إنـتخابات المغتربين: بين الشرعية و المحاذير
...............................................................
| |
إنـتخابات المغتربين | |
د. توفيق ماضى
..................
تضمنت غالبية المطالبات السياسية التى تبنتها قوى المعارضة السياسية فى مصر خلال السنوات الخمس الماضية مطلبًا نعتقد بأنه بات ملحًا ومشروعًا وهو قيام المصريون فى الخارج بالإدلاء بأصواتهم فى الإستفتاءات والإنتخابات التشريعية والرئاسية فى مصر. و قد تمثل ذلك بشكلٍ واضح فى العديد من المبادرات السياسية و من أهمها:
- النص تحديدًا على هذا الحق فى المشاركة السياسية للعاملين بالخارج فى المطلب الخامس الذى تضمنه البيان الشامل للجمعية الوطنية للتغيير والذى صدر فى مارس من هذا العام .وقد قامت الجمعية، والتى ضمت غالبية الأطياف السياسية المعارضة فى مصر بقيادة الدكتور محمد البرادعى، بدعوة المؤيدين للتوقيع على هذا البيان على شبكة الإنترنت كأحد أدوات التغيير السياسى خلال المرحلة القادمة.
- تضمن المشروع المقترح الجديد لقانون مباشرة الحقوق السياسية بدلاً من القانون 73 لسنة 1956 وتعديلاته ، و الذي أعدته حركة مصريون من أجل إنتخابات حرة ، الذى تقدم به 100 نائبًا من المستقلين فى مجلس الشعب نصًا يقضى ويتيح للمصريين في الخارج من المشاركة في الإنتخابات سواء التشريعية أو الرئاسية. و قد اناط مشروع القانون باللجنة العليا للإنتخابات وضع قواعد تصويت المصريين في الخارج، وضمانات سلامة العملية الانتخابية لهم.
- نص مشروع قانون مباشرة الحقوق السياسية الذى رفعته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان للبرلمان على حق المصريين المقيمين بالخارج فى الإنتخاب على أن تعد القنصليات المصرية بمثابة الموطن الانتخابى للعاملين فى الخارج ، وفى حالة عملهم على السفن المصرية يكون موطنهم الانتخابى هو الميناء المقيدة بها السفينة.
- على الرغم من عدم اشارة بيان الإئتلاف الديمقراطى الذى يضم الأحزاب الرئيسية الأربعة فى مصر ( حزب الوفد وحزب الجبهة الديمقراطية وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي والحزب الديمقراطي العربي الناصري ) والذى صدر فى 15 من مارس إلى ذلك المطلب إلا انه لا يتصور معارضة أى من تلك الأحزاب لهذا المطلب العادل.
- حرصت كافة الندوات السياسية التى أعقبت تلك المبادرات على الإشارة إلى حق العاملين بالخارج فى الإنتخاب كأحد المطالب الأساسية للتغيير. بل أن الخبراء القانونيين والدستوريين قد أوضحا أن عدم وجود آلية محددة تضمن مشاركة العاملين بالخارج فى الإنتخابات والإستفتاءات يضفى شبهة عدم دستورية على العملية الإنتخابية برمتها لأنها فقدت شريحة كبيرة من الناخبين الذين لم تهىء لهم فرصة المشاركة فيها.
وعلى الرغم من اعتقادنا بأنه ليست هناك حاجة إلى تأكيد مشروعية هذا الحق الذى يبدوا منطقيًا، إلا أننا سوف نسوق هنا بعض المبررات التى تبدوا مكررة ومعادة علّها تجد أى صدى لدى متخذى القرار فى وطننا العزيز ، ومنها:
- إن مشاركة المصريين فى الخارج يعد حقـًا دستوريا: فحق الهجرة إلي الخارج سواء كانت الدائمة أو المؤقتة، و دون الرجوع إلي أسبابها، هو حق مكتسب للمصريين فرادي أو جماعات و دون تمييز بحيث لا يترتب علي الهجرة الإخلال بحقوقهم الدستورية أو القانونية التي يتمتعون بها . فقد نصت على ذلك المواد 52 و 40 و 63 من الدستور المصرى الحالى.
- على الرغم من عدم وجود نصاً فى الدستور الحالى على حق مشاركة المقيمين فى الخارج فى الإنتخابات الرئاسية إلا أنه، و طبقا لمفهوم المخالفة، لا يوجد صراحة مايفيد المنع. وعلى ذلك يكون الأساس فى هذه الحالة هو الإباحة وليس الحظر. وإن كنا نطمع فى أن يتضمن تعديل الدستور المقترح النص على ذلك و أن يتضمن قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون رعاية المصريون بالخارج ذلك صراحة، حيث أن الدستور الحالى قد تم وضعه فى ظل ظروف التواجد المحدود للمصريين فى الخارج.
- تشير التقديرات إلى وجود مالا يقل عن سبعة ملايين مصري، أى حوالى 9% من عدد السكان، موجودين بالخارج. وبذلك فإن مصر تعد فى المرتبة الخامسة عالميا من حيث تصدير الخبرات والموارد البشرية إلى كافة دول العالم. ولا يتصور عمليًا عدم وجود أية آلية لتمكين هذه الأعداد الكبيرة من المصريين من ممارسة حقهم الدستوري فى الإنتخاب.
- بلغت تحويلات المصريين بالخارج حوالى 7.6 مليار دولار (أى ما يعادل حوالى 42 مليار جنيه سنويا) وفقا لتقرير البنك المركزى المصرى لعام 2008/2009، وبذلك فإن هذه التحويلات تحتل المرتبه الثانية بعد قناة السويس فى تمويل الموارد اللازمة للموازنة العامة للدولة. ويعد ذلك فى حد ذاته مبررًا لمشاركتهم فى اختيار قيادتهم فى الوطن الأم التى يناط بها المسئولية عن إدارة هذه الأموال والتصرف فيها.
- يعد قيام المغتربين بالمشاركة فى الإنتخابات، وبالذات الرئاسية منها، فى دول الإقامة من الحقوق الأصيلة التى أخذت بها مواثيق حقوق الإنسان العالمية والتى تمارسها على أرض الواقع العديد من الدول. ويكفى هنا الإشارة إلى قيام الإخوة العراقيين والإيرانيين والسودانيين المقيمين فى دولة الكويت بممارستهم هذا الحق فى سفاراتهم. بل إن الإخوة السودانيين قد تمكنوا من ممارستهم هذا الحق داخل جمهورية مصر العربية ذاتها. ناهيك عن قيام رعايا الدول الأوربية والأمريكية بممارسة هذا الحق فى كل العالم بما فيها دول الخليج.
وقد يزعم البعض ممن يعارضون مشاركة العاملين بالخارج فى الإنتخاب بأن المصريون فى خارج مصر ليس لديهم القدرة على المشاركة السياسية الفعالة نظرا لعدم المامهم بمجريات الأمور فى مصر، بل يذهبون إلى أسوء من ذلك بادعائهم عدم اهتمام المغتربين بما يجري داخليا فى مصر. ويمكن القول بأن هذا الرأى يفتقر إلى الدقة والموضوعية، ويرجع ذلك إلى عدة حقائق واقعية من بينها ما يلى:
- إن وجود الإنترنت والتواصل فى مجموعات حوارية وغرف الدردشة والمنتديات أصبح أحد الأدوات الرئيسية للتواصل بشكل لحظى بين أفراد الجالية المصرية سواء كان ذلك فيما بينهم أو فى الإتصال بالأهل والأصدقاء داخل مصر وخارجها فى كل أنحاء العالم. ويكفى النظر إلى كم الرسائل المتبادلة عبر الإيميل والتى تحمل الأخبار السياسية والمقالات وحتى النكات التى تشير إلى مشاكل وهموم الوطن.
- إن وجود المصريين فى تجمعات كبيرة بالخارج ووجود تواصل اجتماعى بينهم يسمح لهم بشكل يكاد يكون دائم بمناقشة وتبادل الحوارات حول هموم الوطن. فليس من العدل الزعم بأن العاملين بالخارج ينفصلون عن قضايا بلدهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية أو أن يطلب منهم عمدا الإبتعاد عن هذه القضايا. فيمكننى الزعم من خلال معايشتى لأبناء المحروسة خارج مصر، لحوالى خمسة وعشرون عاما، بأن الغالبية منهم ليست لديها أية مصالح ذاتية فى المطالبة بالتغيير ولكن يجمعهم التجرد و الإحساس بالمسئولية الوطنية.
- أصبحت القنوات الفضائية وما تتضمنها من برامج حوارية ومواقعها على الإنترنت مصدرا رئيسيا لكافة العاملين فى الخارج، سواء فى دول الخليج أو أمريكا و أوروبا، لتتبع أخبار مصرنا الحبيبة بشكل دائم. و يتمثل ذلك بشكل يومى فى المداخلات التليفونية بل و عبر الفيديو التى يقوم بها العديد المصريين للتعبير عن مشاركتهم الفعالة فيما يجرى على أرض مصر.
- تمثل ظاهرة الصحف الإلكترونية والنشر الإلكترونى باللغة العربية وكذلك المواقع الإلكترونية للصحف المطبوعة أحد الوسائل الأحدث التى ظهرت بشكل واضح خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وهناك العديد من تلك الصحف، سواءا كان ذلك فى مصر أو فى الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا، التى تركز أساسا على الشأن المصرى و التى تمثل نوعا من تبادل الآراء ووجهات النظر حول ما يجرى داخل الوطن. و بذلك فإنها تساهم فى خلق حالة من الوعى الدائم لدى المغتربين بكافة أبعاد الحالة المصرية الراهنة.
- ساعد الإنخفاض النسبى فى أسعار الطيران وظهور شركات الطيران الإقليمية الإقتصادية التى تعتمد على الأسعار المنخفضة وتقديم خدمة محدودة على إمكانية القيام بالرحلات المتكررة وعلى فترات متقاربة نسبيا إلى أرض الوطن، مما يشكل متابعة عن قرب للحالة السياسية والإقتصادية التى يمر بها الوطن. وفى هذا السياق يمكن القول أيضا بأن الإنخفاض النسبى فى أسعار الإتصالات التليفونية قد ساعد على المزيد من تبادل المعلومات بين المغتربين والوطن.
و مما يثير الدهشة هنا هو عدم رغبة الدولة فى تفعيل هذا الحق الذى يبدوا منطقيا وتمارسه الآن غالبية الجاليات الأجنبية فى الدول المضيفة لها. و فى هذا الصدد سوف أحاول الرحلة فى عقل العديد من متخذى القرار فى مصر علـِّى استطيع أن أجد تفسيرا لهذا الموقف المتجاهل بل وربما المتشدد تجاه قضية مشاركة العاملين فى الخارج والمغتربين فى الحياة السياسية. أعلم منذ البداية أننى قد أكون مبالغا فى هذه التصورات، ولكنى سوف اجتهد على كل حال.
يمكن الزعم بأن هناك مجموعة من المخاوف فى عقول بعض المسئولين عن هذا الملف وأهمها تحديدا:
- الرغبة المتوارثة فى الجهاز الحكومى المصرى بعدم الرغبة فى إضافة أية أعباء أو أعمال إضافية. وفى هذه الحالة تحديدا سوف يتطلب الأمر التسيق مع العديد من دول العالم التى تتواجد بها الجاليات المصرية، وكذلك الإتصال بالجاليات المصرية ذاتها، بالإضافة الى ضرورة وضع الآليات والنظم اللازمة لتنفيذ عملية المشاركة فى الإنتخابات. و من المتوقع أن يتصدرالتذرع بعدم وجود موازنات كافية قائمة المبررات التى سوف تسوقها الحكومة لرفض هذا المقترح.
- الزعم الدائم، و طبقا لنظرية العقلية التآمرية، بأن اتمام الإنتخابات فى الخارج سوف يعرضها لتدخل جهات أجنبية مما يمثل تهديدا لأمن الوطن وسلامته.
- يعلم متخذوا القرار فى مصر أن معظم المغتربين قد تركوا الوطن وهم فى حالة عدم رضاء إما بسبب عدم وجود فرص عادلة لهم فى التوظف و الحياة الكريمة أو بسبب مضايقات غير عادلة لهم بسبب مواقفهم أو انتماءاتهم السياسية. وفى هذا السياق من المتوقع أن يكون تصويتهم على غير هوى أصحاب القرار فى مصر.
- إن القيام بالإنتخابات فى بلاد خارج المحروسة سوف يحرم السلطات الأمنية والحزب الحاكم من متعتهم الدائمة وهى التدخل فى الإنتخابات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مما قد يؤدى إلى نتائج أقل ما توصف به أنها سوف تكون مقلقة لهم.
- يدرك متخذوا القرار وترزية القوانين فى مصر المحروسة أن غالبية العاملين فى الخارج والمغتربين هم من المجموعات التى تحظى بدرجة أعلى من التعليم ولديهم قدرا أكبر من الخبرة بالنظم الديمقراطية و لديهم نزعات استقلالية تمكنهم فى الحكم على الأشياء بشكل أقرب إلى الموضوعية. بل أن جميعها تجمع على أن مصر المحروسة بتراثها وثرواتها و عقول أبنائها فى الداخل والخارج تستحق أفضل بكثير مما هى عليه الآن. و فى ظل هذه الظروف من غيرالمتوقع ان تستطيع دعاية ووسائل إعلام الحزب الحاكم التأثير على غالبية العاملين فى الخارج والمغتربين.
بقى أن نتطرق الآن إلى محاولة الإجابة على سؤال يفرض نفسه من الناحية العملية و هو "ماذا يجب أن يقوم به العاملين فى الخارج لتحقيق هذا المطلب الذى يبدوا عادلا ومنطقيا بل وأيضا ممكنا؟"
و فى هذا الصدد فإننى أدعوا جميع المهتمين بهذا الأمر إلى المناقشة الهادئة والمتأنية لبعض الإقتراحات التى أراها قد تكون مؤثرة فى المرحلة الحالية. وعلى الرغم من اننى سوف أعرض لها الا أن الأمر مطروحا للمزيد من الإقتراحات العملية الأخرى التى قد تكون أكثر فاعلية فى تحقيق ذات الهدف . ومن بين هذه الإقتراحات المطروحة للنقاش ما يلى:
- إرسال رسائل بريدية و إلكترونية إلى فخامة رئيس الجمهورية والسيد رئيس مجلس الشعب والسيد رئيس مجلس الشورى ووزارة القوى العاملة للمطالبة بحق العاملين فى الخارج فى المشاركة فى الإنتخابات، والتواصل مع السادة أعضاء مجلس الأمة الشرفاء ومنظمات المجتمع المدنى لدعمهم فى تبنى تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية.
- المطالبة بشكل واضح بهذا الحق فى الإنتخاب فى كافة الندوات والمؤتمرات التى تعقدها الدولة مع العاملين فى الخارج والمغتربين والتى يحضرها المسئولين المصريين سواء كان ذلك داخل مصر أو خارجها.
· رفع القضايا القانونية بشكل رسمى أمام المحاكم المصرية و بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى للمطالبة بإلزام الدولة بتوفير الوسائل والنظم التى تمكن العاملين بالخارج والمغتربين من ممارسة حقهم الإنتخابى. وقد بادر باتخاذ هذا الموقف الإيجابى الدكتور/ أحمد دراج متضامنا مع بعض الإخوة المصريين المقيمين فى أوروبا وأمريكا و ذلك برفع عدة دعاوى قضائية أمام القضاء الإداري منذ عام 2005. وللأسف مازالت هذه القضايا الهامة تنتظر قرار المحكمتين الإدارية والدستورية العليا.
- القيام بالتظاهر السلمى فى الدول التى تسمح قوانينها بذلك وبعد الحصول على التصاريح اللازمة منها وبشكل منظم وحضارى أمام السفارات والقنصليات المصرية وتسليم وثيقه رسمية للسفراء المصريين تطالب بحق المغتربين والعاملين فى الخارج فى الإنتخاب.
- طرح إمكانية اللجوء إلى أسوأ هذه الحلول، والتى لا نرغب جميعا فى اللجوء اليه، وهو التوقف التدريجى عن القيام بالتحويلات المالية إلى البنوك المصرية كنوعا من الضغط على متخذى القرار للتعجيل بتمكين العاملين بالخارج والمغتربين من ممارسة حقهم الإنتخابى.
و أخيرا، أرجو أن يساهم هذا الطرح فى تحقيق حق سبعة مليون مصرى فى المشاركة السياسية رغم وجودهم خارج مصر المحروسة التى يعيشون همومها فى كل لحظات الإغتراب وهم متيقـنون دائما من حقها فى غدٍ أفضل.