قطط عم منصور
بقلم: سارة سند
..................
|
هندى يمارس عمله بينما القطة بوسى آمنة على قدميه |
لا يعرف منصور هندى – 53 عاما – الكثير عن الشيخ على يوسف واحد من كبار رجال الصحافة المصرية فى بدايات القرن الماضى، سوى أنه يجلس منذ أكثر من عشر سنوات فى الشارع الذى يحمل أسمه، حتى أصبح واحداً من معالمه الشهيرة التى يعتقد المارة أنها جزء من تكوين شارع «الشيخ على يوسف».
شهرة «هندى» لا ترجع إلى كونه ماسح الأحذية الوحيد فى المنطقة فقط، إنما أيضا لحرصه منذ سنوات طويلة على الظهور فى موعد ثابت فى تمام السابعة صباحا وهو يحمل أدوات عدته المكونة من ألوان الورنيش المختلفة التى يستخدمها فى عمله، ويجلس متكئا على سور حديقة «دار العلوم» المتفرعة من شارع قصر العينى.
صيت «هندى» الأساسى فى المنطقة هو ولعه بتربية القطط الصغيرة، فبمجرد ظهوره، تنطلق نحوه القطة «بوسى» كما أطلق عليها، وعمرها ثلاثة أشهر وتجلس إلى جانبه طوال ساعات النهار. ورغم فقره الشديد الواضح على هيئته، وصحته التى أعيتها سنوات عمله الطويلة كحداد ونجار مسلح، فإن «هندى» يحرص منذ شبابه على تربية القطط ورعايتها كحرصه على أبنائه الأربعة: «أنا من سوهاج، ومن صغرى علمنى أبويا حب الحيوانات والعطف عليها، وكان بيضربنى أنا وإخواتى لو شاف حد مننا بيضايق حيوان أو بيعذبه»، يقطع كلامه ويصمت قليلا ثم يضيف: «طبعا أبويا عنده حق، هو مش الحيوان ده روح ولازم نحافظ عليه ؟».
واظب «هندى» على تربية القطط منذ أن كان فى العشرين من عمره، عاشت معه كل تفاصيل حياته، ويتذكر نفوق كل قطة من القطط التى تولى رعايتها: «مات منى فى التلاتين سنة اللى فاتوا أكتر من 12 قطة، فاكرهم كويس، لكن ربنا بيعوضنى على طول بقطط تانية»، دخل «هندى» اليومى من مسح الأحذية لا يتجاوز عشرة جنيهات فى أفضل الأحوال، تكفيه للحصول على احتياجاته وطلبات منزله، ويحرص على أن يوفر منها ليشترى غذاء قططه والمكون من «شرائح لانشون» وعبوات لبن، وإذا لم يتبق شىء يفضل القطط على بيته، لأنها من وجهة نظره تحبه وتحنو عليه ولا «تخربشه» أبدا.
يحكى «هندى» قصة قطته بوسى: «كان فى قطة لسه والدة قاعدة تحت عربية تريلا ضخمة راكنة فى الشارع، وفجأة العربية اتحركت وداست على القطة وولادها وماتوا، لكن بوسى الوحيدة اللى عرفت تهرب، فاتبنتها وبقيت على طول قاعدة معايا».
فى حياة منصور «هندى» العديد من العلاقات المميزة، كعلاقته المثالية بقططه، وعلاقته بالإعلامى محمود سعد، الذى يمر عليه كل يوم جمعة أثناء ذهابه لتأدية الصلاة. كثيرا ما يفكر «هندى» فى أن يطلب من «سعد» التوسط له للحصول على «عربة كارو» يبيع عليها الخضروات، لكنه يتراجع فى اللحظات الأخيرة حتى لا يعتقد «سعد» أنه «بتاع مصلحته» فيكف عن زيارته: «كل أمنيتى فى الدنيا إن ربنا يرزقنى بعربية أبيع عليها خضار عشان تساعدنى فى مصاريف الحياة الغالية، وكمان أنا ناوى إنى أعمل جواها بيت صغير لقطط الشوارع اللى بربيها».
يفسر هندى فى جملة أخيرة حرصه الشديد على قططه بقوله: «أنا ممكن أنادى على أبنى ويطنش وما يردش، لكن القطط أول ما بنادى عليها بتجيلى على طول».