| | | | مصر وكارثة خريف العمر
| | مبارك | |
بقلم: غريب المنسى ..........................
يمر الانسان بمحن عبر حياته , والبعض منا يمر بكوارث قسمها علماء النفس الى ثلاث دورات كارثية. فقد تواجه الانسان كارثة فى مقتبل حياته وقد تأتى الكارثة فى منتصف العمر وقد تواجهه فى خريف العمر, وبالنسبة للنوع الأول والثانى من الكوارث يستطيع الانسان من مواجهتها والتعايش مع نتائجها وأحيانا كثيرة يمكنه العودة الى حياته الطبيعية ويواصل نجاحه فى الحياة مستمدا خبرته من معاناته ومعايشته لهذه الكوارث ومن نتائجها التى تفيده على المستوى الايمانى والحياتى , ولكن أخطرها وأصعبها هى الكوارث التى تواجه الانسان فى خريف العمر لأنه فى معظم الحالات يذهب الانسان الى قبره مكسور القلب لأنه فشل فى عبور الكارثة التى هبطت عليه فى توقيت عمرى صعب لايستطيع بما تبقى له من سنوات بسيطة من أن يتغلب عليها ويعبرها وأن يمارس حياته بطريقة طبيعية مرة اخرى. والكوارث فى معظمها تكون قدرية لايكون للانسان فيها أى اختيار, وبعضها يكون لتصرفات الانسان وخياراته وقرارته سبب مباشر فى نزول الكارثه.
يمر الرئيس المصرى حسنى مبارك كبير العائلة المصرية والرجل الوحيد المسؤول عن مصر فى الثلث قرن الأخير بما يسمى بكارثة خريف العمر, وهى كارثة ليست قضاء وقدر ولكنها نتيجة طبيعية لكل قراراته وتصوراته منذ أن تسلم السلطة فى ثمانينات القرن الماضى . والكارثة هنا اقتصادية وتنمومية , والأسوء أنه ليس أمامه متسع من الوقت لمعالجة هذه الكارثة وقد يذهب الى قبره مهزوما, بغض النظر أى نجاحات أخرى حققها فى خلال فترة حكمه المديدة فالعبرة بالنهايات دائما.
عندما تسلم الرئيس مبارك كان عدد السكان فى محيط الستين مليونا واليوم وهو على أعتاب الناهية اقترب العدد قليلا من مؤشرالتسعين مليونا , كل هذه الأعداد تعيش تقريبا فى نفس المساحة التى عاش فيها المصريين منذ نهايات القرن الثامن عشر, ولم تواجه الرئيس مبارك خلال فترة حكمه حروب وكوارث طبيعية بل على العكس تسلم البلد فى وضع سلمى واقتصادى معتدل , وكانت كل المؤشرات تدل على اننا سندخل عصر التنمية من أوسع أبوابه. والآن بعد ثلاثين عاما من حكمه يواجه المصريين حزمة من المشاكل الاقتصادية تؤثر بشكل مباشر على حياتهم ولايوجد أى دليل على أن هناك دراسات علمية لمواجهة هذه الأزمات , ولكن كل ماهو موجود عبارة عن تصريحات عشوائية تفضيلية لن تحل أيا من هذه المشاكل على المدى المنظور بطريقة حاسمة .
مالخطأ الذى وقع فيه داهية سياسية بحجم الرئيس مبارك جعلته يواجه خريف العمر بكارثة سياسية واقتصادية ربما لن ينجو منها ؟ ولماذا وضع الرئيس المصرى كل بيض المصريين فى سلة واحدة وهو الرجل العسكرى الذى يعرف جيدا معنى وأهمية الحيطة؟ ولماذا انفصل الرئيس مبارك عن الواقع ويصرعلى أن الأمور جيدة متكئا على عصا نظرية المؤامرة سواء كانت خارجية أم داخلية؟
كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير تؤدى الى اجابة واحدة : الرئيس مبارك رجل كسول بطبعه لم يعرف عنه أنه قارىء جيد ولم تنشر له أى صور وهو يتابع التقارير الوزارية المختلفة من غرفة مكتبه وكل الصور المنشورة له يكون فيها جالسا مع الضيوف من الوزراء أو الضيوف الأجانب. وهو مهتم جدا بأمنه الشخصى ويعبد ذاته لدرجة الكفر.
وبنظرة سريعة للمشاكل القائمة حاليا فى مصر لحظة نشر هذا المقال فهى كالتالى :
هناك ٣٠ مليون مصرى مريض بالاكتئاب، منهم مليون ونصف المليون مرضى بالاكتئاب الجسيم، من بينهم ١٥% يلجأون إلى الانتحار (المرجع: د. أحمد عكاشة فى ندوة «المصرى اليوم» بتاريخ ٢٨/٩/٢٠٠٩). مصر تحتل المركز ٥٧ من بين ٦٠ دولة فى تقرير البؤس العالمى (المرجع: مؤشر بلومبيرج). لدينا ٤٨ مليون فقير و١١٠٩ مناطق عشوائية (المرجع: تقرير صندوق النقد الدولى للتنمية الزراعية). لدينا مليونان ونصف المليون يعيشون فى فقر مدقع (المرجع: تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإدارية).
٤٥% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر بأقل من دولار فى اليوم (المرجع: لجنة الإنتاج الزراعى فى مجلس الشورى). لدينا ١٢ مليون مصرى دون مأوى، منهم مليون ونصف المليون يعيشون فى المقابر (المرجع: الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء). ما لا يقل عن ٤٦% من الأسر المصرية لا تجد الطعام الكافى للحركة والنشاط (المرجع: تقرير شعبة الخدمات الصحية والسكان فى المجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية).
لدينا ٨٨ ألفاً و٧٧٩ قتيلاً و٣٧٩ ألفاً و٢٣٣ مصاباً بسبب حوادث الطرق فى الفترة من ١٩٩٠ إلى ٢٠٠٦، وهو ما يمنح مصر المركز الأول على مستوى العالم (المرجع: الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء). لدينا ٧٣٩٤ حادثاً بقطاع السكة الحديد فى الفترة من ٢٠٠٠ إلى ٢٠٠٦ أسفرت عن مصرع ٥٧٣ شخصاً وإصابة ٨٠٥ آخرين، كما أن لدينا ٤ مليارات جنيه خسائر سنوية بسبب حوادث الطرق (المرجع: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار). لدينا ٣٩ ملياراً و٣٧٣ مليوناً و٥٢٤ ألف جنيه أموالاً و٣٧٠٤٤١ فداناً دارت حولها أخبار الفساد المالى والإدارى والإهمال وإهدار المال العام فى الفترة من أبريل ٢٠٠٨ إلى يناير ٢٠٠٩ (المرجع: تقرير عام ٢٠٠٨ لمركز الدراسات الريفية).
مصر تحتل المركز الأخير بين ١٣٤ دولة فى معدل تعيين الأقارب والأصدقاء فى المناصب المختلفة (المرجع: تقرير التنافسية العالمية). مصر تحتل المركز ١١٥ بين ١٣٤ وفقاً لمؤشر مدركات الفساد الذى يقيس درجة انتشاره بين المسؤولين فى الدولة (المرجع: تقرير التنافسية العالمية). مصر تتراجع من المركز ٧٢ عام ٢٠٠٦ إلى المركز ١٠٥ عام ٢٠٠٧ إلى المركز ١١٥ عام ٢٠٠٨ فى مؤشر الشفافية والنزاهة (المرجع: منظمة الشفافية العالمية). لدينا أعلى معدل لوفيات الأطفال فى العالم بواقع ٥٠ طفلاً لكل ١٠٠٠ مولود (المرجع: جهاز التعبئة العامة والإحصاء).
نصف أطفال مصر لديهم أنيميا، و٢٩% منهم لديهم تقزم، و٢٤% منهم لديهم قصر قامة حاد، كما أن لدينا ٨ ملايين شخص مصاب بالسكر و٩ ملايين شخص مصاب بفيروس سى الذى يضع مصر على قمة دول العالم فى الإصابة بهذا المرض (المرجع: د. مديحة خطاب، رئيس لجنة الصحة بأمانة السياسات فى الحزب الوطنى الديمقراطى). لدينا ٢٠ ألف مصرى يموتون سنوياً بسبب نقص الدماء (المرجع: تقرير لوزارة الصحة المصرية). لدينا أكثر من ١٠٠ ألف مواطن يصابون بالسرطان سنوياً بسبب تلوث المياه (المرجع: د. أحمد لطفى، استشارى الأمراض الباطنة والقلب فى مستشفى قصر العينى).
لدينا سيارة إسعاف لكل ٣٥ ألف مواطن (المرجع: د. حاتم الجبلى، وزير الصحة، الأهرام فى ٣/٧/٢٠٠٨). من كل ١٠٠ شاب لدينا ١٦ استخدموا المخدرات، ولدينا ١٠ ملايين عاطل بين سن ١٥ و٢٩، أى نحو ٢٢% من إجمالى قوة العمل، كما أن لدينا ٩ ملايين شاب وشابة تخطوا سن ٣٥ دون زواج، بمعدل عنوسة ١٧%، ولدينا ٢٥٥ ألف حالة زواج عرفى بين الطلاب، وهو ما يعادل ١٧% من إجمالى طلاب الجامعات فى مصر، نتج عنها ١٤ ألف طفل مجهول النسب.
مصر أيضاً تحتل المركز الأخير بين ١٣٤ دولة فى مؤشر كفاءة سوق العمل والمركز ١٢٩ فى معدل هجرة العقول العلمية والموهوبة والمركز ١٢٥ فى مؤشر استقرار الاقتصاد الكلى (المرجع: تقرير التنافسية العالمية). لدينا أخيراً ٤٠ حالة تعذيب ثابتة رسمياً فى عام ٢٠٠٧ و٢٨ حالة ثابتة رسمياً فى عام ٢٠٠٧ عدا الحالات التى لم يمكن إثباتها، كما أن لدينا حالة وفاة تحت التعذيب فى ٢٠٠٧ و٥٦ حالة تعذيب لمواطنين داخل أقسام الشرطة، من بينها ١٣ حالة وفاة غامضة و٢٥ حالة اضطهاد واحتجاز تعسفى فى الفترة من يونيو ٢٠٠٨ إلى فبراير ٢٠٠٩ (المرجع: المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)».
السبب الرئيسى فى انحراف قيادة مبارك أن مصر تدار بعقليتين مترادفتين , العقلية الأولى هى عقلية الرئيس ورجاله وهم من أطلق عليهم الحرس القديم , والعقلية الثانية وهى عقلية جمال مبارك ورجاله وهم من أطلق عليهم الحرس الجديد تدعمه والدته السيدة سوزان مبارك .
يحكم مبارك مصر بقانون الطوارىء منذ اليوم الأول لعهده وهذا القانون من المفروض أن يطبق فى حالة الطوارىء فقط ولكنه مازال مصر على استخدام هذا القانون , وهو سيف مسلط على رقاب المعارضة الجادة التى تطالب بالتغيير وفى ظل هذا القانون زيفت ارادة الشعب فى كل الانتخابات البرلمانية والرئاسية ومابينهما. وهذا ما جعل الأمور تصل الى طريق مسدود مع رجل الشارع العادى الذى وجد نفسه محاطا بقوانين وضرائب مع انخفاض ملحوظ فى الدخل.
الرئيس مبارك اقتنع مبكرا بأن استقرار حكمه سيكون بمجاراة الولايات المتحدة واسرائيل سياسيا , وهذا كان صحيحا الى حد ما فى ثمانينات وتسعينيات القرن الماضى والجزء الأول من هذا القرن , ولكن هناك تحولات خارجية طرأت على الساحة الدولية لم يتداركها مبارك , فالولايات المتحدة تترنح اقتصاديا الآن ومثخنة بجراحها الاقتصادية الداخلية ولم يعد يهمها نظامه فكل ماكانت تريده فى الشرق قد تم بالفعل , واسرائيل هى الأخرى سئمت من سياسات مبارك المضللة وبدت وكأنها تبحث هى الأخرى عن زعيم مصرى جديد .
الأيام القليلة القادمة ستحدد بالضبط مستقبل مصر وهل مبارك لديه النية فى الاصلاح الداخلى أم مازال مصرا على العناد؟ علما بأن مبارك ليس منتخبا من الشعب منذ بداية عهده وهو يعتبر رئيس غير شرعى بالمقاييس الغربية وهذا مايجعل الغرب أكثر تعاطفا مع جيل الشباب الثائر الراغب فى التغيير.
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|