محامية المتهم في قضية التجسس تتحدث
| |
عصمت طلعت عقل.. لن أطلب له البراءة وسأدافع عنه بما يمليه علي ضميري وانتمائي لبلدي | |
حوار انفردت به : جيهان الشعراوي
حدثت قضية القبض على جاسوس مصري لصالح اسرائيل دويا مفجعا فور إعلانها، ليس لأنها مجرد قضية تم خلالها كشف النقاب عن محاولة تجنيد لمواطن مصري يدعى طارق عبد الرازق عيسى حسن من قبل الموساد، ولكن لأنها بدأت بمحاولة سعي للتخابر من مواطن مصري ذهب بكامل إرادته إلى الموساد... المتهم معترف بجريمته بدون ضغوط ، ولاقى أفضل معاملة أثناء التحقيقات. تعاون مع جهات معادية في عمليات مرتبطة بدول أخرى، ورفض التعاون في عمليات تضر بمصر. المتهم هرب من مصر بعد فشل مشروعه وتعثره في سداد قرض. الأمر الذي كان له وقعا مدويا على الجميع، ومع اقتضاب البيان الصادر من نيابة أمن ادوة العليا عن القضية وملابساتها، كان من الضروري البحث عن مصدر قادر على توضيح المزيد للقراء، لذلك كان لقائنا مع السيدة عصمت طلعت عقل محامية المتهم والتي دار معها هذا الحوار.
كيف توليت مهمة الدفاع عن المتهم؟
توليت القضية عن طريق نقابة المحامين، حيث تم انتدابي للدفاع عن المتهم بناء على طلب النيابة، حيث تقوم النقابة بترشيح أحد المحامين من جهتها لتولي مهمة الدفاع عن المتهمين غير القادرين على توكيل محامي للدفاع عنهم سواء كان السبب عدم القدرة المادية أو عدم رغبة المتهم نفسه في أن يدافع عنه أحد، أو عدم درايته بالقانون، والمتهم في هذه القضية لم يكن لديه محامي، ولذلك فقد طلبت النيابة من نقابة المحاميين أن تنتدب محامي للدفاع عنه.
وكيف بدأت مباشرة العمل بالقضية ؟ وهل حضرت التحقيقات منذ بدايتها أم بعد ذلك؟
بعد الترشيح ذهبت إلى نيابة أمن الدولة ، وعلمت بتفاصيل القضية وملابستها بالكامل، وبدأت على الفور في حضور التحقيقات مع المتهم منذ اليوم الأول، فالتحقيقات لم تبدأ مع المتهم إلا بعد أن وافق محامي على الدفاع عنه، وقد بدأت التحقيقات منذ بداية شهر اغسطس الماضي تقريبا.
كيف تمت عملية القبض على المتهم؟
كان المتهم في زيارة لمصر لمدة يومين، وكان خلالهما تحت المراقبة الكاملة، وتم إلقاء القبض عليه عند محاولة سفره ومغادرته البلاد.
وكيف بدأت خيوط القضية تتجمع في يد السلطات المصرية المختصة؟
هذه التفاصيل لم يرد بشأنها أي ذكر في التحقيقات، ولم أطلع كمحامية على هذه الأمور بعد، ولكن ما علمته أن رجال جهاز الأمن القومي هم الذين جمعوا الأدلة والخيوط الخاصة بالقضية، وأجروا تحرياتهم الخاصة وبعد أن تأكدوا من تورط المتهم في عملية التخابرلصالح اسرائيل وجمعوا ما تمكنوا من جمعه من أدلة تؤيد الإتهام أحالوها للنيابة للتحقيق، وإلا لما كانت توفرت أركان الجريمة ولا ارتقت إلى أن تكون قضية تستحق إلى تحويلها إلى المحكمة.
بصفتك محامية المتهم، هل حدث أن اشتكى المتهم من تعرضه لضغط أو تعذيب نتج عنه ما تم تسجيله في أوراق النيابة من اعترافات تفصيلية؟
أبدا... لم يحدث أن شكى المتهم من ضغط أو تعذيب أو حتى سوء معاملة على الإطلاق، فقد أدلى باعترافاته أثناء التحقيقات بكامل إرادته، وبدون أي إكراه، وحصل على جميع حقوقه القانونية أثناء فترة التحقيق، وأشهد على ذلك بنفسي، فقد حضرت معه كل جلسات التحقيقات يوم بيوم، وكانت بعض الجلسات تمتد إلى 6 ساعات في اليوم الواحد على مدى خمسة أشهر، حتى أني كنت مندهشة من الأسلوب الذي تعاملت به النيابة وخاصة السيد المستشار طاهر الخولي المحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا مع المتهم أثناء التحقيقات، فقد كان أسلوبهم معه مهذبا وكريما للغاية، بداية من الأكل والمشروبات وحتى العلاج، فقد عاني خلال فترة التحقيقات من بعض الأمراض وتلقى العلاج في مستشفى راقي، حيث عاني فترة من نزيف بسبب ناصور شرجي، وفترة أخرى واجه مشكلات بسبب القولون العصبي، وخلال فترة مرضه تم حجزه بالمستشفى وتوقفت التحقيقات ولم تستأنف إلا بعد تمام شفائه بالكامل.
استمرت التحقيقات لمدة خمسة أشهر كاملة، ألا تعد هذه المدة طويلة نوعا ما بالنسبة لتحقيقات النيابة؟
لا .. أبدا، ليست كبيرة على الإطلاق، بل أعتبرها مدة كافية لفحص جميع جوانب القضية، وهذا إذا دل على شيء فإنما يدل على أن النيابة كانت حريصة تمام الحرص على التطرق إلى أدق التفاصيل، وأن تستوفي التحقيقات عن كل صغيرة وكبيرة، والتي كان يتابعها المستشار هشام بدوي المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة بنفسه أولا بأول، ففي بداية التحقيقات أدلي المتهم باعترافاته بصفة إجمالية، وبعدها بدأت النيابة تسأله عن تفاصيل كل نقطة وتواجهه بما لديها من أدلة وأسانيد وتصدر أوامرها بإجراء التحريات التي توضح صدق أو كذب ما قاله المتهم في التحقيقات، فهذه ليست قضية عادية وتتعلق بأمن مصر القومي وتتعرض لعلاقات مصر مع العديد من الدول الأخرى، لذلك كانت النيابة تتحرى أقصى قدر من الدقة في التحقيقات، فلك أن تتخيلي أن المتهم ظل يسرد وقائع وأحداث جرت على مدى ثلاث سنوات هي عمر فترة تعاونه مع ضباط الموساد الإسرائيلي، وما تلقاه من تكليفات وما قام به من مهام، لذلك فالوقت الذي استغرقته التحقيقات ليس كبيرا بل هو أقل وقت تستحقه مثل هذه القضية، وهذا بالطبع لصالح القضية ولصالح المتهم في نفس الوقت.
وكيف تم جمع الأدلة والتأكد من صحتها؟
لقد عثرت السلطات مع المتهم عند القبض عليه على بعض الأدلة ومنها جهاز الكمبيوتر المحمول والشنطة التي يحمله بها وكذلك الفلاش ميموري، وبمواجهته بما لديهم من معلومات اعترف بأن هذه الأجهزة تخصه وأنه استخدمها في نقل المعلومات التي طلبت منه، ثم طلبوا منه شرح توضيحي لما تحمله هذه الأجهزة من برامج مخفية، وقد أوضحها بالكامل وأعترف بأنه تدرب عليها من قبل ضباط الموساد، وبعد ذلك قام الفنيون بفحص هذه الأجهزة وتفريغ ما عليها من بيانات قام المتهم بتسليمها لضباط الموساد من قبل.كما قام بنفسه بفك وتركيب الحقيبة وكشف عن جيوبها السرية وأعاد تركيبها مرة أخرى كما تدرب عليها، وكان من ضمن الأحراز أيضا أربعة تليفونات محمولة كان المتهم يستخدمها في اتصالاته الخاصة بعمله التخابري، أحدها كان يستخدمه للإتصال بشخص سوري مجند لصالح اسرائيل، والثاني كان يستخدمه للإتصال مع ضباط الموساد، والثالث يستخدمه للإتصال بالصين، والرابع يستخدمه للإتصال بكل من لاوس وتايلاند.
في رأيك، لماذا فضل المتهم الاعتراف دون ضغط بمجرد مواجهته بالأدلة والتحريات التي جمعها رجال المخابرات المصرية، وهل كان ذلك من باب التكفير عما ارتكبه من أخطاء أو إحساس بالذنب أم أنه قد يكون شعر بالخطر بعد الضربات الموجعة التي وجهت للموساد الاسرائيلي بعد فضيحة عملية إغتيال المبحوح من ناحية، ومن ناحيةأخرى ما أعلنه حزب الله قبل فترة من اختراق إسرائيل لقطاع الاتصالات في لبنان، واتهامه لها بإغتيال الحريري... الأمر الذي قد يشعر معه المتهم بالخطر على نفسه في حالة إذا ما عرفت السلطات المصرية بالأمر؟
ربما يكون ما ذكرتينه صحيحا، بل هو أيضا منطقيا وأقرب إلى التصديق من الناحية العقلية، ولكن حسب ما قاله المتهم أن اعترافه دون مقاومة كان سببه رغبته في التطهر والتكفير عما ارتكبه، وإن كانت النيابة مقتنعة تماما بأن اعترافات المتهم وما أدلى به من تفاصيل ما هي إلا جزء صغير مما ارتكبه من جرائم وما قام به من مهام... وهذا اتضح أثناء التحقيقات حين واجهت النيابة المتهم بأوراق مطبوعة من أحد المواقع التي قام المتهم بإنشائها على النت حيث قدم إعلانا عليها يطلب فيه موظفين مصريين في مجال الإتصالات وبالتحديد في خدمة العملاء والقطاع الفني... فقد اعترف المتهم بأنه عمل الإعلان لكنه أصر على أنه لم يحدد فيه التخصصات ولا الجنسيات المطلوبة، وأنكر صلته بالتفاصيل المذكورة في الإعلان والتي حددت التخصصات والجنسية المصرية.
إذن فكيف كانت الحالة النفسية للمتهم أثناء التحقيقات، هل كانت تبدو عليه ملامح الندم والشعور بالذنب أم أنه لم يكن يهتم؟
كانت حالته عجيبة جدا، وأدهشتني في بداية الأمر، فقد كان يتعامل طوال الوقت مع الأمر بلا مبالاة شديدة، حتى أني شعرت بأنه لا يقدر خطورة ما يقوله ولا فداحة ما أرتكبه، ومدى تأثيره على البلد ومصالحها الداخلية والخارجية، حتى أنه مقتنعا تماما بأنه لم يوجه أي ضرر لمصر على الإطلاق، وأكد كثيرا خلال التحقيقات أنه كان يرفض تماما أن يقوم بأية مهام تجسسية على مصر او على أحد المصريين ولا المشاركة في تجنيد مصريين، وكل ما قاله أنه تعاون مع الاسرائيليين من أجل أن يستفيد ماديا لفترة ثم يتركهم بعد ذلك، ولكن يبدو أن تقديراته كانت خاطئة حيث لم يعطوه الفرصة لذلك.
لكن المواقع التي قام بإنشائها على النت بالتأكيد استقبل عليها الكثير من طلبات التوظيف وحتما كان من بينهم عدد كبير من المصريين، هل تم حصر هذه الأعداد ومعرفة كم منهم كان قابلا للتجنيد لإجهاض العملية قبل اتمامها؟
من واقع اعترافات المتهم أنه أنشأ أكثر من موقع، كان بعضها خاص بالنشاط العقاري في سوريا وموقع آخر لتوريد الحلويات الشامية، وثالث لتوريد زيت الزيتون، كما قام بإنشاء أكثر من بريد الكتروني استخدم أحدهم في مراسلة رئيس تحرير صحيفة لبنانية تحت ستار أنه صاحب قناة تليفزيونية في تايلاند ويريد إستضافته في برنامج، وبالفعل تم استدراج رئيس التحرير البناني إلى تايلاند، وبريد الكتروني آخر راسل من خلاله شخصية عربية تعيش في جنوب أفريقيا وعلى صلة وثيقة بإحدى المنظمات الفلسطينية، وتم استدراجه أيضا إلى تايلاند ... أما عن السير الذاتية التي أرسلها الراغبين في العمل من الدول الأخرى فقد قام المتهم بفرزها وتحديد من يصلح منهم للعمل مع الموساد، وكان تركيز الضباط الاسرائيليين على المحاميين اللبنانيين وخاصة من الشيعة ومن يقيمون في جنوب لبنان، وفي سوريا كان اهتمامهم بالعاملين في العقارات والحلويات وزيت الزيتون والشركات العاملة في مجال الكمبيوتر والإنترنت، وكانت أهم الأسئلة التي يوجهونها للمتهم بعد رجوعه من سوريا التي زارها سبع مرات خلال مدة تجنيده، تدور حول التواجد الأمني في شوارع سوريا وفي المطار ونوع أجهزة فحص الحقائب الموجودة على سير الشنط ونوع أجهزة الكمبيوتر المستخدمة في المطارات، ومدى انتشار مقاهي الإنترنت في سوريا، أما بخصوص مصر فقد أنكر المتهم تماما قيامه بأي نشاط تجاه مصر، ولكنه أعترف فقط بأنهم أنشأوا له موقعا على الإنترنت وطلبوا منه عمل إعلان عن موظفين يعملون في قطاع الاتصالات، خاصة خدمة العملاء والهندسة الفنية، وحسب أعترافه فقد أنشأ الإعلان وتعمد أن يكون مبهما دون أن يحدد أنه يطلب مصريين ولا حدد التخصصات المذكورة.
وهل واجهته النيابة بالفعل بهذه المواقع كأدلة اتهام وما هو رد المتهم؟
فعلا النيابة واجهته بدليل مطبوع من الموقع الخاص بإعلانه عن طلب موظفين في مجال الإتصالات، ولكنه أصر على أنه لم يكتب تفاصيل الجنسية والتخصص، فقد كتبه إعلانا مبهما تماما، ولم يذكر أنه يطلب مصريين وسوريين ولبنانيين، كما قال أنه تلقى ثماني طلبات فقط ، كان من بينهم 6 طلبات من مصريين، وقال المتهم بأن هذه الطلبات لم يكتب بشأنها تقارير لضباط الموساد، فقد حصلوا على هذه الطلبات من على الموقع مباشرة ولم يعرف عنهم شيئا.
ذكر البيان الصادر من النيابة أن المتهم حصل على مدى ثلاث سنوات كاملة على مبلغ 37 ألف دولار فقط، في حين تعددت سفرياته إلى العديد من دول العالم من بينها سبع سفريات إلى سوريا فقط،، فهل يعقل أن يكون قد حصل على هذا المبلغ فقط طوال هذه المدة، أم أن هناك ما يخفيه؟
هذا ما قاله موكلي، حيث أوضح أن كل ما حصل عليه من أموال كان مقابل تكاليف سفره وإقامته ومكافآت عن المهام التي قام بها خلال سفرياته، بما في ذلك من تذاكر الطيران والإقامة في فنادق خمس نجوم كانوا يحجزون له فيها بمعرفتهم.
لكنه ذكر أيضا أنه أسس شركة أستيراد وتصدير، وبالتأكيد أجرى صفقات تجارية خلال أسفاره كستار لنشاطه، فأين ذهبت أرباحها؟
أوافقك ارأي بأن الأمر غريب إلى حد ما، ولكن المتهم قال بأن هذه الشركة لم تكن قائمة بالفعلن بل كانت مجرد ستار وهمي، ولم يكن لها أي نشاط فعلي، كما أكد بأنه لم يكن لديه رأس مال لينشئ تجارة حقيقية، وهم لم يعطوه المال اللازم لهذا الاستثمار، ولكن الأغرب أنه اعترف أيضا بأنهم وعدوه بزيادة راتبه من 800 دولار إلى 1000 دولار في حالة إتقانه للغة الإنجليزية، وبالفعل منحوه تكاليف الدراسة، ولكنه أنفقها ولم يدرس، ومنحوها له مرة أخرى وأنفقها أيضا، كما أكد على أنه كان يحاول الاقتصاد من الأموال اتي يعطونها له كمصاريف خلال سفرياته، فكانوا يحجزون له في فنادق خمس نجوم، وبعد وصوله بيوم واحد يقوم بالإنتقال إلى فندق أرخص ليوفر في النفقات ويحصل على فرق السعر لنفسه... وكان يفعل ذلك في معظم المهام التي كلفوه بها.
وكيف كانت علاقته بأهله، فقد تردد أن صلته بهم كانت مقطوعة منذ فترة؟
فعلا... فقد سافر من مصر بسبب مشاكل مالية حدثت له حيث كان حاصلا على قرض من أحد البنوك وتعثر في السداد، وتورط فيه أحد إخوته، ولما عجز عن سداد قيمة القرض صدر ضده حكم قضائي، ومنذ ذلك الحين لم يتصل بأهله خجلا مما أوقعهم فيه من مشكلات، وحتى خلال السنوات الأخيرة لم يكن يزور أهله عندما يكون في مصر.
وما هي قيمة المعلومات التي أدلى بها المتهم في التحقيقات، وهل من الممكن أن تخفف عنه الحكم أو تعد ذريعة تجعلك تلتمسين له الرأفة أمام المحكمة؟
قيمة المعلومات التي أدلى بها المتهم لا أستطيع أن أحكم عليها، فهذا الامر من شأن رجال المخابرات هم الذين يحددون ما إذا كانت مهمة أم لا وهل تفيدهم أم أنها لا تثمن ولا تغني من جوع، كما أن المتهم كما قال أنه كان حريصا على عدم الإضرار بمصلحة مصر، وعدم المشاركة في عمليات تجنيد لمصريين، فقد اقتصر عمله على تجنيد أشخاص عرب من دول أخرى، صحيح أن هذا أضر ببلدان أخرى، ولكن ربما يشفع ذلك للمتهم أمام المحكمة، وهو أمر لا أستطيع أن أجزم به لأنه يعود في النهاية إلى المحكمة والقضاة أنفسهم... وبالتالي سيكون الحكم حسب قناعات المحكمة ووفقا لمواد القانون المصري.
وماذا عن المهام التي قام بها وكيف كانت طبيعتها؟
لقد اعترف المتهم بكل الجرائم التي ارتكبها وكل التكليفات التي كلفه بها رجال الموساد الاسرائيلي وكانت كلها على سوريا ولبنان ومنظمة حماس وحزب الله، وقد تأكد رجال المخابرات المصرية من كل هذه الجرائم قبل القبض على المتهم وتحويله للنيابة.
وهل كان له شركاء آخرين سواء داخل أو خارج مصر؟
في حدود علمي لم يكن له شركاء على الإطلاق داخل مصر، وكان يرفض تماما أن يؤدي أي مهمة داخل مصر، ويرفض كل التكليفات التي قد يكلفونه بها للحصول على معلومات من داخل مصر.
وكيف ترين موقفه القانوني الآن بعد ما أدلى به من اعترافات وما ووجه به من أدلة؟
لا أحد ينكر أن القضية صعبة جدا، وهي أيضا قضية ليست عادية، ولذلك فالموقف القانوني لا يمكن تحديده الآن إلا بعد دراسة وفحص أوراق القضية بالكامل، بما فيها من تحقيقات النيابة والتحريات والأدلة التي هي في حوزة النيابة، والإطلاع على الملف بالكامل سيكون بعد وصول الملف للمحكمة، وبناء على ذلك سأقوم بدراسة القضية من جميع جوانبها بداية من إجراءات الضبط والتحقيقات والتحريات حتى وصف النيابة للقضية وقرار إحالتها للمحكة بما في كل ذلك من نقاط ضعف وقوة قد تكتشف... وبناء على ذلك سأعد مذكرة الدفاع في القضية.
وما هي المواد التي تنندرج تحتها القضية وفقا للقانون المصري؟
القضية تنطبق عليها فقرتين من المادة 77 من قانون العقوبات المصري، وهما الفقرة " د " التي تتعلق بالتخابر مع دولة أجنبية، وهذه المادة تنطبق على القضية لأن المتهم سعى بنفسه للتخابر، أما الفقرة الثانية فهي افقرة "و " وهي الخاصة بالإضرار بالمصالح السياسية والدبلوماسية لمصر، وهو ركن متوفرأيضا بالقضية بما يعرض الدولة لخطر قطع العلاقات مع دول أخرى، أو على أقصى تقدير تهدد بنشوب خلافات قد تؤدي إلى وقوع حرب بين دولتين. وكل ذلك بسبب ما قام المتهم بتسريبه من معلومات أو ساهم في تسريبها.
وما هي العقوبات الخاصة بكل من المادتين؟
كل من المادتين تعاقب بالسجن في حالة السلم، أما في حالة الحرب فعقوبتها السجن المشدد في حالة توافر القصد الجنائي، وهو ما يتوفر بهذه القضية بوضوح، ولكن لم يصرح النص القانوني بعدد السنوات الواجبة، لذلك فالأمر سيكون خاضعا لتقدير القضاء ومدى قناعته بالدفاع.
ما مدى قناعتك كمحامية ببراءة المتهم، وهل قد يتعارض ذلك مع قناعاتك كإنسانة وكمواطنة مصرية تجاه مثل هذا النوع من الجرائم؟
أنا مقتنعة تماما بأنه من حق كل متهم أن يكون لديه محاميا يدافع عنه، وهذه المهمة أوكلت لي في هذه القضية، ولذلك فأنا ملتزمة إنسانيا وقانونيا ومهنيا بالدفاع عن المتهم والحصول له عى أدنى عقوبة ممكنة لما ارتكبه من جرم اعترف به بالكامل، لذلك فمن المستحيل أن يطلب له أي محامي البراءة، ولذلك فأنا ملتزمة بأن أحفظ له حقوقه القانونية وأعمل على أن ينال محاكمة عادلة، حتى لو لم أكن راضية عن الجريمة التي ارتكبها والتي تعد من الجرائم التي يندى لها لجبين.
إذن فأيهما أهم في هذه الحالة... مصلحة الوطن أم مصلحة الموكل؟
مصلحة كل منهما في أن يأخذ ك منهما حقه بالعدل والقسطاس، فمصلحة المتهم أن يعاقب على ما ارتكبه من جرائم حتى يكفر عنها ويرتاح ضميره، ومصلحة الوطن في أن يأخذ حقه ممن أخطأ، وإن كان من الصعب إصلاح ما أفسدته هذه الجريمة وإزالة آثارها التي لحقت بمصر وببعض الدول الشقيقة.
وكيف ترين التناول الإعلامي لهذه القضية، وما الذي تطلبينه من الإعلام المصري عند تناولها؟
لا أخفي أنني أخشى أن تقوم بعض وسائل الإعلام المغرضة سواء داخل أو خارج مصر بمحاولة تغيير والواقع، بأن تحول المتهم من مجرم إلى ضحية باللعب على نغمة الظروف والواقع الاقتصادي الصعب، فالبطالة والفقر لا تكون أبدا مبررا للخيانة، والخوف من أن يضيعوا حق البلد في حفظ كيانها ووضعها الدولي وعلاقاتها مع الدول الشقيقة بالعزف على أوتار الخلافات، أو على الأقل أخشى أن يساهموا بدون وعي في هدم صورة مصر وكيانها بالإمعان في جلد الذات وإلقاء اللوم على الحكومات التي لا توفر حياة جيدة للمواطنين، وأذكرهم بأن ظروف مصر أيام الحرب كانت أصعب كثيرا وكان هناك عجز في المواد الغذائية والموارد، ولكن أحدا لم يذهب ليعرض على اسرائيل مساعداته من تلقاء نفسه، فقد كنا أكثر إنتماء وحبا للوطن رغم هزيمتنا في النكسة، وأطلب م فقط من الإعلام ألا يقوم بتضخيم القضية وإخراجها من إطارها الحقيقي، لأنهم لو ألقوا اللوم على الظروف وعلى الحكومة يكونون بذلك مشجعين لمزيد من الشباب على الخيانة تحت وطأة الظروف الصعبة والفقر والبطالة... كل ما أطلبه من الإعلام إلتزام الحياد ووضع القضية في إطارها الحقيقي... ولا يهملوا حق المتهم في الدفاع عن نفسه ومحاكمته محاكمة عادلة، ولا يهملوا حق البلد في الدفاع عن نفسها والحصول على حقها منه.
بقي فقط أن أسألك... ألم تترددي ولو للحظة في التصدي لقضية ما بسبب كونك إمرأة، وهل يضع ذلك قيدا عليك في العمل بحيث يلزمك بقضايا معينة؟
فردت مبتسمة قائلة: "لو خفت من قبول قضية لمجرد أني امرأة... يبقى أقعد في البيت أحسن"... فنحن نزلنا إلى معترك الحياة ولابد أن نأخذها بحلوها ومرها، ونتعامل مع كل الأوجه التي تعترضنا منها، وهذه القضية مثلها مثل أي قضية قد أواجهها، صحيح وضعها مختلف بعض الشيء ولكنها لن تكون أصعب مما نواجهه مع تجار المخدرات والقتلة والسارقين... ومادمت درست القانون فعلي أن يكون هو دستوري في العمل، لذلك فأي قضية أتصدى لها لابد أن "أذاكرها كويس جدا" وأرجع إلى المراجع القانونية للتأكد من القوانين التي تندرج تحتها القضية، واستخلص نقاط الضعف والقوة، وأطابق ذلك بتوصيف النيابة للقضية، ومن هنا أبني خطتي الدفاعية كما يجب حسب ملابسات كل قضية.