جمال حشمت ..قلب يمشي على قدمين
...............................................................
| |
د. جمال حشمت | |
طارق قاسم – رئيس تحرير موقع بر مصر
....................................................
وينشأ ناشئ الفتيان منا في هذا البلد الحرام – الحرام ليس لأنه مقدس ولكن لأن الحياة المستقرة والتكريم اللائق حرام على الشرفاء من أبنائه بقوة السلطان ونفوذ الوريث وبطش الأمن – على أن حريته في مهب الريح إذا قرر أن يكون نبيلا ينذر حياته للبسطاء وأرض البلد وكلمة الحق ،وأن بطاقته الشخصية الحقيقية هي جدران السجن لا قطعة البلاستيك التي تمنحها له وزارة الداخلية التي سرعان ما تعتقله إذا مد يده ليمسح الغبار والوحل من على جبين الوطن ، وأن أسماءنا جميعا مكتوبة بالقلم الرصاص في سجلات النظام و ( أستيكة ) السلطات دائما في وضع التأهب لمحوها في أية لحظة إذا ما شكت – مجرد شك – في خنوعنا وأننا نفكر – مجرد تفكير – أن نصبح بشرا سويا..
جمال حشمت ..اسم علم ، على دراما مصرية من النبل المقطر ، إنسان توحد في الدماثة حتى لكأنما صار محض قلب يمشي على قدمين ، تشعر أنه يريد أن يستأذنك قبل حتى أن ينظر نحوك ، وأنه يتفحص الكلام ويشذبه يقص زوائده ويربت عليه ويرشه بالعطر ويلفه في حديث كباقة الورد إذا أراد أن يتحدث إليك ..
هذا رجل قرر منذ تفتح وعيه أن ينذر نفسه للشأن العام بعزيمة فدائي ، وقلب ناسك ، وعيني شاعر ..وصوت راهب كل ما يرغب فيه أن يقول كلمته بهدوء وبساطة ثم يكون أول الجنود ..
في عام عدوان غربي صهيوني ، لوطن عفي صلب مقاوم ، أغمض عينيه واتبع زعيما قال أن لديه مشروعا عرضه السماوات والأرض ، ولأسرة متوسطة مركزها أب يعمل وكيلا للمدرسة الثانوية الزخرفية بدمنهور ، ولد في العام 1956 ، الطفل محمد جمال ..بملامح هادئة ، وأعين متفرسة واثقة ..رغم أنه كان الأصغر بين خمسة أبناء ، ثم شب الفتى محمد جمال ، متطلعا، طموحا ، هدوؤه الأنيق يخفي صلابة تستحق الدراسة ، جعلته فيما بعد مثقفا ، وسياسيا ، وإخوانيا ، لا يخجل من أي فكرة بناءة مهما بدا أنها تغرد خارج السرب ..
الطفل ، ثم الفتى ، محمد جمال ، ثوري مقاتل ، لا يريد أن يعيش لنفسه فقط ، لذا فقد بحث عن الجدار الذي يستحق أن يكون طوبة فيه ليصد عن الأرض والناس غوائل الفساد ، وتربص أشرار السلطة والمال، دخل تنظيم الشباب الناصري..لم يستمر فيه لأبعد من السنة الأولى الجامعية ..بعدها عرف أن إبرة البوصلة لا يمكن إجبارها على الاتجاه صوب ما يخالف فطرتها ..وفطرتها الارتباط بجبل المغناطيس ..فيه غرفة قيادتها ..ومركز توجيهها ..وقلب الإنسان هو بوصلته ..ومركز توجيهه فوق البشر والخلق والكون ..قرر الشاب محمد جمال أن يسير خلف بوصلته ..والإسلام هو حصن القلب وموجهه..
في العام 1980 تخرج الشاب محمد جمال حشمت طبيبا شغوفا بالغلابة مسكونا بخدمة البسطاء ..وبدأت منذ ذلك الوقت رحلته مع قولة الحق الطويلة في وجه السلطان الجائر ومع الارتحال الدائم من سجن الوطن الواسع إلى سجون وزارة الداخلية الضيقة وبالعكس..بوتيرة متسارعة نمت في اتجاهيين متوازيين متوازنيين صفتان لازمتا ( جمال حشمت ) بحسب اسم شهرته المختصر : أنه إسلامي ، وأنه مثقف وإصلاحي وثوري رغم أن كثيرين لا يقتنعون أن الثوري يمكن أن يكون إصلاحيا...
في مسار حياته العلمية تفوق وحصد الشهادات حتى صار أستاذا مساعدا بمعهد الدراسات الطبية التابع لجامعة الإسكندرية ، وصار معروفا بين الغلابة بأنه الدكتور البشوش صاحب أرخص (فيزيتة) في البحيرة ..والذي لم يكن يتردد في رفض تقاضي أجر من الأساس عندما يشعر بضيق ذات يد المريض الذي يوقع الكشف عليه ..
أما على صعيد العمل العام حيث وحدة بناء الاسم والتاريخ هي الموقف ، فقد وضع جمال حشمت الطوبة على الطوبة حتى بنى قصرا مشيدا تحته بئر ليست معطلة ، بل هي عذبة الشراب لعابري السبيل العطاشى والمحرومين الحيارى ، وامتدت سمعة جمال حشمت في كل الاتجاهات في مدينة ( دمنهور ) حتى صار منطقيا أن يطرح اسمه كمرشح لتمثيل الدائرة في مجلس الشعب..و بالفعل ..نالها باكتساح في العام 2000 ، وقتها كان النظام يدعم المرشح المنافس له ، وهو شيخ سلفي بلحية طويلة ، وبينما نال د. حشمت عشرات الآلاف من الأصوات نال المنافس الذي يدعمه الأمن أقل من ( 300) صوت ، فنذر حياته بعد هذه الهزيمة للتشنيع على حشمت والإخوان في الفضائيات ، الصحف والمجلات ، وأخيرا التليفزيون الرسمي المصري وتحديدا برنامج حالة حوار لصاحبه ومقدمه ومديره ومعده وراعيه ومشاهده الأوحد د. عمرو عبد السميع ..لدرجة أن هذا المرشح الخاسر صار يؤلف كتبا كاملة في نقائص الإخوان ويطبعها على نفقته الخاصة ( ؟!) ويوزعها بمجهوده الفردي ومجهود أنصاره ومريديه ..
ما علينا ..
تحت قبة الموقر سيد قراره ( بحسب د. فتحي سرور ) كان حشمت صوتا لمصر الأصلية ، وناسها الغلابة المسحولين بسياسات إرهابية من تنظيم عصابي في ثوب حزب سياسي ونظام فاقد الأهلية يعاني تشنجات ونوبات صرعية سياسية ، خاض حشمت معارك صار يؤرخ بها كمحطات في مسيرة البرلمان المصري ، وضم اسمه بصبر وشرف ونضال بجوار أسماء رموز البرلمانيين المصريين طوال التاريخ النيابي المصري أمثال عباس العقاد، مكرم عبيد ، ممتاز نصار ، وغيرهم كثيرين
معارك جمال حشمت لم ترق لبعض المؤسسات في الدولة ، خصوصا عندما دافع عن شريحة من المصريين حرموا من حقهم في المعاش بعد التقاعد لأسباب ما أنزل الله بها من سلطان ..ومع تراكم مواقف هذا المثقف الثائر والطبيب ، والنائب الإخواني ،كان لابد من اقتلاعه من الموقر وإلا فالطبخة مهددة بالفشل الذريع ..لذا ، كانت التمثيلية التي أخرج بها جمال حشمت من مجلس الشعب في العام 2003 ، لصالح نائب وفدي ، كان أجدر به وبحزبه عدم المشاركة في المهزلة ، لكنها قوانين اللعبة التي لا يتقنها حشمت ولا يعترف بها لأنه مواطن شريف ، فقد زعمت السلطات أن التباسا حدث في حساب الأصوات ( لاحظ : حدث هذا بعد عامين قضاهما حشمت نائبا وطنيا مشاغبا) بين حشمت ومنافسه الوفدي على دائرة دمنهور وزاوية الغزال بمحافظة البحيرة ، أسفرت اللعبة عن إعادة الانتخابات ، والنتيجة معروفة مسبقا، سلب حشمت حقه في تمثيل أهل دائرته الذي صبوا له الأصوات صبا ، لكن التزوير في بلادنا فوق الناس والدستور والقانون والوطن والدين نفسه ..
ويبدو أن قرارا فوقيا غير مكتوب صدر ضد د.جمال حشمت بأنك مطرود مطرود مطرود يا ولدي من الموقر ، ولو لم تفلح الرشاوى الانتخابية فسيف التزوير نصله مسموم ونافذ وضربته ناقعة ناجزة ..منافس د.حشمت هذه المرة ( انتخابات مجلس الشعب 2005) كان شخصا يفترض أن احترامه لنفسه يجعله يجفل وينفر من الزج باسمه في معركة غير شريفة ..وحتى نكون صادقين : وضيعة..فقد كان المنافس هو الدكتور مصطفى الفقي ، الذي يحلو لمريديه أن يسبقوا اسمه بلقب: المفكر والذي كان يعمل مسشارا للرئيس للمعلومات وأطيح به من منصبه في ملابسات غامضة لأسباب غير معلنة وإن كانت حقائق تم تمريرها من تحت الطربيزة تكفلت بكشفها وهي أسباب تردد أنها ذات علاقة بفضيحة نسائية مدوية كان بطلها رمزا من رموز السلطة في ثمانينيات القرن الماضي ..
تكررت لعبة العام 2003 في انتخابات العام 2005 ضد جمال حشمت ، ولكن بضراوة أشد وتآمر أكثر خبثا ، وفجاجة أقل حياء .كان التزوير على عينك يا تاجر ..وهو تزوير صار ماركة مصرية مسجلة واستثنائية خصوصا بعدما فضحته في شهادة تاريخية معلنة غير مسبوقة سيدة عظيمة ، هي المستشارة الدكتورة والمفكرة الكاتبة : نهى الزيني.
السؤال : هل شخص كجمال حشمت بحاجة لمجلس الشعب كي يؤدي دوره ويخدم دينه ووطنه وفقراء بلده ؟
الجواب أوضح من انتشار الفساد في عصر مبارك : هذا رجل عبارة عن شمس في ثوب بشر ،لا تحتاج أشعتها لصك رسمي أو إذن من السلطة بالنفاذ إلى الأماكن المغلقة لتطهرها من الجراثيم ،وإلى الأجساد لتقويها وتمنحها فيتامين ( د) ،وإلى القلوب لتدفئها وتبث فيها الحرارة والقوة ..لذا ، فالدور الوطني والسياسي والفكري لجمال حشمت كان يشرف مجلس الشعب ويمنحه شرعية لا العكس ..يكفي أن تقرأ مقالاته التي تشرح وتحلل أوضاع البلد في مختلف الصحف المحترمة ، وأن تشاهده وهو يصدع بالحق المر في برامج الفضائيات ذات المصداقية المهنية العالية ..وأن تتابع دوره الإغاثي في كل من اتحاد الأطباء العرب ونقابة الأطباء والجمعية الطبية الإسلامية التي يشغل مقعد عضو بمجلس إدارتها
من أجل كل ذلك ،كان لزاما على غلمان السلطة وأبواقها الإعلامية ألا يتركوه في حاله ، جمال حشمت هو احد أكثر من لفقت بشأنهم تقارير صحفية في صحف أمن الدولة ،ومن أشهر من نسجت حولهم اتهامات كاذبة في إعلام السلطة أثناء انتخابات 2005 وبعدها ..
كثيرون لا يعرفون أن د. جمال حشمت مثقف نفتقد مثله بشده في هذه الفترة من عمر مصر ..مثقف إسلامي المرجعية متشعب الإطلاع واسع الإلمام بدهاليز الملفات السياسية والفكرية التي تضطرم في مصر ..مثقف نادر رشيق العقل لا تشوب علاقته بأية فكرة أو تيار عقده من أي نوع ، لذا كان منطقيا أثناء انتخابات 2005 أن ترى إلى جواره في المؤتمرات الانتخابية طيفا واضح الاتساع من مفكرين مثل عبد الوهاب المسيري وفنانين مثل عبد العزيز مخيون وسياسيين مثل جورج إسحق..
مؤكد أنك الآن تطلق تنهيده تنم عن فهم كامل ودقيق للسبب الذي تم بموجبه اعتقال جمال حشمت مساء يوم 26 سبتمبر الجاري بنفس التهم المكرورة الممجوجة المعلبة التي تفتح في وجه كل شريف في هذا البلد ..تهم مضحكة.. فجمال حشمت الذي خاض انتخابات الموقر مرتين تحت شعارات الإخوان المسلمين ، متهم الآن بأنه عضو بـ ( المحظورة ) !!وأنه يروج لفكرها ويحوز مطبوعاتها ..وحشمت الذي قضى رمضان يفطر مع الفقراء ويوزع عليهم المساعدات في دمنهور ، صار الآن متهما بـ( قنطرة ) بعض الأموال من دفاتر الزكاة ليمول بها جماعة الإخوان المسلمين ..
خيبة قوية وعار سيلاحق مصر لقرون قادمة لو كان في عمر الأرض بقية .. خيبة ستضحك عندما أحكي لك الآن بعض إفرازاتها ، فقبل حوالي شهر ، أقيم زفاف ( نسمة ) الابنة الوسطى لجمال حشمت والحاصلة على ليسانس آداب ، فقام أشاوس أمن الدولة باستدعاء المعازيم واستجوابهم وملاحقة بعضهم من خلال أرقام سياراتهم ..وتبين أن بعض هذه الأرقام التي استخدمت في تتبع المعازيم ، لسيارات أخوال نسمة !!
نسمة الآن في بيت زوجها تبكي أباها الذي اعتقل بتهمة ورقية بعد أقل من شهر ونصف على زواجها ليست وحدها فقط التي تبكيه فبيوت دمنهور كلها حزينة للظلم الواقع على جمال حشمت الذي تربطها به صلة أقوى من الدم وأكثر صلابة ن القرابة والمصاهرة ..!!
06/11/2014