بداية التاريخ وسقوط الامبراطورية الأمريكية
...............................................................
بقلم : غريب المنسى
.........................
| |
الرئيس مبارك | |
جدول الرئيس مبارك فى الولايات المتحدة على مايبدو مزدحم للغاية .. فالرئيس التقى اليوم في مقر إقامته فى واشنطن مع جورج ميتشل المبعوث الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط ، ثم يلتقي مع نحو 15 من الشخصيات المؤثرة تضم عددا من السفراء الأمريكيين السابقين في مصر ومستشاري الأمن القومي الأمريكي السابقين ، كما يلتقي مع ممثلي المنظمات اليهودية الأمريكية وعددهم 25 شخصية تمثل جميع المنظمات في الولايات بما فيهم منظمة الإيباك اليهودية. ومن الطريف أن معظم هذه الشخصيات هى نفسها الشخصيات التى تناصر المظاهرات التى ستكون فى استقبال الرئيس عند زيارته للبيت الأبيض غدا للقاء أوباما . فالرئيس يلعب على المكشوف والمعارضة المصرية فى واشنطن تلعب على المكشوف والادارة الأمريكية تلعب بهم الأثنين على المكشوف , وفى نهاية اليوم سيكون الجميع سعداء , فالرئيس سيعود من واشنطن بصك الوراثة مختوم وموثق, وستعود المعارضة الى قواعدها بحفنة دولارات وبعض من الامتيازات مثلهم مثل كذابى الزفة .. وستسفيد الولايات المتحدة من تحقيق بعض الامتيازات الاقليمية والتى ستكون مصر قاعدتها الرئيسية ,وستمضى التمثيلية الهزلية الى قمة الدراما الانسانية وقمة السفالة السياسية لتصل الى أعلى نقطة لها فى منحنى الامعقول .
لن نتسائل عن سبب الزيارة وتوقيتها وأهدافها ؟ فكل هذه التساؤلات قد شبعت تحليلا من خبراء التحليل الحكومى العقيم والتى لن تختلف كثيرا عن نفس نتائج وأهداف الزيارات السابقة لنفس هذا الرئيس لنفس هذه البلد فى الربع قرن المنصرم !! ولكننا نريد أن نلفت نظر القارىء العزيز الى أن هذه الزيارة تأتى فى نهاية عمرالرئيس مبارك السياسى والبيولوجى وفى نفس الوقت تبدو الأمبراطورية الأمريكية فى الرمق الأخير لها قبل الانهيار .. فهى الامبراطورية المترنحة والتى بدأ العد التنازلى لقوتها وتأثيرها حول العالم يظهر ويتأكد يوما بعد يوم , ويرجح بأن هذه الامبراطورية سيكون مصيرها الى رحاب التاريخ فى أقرب فرصة تاريخية, وعلى العالم أن يبدأ من اليوم على التهيوء لاستقبال الامبراطورية الصينية والتى سوف تحل محل الأمريكية فى الأمد الغير بعيد . وعند سقوط الامبراطورية الأمريكية سيبدأ التاريخ مرة أخرى دورة جديدة بملامح ومنظومات وقوى مختلفة تماما .
وبداية التاريخ سوف تبدأ بانهيار الأمبراطورية الأمريكية التى حاولت لعقود طويلة أن تخفى الجانب السىء من ملامحها, وتظهر الجانب الخير الذى كان يعرفه المواطن البسيط فى دول العالم الثالث من خلال شحنة قمح وبعض من الجبن والحليب المجفف . هذه الامبراطورية التى تنصلت من أبسط المبادىء التى قام عليها دستورها والذى ينص بصريح العبارة على أن كل انسان خلق حرا ولابد أن يكون حرا وأصبحت هى المركز الرئيسى والمشجع لكل الحكومات التى شاركت فى قمع مواطنيها واذلالهم وتحطيمهم وأكبر مثال على ذلك هو ماتقوم به الولايات المتحدة اليوم من دعم لنظام مبارك الذى عفى عليه الزمن فى مقابل أن تكون مسيطرة على مصر مفتاح هذه الامبراطورية فى منطقة الشرق الأوسط , منطقة العسل واللبن .
وبداية التاريخ وسقوط الامبراطورية الأمريكية ليس رأى شخصى ولكن هو نتيجة لعدة شواهد يعرفها جيدا القارىء للتاريخ هذه الشواهد ظهرت وتكررت فى السابق مع كل الامبراطوريات بما فيهم الامبراطورية الروسية, فحركة التاريخ كالرسم البيانى يصعد صعودا متكررا ويهبط هبوطا متكرارا ويتأرجح فى المنتصف ..ولكن هيهات بين كل صعود وهبوط وتأرجح.
بداية التاريخ من شواهدها أن هناك مايزيد عن عشرة مليون طفل أمريكى بدون تأمين صحى على الاطلاق وحوالى مائتين مليون أمريكى يشترون التأمين الصحى بأسعار غالية لاتتحملها دخولهم المحدودة والمجهدة فى حين أن دولتهم تتشدق بالعطف والحنان على فقراء وأطفال ومرضى العالم , بل يذهب رئيسنا ليستولى على أموال فقراء الولايات المتحدة ليستفيد منها لصوص نظامه .
وبداية التاريخ من شواهدها أن النظام الرأسمالى الشره جعل من البشر عبيد له وتحول هذا النظام مع الوقت الى آلة صماء تربط البشر من أعناقهم بلارحمة ولاعاطفة ولاضمير ,هذا النظام الذى كان مؤيدوه يدعون أنه لحرية الانسان ,بات مع بيروقراطية الاستخدام والتطبيق أكبر نظام عبودى عنصرى عرفه الانسان منذ بدايات الانسانية .
وبداية التاريخ من شواهدها أن التسابق على السيطرة الدولية واستخدام الأساليب الغير مشروعة قانونيا وانسانيا والذى جعل من مواطنى العالم الثالث اداة اختبار لمعامل الفكر الغربى واختبار لاستيراتجيات افتراضية وتجارب للأفكار الانتهازية .. كل هذا أخل بطبيعة التوازن بين البشر فى أقطاب المعمورة. فلكى تنجح العولمة لابد أن يكون هناك توازن أيديولوجى ملتزما بطبيعة الانسان المحلية هذا التوازن قد فقد قيمته لفشل النظرية , فعندما ينقلب الابن على أبوه والزوجة على زوجها تحت بند عولمة الحرية فهذا هو أكبر دليل على فشل نظرية عولمة الحضارة والتراث .
وبداية التاريخ تبدأ عندما فشلت الامبراطورية الأمريكية فى احتواء المشاكل الدولية وخلق نظام عالمى ومنظومة دولية سلمية هدفها تحقيق الرخاء بين شعوب العالم , ونحن الأن نرى فشل هذه المنظومة فى زيادة عدد الدول التى حصلت وستحصل على السلاح النووى الفتاك لافناء بنى البشر , وزيادة عدد الدول التى أضيرت بطريقة مباشرة من جراء السياسات الامريكية المباشرة والغير مباشرة. ويجب أن نتذكر عذاب الشعب الفلسطينى وعدم قدرته على تأسيس دولته المستقلة بعد مماطلات ومبادرات واتفاقيات كانت هذه الامبراطورية شاهدا عليها وراعيها , وبمعنى أكثر دقة لقد عملت هذه الامبراطورية على تفتيت العالم بدلا من توحيده وساندت الظالم وأصبح العالم أكثر بؤسا وفقرا وجهلا وحروبا وأمراضا بسبب هذه الامبراطورية .
لن تكون زيارة مبارك أو عدمها لها أى تأثيرعلى حركة التاريخ فالرجل حاول بكل ماأوتى من قوة أن يسبح مع التيار وأن يؤمن حدود بلده وأن تسير مركبه الى شاطىء الأمان طبقا لتعريفه هو الشخصى للأمان والاستقرار !! ولكنه فشل فشلا ذريعا فى خلق الجيل الثانى والثالث من القيادات القادرة على اكمال المسيرة , تصور مبارك وتوقعه قد خان كل ذكاؤه فالرجل لم يعرف عنه أنه مفكر استيراتيجى وان كان يتمتع بموهبة الادارة .
عند بداية التاريخ سيجد المصريون أنفسهم ملقون على الأسفلت فلا حضارة هناك سوف تسعفهم ولاعلوم وتكنولوجيا قد حصلوها ولاحكمة قد طوروها ففى الثلث قرن الأخير قد بددوا مالديهم من علوم وحضارة وقامروا على ارضاء امبراطورية قد عفى عليها الزمن , وهذا درس تاريخى سيكون من أهم الأسباب الى ستجعلنا شعبا ذو تجربة حية ومن الممكن أن تكون درسا جيدا لنا حتى نتعلم اليقظة ونتعلم فن التخطيط واهمية الاعتماد على سواعدنا وتنصيب من يصلح فينا لقيادة مركبنا فى أحلك فترات التاريخ.
06/11/2014
مصرنا ©