| |
| |
تجارة السلاح في الصعيد
|
السلاح فى الصعيد |
بقلم : مصطفى الأسواني ......................
قبل أن أروي لكم حقيقة ما يحدث في أسوان، يجب أن ألفت انتباهكم إلى ما يسمى بـ«القبلية» في بلادي، والتي كانت سببًا في جعل محافظة أسوان تحديدًا من بين محافظات صعيد مصر، الأكثر هدوءًا واستقرارًا من الناحية الأمنية والاجتماعية؛ نظرًا لما تفرضه كل قبيلة على أبنائها من نبذ للعنف والصراعات، حرصًا على العلاقات الطيبة التي تربط أفراد المجتمع بعضه ببعض على مر التاريخ.
شُهد لأسوان أنها المحافظة التي تقل بها نسبة الجريمة على مستوى جمهورية مصر العربية، وذلك لأن أي خلاف بين الأفراد أو العائلات يسفر عن وقوع قتلى أو إصابات، لا تلجأ أسرة المجني عليه للأخذ بالثأر أولًا، بل يبادر كبار العائلات في التدخل على الفور لاحتواء الأزمة، ومحاولة الصلح بين طرفي النزاع، وعقد جلسة صلح يشهدها الآلاف من أبناء أسوان والمحافظات المجاورة، وتهدف إلى حقن الدماء وإخماد نار فتنة الثأر، وفي تلك الجلسات يتقدم أحد أفراد عائلة الجاني حاملًا كفنه لعائلة المجني عليه، نيابة عن الجاني الذي يقبع خلف قبضان السجن لتأدية العقوبة الموقعة عليه بعد ارتكابه جريمة القتل.
ولا يتم التفكير إطلاقًا في الأخذ بالثأر بعد جلسات الصلح هذه؛ فمعروف أن أهل أسوان أهل خير، وكثير منهم لا يهتمون بالموروثات السيئة في صعيد مصر ومنها عادة الأخذ بالثأر، ويفضلون حقن الدماء؛ تأمينًا للحياة ونشرًا للتسامح والصفح.
وأود الإشارة هنا إلى القبائل التي تعيش في أسوان؛ حيث هناك مجموعة مختلفة منها؛ أكثريتهم ينحدرون من أصول عربية مثل قبيلة «الجعافرة، والتي يتباهى أبناؤها بنسبهم إلى جدهم جعفر الصادق، الذي ينتهي نسبه إلى الإمامين الحسين وأبيه علي بن أبي طالب»، و«العبابدة، التي يرجع نسبها إلى عبد الله بن الزبير»، و«الأنصار»، و«بني هلال، و«الأشراف، الذين ينتمون إلى الحسين بن أبي طالب، ويتمتعون بلقب شريف»، و«العليقات»، إلى جانب أولئك الذين ينتمون للقبائل «النوبية، والذين ينقسمون بدورهم إلى فرعين رئيسيين؛ الكنوز والفاجيك، حيث يرى أبناء القبيلة الثانية أن دماءهم نقية فرعونية لم تختلط بأغراب من خارج بلادهم»، و«البشارية». وتجتمع كل هذه القبائل على «الاعتزاز بالنسب»؛ حيث إنه من العار في بلادي أن تكون جاهلًا وغير حافظ لاسم جدك العاشر، على الأقل، وهذا يعد نوعًا من التباهي والفخر أيضًا.
وفيما يخص الأحداث الدموية المؤسفة التي جرت أحداثها خلال الأسبوع المنصرم، وبعيدًا عما تم تداوله من أكاذيب بينة من أن جماعة الإخوان طرف فيها، أو أنها نشأت عن خلاف سياسي بين أبناء قبيلتي «بني هلال» و«الدابودية»، من تأييد للمشير عبد الفتاح السيسي، المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية، وعدم تأييده، فهذا كله كلام عارٍ تمامًا عن الصحة.
البداية كانت مساء الثلاثاء الأول من أبريل الجاري، عندما ذهب عدد من الشباب من أبناء قبيلة «الدابودية» النوبية، لشراء دخان «مخدرات» من أحد التجار المعروفين هناك من أبناء قبيلة «بني هلال»، واختلف الطرفان على الكمية المباعة مقابل السعر المدفوع، نتج عنه اشتباك بينهما، وتدخل الأهالي على الفور لفض الاشتباكات التي ضُرب فيها نهاية الأمر أبناء «الدابودية»؛ نظرًا لوجودهم في منطقة «بني هلال»، التي تبعد قليلًا عن محل إقامتهم بنفس المنطقة في السيل الريفي بأسوان.
صباح الأربعاء الثاني من أبريل الجاري، احتشد عدد من أبناء قبيلة «الدابودية» أمام مدرسة محمد صالح حرب الفنية الثانوية الصناعية بشارع كلية التربية، بمنطقة السيل الريفي، لنصرة أصدقائهم الذين ضربوا بالأمس، وافتعلوا مناوشات ومضايقات لسكان المنطقة من أبناء قبيلة «بني هلال»، وكتبوا عبارات مسيئة تمس شرف سيدات «بني هلال»، وتم الرد بكتابات مسيئة مماثلة، على إثرها تجددت الاشتباكات مرة أخرى، وحاول عدد من الأهالي الفصل بين الطرفين، إلا أنهم فشلوا في ذلك، ما اضطرهم إلى استدعاء قوات الأمن - القريبة جدًّا من موقع الحدث - التي دفعت بمدرعتين للشرطة، وتدخلت بإطلاق عدد من قنابل الغاز لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة لفض الاشتباك، بعدها تمركزت كل مدرعة إلى جانب أحد طرفي النزاع، لمنع وقوع اشتباكات مرة أخرى.
عصر الأربعاء، انعقدت جلسة صلح عرفية بمنطقة غرب السيل، بين طرفي النزاع من قبيلتي «الدابودية» النوبية و«بني هلال» بعد تدخل العقلاء وكبار العائلات، وفي أثناء الجلسة تطاول عدد من أبناء «الدابودية» بالسب والشتم والتعالي على الحاضرين من أبناء قبيلة «بني هلال»، تطور الأمر إلى مشادات كلامية عنيفة بسبب تلك الشتائم القبلية التي يرفضها الأهالي في بلادي جملة وتفصيلًا، مما أثار حفيظة باقي الموجودين ورفضهم لذلك التطاول، حتى انفضت الجلسة دون التوصل إلى حل يجنبهم الكارثة التي ستحدث.
ولنا هنا وقفة، بالرغم من أن أبناء القبائل المختلفة في أسوان يتباهون بنسبهم التاريخي الذي يشرفهم، إلا أنه جرى في العرف السائد في بلادي هناك معايرة أبناء قبيلة «بني هلال»، والنظر إليهم باعتبارهم دخلاء على هذه التركيبة القبلية العريضة في أسوان بصفة خاصة، وصعيد مصر بصفة عامة، والعمل على تأريخ أنهم جاءوا من شتات القبائل وعبيدها في شبه الجزيرة العربية، وبلدان أخرى خارج القطر المصري، رغم الأسطورة الشهيرة عن «سيرة أبو زيد الهلالي» التي خلدت سيرتهم، في حين أن قبيلة «بني هلال» هم «أبناء عمومة» لمعظم القبائل العربية الموجودة في أسوان، غير أن ذلك لا يسمح لنا بالزواج منهم؛ لأنهم - حسب العرف السائد - الأدنى من كل القبائل في السلم القبَلي والعرقي.
عطفًا على ما سبق، فقد لجأ البعض من أبناء قبيلة «بني هلال» لتعويض ما يعتبرونه نقصًا، وأنهم يحتلون المكانة الدونية في المجتمع، للاتجار في المواد المخدرة والسلاح، الذي يصلهم عبر الحدود مع السودان بعلم من بعض القيادات الأمنية في أسوان، والتي تواطأت معهم في ذلك؛ لاستخدامهم في تنفيذ ما تطلبه منهم فيما بعد، من فضٍّ لاعتصام متظاهرين أيام الثورة في 25 يناير 2011، أو الدخول في اشتباكات مع متظاهرين آخرين خلال الأيام التالية للثورة وطوال الثلاث سنوات الماضية، على سبيل المثال لا الحصر، ما جعل أبناء هذه القبيلة يشعرون بشيء من بسط النفوذ والسيطرة على الجميع، وتطور الأمر بعد ذلك إلى القيام بعمليات سرقة بالإكراه وبلطجة على مرأى ومسمع من الجميع، معتمدين في ذلك على الدعم المستتر من تلك القيادات الأمنية في كل ما يقومون به، حتى وصل الأمر إلى الاعتماد عليهم كقوة في معركة الانتخابات البرلمانية من قبل مرشحي الحزب الوطني المنحل، ومن بعده جماعة الإخوان، خاصة وأن أعدادهم كبيرة، ويتمركزون في مدينة أسوان مركز المحافظة، عن طريق توفير الحماية والمساندة لهم مقابل المال.
وتلك الاستعانة السياسية بأبناء قبيلة «بني هلال» واستخدامهم الطائش للسلاح، جعل معظم القبائل في أسوان لها دم عند «بني هلال»، كما أنهم على خلاف دائم مع معظم المتداخلين معهم في السكن أو العمل، ولم يتركوا طرفًا قبليًّا إلا وافتعلوا معه المشاكل، ووجود السلاح في أيديهم دائمًا ما يطور هذه الخلافات.
مساء الأربعاء، تجمع عدد من أبناء قبيلة «بني هلال» وبحوزتهم أسلحة آلية حديثة، وقرروا الذهاب لمنزل الشخص «النوبي» الذي تطاول عليهم أثناء جلسة الصلح العرفية التي لم تنجح، لتأديبه على ما تلفظ به أمام الحضور، إلا أنهم لم يجدوه في بيته وقتئذ، فقتلوا سيدة وشقيقها وابنتها، ما دفع أهالي قبيلة «الدابودية» في نفس المنطقة للخروج ومواجهة المعتدين من قبيلة «بني هلال»، وتمكنوا من قتل أحدهم، والبقية لاذوا بالفرار، فكانت الحصيلة أربعة قتلى وإصابة تسعة آخرين.
عندئذ، صدر قرار بإرسال 6 تشكيلات من الأمن المركزي إلى موقع الحادث، وتم تطويق المكان ووقف الاشتباكات، إلا أنه في الوقت نفسه، كانت كل قبيلة تعد العدة للأخذ بثأر ضحاياها؛ فمعروف في بلادي أن من يتقاعس عن أخذ ثأره يوصم بالعار أو الجبن أو انعدام الرجولة والنخوة، وتتعدد الأسباب لتفتح صفحة ثأر دموية تستمر أبد الدهر، يذهب ضحيتها من يذهب، ما بين طريد وقتيل ومنبوذ.
ليل الأربعاء الخميس، شنّ عدد من أهالي قبيلة «بني هلال» هجومًا مسلحًا على منازل عدد من أهالي قبيلة «الدابودية»، وقاموا بإشعال النيران في منازل أخرى، ولم تتدخل قوات الحماية المدنية لإخماد الحرائق، ولا سيارات الإسعاف لإنقاذ من بحاجة إلى إنقاذ، وخلال دقائق معدودة، احتشدت كل عائلة من القبيلتين حاملة معها أسلحتها بمختلف أنواعها، في بادئ الأمر، حاولت قوات الأمن الوقوف حائلًا بين الجانبين، ولكن الطبيعة الجغرافية لمنطقة السيل الريفي في أسوان وتلاصق المنازل ببعضها البعض حال دون ذلك، فضلًا عن قيام عدد من الأشخاص باستقلال دراجات بخارية والتجول في المنطقة وإطلاق الأعيرة النارية بطريقة عشوائية.
فجر الخميس، صدر قرار بإرسال 12 تشكيلًا من الأمن المركزي إلى منطقة الاشتباكات، التي ساهمت إلى حد ما في التقليل من عدد الضحايا، إلا أن قوات الأمن انسحبت فجأة من المنطقة دون سبب واضح، أو حتى وقف الاشتباكات تمامًا!!
في الأثناء، تولى الأهالي مهمة نقل المصابين لأقرب مستشفى في محاولة منهم لإنقاذهم، في ظل عدم وجود سيارات الإسعاف في أحيان، وعدم تمكنها من الدخول إلى منطقة الاشتباكات في أحيان أخرى، حيث كان عدد من طرفي المشكلة يقومون بين الحين والآخر بإطلاق النار على سيارات الإسعاف في موقع الحادث، وبالفعل تم نقل عشرات المصابين إلى عدد من المستشفيات القريبة.
ظهر الخميس، انعقدت جلسة صلح عرفية بحضور عدد من كبار العائلات والقبائل، تم التوصل من خلالها إلى إبرام هدنة بين قبيلتي «الدابودية» النوبية و«بني هلال»، والفصل بينهما تمامًا، جاء ذلك في الوقت الذي كانت قد انتشرت فيه قوات مشتركة من الجيش والشرطة بالمنطقة، عقب مناشدة اللواء مصطفى يسري، محافظ أسوان، لوزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي، لاستدعاء مجموعات من القوات المسلحة لمعاونة أجهزة الأمن في موقع الاشتباكات الدموية لفرض التهدئة المطلوبة، والتي نجحت إلى حد ما في ذلك، وتمكنت حينها القوات من ضبط خمسة عشر من المتهمين بالتورط في هذه الاشتباكات.
استمرت الهدنة المبرمة بين الطرفين حتى ظهر الجمعة، شهدت أسوان خلالها حالة من الهدوء الحذر والترقب والترصد من كلا الطرفين للآخر، إلى أن قام عدد من أبناء قبيلة «الدابودية» باختطاف البعض من أبناء قبيلة «بني هلال» فور خروجهم من المسجد عقب انتهاء صلاة ظهر الجمعة، واحتجزوهم كأسرى، ما أدى إلى تجدد الاشتباكات مرة أخرى بين القبيلتين، تبادل خلالها الطرفان إلقاء زجاجات المولوتوف، وإطلاق الأعيرة النارية، ما أسفر عن ارتفاع عدد القتلى ليصل إلى 16 شخصًا وإصابة العشرات من الطرفين.
حاول كبار العائلات والقبائل التوسط مرة أخرى لوقف حمام الدم بين القبيلتين في أسوان، إلا أن ما حال دون حدوث توافق أو صلح وتهدئة، ويعد أبرز مشكلة أيضًا في تلك الاشتباكات هو مقتل 12 شخصًا من قبيلة «بني هلال»، وبقية الضحايا من «الدابودية»، الذين هددوا كذلك بقتل الأشخاص الذين تم اختطافهم، فضلًا عن توافد العشرات من أبناء النوبة المتواجدون في مركز كوم أمبو (35 كم شمال مدينة أسوان) لدعم ومساندة «الدابودية» في معركتهم ضد «بني هلال»، عند ذلك قام الطرفان بإطلاق الرصاص الحي على قوات الأمن، التي حاولت الفصل بينهما؛ لإجبارها على عدم التدخل لفض المعركة، لترتفع بعدها وتيرة العنف بين الجانبين.
عصر الجمعة، لجأت كل قبيلة من طرفي النزاع إلى قطع الطرق القريبة من مناطق سكنهم أو التجمع الأكبر لكل عائلة منهم، والقيام بتفتيش المارة وإيقاف السيارات والبحث عن كل من ينتمي إلى القبيلة الأخرى لقتله أو احتجازه كأسير، في ظل غياب تام لقوات الأمن، وهذا ما حدث في مناطق «الشعبية، خور عواضة، كسر الحجر، السيل الريفي، الكورنيش، سوق القش، الشيخ فضل، الكوبانية، غرب السيل.. وغيرها»، ما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى ليصل إلى 23 قتيلًا، 16 منهم ينتمون لقبيلة «بني هلال» تعرضوا للذبح والطعن على أيدي أبناء قبيلة «الدابودية».
مساء الجمعة، تم الدفع بتشكيلات من الأمن المركزي وقوات العمليات الخاصة إلى جانب القوات المسلحة للفصل بين القبيلتين، وهو ما حدث فعلًا، واستمر ذلك الوضع الذي فرضت فيه قوات الأمن سيطرتها وتمكنت من احتواء الموقف حتى ظهر السبت، قبل أن تتفجر الاشتباكات من جديد بين طرفي النزاع، وتسفر في نهاية المطاف عن وقوع قتيلين جديدين، وبذلك يرتفع إجمالي عدد القتلى إلى 25 قتيلًا، 18 من قبيلة «بني هلال»، وستة من «الدابودية»، وجثة لم يتم العثور عليها، حسبما أفادت نيابة أسوان.
أخيرًا وليس آخرًا، وصل إلى محافظة أسوان المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء والوفد المرافق له؛ لاحتواء الفتنة التي ضربت أسوان، بعد فوات الأوان، وعقد اجتماعًا استمر لخمس ساعات برموز قبيلتي «الدابودية» النوبية و«بني هلال»، واستمع إلى مطالبهم، وخرج بعد ذلك ببيان عن التوصل لاتفاق بين طرفي النزاع، لا يغني ولا يسمن من جوع.
في اليوم نفسه، توصلت قيادات قبيلتا «الدابودية» النوبية و«بني هلال» لاتفاق هدنة مفتوحة، لا تقل عن ثلاثة أيام، واشترط الاتفاق بين القبيلتين، على عدم قيام أي منهم بالاعتداء على الآخر، خلال فترة الهدنة، وأيضًا وقف الحملات الإعلامية المتبادلة، وإطلاق سراح كل من تم القبض عليهم من شباب القبيلتين، باستثناء المتهمين في قضايا جنائية، علاوة على حصر المشكلة في مجال التنازع بين القبيلتين فقط دون امتدادها إلى باقي المناطق أو الأطراف الأخرى، وعدم قيام أي طرف بقطع الطرق، أو عمل أكمنة للتفتيش، وتجنب الاحتكاك من خلال ابتعاد كل طرف عن مناطق تجمع الآخر، بالإضافة إلى تقديم أي متهم في عمليات القتل أو الاعتداء التي جرت إلى العدالة وتسليمه للأمن لبسط وتفعيل سيادة القانون دون تفرقة بين أحد وآخر، وسرعة دفن الجثامين من الجانبين، بعد تصريح النيابة العامة بذلك.
لكني أؤكد أن أهالي الصعيد بصفة عامة، وأهالي أسوان بقبائلهم المختلفة بصفة خاصة، لا يعتبرون السجن بديلًا عن الثأر؛ لأن في عرفهم مسلمات منها: «العز في أفواه البنادق»، فحق الدولة غير حقهم، وقانونها غير قانونهم، وعندما يطرح هذا الأمر على الصعايدة، تجدهم يجيبون بتلقائية «القبر أضيق كثيرًا من الزنزانة».
وفي حكايات «الثأر» لا توجد نهاية، أو حد للقتلى، الأهم هو أن ينتصر الصعيدي لكرامته ونخوته، ويُعلن ذلك عندما ترفض عائلة القتيل تلقي العزاء، وهو ما يعني آليًّا البدء في إجراءات الأخذ بالثأر ولو بعد حين، فالمثل الصعيدي يقول: «أخذ ثأره بعد أربعين عامًا.. قالوا له لقد تعجلت!».
«كنت فين يا وعد يا مقدر.. دي خزانة وبابها مسدر.. المعركة عيله.. والقتيل بيت» هذه «العدودة» الصعيدية الخالصة، التي ترددها الآن النسوة المتشحات بالسواد في بيوت أهالي قتلى المواجهات، هي خير دليل وإيذانًا ببدء رحى «الثأر» في الدوران بين قبيلتي «الدابودية» النوبية و«بني هلال».
رسالة: «يا سادة، لا تلوموا الضحية فقط، بل لوموا من تستّر وشاهد في صمت هذا المجتمع الذي بُني على مقومات الثأر، دون أي محاولات تذكر من جانب الدولة أو مؤسساتها لتصحيح مسار هذه المجتمعات، فهذا المارد هو نتاج دولة غائبة».
وفي الختام، أقول لكم ما قاله لنا آباؤنا ومن قبلهم أجدادنا: «الصعيد.. سيظل كما هو؛ لن تفهموه، وهو يفهمكم»، وأدعو الله أن يحقن دماء المصريين.
طرق تهريب ترسانات الأسلحة إلى الصعيد «1_3» طرق تهريب ترسانات الأسلحة إلى الصعيد «2_3» موسم انتشار السلاح وطرق تهريب الأسلحة إلى الصعيد «3_3»
06/11/2014
مصرنا ©
| |
| |
| |
| |
|
|
|