قمامة ومياه صرف .. الإهمال يهدد مساجد شارع الصليبة العريقة!
محيط – السيد حامد
|
حائط مشروخ |
تزخر مصر بآثار إسلامية كثيرة منها المساجد والقصور والبيوت التي تؤهل البلد لأن تتحول لأكبر متحف مفتوح في العالم، لكن للأسف لا تزال هناك العديد من
الآثار الهامة التي غفل الجميع عنها حتى تحولت لمقالب قمامة أو تجمعت حولها مياه الصرف وعلت حوائطها الشروخ والرطوبة بفعل المياه الجوفية وباتت مهددة بالزوال رغم تحديها للزمن مئات السنين .. جولة في شارع الصليبة بحي السيدة زينب والذي يحوي مساجد آثرية نادرة .
في نهاية شارع قدري بحي السيدة زينب تشاهد مدرسة الأمير صرغتمش الملاصقة لجامع أحمد بن طولون. وصرغتمش من مماليك الناصر محمد بن قلاوون تاسع سلاطين الدولة المملوكية البحرية، وقد لمع اسمه في عهد أولاد الناصر حتى صار المستبد بالأمور، وأصبح يرجع إليه في التولية والعزل والحكم.
ولما عاد السلطان حسن بن الناصر محمد إلي الحكم بعد خلع أخيه الملك الصالح رأى أن يضع حدا لنفوذ صرغتمش، فقبض عليه في 20 رمضان 759 هجريا، ليموت بعد شهرين و12 يوما من محبسه، ويدفن في مدرسته.
كان موضع مدرسة صرغتمش مساكن، فاشتراها وهدمها وبدأ في إنشاء مدرسته في رمضان 756 هجريا، وانتهى العمل منها جمادي الأول عام 757 هجريا.
وتصفها الدكتورة سعاد ماهر محمد في موسوعتها "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون بأنها "من أبدع المباني وأجلها وأحسنها قالبا وأبهجها منظرا".
تتكون المدرسة من صحن مكشوف، تحيط به أربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة. ومدخل كل رواق يعلوه عقد مدبب.
وفي منتصف الصحن تقف ميضأة على ثمانية أعمدة رخامية، تعلوها قبة خشبية، أما المئذنة فترتفع 40 مترا في سماء القاهرة . وقد خصصت المدرسة لتدريس المذهب الحنفي الذي كان الأمير متعصبا له بخلاف أمراء الدولة الأيوبية والمماليك .
تمتاز قبة المدرسة بظاهرة يندر وجودها في عمائر القاهرة، وهي احتواؤها على قبة مزدوجة البناء، قبة داخلية قطاعها شبة دائري، وقبة خارجية ذات قطاع مدبب. ويتوسط القبلة تركيبة رخامية نادرة المثال كذلك، دفن تحتها الأمير صرغتمش وابنه إبراهيم المتوفى في عام 770 هجريا.
ورغم أن جامع الأمير صرغتمش مازال محتفظا بطابعه المعماري، ووقوعه بجوار جامع الأمير أحمد بن طولون؛ أقدم مساجد مصر من الناحية المعمارية، إلا أنه يعاني من الإهمال الشديد.
ورغم حداثة الترميميات التي أجريت للجامع إلا أنها للأسف جاءت على عجل، ولم تراعي القيمة الأثرية والمعمارية للجامع، فقد كسيت جدران الجامع برخام لم يترك لنا فرصة لنميز بين الرخام القديم والجديد، والأسوأ من ذلك أن الرخام لم يمر عليه زمن طويل حتى أوشك أن يقع، والصور المرفقة تبين ذلك.
كما أن أرضية الصحن لم تأتي مستوية مما يعني تجمع مياه الأمطار في مكان واحد، وليست إلي الجزء المخصص للصرف.. وأمر عجيب أن يستمر الجامع في مقاومته للزمن كل تلك السنوات، ولا تستطيع الترميمات الجديدة أن تدفع غائلة الزمن عام أو يزيد قليلا!!.
الأمر الآخر والأكثر خطورة هو مياه الصرف الصحي والمياه الجوفية التي تتجمع أسفل الجامع، فالأمير صرغتمش يقع على حافة منطقة عالية يطلق عليها "جبل يشكر"؛ وتنساب مياه الصرف الصحي من الجبل لتستقر تحت جدران الجامع وتبدأ عملها التخريبي.
يزيد الأمر خطورة أن الجامع كان يضم حوانيت قديمة في طابقه الأول، وبالطبع تمتلئ الآن بتلك المياه القاتلة، وأبوابها سبعة ترتفع فيها المياه الآسنة لمسافة نصف متر على الأقل.
وكل تلك المياه تؤثر على جدران الجامع، وربما يمتد تأثيرها إلي مئذنة جامع أحمد بن طولون التي تقع بجوار صرغتمش مباشرة.
أكد إمام الجامع الشيخ صبحي الكناني أنه شكا كثيرا من تلك المياه وأرسل الشكاوى إلي حي السيدة زينب الذي يقع مقره على بعد عدة أمتار من جامع صرغتمش، لكن لم يجدا آذانا صاغية، قائلا أن الحل ليس صعبا فهناك ماسورة تحتاج للتنظيف وبالتالي تصرف المياه بعيدا عن أساسات الجامع .
|
قمامة |
تغري بردي يطلب إماما
يمتد شارع الصليبة من مسجد أحمد بن طولون والأمير صرغتمش إلي قلعة صلاح الدين وجامع السلطان حسن والرفاعي.
ورغم هذه الكنوز الهائلة فإنه مزدحم بالسيارات التي تسير في اتجاهين على ضيق الشارع، وتتكاثر فيه القمامة ،حتى أنك حينما تعبر أمام "سبيل أم عباس" الآثري تجد امماه أكوام التراب والمخلفات والحيوانات.
ويأتي ذلك بالرغم من إنبهار السائحين بهذا الشارع وتراثه حينما يمرون خلاله، وينظرون لقبابه البديعة ومآذنه الرشيقة، وإلى تلك الحجارة التي تحكي أقاصيص الزمن الغابر.
جامع تغري بردي (844 هجريا – 1440 ميلاديا ). صاحبه هو المؤرخ تغري بردي صاحب موسوعة "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة".
الجامع، مثل غيره من آثار مصر ، يعاني مشكلة المياه الجوفية. ويتكون من صحن كان مكشوفا تحيط به أربعة أروقة، أكبرها رواق القبلة والرواق المقابل له، بينما يمتاز الرواقان الباقيان بصغر المساحة.
وقال أحد مرتادي الجامع ويدعى "درويش" أنه يفتقد وجود إمام للمصلين، قائلا أنه منذ 15 عاما وإمام الجامع لا يأتي إلا في صلاة الجمعة فقط، وعادة ما يتطوع لإمامة المصلين احد منهم .
مسجد الرفاعي
يعد هذا المسجد الأحدث بين مساجد مصر الأثرية؛ ففي عام 1869 قامت الأميرة خوشيار؛ والدة الخديوي إسماعيل، بشراء زاوية الرفاعي والأبنية المجاورة لها من أجل إقامة مسجد كبير، يلحق به مدفن لها ولسلالتها وضريحان للشيخ على أبى شباك الرفاعى والشيخ الأنصاري.
وبعد وفاتها في 1885 توقف العمل ليعود مرة أخرى عام 1905 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني. وتشهد صلاة الجمعة في غرة المحرم 1330 هجريا – 1912 أول صلاة داخل الرفاعي.
جاء الرفاعي مناظرا لجامع ومدرسة السلطان حسن في ضخامة البناء وروعة وإبداع التفاصيل. وقد اكتسب شهرة خاصة باعتباره يضم أجساد ملوك وأميرات مصر
العلوية، من الخديوي إسماعيل وأمه خوشيار هانم، والسلطان حسين كامل، والملك فؤاد, والملك فاروق، والأميرة فريال، وشاه إيران محمد رضا بهلوي.
كما أن هذا المسجد دفن فيه اثنان من الأولياء الصالحين وهم "يحي الأنصاري" و"علي بن أبي الشباك" أحد سلالة الرفاعي.
وترى في الغرفة التي يرقد فيها أبي الشباك عناية فائقة داخل مقصورة خشبية بديعة التكوين .. الضوء الأخضر يغمر المكان.. ورائحة البخور الزكية .. ومراوح في السقف تدعوك للجلوس في هذا الجو الروحاني.. وبضعه زوار يقرآون القرآن.
أما غرفة يحيي الأنصاري فتجد فيها تارة قماش أخضر قديم عشش فيه التراب يغطى المقام ، أو الإضاءة الضعيفة ، غير أن الغرفة ذاتها تستخدم لحفظ الأجهزة الكهربائية القديمة ومخلفات أخرى.
ومكان الوضوء في مسجد الرفاعي شديد الظلمة وصنابيره صدئة ، وكثيرا ما يكون مغلقا ، أما النوافذ الخارجية فبعضها مهشم.
|
القمامة والمياه بشارع الصليبة التاريخي |
جامع قاني باي الرماح
أمام جامع الرفاعي تكتمل منظومة العمارة الإسلامية في ميدان صلاح الدين بالقلعة بجامع قاني باي الرماح ومئذنته ذات الرأسين وقبته البديعة.
يعود تاريخ إنشاء المسجد إلي عام 1502 ميلاديا – 908 هجريا على يد الأمير قاني باي الرماح، أحد مماليك السلطان الأشرف قايتباي.
وكان الرماح يتولي واحدة من أهم وظائف الدولة المملوكية العسكرية، وهي وظيفة "أمير خور" أي المسئول عن الاصطبلات السلطانية وما فيها من دواب كخيل وبغال وأبل، في وقت كانت فيه الخيل هي عدة الحرب عند المماليك.
كان قاني باي شجاعاً، مشهورا بالفروسية ولعب الكرة من فوق ظهر الخيل، ولهذا سموه الرماح أي السريع الشجاع. وتوفى يوم الجمعة 26 ربيع الأول 921 هجريا – 1515 ميلاديا.
وعلى ربوة عالية تشرف على ميدان صلاح الدين شيد قاني باي مسجده، والذي يأسر عيون عاشقي العمارة الإسلامية. كما شيد الرماح مسجدا آخر في حي الناصرية واتخذ له مئذنة مماثلة لتلك المئذنة القائمة فوق مسجده بميدان القلعة.
حجارة المسجد تصطف بلونين، الرملي والأحمر، وقبته موشاة والزخارف، ومئذنته أيضا ذات رأسين وقد عرفت مصر الرؤوس المزدوجة منذ نهاية القرن التاسع الهجري، وأشهرها مئذنة الغوري في الجامع الأزهر. وصورة هذا الجامع تزين ّّورقة الـ 200 جنيه المصرية.
قاومت مئذنة قاني باي الزمن وقتا طويلا إلي أن تهدمت فاستعانت لجنة حفظ الآثار العربية بنموذج المئذنة التوأم لمسجد قاني باي في الناصرية. وأعادت بنائها مرة أخري عام 1358 هـجريا – 1939 ميلاديا.
وللغرابة فقد تعرضت مئذنة جامع قاني باي بالناصرية للسقوط أثناء إجراء بعض أعمال الترميم في المسجد خلال التسعينات، فأعيد بنائها على نمط مئذنة قاني باي بالقلعة.
ورغم جمال الجامع إلا أنه مغلق منذ سنوات ليست بالقصيرة؛ ربما بعد زلازل عام 1992.
ويؤكد أهالي المنطقة أنهم كانوا يقيمون الصلاة في الجامع حتى جاء العمال لعمل ترميمات، لكن فجأة.. توقف العمل، ومن يومها والجامع مغلق ولا يركع فيه إنسان.
الحوائط الخارجية للجامع تأكلها المياه الجوفية، وقد وصلت في تخريبها إلي ارتفاع مترين أو يزيد، كما تبدو آثار تشققات واضحة، وتحول الحائط الخلفي للجامع من ناحية درب اللبانة إلي مقلب للقمامة.
لكن وجدي عباس المسئول عن المساجد الآثرية في القلعة أكد لـ"محيط" أن المسجد أغلق بعد زلزال 1992، وأنه سيشهد عمليات ترميم وإصلاح ستضم أيضا مساجد السلطان حسن والرفاعي والمحمودية وجوهر اللالا ، وذلك خلال الأشهر الستة القادمة
جامع المحمودية
المحمودية من المساجد التي بنيت في العهد العثماني ( 979 هجريا – 1568 ميلاديا ) بعدما صارت مصر ولاية عثمانية في عام 1517.
وهو يقع على ربوة عالية، أمام جامع السلطان حسن، وقبلي قاني باي الرماح. ويتميز بمئذنته العثمانية الشكل.
يعاني المسجد من تصدعات وشقوق في جدرانه تظهر من الخارج بوضوح، كما يعاني من تراكم القمامة داخل سور الجامع، فقد كان هناك بئرا يستخدم في الماضي لتزويد الجامع باحتياجاته من المياه.
الآن صار هذا البئر موضعا للقمامة؛ يلقيها الأهالي ليلا داخل سور الجامع من الداخل.
يؤكد خادم المسجد لـ"محيط" أن تلك القمامة اشتعلت فيها النيران منذ شهرين وكادت تؤدي إلي دمار المسجد " لولا ستر الله" ، مبديا عدم إهتمام بفكرة الترميمات التي يعلنون عنها كثيرا ولا يرونها في القريب العاجل .