| | | | مشكلة نـَقـل التكنولوجيا في العالم العـربي ...............................................................
بقلم: د. عبد القادر حسين ياسين ....................................
تتميز العملية التنموية للمجتمع بتغيير هياكله التنموية وتقدمه من خلال الارتقاء النوعي بقدراته الذاتية البشرية منها والإنتاجية. وتصنع عملية التنمية الأسس الرصينة للنمو الاقتصادي عن طريق زيادة الإنتاج باستخدام موارد اكثر أو تحسين الإنتاجية من خلال الانتفاع الأكثر كفاءة من الموارد المتاحة أو بالاثنتين معا. وللتكنولوجيا دور محدد في كلا الحالتين وذلك بزيادة نسبة الاستفادة من الموارد المتاحة من جهة وتحسين الإنتاجية، من خلال تعزيز المهارات وتطويرها، واتباع وسائل وطرق أمثل ومعدات أفضل ، من جهة أخرى. وتتأثر مقدرة المجتمع على استيعاب وتطويع وتحسين وتطوير المعـرفة العلمية والتكنولوجية واستخدامها الكفء في الأنشطة الإنتاجية بثلاث عناصر رئيسة :
1 ـ المعرفة المتاحة والتي بالإمكان استغلالها ، ويشمل إطار المعرفة بمفهومه الواسع معرفة ماذا، ومعرفة كيف، ومعرفة لماذا. 2 ـ الكوادر المتاحة والقادرة على استيعاب هذه المعرفة واستخداماتها في الأنشطة الإنتاجية. 3 ـ كفاءة المؤسسات المعنية بالتقدم العلمي والتقني والتطبيق العلمي لمنجزاته.
إن درجة الترابط والتكامل بين هذه العناصر تحدد إلى مدى بعيد مسيرة التقدم التكنولوجي، الأمر الذي يجعل أي خلل في العلاقة المتوازنة بينها سببا في الاعتماد المتزايد على الخارج في توفير الوسائل الأساسية للنمو الاقتصادي، أو ما يسمى بالتبعية التكنولوجية والتي من معالمها:
■ الاعتماد المتزايد على ما يستورده من الوسائل والمعرفة المرتبطة بها في تلبية متطلبات العملية الإنتاجية.
■ استيراد التكنولوجيا على أساس الحاجة المطلقة لها وليس على مدى كفاءتها النسبية في تعظيم المردود. ■ تدفق المعرفة باتجاه واحد وغياب المقدرة على تبادلها مع العالم الخارجي والمتأتي عن ضعف التخصص في إدارة وتطوير هذه المعرفة.
لمشكلة التبعية التكنولوجية أسباب ينبغي أن تشخص في ضوء أطر المحددات التنموية والتي ترتبط أبرزها بضعف ( أو غياب) خطط العلم والتكنولوجيا في التخطيط الاقتصادي والاجتماعي لكثير من دول العالم الثالث،الأمر الذي يساهم بشكل مباشر في الحد من التحولات النوعية في المعرفة واستخدامها في الأنشطة الإنتاجية . وبالإمكان تقسيم هذه الأسباب إلى ثلاث فئات مترابطة :
أولا- تكييف الاستفادة من الكوادر المؤهلة :
يرجع أهم أسباب التخلف في دول العالم الثالث إلى ضعف (أو عدم توفر) المستوى المطلوب من المهارات للتعامل مع التكنولوجيا المستوردة وتأصيلها وتطويرها، إذ أن حجم الطلب على القوى العاملة حسب مستويات مهاراتها يرتبط ارتباطا وثيقا بالتغيرات التي تطرأ على أساليب ألانتاج، ومجال التقدم التكنولوجي لوسائل الإنتاج. ويكون الارتباط عادة طرديا، فكلما اتخذت وسائل الإنتاج طابع التحديث كلما دعت الضرورة إلى الارتقاء بمستوى مهارات القوى العاملة في المرافق الإنتاجية من جهة ، واعتماد البحث والتطوير(Research & Development) كركيزة أساسية لديمومته من جهة أخرى.
ومن ابرز سمات الأنشطة العلمية والتكنولوجية في الدول النامية هو تركيزها على العلوم الصرفية والأبحاث الأساسية والتي بالرغم من أهميتها فإنها لا تعطي الطيف الواسع لعناصر التطور التكنولوجي الضروري لتلبية متطلبات اقتصادية واجتماعية محددة. ومن الملاحظ أن ما يقارب ثلثي مجموع العاملين في البحث والتطوير في دول العالم الثالث يتمركزون في الجامعات أو مراكز الأبحاث وبخاصة في العلوم الطبيعية، في حين أن اقل من 9% يعملون في الأنشطة الصناعية . وقد ساهم هنا التركيز في محدودية ( أو عدم بروز) المدخلات التكنولوجية المحلية في العمليات الإنتاجية، وأدى ، بالتالي، إلى زيادة الاعتماد على ما يستورده من الدول الصناعية المتقدمة (دول الشمال).
إن أية سياسة تنتهج لتقويم هذا الواقع ينبغي ألا تعتمد على زيادة معدل الإنفاق على الأنشطة العلمية والتكنولوجية كمحور وحيد لها ، بل تعكي أهمية لعناصر أخرى من بينها :
أوجه الإنفاق وأولوياته. التطوير النوعي للكوادر والمراكز التي تستخدم المعرفة العلمية في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. اعتماد المؤشرات والمتغيرات العلمية والتكنولوجية في عملية التخطيط التنموي.
ثانيا ـ استيراد التكنولوجيا :
لقد أدت قلة المدخلات التكنولوجية المحلية في الدول النامية ، وتنامي متطلبات الأنشطة الاقتصادية إلى الاعتماد المتزايد على الاستيراد في تلبيتها . ومن أجل تقييم مدى ونوعية تأثير التكنولوجيا المستوردة في البيئة الاقتصادية و الاجتماعية ، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار عناصر أخرى بالإضافة إلى الحجم المطلق للتكنولوجيا المستوردة ، ومن بينها :
تحديد ما إذا كانت التكنولوجيا المستوردة قد حفزت الجهود التكنولوجية أو حلت محلها . تشخيص أوجه ومجالات استخدام التكنولوجيا المستوردة و تأثيراتها الإجمالية على الأنشطة المرتبطة بها.
تعتبر المكائن والمعدات وسائل رئيسية لنقل التكنولوجيا والمعرفة المرتبطة بها ، ويشكل ما استورد منها مكونا أساسيا في مجمل واردات الدول العربية حيث بلغت نسبتها 32% في عام 2000 . وفي الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة ما تشكله وسائل الإنتاج في هيكل التجارة الخارجية ، طرأت زيادة كبيرة على الصادرات الإستخراجية ، وانخفضت نسبة مساهمة البضائع المصنعة في حجم الصادرات 3% عام 1995 إلى 1% في عام 2005 .
تشير الإحصاءات المتوفرة إلى أن مساهمة الصناعات التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية لا تزال متواضعة بالرغم من الوتائر المتصاعدة لحجم الاستثمارات فيها ، وبالتالي فإن دورها في تغيير هيكل الاقتصاد القومي من كونه أحادي الجانب تقريبا ، إلى متعدد الجوانب جاء محدودا أيضا. إن هذه الظاهرة تكاد تنسحب على معظم دول العالم الثالث والتي بين أسبابها الاعتماد على استيراد التكنولوجيا بطريقة الحزم المتكاملة كرافد أساسي لتوفير المستلزمات الإنتاجية.
ومن الجدير بالذكر أن الدراسات التي قامت بها “منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية” O.E.C.D حول أسباب الفجوة التكنولوجية بين دول العالم خلصت إلى كون العامل المحدد هو مقدرة بعض الدول (كاليابان) على التعامل مع استيعاب أجزاء تكنولوجية تفصيلية من مصادر متنوعة ، ومن ثم تكييفها وإدخالها في العمليات الإنتاجية . كما أن العلاقات الترابطية بين مكونات ” الحزم التكنولوجية” تعطي موقفا احتكاريا لمصدرها بسبب عدم تمكن المستورد من الحصول على جزء من هذه المكونات من مصادر أخرى، الأمر الذي يضعف قوة المستورد . وتشمل “الحزم التكنولوجية” المستوردة في كثير من الحيان مكونات وأجزاء بالإمكان إنتاجها محليا, لذا فإنها تساهم مباشرة في تقليص أو حجب الطلب المتوقع على مساهمة الأنشطة المحلية الخلاقة من جهة, وتعرقل الاستيعاب الكامل لأجزائها المختلفة وبالتالي تحدد تطور ونمو التكنولوجيا المحلية.
ثالثا- الارتباط بين البنى الارتكازية التكنولوجية والقطاعات الاقتصادية:
يعتمد مدى نجاح توليد المعرفة وتطبيقها في الأنشطة الإنتاجية على طبيعة العلاقات بين مراكز مصنع السيارات والمرافق التي تقوم بتنفيذها وتلك التي تنتج وتستوعب ما تتطلبه العملية التنموية من المدخلات العلمية والتكنولوجية, وتشكل الحلقات البنيوية الثلاث الركيزة الأساسية التي تستند عليها الجهود التنموية, كما أن الضعف أو الخلل الحاصل في ارتباطها وتكاملها يؤدي, في معظم الأحيان ، إلى مردودات سلبية من أبرزها:
عدم اعتماد سياسة العلم والتكنولوجيا كأداة فعالة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية في الخطط التنموية لدول العالم الثالث.
زيادة الطلب على المفردات التكنولوجية المستوردة والتي ترتبط بأطر محددة من الإنتاج والاستهلاك نابعة من معايير وأنماط اقتصادية واجتماعية لا تكون, بالضرورة, ملائمة .للتطبيق بدون تكييف في بيئة اجتماعية واقتصادية أخرى تختلف اختلافا جزئيا أو كليا عن بيئة المصدر. عمل المراكز العلمية والتكنولوجية كوحدات تكنولوجية لها ارتباط أكثر وثوقا بالأنشطة الأكاديمية الخارجية منها بالحاجات الاقتصادية والاجتماعية المحلية.
الحاجة إلى تكامل عربي تكنولوجي
من مميزات المعرفة أنها لا تضمحل بالاستخدام, بل إن العكس هو الصحيح فمتى تم الحصول عليها أمكن توسيع مدى الانتفاع منها بزيادة فهم واستيعاب المبادئ التي تضمنها, ومن ثم تطويرها. وقد ساهمت هذه الخاصية في ظهور فجوات وقوى حادة بين الدول التي لا تمتلكها, وتسعى للحصول عليها, وتلك التي تمتلكها وتستخدمها باستمرار لزيادة وتعميق هذه الفجوات من خلال ربط تدفقها بشروط اقتصادية وسياسية… فعلى سبيل المثال لا الحصر تمتلك الدول الصناعية المتقدمة لما يقارب ال99% من مجموع 3.9 مليون اختراع متداولة في السوق الدولية حاليا, والتي تشكل تراخيص استخدامها بالعمود الفقري في عملية نقل التكنولوجيا لدول العالم الثالث.
إن طبيعة سوق نقل التكنولوجيا هذه وشروطه تشكل مسألة في غاية الخطورة بالنسبة للعالم العربي والذي يعتمد بصورة رئيسة على المدخلات التكنولوجية الخارجية في سعيه الدؤوب لإحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة, الأمر الذي يستدعي جهودا تكاملية تستهدف ليس فقط إيجاد أسواق وآفاق إنتاجية مشتركة بل وضع نتاجات العمل المشترك تحت تصرف جميع الدول العربية وبخاصة تلك التي لا تمتلك وفرة من الموارد في المرحلة الأولى من عملية التنمية.
ونظرا لصعوبة أو تعذر تغطية كل نواحي التقدم الدولي المحرز في المعرفة وتطبيقها والتعامل معها (وذلك لسعتها وتشعبها) لذا فإن الأمر يتطلب تشخيص القطاعات المتسمة بالأولوية والتي ينبغي أن ترتبط بالمتطلبات الأساسية والأهداف التنموية وأنماط الإنتاج المتخصصة التي يتم اختيارها للجهد الموحد. وبعبارة أخرى, إن سلم الأولويات في العمل التكنولوجي المشترك ينبغي أن يحدد كدالة لقرارات التنمية الضمنية للدول العربية.
وبعــد,
إن السعي لإخراج سياسة تكنولوجية عربية يؤمن الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية ويجنب الازدواجية, كما أن الجهود المشتركة وتقسيم النفقات والتنسيق, تساهم في التغلب على القيود التي تقف حائلا أمام تنفيذ بعض المشاريع بصورة منفردة وذلك لاعتمادها على موارد بشرية ومادية قد تكون نادرة. والعمل المشترك في مشاريع مختارة يعظم فرص نجاحها ويحد من عنصر المجازفة الذي يصاحب عادة تطوير المعرفة والبحث عن الجديد منها.
وأخيرا, فإن تشخيص سياسة تكنولوجية عربية تفتح آفاق واسعة وبدائل تنموية متعددة من خلال تعزيز قدرات الدول العربية التفاوضية في صفقات نقل التكنولوجيا. 06/11/2014
مصرنا ©
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|