شيطنة السادات – الجزء الثانى
...............................................................
| |
الرئيس السادات | |
بقلم : غريب المنسى
.........................
يستخدم الأستاذ هيكل طريقة فريدة فى كتابته للتاريخ على طريقته, وليس على مزاجه, فالفرق بين "طريقته ومزاجه" واضح , ففى الأولى هو ملتزم بالوقائع التاريخية المثبته ,وفى الثانية يكون الخيال هو المصدر الأول لكتابة التاريخ. والرجل وحتى هذه اللحظة لم يؤلف تاريخا ولكنه يضغط عليه ليسخره فى خدمة أهدافه وأغراضه المبيته , ووسيلته وطريقته لذلك هو أنه يفكك الوقائع التاريخية كل على حدة , ويربطها بعوامل عالمية واقليمية ومحلية لزوم تتويه القارىء , ثم يركبها مرة أخرى على طريقة الثلاث ورقات !! وتحت عنوان مفهوم التحليل السياسى الشامل والقراءة الاستيراتيجية المتكاملة يستنبط النتيجة التى يريدها هو من عملية الفك والتركيب ويقوم بتوجيه النتائج الى الشخص الرئيسى فى هذه المرحلة التاريخية. فاذا كان هذا الشخص هو عبد الناصر كانت نتائج التحليل ايجابية ومبشرة وقومية من الطراز الأول , وأما اذا كان الشخص الرئيسى فى تلك المرحلة هو الرئيس السادات , تكون المحصلة سلبية وسوداء وانهزامية !! وهو بهذه الطريقة المتقنة الخادعة كمن يكتب نهاية التاريخ مع سبق الاصرار والترصد .
تعرض الأستاذ هيكل لموضوع الاحتقان الطائفى فى مصر ومنذ قيام الثورة الى اليوم , ومن المفروض أنه يتناول ثلاث مراحل رئيسية لهذا الاحتقان, المرحلة الأولى كانت فى عصر عبد الناصر, والثانية فى عصر السادات , والثالثة فى عصر مبارك. والمفروض أنه يخلص لنتيجة مجردة خالية من التشويس خالصة لوجه الله يقدمها للقيادات السياسية والدينية وللقارىء العادى المهتم , وهذا هو المطلوب من كاتب فى قامة هيكل .
ولكن الأستاذ هيكل تناول فقط مرحلتى عبد الناصر والسادات , وتوقف طويلا أمام سياسة كل منهم فى التعامل مع هذا الاحتقان , وطبعا كانت سياسة عبد الناصر ناجحة جدا جدا جدا , وسياسة السادات كانت فاشلة جدا وانهزامية, ولسبب ما نسى مرحلة مبارك تماما , علما بأن فترة مبارك فى الحكم هى الأطول , وفى عهده الميمون ظهرت مشاكل فى مصر لم تكن موجودة فى عهد أيا من سابقيه , والاحتقان الطائفى لم يأخذ شكل المواجهة الحادة والدامية بين قطبى الأمة الا فى عهده .
السؤال الآن : هل نسيان هيكل لمرحلة مبارك فى التقييم كان عفويا ؟ أم لأنه أراد أن يسخر التاريخ هنا لخدمة هدفه المبيت فى الهجوم وتشويه صورة السادات؟ أم لأنه منتظر حتى يرحل مبارك ويقوم هو بالتفكيك مرة أخرى ويقوم بنسبة مشاكل مصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والشبابية الى الرئيس السادات مرة أخرى متذرعا هذه المرة بسبب وجيه , وهو أن السادات هو الذى اختار مبارك , فلولا هذا الاختيار لكانت مصر دولة خالية من المشاكل?!!.
وعلى الرغم من زعم قيادات الأقباط بأن عصر مبارك هو عصرهم الذهبى , فنحن نرى أنهم منافقون لأنه بكل بساطة لم تكن مشاكلهم ولا شكواهم بهذه الحدة الا فى عصر الرئيس مبارك, ففى عصر عبد الناصر والسادات كانت مشاكلهم واضحة وتصدى لها كل من الرئيسين وتعاملا معها بكل صراحة وحزم ووضوح , أما فى عصر الرئيس مبارك ليست هناك وثائق كافية ولا احصائيات مسجلة توضح لنا ماهى الميزات الخطيرة التى حصلوا عليها وجعلت عصره فعلا ذهبيا ؟ اللهم اذا افترضنا ان سياسة "شيلنى وأشيلك" التى يتبعها النظام الحالى مع شنودة وهى مقاصة خاسرة ومدمرة على المدى الطويل تعتبر انجازا مهما للأقباط .
عندما جاء الرئيس السادات الى قمة السلطة فى مصر كانت أمامه تحديات داخلية وخارجية , فعلى المستوى الداخلى تخلص من كل معارضيه من حقبة عبد الناصر واللذين أرادوا أن يتلاعبوا بالشرعية الدستورية فى شل نظام الدولة فى حالة الحرب , وكان أمامه مشكلة شنودة أيضا وعلى المستوى الخارجى كانت تواجهه مشكلة تحرير سيناء . وقد تصرف الرجل بمهارة سياسية مع كل هذه التحديات . ونحن هنا لسنا بصدد سرد تاريخى لفترة حكم الرئيس السادات بقدر مانحن نريد أن نوضح للسادة القراء أن الرئيس السادات تعامل مع طلبات ومخاوف الأقباط بشىء من العدل والمسؤولية .
الرئيس السادات هو الرئيس المصرى الوحيد الذى لم يعتمد على تقارير الأمن المفبركة وشكل لجنة تقصى حقائق برئاسة الدكتور جمال العطيفى وكيل مجلس الشعب ليصل الى الحقيقة كاملة فى مشاكل الزواية الحمراء علما بأنه كان فى فترة حرب وكان بامكانه اصدار قوانين طوارىء صارمة تساعده فى السيطرة على آية أحداث داخلية , وهو الرئيس الذى صلى فى الكاتدرائية فى العباسية وحتى يرضى شنوده ويهدىء من مشاعر الأقباط ووافق على مضاعفة عدد الكنائس المصرح له ببنائها فى السنة وقد كانت 25 كنيسة فى عهد عبد الناصر. وهو الرئيس المصرى الوحيد الذى استخدم القانون فى مواجهة شنوده عندما تأكد من نواياه التوسعية وميله لاذكاء الفتنه بين أبناء الوطن الواحد .
وكأن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى .. وبعد مايقرب من ثلاثين عاما على وفاة السادات , مازال شنوده حيا يرزق بمشاكله , ومازال هيكل حيا يرزق يتهم السادات فى مشاكل شنوده وجماعته , ومازالت مشكلة الأقباط بلا حل فى عصر الرئيس مبارك الذى يدعى الأقباط بأنه عصرهم الذهبى !!
السؤال الآن : ماذا لو رحل مبارك بدون مواجهة حاسمة مع مشكلة جوهرية تمس أمن الوطن والمواطنين , هل سيكون وضع الأقباط أحسن حالا من عصر عبد الناصر والسادات ؟ وهل سيقف هيكل لينظر لنا الأسباب والنتائج ليربطها بنظرية صراع الحضارات ومفهوم نهاية التاريخ ليعود مرة أخرى ليلوم فيها السادات .
رحم الله السادات رحمة واسعة وألهم محبيه الصبر على موته وعلى تزوير تاريخه.