اغتصاب السلطة الجاري، هل يمكن أن يكون في صالح مصر؟
...............................................................
| |
مبارك | |
بقلم : مسعد غنيم
.....................
سياسيا، فالتعريف البسيط للقوة يمكن أن يكمن في القدرة على أمر الناس لفعل شئ ما، أو في القول بكيفية فعل الشئ أو تنظيمه. أما السلطة فتكمن في اكتساب القوة بالإجماع؛ وعندما يقال أن شخصا أو لجنة ما أو حكومة ما، تملك السلطة، فإن السبب الذي يبرر ذلك يعرف بالشرعية. والفقهاء القانونيون والدستوريون المعارضون في مصر الآن، وأبرزهم الدكتور يحيى الجمل وأشهرهم الدكتور محمد البرادعي، والسياسيون المخضرمون أيضا مثل الأستاذ هيكل؛ جميعا ينفون تلك الشرعية عن أي انتخابات قادمة في ظل التعديلات الدستورية الأخيرة التي حصرت الترشح لكرسي الرئاسة عمليا في "جينات" شخص الرئيس الحالي، فيما يعتبر اغتصاب سلطة حقيقي. ومن هنا فقد انكشفت بجلاء أزمة السلطة وشرعيتها في مصر، جلاء أفقد مناصري النظام الحاكم من القانونيين والسياسيين معظم مصداقيتهم.
ميكافيللية وليبرالية
دعنا نغض النظر مؤقتا عن عمق دهاليز الفقه السياسي والتلاعب بالقانون، وننظر إلى مصلحة مصر الدولة نظرة شاملة. هل يمكن غض النظر عن طريقة الوصول إلى الحكم ومقاليد السلطة، بدعوى أن من سيصل سيعمل على مصلحة مصر، بمعنى أوضح؛ هل الغاية تبرر الوسيلة؟ أو هل مازال ميكافيللي يتربع على عرش السياسة الواقعية؟
وإذا سلمنا لميكافيللي بالعقل والواقعية، فهل يمكن تجنب الأثر المباشر لاغتصاب نخبة الثروة للسلطة، في إحداث مزيد من سوء توزيع الثروة وتضييق أرزاق أغلبية المصريين؟. إن هذه النخبة الحاكمة الآن تتبنى النموذج الرأسمالي الليبرالي الذي ثبت توحشه وظهر خلله الهيكلي في الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، وهي تؤمن به وتطبقه بأسوأ صورة، خارج سياقه الديموقراطي وبدون ضمانات اجتماعية حقيقية تقارب حتى الحد الأدنى في النموذج الغربي، أو في الممارسة الشرقية (ماليزيا مثلا)، ويستمر التطبيق بدون اعتبار حتى لما ثبت من خلل فيه. هل يمكن لهذه النخبة أن تستجيب لمطالب الأغلبية المطحونة بعد أن تستولى على السلطة لثلاثين عاما قادمة، وهي الآن وفي المرحلة الانتقالية، لاتعبأ من حيث المبدأ بأي آثار سلبية لتطبيق النموذج الليبرالي، بدعاوي أن تلك آثار "طبيعية" للعولمة؟
أبعاد وطنية ودينية
وإذا افترضنا أن تلك النخبة المتسلطة ستعمل، عاجلا أو آجلا، على رفع الحد الأدنى لمستوى معيشة المصريين حفاظا على مصلحتها هي في الاستمرار بالسلطة، فهل ستعمل تلك النخبة على الاستجابة واحترام مشاعر المصريين في رفضهم لممارسات المشروع الصهيوني في تهويد القدس مثلا؟ أو هل يمكن لتلك النخبة، بحكم مصالحها الذاتية والقصيرة النظر جدا، أن تتخلى عن تحالفها الجيوسياسي مع الدولة الصهيونية، اتساقا مع الاستراتيجية الصهيو-أمريكية في حصار إيران، وفي تصفية أي ملامح مقاومة عربية للممارسات غير المشروعة للكيان الصهيوني، ليس أبشعها حصار لأنساني لأكثر من مليون ونصف فلسطيني في غزة، ناهيك عن حرق الأطفال والنساء بالفوسفور وإدانة الأمم المتحدة للدولة الصهيونية؟ وليس أقصاها المزيد من التفكيك للوطن العربي، بل والكفر علنا بالعروبة بمناسبة (كروية) أو بغير مناسبة، في تجاهل جاهل للقرآن العربي ذو اللسان العربي المبين والذي تدين به الأغلبية المسلمة!.
هل يمكن فك ذلك الارتباط الجيوسياسي الواضح عن الارتباط الجيواقتصادي بالدولة الصهيونية، والذي تتجلى أبسط مظاهره في الإصرار على تصدير الغاز المصري لها بأبخس الأثمان في تحد سافر لإجماع شعبي كاسح؟
تحالف جيوسياسي وجيواقتصادي
وإذا افترضنا، خارج حدود المشاعر الوطنية والدينية، أن التحالف الجيوسياسي والجيواقتصادي مع الدولة الصهيونية، في الإطار الاستراتيجي الكوني الأمريكي، هو الذي يضمن تدفق المعونات الأمريكية والأوروبية واليابانية والكندية، وكذا تدفق الاستثمارات الخارجية الحيوية لضخ الحياة في شرايين الاقتصاد المصري لزيادة التصدير الذي هو مسألة حياة أو موت للدول - مثال مشروع الكويز الذي يزيد من صادرات مصر من المنسوجات والملابس لأمريكا بشرط وجود مكون إسرائيلي في المنتج بنسبة ما (14% على ما أظن)- فهل سيعود جزء عادل من عائد تلك التنمية على أغلبية المصريين؟ قد تكمن الإجابة على هذا السؤال في سؤال آخر: وهل مافات من تنمية تحت نفس الشروط الجيوسياسية والجيواقتصادية أتى بهذا العائد؟ إن النظام نفسه لم يجد مفرا من الاجابة بالنفي على هذا السؤال، في اعتراف واضح بفشل البعد الاجتماعي لتنمية اقتصادية مزعومة في ظل جيوسياسة مرفوضة شعبيا!.
من حق المهمومين المصريين أن يقلقوا على مصر الدولة، مصر الجيوسياسية والجيواستراتيجية، ناهيك بمصر التاريخ! وليس مجرد مصر السلطة و النظام، أو مصر السياسية الاجتماعية. فمصر، تلك الأولى، في المدى المتوسط والبعيد، هي التي تحدد مصير مصر،هذه الأخيرة، بدءا من الحرية في مطلقها، وانتهاء برغيف الخبز والمسكن والجنس الشرعي! في أدناها.
عناصر القوة لاغتصاب السلطة
القوة الحالية التي يخطط لاغتصاب السلطة بها في مصر، هي نفسها القوة التي طالما حكمت عبر التاريخ. وتتلخص العناصر المادية لتلك القوة في ذهب المعز وسيفه، أو سيفه وذهبه حسب الأولوية الظرفية. ومن منظور جيوسياسي فمن الواضح أن معز القرن الواحد والعشرين يسكن البيت الأبيض في واشنطن، ومن عنده تبدأ روافد قوة السيف ويبدأ شعاع بريق الذهب. ويمكننا أن نرى أن سيف المعز في مصر قد حسم اتجاهه للداخل عندما أفقد النظام عمدا مفهوم العدو في الخارج، وأسقط ضرورته الجيوسياسية لأي قوة ذاتيه بتوقيع معاهدة اسمها السلام وواقعها الخروج من الجغرافيا وربما من التاريخ أيضا، المعاصر على الأقل. وبهذا تفرغ النظام للعدو البديل والمصنوع في الداخل تحت اسم الإرهاب، بجيش من الشرطة يفوق عددا جيش مصر في حربها مع العدو الصهيوني في أكتوبر 1973. أما الجيش المحارب فأمره غير مطروح للنقاش العام بمفهوم خاص للأمن القومي، وهو قوة تحسب لصالح النظام في الغالب الأعم، ومحايدة في أفضل التوقعات أو الأحلام!. بمحصلة قوى ذانك الجيشين، يمتلك النظام في مصر أول عناصر القوة لاغتصاب السلطة.
أما العنصر الثاني للقوة والمتمثل في الثروة أو ذهب المعز، فلم تتوانى النخبة الجديدة في اغتصابه واقتناصه مباشرة بعد فض الاشتباك مع العدو الصهيوني ومع ظهور أول بوادر اتجاه مكافئات نصر أكتوبر 73 بعيدا عمن صنعوه في الأساس، جيشا وشعبا. وبدأ ذلك، طبقا لرواية الأستاذ هيكل، عندما خلق السادات أكثر من ألف مليونير بين عشية وضحاها بمنحهم توكيلات الشركات العالمية التي كانت في حوزة شركات القطاع العام، أي في حوزة الشعب. وهي بغض النظر عن حجم الفساد في القطاع العام، لم تكن لتصل إلى الاستحواذ الكامل على عائدها لصالح أفراد محدودين. وفي إطار تحرير الاقتصاد وعمليات الخصخصة للقطاع العام، وإقطاع أراضي الدولة للمحظوظين، تم الاستيلاء على ذهب المعز المحلي – غير الممنوح من السلطان الأمريكي – وبهذا اكتمل عنصري القوة من السيف والذهب، وهما، تاريخيا، كافيان لاغتصاب أي سلطة في غياب الديموقراطية الحقيقية.
أما وقد رأينا أنه لم يكن هناك خير عائد وعادل على أغلبية المصريين من نتائج أعمال نخبة الثروة والسلطة الحالية، بكل إطاراتها ومرجعياتها السياسية من ليبرالية اقتصادية منسوخة بغباء، وليبرالية سياسية شكلية لا يتحرج المصدر الأمريكي نفسه من وصفها بالديكتاتورية، ولا يخجل النظام الحاكم ذاته من التصريح بعدم أهلية المصريين للديموقراطية!، بعد هذا، هل من المنطق والعقل والواقعية الميكافيللية أن نتوقع أن يؤدي اغتصاب السلطة الجاري تنفيذه ببرود وبجاحة أن يعود بعائد أفضل على أغلبية المصريين؟
إذن، وإجابة على كل تلك الأسئلة التي امتلأ بها المقال، لا بواقعية ميكافيللي، ولا باقتصاد آدم سميث أو ألان جرينسبان، سينصلح حال مصر بدون ديموقراطية حقيقية. وباختصار شديد، إن اغتصاب السلطة الجاري في مصر الآن على قدم وساق، في ظل تحالف مخل جيوسياسيا وجيواقتصاديا مع المشروع الصهيو – غربي، ليس بأي حال في صالح الأغلبية المهمشة من الشعب المصري، مهما كانت دعاوي التنمية الاقتصادية وشعارات الديموقراطية الزائفة.
16 ديسمبر 2009
06/11/2014