التعليم فى مصر..مشكلات وحلول 2- المدارس والثقافة الجنسية
...............................................................
بقلم : سعد رجب صادق
...........................
|
ان دعوة تدريس الجنس فى المدارس تقليد غربى أعمى |
الجنس حاجة غريزية وفطرية ، ومن نعم الله سبحانه على الانسان أن خلق الزوجين الذكر والأنثى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الروم 21 ، ولا يتحقق السكن ، وتشيع المودة والرحمة الا على منهج الله فى علاقة زوجية ترعى ااحقوق ، وتتجنب الحرمات ، وتحفظ العفاف ، وتوفر جو الأسرة اللازم لتنشئة النسل واعداده ، وقد شاعت على مر العصور، وفى المجتمعات البشرية المختلفة ، كثير من المفاهيم الجنسية الخاطئة ، لأسباب شتى ، وعوامل عديدة ، والتقط العلمانيون ، والجماعات النسوية ، وأدعياء النهضة والحداثة والتطور فى بلادنا أمراض الغرب وسوءاته فى هذا المجال ، وحاولوا التسويق لها تحت دعاوى حقوق الانسان ، وحقوق المرأة ، وكسر قيود ما يسمونه المجتمع الذكورى على نسائه ، وتحطيم taboo الثقافة الجنسية ، فروجوا لحق المرأة أن ترتدى ما تشاء من ثياب ، وهاجموا الحجاب الاسلامى ، واتهموه بتقييد الجسد والعقل ، ونادوا بحق النساء فى الاجهاض ، وحقهن فى العلاقات الجنسية قبل الزواج ، واعتبروا الشذوذ حقا من حقوق الانسان الذى أقرته المواثيق الدولية ، وتطاولوا على شريعة الله جل وعلا فى حق الرجل فى الطلاق ، وحقه فى تعدد الزوجات ، واستخفوا بما وضعته من ضوابط فى الميراث والشهادة وغيرها ، والمتأمل فى كل تلك الأمور يجد باطلا يراد به باطل ، ومن ينادى حقيقة بحق المرأة ، سينادى بحق الرجل أيضا ، ومن ينصب نفسه مدافعا مخلصا عن حقوق النساء ، لا بد أن يكون مدافعا مخلصا عن حقوق الرجال أيضا ، ولكنه شذوذ الفكر ، والهوى ، وعمى الأبصار والبصائر ، واغفال أن علاقة الرجل والمرأة ليست علاقة صراع وتحدى ، ولكنها تعاون وتكافل ، وحقوق وواجبات ، وعاطفة جياشة من المودة والرحمة ، ان هؤلاء المأفونين يريدون تدمير الأسرة المسلمة ، والتى بتفككها ، وضياع دورها ، يسهل هدم آخر ما تبقى للمجتمعات المسلمة فى مواجهة هجمات التغريب ، ودعوات الحداثة ، والتى لا تعنى علما وتقنية ، وانما فوضى واباحية ، وقد أضاف هؤلاء حديثا موضوع تعليم الثقافة الجنسية فى المدارس الى قائمة أجندتهم التخريبية لثقافة الأمة وهويتها ، وهو ما أتناوله اليوم فى هذا المقال ، مركزا على استقراء تجربة الولايات المتحدة ، ومركزا أيضا على نقد الخبراء والمختصين ، وحتى الطلاب وأسرهم لها.
لتقييم الموضوع بدقة وأمانة ينبغى علينا أن ننظر الى التجربة الغربية لنرى اذا كانت حققت أهدافها أم لا ، وأخص هنا التجربة الأمريكية والتى هدفت الى الحد من حمل المراهقات ، والحد من التحرشات والجرائم الجنسية ، والحد من انتشار الأمراض الجنسية ، وبمراجعة الأرقام والاحصائيات( The Center for Disease Control ) نجد أن الولايات المتحدة هى أعلى الدول الصناعية فى حمل المراهقات teenage pregnency، حيث تصل النسبة الى الثلث للفتيات دون سن العشرين ، ويترب على حمل المراهقات فى أغلب الأحيان عدم اكمال الدراسة الثانوية ، وضعف المهارات فى اللغة والحساب ، وتجد الفتاة نفسها بين خيار الاجهاض ( %34 من الحالات) ، أو اتمام الحمل ودفع الطفل للتبنى ، أو رعاية الطفل بمفردها single parent ، وتؤدى تلك التجارب المبكرة للفتيات الى أضرار نفسية وسلوكية ، مما يدفعها الى مزيد من العلاقات الجنسية ، مما يترتب عليه الحمل المتكرر وما يتبعه من اجهاض أو اضافة طفل جديد لترعاه بمفردها ، أو تدفع به الى التبنى ، ويترتب على كل هذا الخلل فقدان الثقة فى العلاقات بالرجال ، وفقدان التماسك الأسرى ، أو حتى الرغبة فى تكوين أسرة ، وتبديد المجتمع لبلايين الدولارات للرعاية ، ومعالجة الآثار السلبية للانحرافات ، ويتجاوز الأمر مرحلة المراهقة ، لتصبح العلاقات الجنسية ، والحمل والولادة خارج نطاق الزواج أمرا شديد الشيوع ، وحسب احصائيات National Center for Health Statistics لعام 2007 ، وصل عدد الأطفال الذى ولدوا لأمهات غير متزوجات 1.7 مليون طفل ، أى بزيادة %26 عن عام 2002 ، وضعف العدد لعام 1980 ، وفى بلاد أوربا ( السويد والدنمارك وأيسلاند ) وصلت النسبة الى %50 من اجمالى المواليد ، بينما فى بلدان أخرى كفرنسا والنمسا وبريطانيا والنرويج تصل النسبة الى واحد من كل أربعة .
فاذا نظرنا الى التحرشات الجنسية sexual assault or harassment والتى يعرفها القانون الأمريكى بأنها كل ما دون الاختراق الجنسى ، مثل اللمس والاحتكاك ، والملاحظات والنكات والتلميحات الجنسية ، وغيرها ، نجد أنها شائعة رغم القوانين المجرمة لها ، وتصل نسبة التحرش بالأطفال الذكور %17 ( فى بريطانيا %8 ) ، والأطفال الاناث %28 ( فى بريطانيا %12 ) ، وفى المدارس يتعرض %9.6 من التلاميذ للتحرش بواسطة مدرسيهم ، وذلك حسب احصائيات وزارة التعليم US Department of Education ، أما عن الاغتصاب فانه يحدث أيضا وخصوصا فى السجون ، حيث يقدر عدد الحالات السنوية لمن هم دون سن 18 ، من الذكور والاناث بحوالى 175,000 .
أما بالنسبة للأمراض الجنسية فان 1 من كل 4 فتيات مصابة بمرض جنسى ، وترتفع النسبة بين السود الى النصف ، وحسب British Journal of Sexually Transmitted Infections فان معدل الموت والاعاقة بسبب الأمراض الجنسية فى الولايات المتحدة يفوق معدله بين الدول النامية بثلاث مرات باستثناء ال AIDS ، ومن أكثر الأمراض الجنسية انتشارا ال chlamydia والذى أصاب 1,108,374 فتاة فى عام 2007 ( %4 ) ، وارتفعت نسبة الاصابة بأمراض أخرى بين المراهقات ، فوصلت الى %18 فى (Human Papilloma Virus (HPV ، وهو من الأمراض التى تؤدى للاصابة بسرطان عنق الرحم ، ووصلت النسبة الى %2.5 فى Trichomoniasis ، والى %2 فى Herpes ، وهو من الأمراض الجنسية التى ليس لها علاج حتى الآن.
قد يقول البعض أن فساد التجربة ، أو فشلها لا يعنى بالضرورة فساد الفكرة ، وقد يدعى البعض الآخر أننا وقعنا على وثيقة بكين التى تنص على تدريس الجنس فى المدارس ، ويرى آخرون ( خالد منتصر كمثال فى برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة ، 11/8/2009 ) أن علم sexology علم مستقر ، وأن التربية الجنسية فى المدارس لن تدرس الجماع ، وأنه ينبغى ألا نخشى الكلام فى الجنس sexphobia ، أو نعتبره مجرد ( كلام قباحة )، وهى كلها حجج واهية ، وبمراجعة العديد من الدراسات والأبحاث التى كتبها أمريكيون حول الموضوع ، نجد أنهم أكثر صدقا وأمانة من علمانيينا ، فعند كلامهم يتحدثون دوما عن الضرر والفائدة ، والمميزات والعيوب ، ومما ذكره الكثير منهم فى نقدهم لهذا الموضوع أنه يسبب حرجا embaarrassment للطلاب وخاصة فى ظل التعليم المختلط ، ويسبب اثارة وهياجا جنسيا لبعضهم ، كما أن تلك المقررات تدرس بطريقة خاطفة كجزء مما يعرف recreational course تحت مسميات physical education or health class ، ولو تم كمادة علمية جادة فى مقررات البيولوجى ، وفى فصول من جنس واحد ( فتيان فقط أو فتيات فقط ) لكان أكثر فائدة ، ومما ذكروا أيضا فى نقدهم أن ما تحتويه تلك المقررات يكون عادة ضد دين وقيم ومعتقدات كثير من الأسر والتى تؤكد على الزواج قبل العلاقة الجنسية ، وهو ما يهدم جدلية المنادين بذلك فى مجتمعاتنا الاسلامية ، ويزيد الأمر وضوحا للقارئ اذا علم أن تلك المقررات تدرس الجماع intercource ، وأوضاعه المختلفة ، والأمراض الجنسية ، ووسائل منع الحمل ، وكيفية الجنسية الفمية oral sex ، وكذلك الشذوذ كنوع من العلاقة المقبولة ، ويتم ذلك باستخدام المصطلحات العامية المبتذلة ، أو لغة الشارع ، وليس بالمصطلحات العلمية التى تضفى جدية واحتراما ، ومما يزيد الفائدة هنا أن أذكر مثلين لانطباعات الطلاب فى بعض تلك المقررات ، أولهما فى السنة الرابعة ، أى فى سن العاشرة ، يقول حرفيا :( المدرسة تحدثت عن الأوضاع الجنسية ، والأمراض الجنسية ، واستخدام العازل الذكرى ، ومثلت ذلك باستعماله على أصبع من الموز) ، وثانيهما لفتاة فى الصف السابع ، أى فى سن 13 ، تقول حرفيا : ( كان هناك سؤال عن القذف فى خارج الفرج ) ، (وهو ما يعرف فى كتب الفقه بالعزل ) ، وتعلق الدراسة بأنه بعد شهر من تلك الحصة حملت احدى الفتيات فى ذلك الصف ، والغريب فى تلك المقررات أنها لاتدرس العفة والاحصان abstinence ، وأنها تغفل خاصية الفضول الشديد للأطفال فى تلك السن المبكرة ، مما يدفعهم الى محاولة استكشاف ما كان محجوبا عنهم ، بعد تنبيههم اليه فى تلك المقررات .
كل تلك المآخذ تأتى من كتابات الغربيين أنفسهم ، وهو ما يعفينا حتى من محاولة تفنيد دعوى تدريس الجنس فى مدارسنا ، وتبقى نقطة هامة وهى أن النظام التعليمى فى أى مجتمع من المجتمعات يخضع لفلسفة المجتمع وقيمه ، وهى ما يحدد الوسائل والغايات للعملية التعليمية ، ونحن مجتمع اسلامى ينظر لعلاقة الجنسين بطريقة تختلف عن الغير وخصوصا الغربيين.
ما هو الحل؟ جزء من الحل أن نؤكد على قيم العفاف والطهر ، واحترام الزواج والأسرة ، والحض على غض البصر واحصان الفرج ، واجتناب الزنا ، وغيره من الانحرافات الجنسية ، والتأكيد على أهمية دور الأبوين فى رعاية الأبناء ، وتوجيههم الى ما يناسب مراحلهم العمرية ، ودرجاتهم من النضج ، مع مراعاة أن شريعتنا احتوت على ما ينفعنا فى مجال العلاقات بين الرجل والمرأة ، وبما لا يتعارض مع حفظ براءة الصغار ، وصيانة البالغين من الاثارة والانحراف ، كما حضتنا أيضا على سؤال أهل العلم من الأطباء والمختصين اذا عرضت لنا مشاكل زوجية أو جنسية ، ولا يمنع ذلك من دورات لمن هم على وشك الزواج ، يحاضر فيها أطباء ومختصون وفقهاء ، للاجابة عن ما يدور بالعقول من أسئلة واستفسارات عن الحقوق والواجبات ، وما يجوز وما لا يجوز ، ولا ننسى أيضا دور الاعلام ، وما يجب أن يكون عليه من الحض على الفضيلة والعفاف ، كما ينبغى علينا أيضا ألا نقع فريسة لتقليد الغرب فى وجود برامج جنسية يقدمها التلفزيون ، حيث أن الضرر المترتب على تلك البرامج أكثر من الفائدة المرجوة منها ، وألا نخضع لضغوط الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى تحت دعاوى الشرعية الدولية ، ومسايرة التغيرات العالمية ، وقد أصدرت منظمة اليونسكو UNESCO فى اكتوبر من هذا العام تقريرا ذكرت فيه أنه يهدف الى مساعدة الدول ، وخاصة الدول النامية ، على تطوير التربية والتثقيف الجنسى والصحى ، وقد أوصى التقرير بتعريف الأطفال من سن الخامسة بالأجزاء الجنسية من أجسامهم ، وتعليمهم عن العادة السرية ، وأوصى أيضا بتدريس الأطفال من سن 12 سنة عن طرق الاجهاض الآمن ، ووسائل منع الحمل ، والأمراض الجنسية ، وكلها مواضيع يصعب على المرء مجرد تخيل الحديث عنها للأطفال فى تلك السن المبكرة ، مع ما يتصفون به من الفضول ، ورغبة التقليد.
ان دعوة تدريس الجنس فى المدارس تقليد غربى أعمى ، والأولى بنا أن نصلح النظام التعليمى ، ليخرج لنا أناسا عالمين وقادرين على المنافسة فى سوق العمل ، بما يضمن لهم الحصول على الوظائف والأعمال التى تناسب قدراتهم وملكاتهم ، وتمكنهم من تحقيق الدخل اللازم للزواج ، وبناء أسرة صالحة ، تسهم فى صلاح المجتمع ونهضته ، وتقيه المفاسد والانحرافات ، وتحفظ له منعته من الدسائس والمؤامرات .
saad1953@msn.com
06/11/2014