، وكذلك الأحزاب كوسيلة للتلاحم مع الناس ، وتكوين قاعدة شعبية وجماهيرية ، ويمكن أيضا اشتراط الحصول على بعض الأوراق الرسمية كبطاقات الهوية ، ورخص القيادة ، وغيرها بضرورة ألا يكون الفرد أميا ، كما أن اطلاق قناة تلفزيونية متخصصة فى محو الأمية على مدار اليوم ، سيكون عملا مفيدا للكثيرين ، وسيعطيهم فرصة المحاولة فى بيوتهم ، وبمساعدة أهليهم ، ولن تعدم كل تلك الوسائل مساهمة المتطوعين والمخلصين ، وتبرعات أهل الخير وهم كثيرون ، كما يجب أيضا العمل على قيد الأطفال بالمدارس ، ومنع تسربهم .
أما الأمية الثقافية ، وأمية الكمبيوتر وشبكة المعلومات ، فيمكن مكافحتها بتحسين مستوى التعليم عموما ، وتحسين مستوى المدرسين ، وتحديث طرائق التدريس ، والاهتمام باللغة العربية ، وتيسير الحصول على الكتب والمطبوعات فى المكتبات المدرسية والجامعية ، والمكتبات العامة والمتنقلة ، وتوفير الطبعات الرخيصة لتشجيع القراءة ، وادخال الكمبيوتر فى جميع المدارس والجامعات ، وتدريب الطلاب على استخدامه ، والانتفاع بشبكة المعلومات ، ولا يلزم أن يكون هناك كمبيوتر لكل طالب ، ولكن على الأقل نبدأ قدر الطاقة والامكانيات كما فعلت الصين ، وبالجهد والمثابرة ، واخلاص النية ، نستطيع أن نفعل الكثير لأمتنا ، مما ينعكس خيرا وبركة علينا جميعا.
saad1953@msn.com
06/11/2014