فضيلة الإمام وحقول الألغام
...............................................................
| |
الدكتور الطيب الدينى | |
بقلم : توفيق ماضى
......................
إستبشر الجميع ، وأنا أولهم، خيرًا باختيار الدكتور أحمد الطيب لمنصب فضيلة الإمام الأكبر للجامع الأزهر الشريف. فالرجل أولا من أبناء الأزهر الكرام ويتمتع بسعة الصدر ووسطية الفكر الذى قد يرجع جزئيا إلى الدراسة فى جامعة السوربون لفترة وانفتاحه على طريقة تفكير الأخرين من أصحاب الثقافات و الديانات المختلفه. وقد كان ذلك جليا لنا فى الفتاوى التى أصدرها عندما كان فضيلته مفتيا للديار المصرية لفترة قصيره. أضف إلى ذلك بساطة و منطقية التحليل الذى يقدمه لنا فضيلته عند الإجابة على تساؤلات المسلمين حول العديد من المسائل الفقهية فى بعض البرامج التلفزيونية. فغالبا ما يقدم لنا فتواه بشكل واضح دونما أى تعقيد أو استرسال من شأنهما أن يزيدا من حيرة السائل بدلا من تقديم الإجابة القاطعة له.
أما الأمر الثانى الذى جعلنا نستبشر خيرا بهذا الإختيار، فهوأن تخصص واهتمام شيخنا الفاضل بمجال العقيدة والفلسفة الإسلامية يجعله قادرا و بجلاء على أن يقدم الرأى و النصح بإعمال العقل بناءا على مدى اتساق الحدث أو الواقعة مع الفلسفة العامة للعقيدة الإسلامية دون الوقوع فى فخ القياس المطلق على القديم. و يعد ذلك جليا فى تقبله للآخر سواء كان ذلك داخل الدائرة الإسلامية أو لأصحاب الديانات الأخرى التى نكن لها كل الإحترام و التقدير. بل إن الأمر يقتضى التعايش مع كافة الثقافات التى وان اختلفنا معها سنظل شركاء لها فى تعمير هذا الكون الذى وهبنا الله اياه وقضت حكمته الإلهية ألا نكون أمة واحده. هذه الرحابة فى الأفق، التى يتسم بها فضيلته، جعلته يرفض بشكل قاطع فكرة تكفير الآخر وما يتبع ذلك من ضرورة الصدام معه لمجرد الإختلاف فى العقيدة أو الثقافة.
ومن ناحية ثالثة، فإن فضيلته يتمتع بالبساطة والتمسك بالتواجد بين أهله وعشيرته فى جنوب مصر وانتماءه إلى أحد الفرق الصوفية، التى أسسها والده رحمه الله. كل ذلك قد جعله يجمع بين مدرستين مختلفتين فى الفكر الإسلامى هما الفلسفة و الصوفية وسوف نعول عليه كثيرا فى تحقيق المزج الأمثل بين هاتين المدرستين بل وتنقية كلا من المدرستين مما قد يتعرض، على الأقل شكليا، مع صحيح الإسلام. أتوقع لفضيلته التوفيق من الله فى تحقيق هذا التناغم والتكامل بينهما نظرا للقبول وجزيل الإحترام الذى يحظى به عند المدرستين.
أما الأمر الرابع، وهو الأهم، فهو وجود اعتراف من فضيلته فى تصريحاته التليفزيونية عقب الإختيار مباشرة بأن دور الأزهر فى العالم الإسلامى قد تراجع. ولعلى أضيف هنا أن دور الأزهر داخل مصر ذاتها قد تراجع أيضا. ولعل دليلى على ذلك هو وجود تيارات عديدة اسلامية مختلفة يتنامى دورها التأثيرى بحيث باتت تمثل مصدرا للفتوى و التأثير الثقافى على غالبية كبيرة من المجتمع المصرى، بل ربما لا أكون مخطئا إذا ذكرت بأن هناك شك ما لدى الكثير من الفتاوى والرؤى التى تقدمها المؤسسات الرسمية، ومنها الأزهر الشريف . وتعد الرؤية الجديدة التى طرحها فضيلته لعودة نظام التعليم الأزهرى الذين يركز على العلوم الدينية بشكل أكثر عمقا كما كان فى عصور إزدهار الأزهر الشريف مدعاة للإستبشار فى هذا الإتجاه. فمما لاشك فيه أن الإتجاه نحو تدريس العلوم والمجالات التخصصية (كالطب و الهندسة والزراعة و التجارة) قد أضعف بشكل كبير درجة العمق والإلمام الدقيق بفروع العلوم الدينية المختلفة لدى خريجى الأزهر مقارنة بالأجيال السابقة. فإعادة النظر فى الرسالة الرئيسية لتلك المؤسسة يعد مطلبا ملحا فى الفترة المقبلة. و قد يكون من الأنسب أن يتم تصميم برامج فى العلوم الدينية خصيصا لخريجى العلوم والمجالات التخصصية المهنية المختلفة (كالطب و الهندسة والزراعة والتجارة) الذين يتخرجون من الجامعات العادية لتأهيلهم للعمل فى الأماكن المختلفة من العالم ليكونوا أداه لنشر الدعوة فى تلك البلاد.
وعند هذه النقطة أرجو أن يسمح لى فضيلة الإمام الأكبر بأن اتطرق الى بعض النقاط التى أشار اليها فضيلته خلال اللقاء التليفزيونى الذى قامت به الإعلامية السيدة منى الشاذلى فى أول يوم لفضيلته فى مشيخة الأزهر الشريف.
أولا: عندما سئُل فضيلته عن قيام بعض خطباء المساجد بمهاجمة الدكتور البرادعى قال أن هذا من قبيل حرية الرأى. والسؤال المنطقى الآن هو هل يعنى ذلك أنه سوف يسمح للخطيب الذى يؤيد الدكتور البرادعى أو أى من أقطاب المعارضة فى مصر أن يصرح بذلك على المنبر؟ بل هل سوف يسمح للخطباء بمهاجمة الحزب و الحكومة الحاليين تعبيرا عن الغضب الشعبى العارم من تلك الأزمات التى يعانى منها المواطنين كل يوم؟
ثانيا: فى معرض التأكيد على السماحة فى قبول التيارات والمذاهب المختلفه، فاجأنا فضيلته ،دون سؤال مباشر من قبل السيدة منى الشاذلى، بأنه يتبع المذهب الشافعى و أن الإمام الراحل فضيلة الشيخ طنطاوى كان يتبع المذهب الحنفى. والحقيقة أن إعلان المذهب ليس شائعا فى مصر بل أننى أجزم بأننا جميعا فى مصر نعبد الله و نمارس اسلامنا دون أن نعلم أى من المذاهب نتبع تحديدا، حيث لا ينظر المصريون على أن هذا أمرا جوهريا بل نؤكد دائما فيما بيننا على أن "اختلافهم رحمه". و رغم يقينى التام من أن فضيلته لا يهدف على الإطلاق إلى الدعوة إلى فتح ملف الفروق بين المذاهب، أدعو الله الا يتم استغلال هذا الإعلان التطوعى عن نوع المذهب لتحقيق المزيد من التفرقة بين طوائف الأمة.
ثالثا: فيما يتعلق بالدور المتوقع من الأزهر الشريف ومن فضيلته خلال الفترة القليلة القادمة فى مصر، فإننى اتوقع ان هنا عدة تساؤلات تحتاج الإجابة المحددة عليها، ومنها: اليس من حق رجل الشارع العادى عندما تأتى قيادة جديدة مثل فضيلتكم لهذا الموقع الرفيع أن يتسائل عن موقف الإسلام و مؤسسة الأزهرتحديدا من عدم عدالة توزيع الثروة داخل مصر الآن و حقيقة أن الأغنياء يزدادون غنًى و أن الفقراء يزدادون فقرا؟ اليس من حق رجل الشارع العادى أن يتسائل عن موقف الإسلام و مؤسسة الأزهرتحديدا من تزوير الإنتخابات و من قضايا التعديلات الدستورية المطروحة على الساحة الآن بالشكل الذى يسمح بالتداول السلمى الديمقراطى للسلطه؟ اليس من حق رجل الشارع العادى أن يتسائل عن موقف الإسلام و مؤسسة الأزهرتحديدا من التجديد المستمر لقانون الطارىء الذى يستخدم لترويع وتخويف المعارضين؟
| |
الدكتور الطيب السياسى | |
رابعا: والآن ننتقل إلى أمر بالغ الحساسية والخطورة، و ليسمح لى فضيلة الإمام بأن أتناوله، وهو أمر عضوية فضيلته فى أحد الأحزاب السياسية، و هو الحزب الوطنى الديمقراطى الذى يحكم الآن فى مصر. ففى تلك المقابلة التلفزيونية بات واضحا ان فضيلة الإمام الأكبر لا يجد أى غضاضة فى ذلك بل وأن الأزهر الشريف سوف يستفيد من هذه العلاقة نظرا لما يحتاج اليه من امكانيات تساعده على تحقيق الدور المنوط به. أما و قد أوضح فضيلته ذلك صراحة فليتسع صدر فضيلته لبعض التساؤلات التى أعتقد أنها جديرة بالتأمل.
· إننى أتساءل، وليتحملنى فضيلته فى ذلك، هل من اللائق أدبيا ومعنويا أن فضيلة الإمام الأكبر الذى يجلس على كرسى مشيخة الأزهر العريق بكل ما يمثله من قوة معنوية و معرفية للعالم الإسلامى بصفة عامة ولمصر بشكل خاص، أن يكون عضوا فى حزب سياسى بما يفرضه ذلك مما يسمى بالإلتزام الحزبى و ان يرأسك، وعفوا فى استخدام هذه الكلمه، تنظيميا ولو من الناحية النظرية من هم أقل من فضيلة الإمام علما و مهابة.
· إننى أتساءل، وليتحملنى فضيلته فى ذلك، الم تحرص كل الأعراف و التشريعات والممارسات فى الأزهر الشريف على تأكيد استقلالية الأزهر حتى تنأى به عن الإنتماء لفصيل سياسى دون آخر، و أن يكون حريصا عل الوقوف على نفس المسافة من التيارات السياسية المختلفة؟ إن هذه الإستقلالية المقصودة كانت للحرص على أن يقول ما يعتقد بأنه الحق دون موائمات. و من اليقين أن ذلك المنصب الرفيع الذى أعطاه المشرع لفضيلة الإمام الأكبر بالنسبة لكبار وظائف الدولة فى مصر وفى خارجها، وعدم جواز عزله أيا كان الموقف أو الرأى الذى يبديه، لهما دلالة كبيرة على الحرص على هذا الإستقلال.
· إننى أتساءل، وليتحملنى فضيلته فى ذلك، اليس من المفترض أن دعم الدولة للأزهر يكون بناءا على توجه استراتيجى ثابت تحكمه اعتبارات المصلحة القومية والدور المصرى فى العالم الإسلامى. فلا ينبغى أن تتأثر عملية تخصيص الموارد للأزهر بدرجة رضاء من فى موقع السلطة عن توجهات و مواقف الأزهر الشريف.
· إننى أتساءل، وليتحملنى فضيلته فى ذلك، على صعيد العلاقات الإسلامية والعربية ماذا لو كان للحكومة والحزب موقف سلبى من بعض الدول، هل يعنى ذلك اتباع الأزهر لنفس الموقف وعدم التواصل مع تلك الدول؟ و هل يقتضى الإلتزام الحزبى ذلك؟
· إننى أتساءل، وليتحملنى فضيلته فى ذلك، ماذا يكون الأمر فى حالة اعتراض الناس على سياسات و نتائج أداء الحزب الحاكم، هل يعد ذلك اعتراضا على دور و موقف الأزهر بالتبعية؟ و هل سوف يجعل ذلك الأزهر الشريف فى خندق و الناس فى خندق آخر؟ وهل يعنى فشل الحكومة والحزب بالتبعية فشل الأزهر الشريف؟
· إننى اتساءل، وليتحملنى فضيلته فى ذلك، الا يرى فضيلته أن انتماءه لحزب معين سوف يضع العاملين فى الأزهر الشريف، بشكل رسمى أو غيررسمى، فى حرج شديد من حيث انتمائاتهم الحزبية؟ وهل يعنى معارضتهم بشكل مباشر أو غير مباشر للحزب الذى ينتمى اليه فضيلة شيخ الأزهر مخالفة شخصية له؟
أشكر فضيلتكم على سعة الصدر و أن يعينكم الله على تجاوز كل هذه الألغام حتى يعود للأزهر الشريف و لمنصب الإمام الأكبر الدور الريادى والتنويرى الذى قام به لأكثر من ألف عام.
...............................
د. توفيق ماضى
استاذ إدارة الأعمال بجامعة الإسكندرية "سابقا"
وبجامعة الكويت حاليا
mady@cba.edu.kw