"سيدة "رحلة عذاب بين المناديل والأنابيب
...............................................................
| |
دوامة شقاء في زمن عز فيه الأحلام | |
بقلم : أسماء أبوشال
......................
من السادسة صباحاً تجدها على سلالم أحد الكباري تجلس تنتظر الرزق الحلال من أهل الخير ، إنها سيدة مصطفي 45 عاماً مطلقة ، ولديها بنت وولد ، تركت لها أمها تركة من الديون وصلت إلى 16 ألف جنيه ، ويطالبها الديانة بدفع مبلغ يومي .
تقضي سيدة يومها كله تقريياً في العمل كي تتخلص من هذا الكابوس الذي تطاردها به 6 من النساء "الدلالات" ، وكان عليها بعد رحيل والدتها التي أخذت الأنابيب ومجموعة أخرى من البضائع ولم تتمكن من بيعهم بأي مكسب أن تسد الديون وفى نفس الوقت توفر قوت يومها وخاصة أنها مطلقة ولا تجد من يعتني بها أو ينفق عليها هي وأبنها المريض.
تجلس"سيدة" يومياً لبيع المناديل وتختبئ من الشمس "بكارتونة" تضعها فوق رأسها ، في انتظار الفرج ، حين بدأت في الحديث معها وجدتها سرعان ما أخرجت كل مستنداتها الرسمية وشهادة وفاة أمها مرفقة بورقة طلاقها من زوجها وأسترسلت فى سرد قصتها مع الشقاء قائلة : توفت والدتي منذ شهور ، أما أنا مطلقة منذ خمس سنوات ، حظي كان قليل فى الزواج ، وقبل الطلاق غضبت عند أهلي لمدة 16 عاماً ، أملاً في أن ينصلح حال زوجي ويعود لأولاده ، ولكن أخته الله يسامحها كانت السبب فى خراب بيتي ، وتحدتنى ذات مرة وقالت لي " زى ما جوزتك هطلقك" .
لدي بنت متزوجة لديها طفلين ، وأبن عمره 19 عاما خارج التعليم ، وذلك لأنه أصيب في حادث قديم سبب له "تربنه" أثرت على مخه ، ولا يستطيع أن يعمل ، أكد لنا الطبيب بعد الحادث أنه فى حاجة إلى علاج طبيعي ، ولكننا لم نحاول علاجه قلنا :"خليها على الله" ،أما طليقي لا يصرف عليه أو علينا مليم .
وعن الأرقام والديون فلم تحسبها سيدة ، لكنها ذكرت يومها ومصاريفها بالجنيه والقرش وكأنها تهذي وخاصة أن المبلغ المطلوب سداده هو 145 جنيه يومياً ، تسدد منه 50 جنيه فقط .
وتلخص حياتها في أرقام قائلة : أسكن في عزبة أبو قرن في مصر القديمة في غرفة واحدة أيجارها 120 جنيه في الشهر ، أركب مواصلات يومياً بـ 2.5 جنية ، أشتري دستة مناديل بـ 4.50 بتكسب 15 : 25 جنيه إلى 50 جنيه بفضل مساعدات أهل الخير فمنهم من يترك لي الباقي وآخرون يعطون لله.
وديوني 16 ألف جنيه لم أسدد منها سوي القليل "، مضيفة : فى الوقت نفسه لا يمكن أبيع المناديل في منطقتنا حتى لا يتعرف أقرباء أمي علي "علشان عيبة كبيرة فى حقهم".
يوم سيدة لا ينتهي عند الساعة الخامسة مساءاً ، ولكنها سرعان ما تذهب إلى بيتها فى مصر القديمة لتقابل "الديانة" لتتلقي شجار وتهديدات ووعيد كل يوم ، حيث تقوم بتسديد ما كسبت طوال اليوم "50 جنيه" إلى أحد الدلالات التي تقوم بدورها بإعطائها بعض أعمال الدلالة وبيع الأنابيب وقطع الملابس للبيوت المجاورة حتى تستطيع سد ديون الخمس سيدات الأخريات ودفع أي مبلغ لإحداهن يومياً وما يتبقي تقوم بشراء مناديل لعملها الصباحي تحت الكوبري .
وعندما سئلت عن أحلامها وما تتمناه لم تستطع الإجابة ، وكأنها تسمع هذه الكلمة لأول مرة ، وأخذت تتلفت بعين شاردة ساهمة وبصرها شاخص نحو لا شيء ولسان حالها يقول لا وقت للأحلام.
وبعد تفكير طويل وصمت ، امتلأت عيناها بالدموع وقالت: "خلاص اتخنقت ويئست من الدنيا ، نفسي أبطل بيع المناديل وربنا يتوب عليا من القعدة دي ، وأسدد ديوني بالشهر وليس باليوم .. وغير كدة ماليش أحلام لأني قرفت من الدنيا "
ملحوظة:
سيدة تجلس عند نزلة المحور الموجودة في ميدان لبنان - الجيزة - لمن أراد مساعدتها وجزا الله الجميع كل الخير.