وزير الفقراء
...............................................................
| |
واحدة من ملايين الفقراء | |
بقلم : غريب المنسى
........................
مشكلة الفقراء دائما فى كل العالم شرقه وغربه أنهم مهمشون فى كل الدوائر, ففى دائرة صنع القرار يكون ذكرهم مجرد تحصيل حاصل لمجرد اظهار نوع من التعاطف معهم للاستهلاك المحلى ولدواعى الانتخابات, فالدولة فى الغرب مازالت تعانى من مشاكل الفقراء, والفقراء فى الولايات المتحدة عددهم يضارع الشعب المصرى كله ولكنهم فقراء بحد أدنى من الكرامة!! ومشاكل الفقراء ستظل موجودة الى يوم الدين ولكن هيهات بينهم فى الغرب والشرق. وعلى الرغم من أن الدول فى العالم الثالث تخصص جزء كبير من ميزانيتها لدعمهم , لكن عند وصول الدعم لمستحقيه يكون هذا الدعم غير ملموس على الاطلاق , ومن هنا جاءت المشكلة الأبدية والتى عانى منها الشعب المصرى منذ قيام الثورة وحتى يومنا هذا , هذه المشكلة تتلخص فى عدم القدرة على التوازن فى التخطيط , فالمخططين الاقتصادييين مصابون بالعور دائما فهم اما فى صالح الفقراء على طول الخط كما فى تجربة عبد الناصر أو فى صالح الأغنياء على طول الخط كما فى تجربة مبارك , ولقد فشلت الحكومات المتاعقبة فى ايجاد نوع من التوازن الاجتماعى بين الفقراء والاغنياء وهذا يرجع فى المقام الأول الى أنهم يستخدمون اسطامبات اقتصادية جامدة استوردوها من الخارج ويطبقونها بطريقة صماء سواء كان مصدرها الكتلة الشرقية فى الماضى أو الكتلة الغربية فى الحاضر.
دورالدولة هنا أن تجد نقطة الالتقاء الحدية بين مزايا الأغنياء ومصالح الفقراء, فالمجتمع بدون أغنياء سيكون مجتمع ضد طبيعة التقدم الاقتصادىوالابتكاروضد طبيعة الأشياء, وأيضا المجتمع المكتظ بالفقراء هو فى الواقع مجتمع يمتص أى معدلات للنمو الاقتصادى ولاتظهر فيه أبدا نتائج أى تخطيط اقتصادى ولو حتى استعانت الدولة بمخططين من الجان .
وعدم قدرة الدولة على التوصل الى نقطة الالتقاء الحدى هذه وضع القيادة السياسية أمام أمرين : وهو الانحياز لفئة أيا كانت هذه الفئة ضد الفئة الأخرى, فعبد الناصر انحاز للفقراء ضد الاغنياء لأنهم الفئة العظمى , ومبارك انحاز لفئة الأغنياء لأن صندوق النقد الدولى هو الذى قرر سبل التقدم الاقتصادى فى دول العالم النامى , فالمؤسسات المالية الدولية ترى أن تشجيع الأغنياء سيخلق فرص اقتصادية ستعود على الفقراء بالوظائف والارتقاء الاجتماعى والرخاء الاقتصادى , وهذا قد يكون صحيحا فى الدول الرأسمالية الغربية , لأن هذه الدول لديها تعريف وتحديد واضح لمعنى الفقر , والفقراء طبقا لتعريفهم هى الفئة التى يقل دخل الفرد فيها عن حد معين محدد مسبقا, وتقوم الدولة فى الغرب بتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء من خلال مؤسسات اجتماعية تضمن للمواطن الفقير الحد الأدنى من السكن والتأمين الصحى والطعام اذا مافشل هذا المواطن لظروف معينة- ومعروفة مسبقا للمخطط الاقتصادى- من الانضمام للمنظومة الرأسمالية وهى عادة منظومة تنافسية تتطلب قدر معين من التعليم واللياقة الاجتماعية والارتباط الاجتماعى .
فالسود مثلا فى الولايات المتحدة هم الأكثر فقرا لأن المنظومة الاجتماعية الرأسمالية فى مجملها ضدهم, فالمواطن الأسود الفقير كى يكسر الحيز الاجتماعى عليه أن يأتى بمجهود مضاعف مقارنة بالمجهود الذى يحتاجه المواطن الأبيض الفقير لمجرد ان تتقبله هذه المنظومة الاقتصادية والاجتماعية , وبناء عليه فالفقراء أمامهم سدود من العقبات حتى يستفيدوا من المنظومة الرأسمالية ولذلك لم تفت هذه البديهيات المخططين الاجتماعيين فى الغرب , وعليه سخرت الدولة بسخاء جزء من فائض نجاح الاغنياء لرعاية الفقراء .
وتحديد وتعريف الفقر اقتصاديا هو عدم تكافوء الفرص أمام الناس , وعادة مايستفيد بأى فرصة اقتصادية أولئك المقربون من دائرة صنع القرار فى العالم الثالث أو أولئك المقربون من دائرة المصالح الرأسمالية فى العالم الأول , وفى كلتا الحالتين يكون الفائز هو الشخص المحظوظ الذى ساقته الظروف والحظ والمقادير لأن يكون فى داخل الدائرة الصح فى الوقت الصح مع الأشخاص الصح .
ولكن ماذا عن الشخص الغير محظوظ والذى وجد نفسه فى قاع المنظومة الاقتصادية والاجتماعية؟ والاجابة هنا تتوقف على وضعه الجغرافى وعما اذا كان فى الغرب أو الشرق ؟!
ففى الشرق يترك للظروف ولتصريحات المسئولين فى غد أكثر اشراقا وعليه أن يتذرع بالصبر وأن يتجرعه الى ماشاء الله , أما فى الغرب فالدولة بمؤسساتها تضمن له حد معين من المستوى المعيشى المناسب , لأن هذا المواطن يعول أطفالا وهؤلاء الأطفال من وجهة نظر المشرع الغربى هم عماد المستقبل وبالتالى لابد أن يكون هناك حد أدنى من المستوى المعيشى اللائق . وان كانت هذه السياسات لا تغلق الثغرة تماما بين الثراء الفاحش للطبقة المحظوظة والفقر المدقع لغير المحظوظين , ولكن فى نهاية اليوم لايذهب أحدا من الفقراء فى الغرب الى نومه جائعا أو عاريا أو لايجد علاجا !!
طبعا هذا الكلام معروف للجميع وبالذات المسئولين عن التخطيط فى دول العالم الثالث لأن معظمهم درس فى الغرب ويعرف عن الغرب الكثير , ولكنهم فشلوا فى ايجاد نقطة التقاء بين النظام الاقتصادى الرأسمالى الغربى والنظام الاقتصادى النامى المحدود فى بلدانهم وهنا تأتى الحاجة الى التفكير فى انشاء "وزارة الفقراء" وهى فكرة تتلخص فى أن تخصص الدولة وزارة كاملة للاستثمار لصالح الفقراء وأن تمنح الدولة هذه الوزارة مخصصات مالية وعفو ضريبى وعفو من الجمارك وأن تمنح لها القروض بسعر منخفض وأن تمنح لها الأراضى بنفس السعر الذى يحصل به المستثمرون على أراضى الدولة , وتكون مهمة هذه الوزارة الاستثمار فى مجالات الصناعات الخفيفة والعقارات واستصلاح الأراضى والزراعة وهى بذلك سوف توفر فرص عمل للقطاع العريض من الغير محظوظين من أبناء الشعب وأرباح هذه الاستثمارات تصب فى وعاء خاص بالفقراء من شأنه أن يرفع من المستوى الصحى والتعليمى والاجتماعى لهم .
وتكون مهمة "وزير الفقراء" هو أن يستعين بكل الخبرات الاقتصادية التى يراها مناسبة وأن تكون مهمته وهدفه هو الربح وابتكار مشاريع جديدة يحتاجها المجتمع وتؤدى الى تشغيل أكبر قدر من الأيادى العاطلة وأن ينافس بكل جراءة الرأسمال الخاص وبالتالى تكون هناك منافسة محلية مشروعة تقلل من الاحتكار وعليه تقل الفجوة قليلا بين الفقراء والأغنياء ويخف الضغط على الدولة لأنها ستتخلص من عبء التفكير للفقراء والذى هو عادة مايكون تفكير قاصر بطبيعة الحال. وهنا تتحق المعادلة التوازنية بين الرأسمالية الشرهة والفقراء الضعفاء وهى المعادلة التى لم نستطيع حتى الأن من أن نوزنهاعلى الاطلاق, وأصبح الشائع لدينا واحد من اثنين لاغير : اما فقير معدم أو غنى فاحش وهذا هو الخيار القدرى ولامهرب منه لأولئك اللذين ولدوا فى الجزء المعدم من المدينه.
نأتى للسؤال الأخير وهو.. من يصلح لأن يكون وزيرا للفقراء؟
طبعا يعانى الفقراء بالاضافة لما سبق من مشكلة أخرى وهى تؤثر على وضعهم النفسى وهذه المشكلة تتلخص فى أنه عندما يستطيع واحدا من بينهم أم يكسر حيز الفقر ويصعد الى درجة مرتفعة من السلم الاجتماعى أول شىء يفعله هذا الشخص هو أن يتبرأ من ماضيه وأن يقوم بتأليف تاريخ وماضى يتناسب مع وضعه الاجتماعى الجديد !! وقليل جدا من الفقراء السابقين تمسكوا بجذورهم الأولى !! وعليه فنحن نرى أنه لن ينجح فى منصب "وزير الفقراء" الا شخصا يكون عاش بينهم ويعرف أن الفقر ليس عيبا ولكن الاستمرار فيه هو القصور فى حد ذاته ولاسيما أن نسبة كبيرة من الفقراء هى نسبة متعلمة ولكن ليس لديها الفرصة والأمل .
أخيرا .. لو طلبت منى القيادة السياسية ان أكون وزيرا للفقراء , طبعا ساوافق على استحياء لأننى جاهز تماما ببرامج مدروسة دراسة مستفيضة وسأقوم بتفعيل التالى:
1ـ إنشاء البنك المصرى لتمويل المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر فى المدن والقرى.
2- تمويل البحوث العلمية والتعليمية فهى قاطرة التنمية.
3ـ استصلاح أراضى سيناء والوادى الجديد ومنطقة شلاتين وحلايب وتمليكها لشباب الخريجين وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة لتنمية الثروة الزراعية والحيوانية .
4ـ إحياء ممر التنمية الذى يمتد عبر ألفى كيلو ليحول مصر إلى دولة متقدمة فى الزراعة والصناعة الذى أقترحة العالم المصرى الدكتور فاروق الباز.
5ـ تكثيف الجهود لتحقيق التوسع الرأسى فى الإنتاج الزراعى باستخدام الهندسة الوراثية لزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية ولاسيما القمح لتحقيق الاكتفاء الذاتى.
6-ـ رفع الأداء فى المستشفيات الحكومية القائمة مع توفير الأدوية اللازمة لخدمة الفقراء.
7- إقامة مساكن للشباب أصحاب الدخل المحدود على ألا يتعدى ثمن الوحدة السكنية 25000 جنيه وتقسط بأقساط شهريا.
8- إقامة مدينة سكنية متكاملة المرافق يقطنها علماء مصر المتميزين مع توفير المناخ الملائم لهم من حيث المرتب والسكن.
9- تقديم جوائز تشجيعية للمخترعين والمبتكرين فى كافة المجالات العلمية.
10- إنشاء مراكز للتدريب المهنى على أحدث التقنيات العلمية لتخريج كوادر علمية متميزة لدفع عجلة التنمية.
وكل هذه الخطط والمبادرات ستتم بأموال الفقراء المسلوبة والمنهوبة .
06/11/2014