| | | |
| | وادى الماس قصة مسعد غنيم | |
توطئة من المؤلف
تعال أرقد إلى جانبي لأنني لا أريد أن أموت وحدي، هكذا قالت لصاحبنا بهدوء وعادت إلى السرير صامتة في خطوات مترنحة من أثر إصابتها بشلل نصفي منذ عدة سنوات. إخترقت الجملة الكئيبة قلبه كسهم قاسي لا يرحم، فأجاب بالإيجاب ولم يعلق على قولها. هو يعلم أنها لم تنهزم أبدا أمام سلسلة هجمات المرض عليها طوال سنين ولم تستسلم أبدا لدرجة أن تتفوه بمثل هذه الجملة المهزومة، وهذا ما فطر قلبه بقسوة. يعلم صاحبنا تماما أن صاحبته لم تزد عن ذلك بحرف لأنه من الصعب عليها جدا أن تستسلم أو تظهر ضعفا، فهي تقاتل ضد مرض قلبها طوال سنين عدة لم تزدها إلا إصرارا على الحياة، وإستبشارا بكل جمال فيها، وملئا لكل جوانب حياتها ومن حولها بحب يبدو وكأنه يتدفق من نهر سرمدي لا يعرف للجفاف موسما.
آثر صاحبنا الصمت، وإكتفى بالذهاب خلفها وتمدد بجانبها وربت على كتفها نصف المشلول في صمت ثقيل. لم يتبادلا أي حديث وإكتفيا بكلام الصمت الذي يعرفانه جيدا، فقد كانا يعلمان تماما ماذا سيقول كل منهما لصاحبه. كانت لا تريد له أن يتألم بسببها ولكنها تعلم أنه يعلم ما قد تقول! فلم يكن من صمتها بد، وكان لا يريد أن يزيدها رعبا من الموت بعد قولها الصادم ولكنه كان يعلم أنها تعلم ما قد يقول فكان لابد وأن يصمت. خيم صمت الموت عليهما ثقيلا كئيبا فإكتفيا بكلام الصمت الذي مارساه طوال رحلتهما عبر أربعين عاما منذ وقعت عيناه عليها لأول مرة. حينئذ ظن أنها جنية من تحت الأرض لأنها كانت تشع نورا ضرب قلبه قبل أن يبهر بصره، إلا أن ذلك اليوم كان أول جمعة من شهر رمضان الموافق 1969! وتلك كانت بداية قصة حب نادرة قد لا يصدقها الكثير.
أما وقد رحلت في هدوء وصمت كشأنها طوال حياتها كلها، فكيف يمكن لصاحبنا أن يستشعر الحياة وقد كانت هي حياته لأكثر من أربعين عاما؟ أعطته حياتها وأبنائهما، ولم تفكر يوما أن تطلب المقابل، حتى أنها خوفا على مشاعره أخفت عنه في الساعات الأخيرة لها آلام قلبها الذي طالما عانت منه في صمت، يا ألله، نعم....إلى هذا الحد كانت تضحيتها من أجله. هل كتب عليه أن يقبع في هذا الوادي السحيق من الحزن والألم إلى أن يلحق بها في وادي الماس؟ كان الذهاب معا إلى وادي الماس أمنية حياتهما، ومنذ أن إندمجا في روح واحدة في بدء رحلة حبهما، تمنيا أن يموتا معا بأن يذهبا سويا، عندما يحين الحين، إلى ذلك الوادي الأسطوري في جنوب أفريقيا حيث كان يذهب الناس في نهاية حياتهما أزواجا أزواجا ليموتوا هناك في سلام....في وادي الماس، حيث لا يحزن أي منهما على حبيبه بعد الفراق. كانت تلك أمنيتهما، وكانت أمنيتها إن لم يموتا معا أن تسبقه هي حيث لن يحتمل قلبها الرقيق فراق صاحبها فتفقد عقلها أو تنهي حياتها بنفسها....هكذا كتبت له قبل ما يقرب من أربعين عاما! فإستجاب الله أمنيتها ورحلت هي أولا، ولطالما أحس هو بذلك، ليس بسبب قلبها المريض، فالأعمار بيد الله، ولكن لأنه يشعر دائما بأنها قريبة من الله بشكل خاص، فقد كان لديها ذلك الفيض اللانهائي من الحب غمرت به كل من عرفها، ولم يعرف قاموس مفرداتها كلمة كره أبدا، مهما إستبد بها الغضب.
كان هذا مشهد الوداع، فكيف كان مشهد اللقاء في أول جمعة من رمضان 1969؟ إنه لا يقل عنه تفردا وتميزا...... بل إنه يكاد يكون إشارة إلى قصة حب حقيقية تكاد من روعتها ألا يصدقها أحد. ولنعد إلى البدء.....
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|