...............................................................
بقلم : غريب المنسى
.........................
|
فريدريش ليست الألمانى |
عندما بشرنا توماس فريدمان وهو صحفي وكاتب أمريكي يهودي صهيونى فى كتابه الرفاهية وغصن الزيتون-The Lexus and Olive Branch - بالخير الوفير القادم مع العولمة لم يجهر أى اقتصادى عربى برأيه ويتحدى العولمة التى قدمها لنا فريدمان بائع الوهم العالمى لعدة أسباب منها أن دول العالم الثالث اتبعت اسلوب " كله عند العرب صابون " وربما يكون هناك أملا فى العولمة !! و لأن هذه الدول فى الواقع تخضع لقواعد ولوائح البنك الدولى وصندوق النقد الدولي فهى لاتستطيع أن تخرج عن المنظومة الأقتصادية التابعة لدول العالم الأول ومن ضمن الأسباب أيضا أن هذه الدول كانت ومازالت تعانى من الجهل الاقتصادى و تعانى اقتصاديا بدون عولمة فما المانع من المعاناة مع العولمة !! ولكن بعد أن فشلت هذه النظرية وسقطت كما يسقط الهرم المبنى من قطع الدومينو أصبحت دول العالم النامى فى وضع أسوأ مما كانت عليه قبل العولمة لأنها كانت فى السابق لديها القدرة على الانتاج أما الأن فهى مهيئة تماما للاستهلاك بعد أن سلمت هذه الدول للعولمة ولوهم التجارة الحرة القاعدة الصناعية المحلية التى هى كانت عصب ااقتصادياتها تحت شعار خصخصة الاقتصاد وتحرير التجارة .
ولو رجعنا قليلا للتاريخ لوجدنا أن "فريدريش ليست" الألمانى - Friedrich List 1846 - 1789- كان على حق وليس فريدمان الأمريكى !! فهو أهم عالم أقتصادى ألمانى وصاحب نظرية اقتصادية صحيحة أثبتت بعد مايقرب من ثلاث قرون أن التجارة الحرة يمكن فقط تحقيقها بين الدول التى على نفس المستوى من القوة الأقتصادية . وحتى تصل الدول النامية لنفس مستوى القوة الأقتصادية للدول المتقدمة يجب تركها حتى يكتمل نموها و تكبر من خلال ما يسمى بجمارك التنشئة والسياسات الحمائية و تكتلات الدول المنتجة للمواد الخام ( فى وقتنا الحاضر مثل منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك ) . والسياسات الحمائية معناها ببساطة أن الدولة تقوم بفرض جمارك عالية على السلع المستوردة حتى تصبح السلع المستوردة غالية وذلك لحماية المنتجات المحلية و بذلك يشترى المستهلك المنتجات المحلية داخل بلده.
قيصر فرنسا نابليون بونابرت ( 1804 ـ 1814) خلال حروبه مع أنجلترا قام بأغلاق القارة الأوروبية أمام المنتجات الأنجليزية من عام 1805 حتى عام 1807.و"فريدريش ليست " تعلم من تاريخ الأقتصاد أن الأقتصاد الألمانى تحت السياسات الحمائية من خلال أجراءات نابليون بونابرت حصل على مزايا كبيرة ساعدت على نموه لذلك أيد ليست جمارك التنشئة و السياسات الحمائية للصناعة الألمانية كى يجعلها قادرة على منافسة الصناعة الأنجليزية. فالتجارة الحرة تفيد فقط أكثر الدول الصناعية تقدما. و منذ بداية الثورة الصناعية فى عام 1750 كانت أنجلترا هى الدولة الصناعية الأكثر تقدما لذلك أيد التجارة الحرة الأقتصادى الأنجليزى أدم سميث Adam Smith -1790-1723 و الأقتصاديين الكلاسيك الأنجليز .
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ( 1938 - 1945 ) أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هى القوة الأقتصادية الأولى فى العالم و عملت على قيام نظام أقتصادى عالمى على أساس مبدأ التجارة الحرة. و لكن عندما بدأت ألمانيا و اليابان فيما بعد بالتفوق الصناعى على الولايات المتحدة الأمريكية أستيقظت مرة أخرى فى الولايات المتحدة الأمريكية السياسات الحمائية التقليدية.
الخسائر الكبرى من مبدأ التجارة الحرة العالمية الذى أقرته الدول الصناعية الثمانية الكبرىG8 وهم: الولايات المتحدة الأمريكية و اليابان و ألمانيا و فرنسا و إنجلترا و إيطاليا و كندا و روسيا تعانى منها الدول النامية و خصوصا العالم العربى . فالتجارة الحرة تصلح فقط للدول التى تكون على درجة واحدة من مستوى التقدم الأقتصادى. والأن أصبح واضحا لكل ذى عينين اتساع الهوة بين الدول الثرية والدول الفقيرة ... فالأثرياء يزدادوا ثراءا والفقراء يزدادوا فقرا .
مصر و تونس و المغرب و موريتانيا و جيبوتى و السعودية و الكويت و الأمارات العربية المتحدة و عمان و قطر و البحرين و الأردن هى دول عربية دخلت منظمة التجارة العالمية - World Trade Organization- وحسب وجهة نظر فريدريش فالدول العربية سلكت الطريق الخطأ اقتصاديا لأنهم دول نامية و يجب عليهم أن يتعلموا من التاريخ و يستدلوا من معرفة فريدريش ليست. ففى مصر و سوريا و تونس و المغرب صناعة النسيج فى وضع حرج و تم فقد عشرات الألوف من أماكن العمل و الباقى مهددة بالفقد بسبب تقدم صناعة النسيج المنافسة فى شرق و جنوب أسيا ( مثل الصين و الهند ) و قبل كل شئ من خلال مستوى الأنتاجية المرتفع فى هذة المنطقة وهى تعطى لهم مزايا كثيرة.
و لكى أبين لكم أنه لا توجد تجارة حرة فهى خدعة تستخدمها الدول المتقدمة لخداع الدول النامية أذكر بعض الحقائق:
فى عام 1999 زار الرئيس الأمريكى بيل كلينتون ( 1993 - 2001) مصنع هارلى ديفدسون - Harley Davidson- وهو مصنع لأنتاج الموتوسيكلات فى بنسلفانيا ـ و طبقا لوجهة نظرة يمثل هذا المصنع قصة نجاح للتجارة الحرة الأمريكية و لكن الحقيقة شئ مختلف تماما. ففى الثمانينات وفى عهد الرئيس الأمريكى رونالد ريجان ( 1981 -1989) تم فرض جمارك - ضرائب أستيراد - على الموتوسيكلات اليابانية بمقدار 45 % لعدة سنوات ولهذا السبب وحده أستطاع مصنع هارلى ديفدسون و هو صناعة أمريكية أصلية منذ زمن بعيد أن يظل على قيد الحياة. ولو كانت وجهة نظر حكومة كلينتون موجودة فى الثمانينات لكان اليوم لا يوجد مصنع هارلى ديفدسون لانه لم يكن يستطيع الصمود أمام المنافسة الخارجية.
وطبقا لسياسات الرئيس رونالد ريجان دعمت وزارة الدفاع الأمريكية و بصورة خفية غير ظاهرة للعامة صناعة الكمبيوتر والصناعات الألكترونية فى الولايات المتحدة الأمريكية فى خلال ال30 سنة الأخيرة وبذلك نستطيع أن نرى أن أقتصاديات السوق الحرة عبارة عن كلام انشائى جميل ليست له صلة بالواقع ولايطبق فى كثير من الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والأتحاد الأوروبى و اليابان و كندا .
وهنا نتساءل .. عن مدى أستفادة الدول النامية من التجارة الحرة و التخفيضات الجمركية و هل هناك ضمانات كافية لتوزيع منافع التجارة الحرة بين الدول النامية و الدول المتقدمة؟ الأجابة للأسف الشديد هى أن الدول العربية و منها مصر لا تستفيد من التجارة الحرة و يجب إعادة النظر في دور المؤسسات الدولية التى عفا عليها الزمن وعلى رأسها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، والتى ثبت تحيزها لصالح دول بعينها كما حدث فى الماضى و حتى الأن وأن نجد طريق أخر حماية لمصالحنا فى المستقبل.
حكمة للتأمل : مثل انجليزى
المعرفة قوة
Knowledge is power
06/11/2014
مصرنا ©