| | | | الـدعـاية الصهيونية ومُقـَوماتها في الولايات المـتحـدة ...............................................................
الـدكتورعبـدالقـادرحسين ياسين ....................................
تعالج هذه الدراسة بعض مقومات الدعاية الصهيونية في الولايات المتحدة. وباعتراف العـديد من الباحثين والخبراء فإن التنظيم الصهيوني في أمريكا يعتبر من أقوى التنظيمات السياسية شأناً، وأرهبهـا جانبـاً، إذ أن له تأثيراً كبيراً، سواء على الرأي العام الأمريكي، أو على صانعي القرار السياسي، لدرجة أن بعضهم يقبل كمسلمة أن "ما هو لصالح إسرائيل، هو بالضرورة لصالح الولايات المتحدة ". وفي دراسة عن القوى السياسية في الولايات المتحدة، يؤكد الدكتور دونالد بروجان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بوسطن "أن أكثر القوى العرقية الضاغطة نجاحاً في التاريخ الأمريكي الحديث هي اليهود".
فالحركة الصهيونية تعتبر من أوضح الأمثلة الناجحة للقوى الضاغطة، وقدرتها على كسب التأييد الرسمي للقضية التي تدافع عنها، والعطف الشعبي على مطالبها. وأمثلة قليلة من تاريخ الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة توضح ذلك جيداً. ففي نهاية الثلاثينات من القرن الماضي نجحت الحركة الصهيونية في إقناع الرأي العام الأمريكي بضرورة استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين. ولذلك، فعندما أصدرت بريطانيا "الكتاب الأبيض" الذي حـدَّ من الهجرة اليهودية إلى فلسطين ونظمها، استطاعت الحركة الصهيونية تحريك الرأي العام لصالحها، ولممارسة الضغط على الحكومة الأمريكية للتدخل لدى الحكومة البريطانية لتغيير موقفها .
ولابد من التنويه إلى أن هذه الدراسة ليست سرداً لوقائع التحرك الصهيوني و أحداثه، وليست حصراً لمظاهره ، ولكن هدفها تحليل الدعاية الصهيونية : مادتها البشرية و الاجتماعية و منهجها في العمل، و مضمونها و فحواها، وطبيعة الأسلحة والأساليب التي تمارسها في تحركها.
ولعله من السذاجة بمكان الافتراض أن النفوذ الذي تتمتع به إسرائيل و الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة هو نتيجة "لمعجزة إلهية " أو " عمل فهلوي " . إن النـفـوذ الاسرائيلي هو خلاصة ثلاثة عوامل محددة :
1 . تحليل عـلـمي لواقع المجتمع الأمريكي، و نقاط قوته و ضعـفه، ومعـرفة دقـيـقـة للقوى المؤيدة والمعارضة والمحايدة ، ثم رسم سياسة إعلامية ودعائية، على أساسها للتأثير على هذا المجتمع. 2 . تنظيم دقيق، قوامه الجالية اليهودية، و يتغلغل في سائر مجالات المجتمع. 3 . المال الذي يمكن هذا التنظيم من الحركة و النشاط.
وتبقى بعد ذلك المصالح و المزايا الإستراتيجية ـ العسكرية التي توفرها إسرائيل للولايات المتحدة. ولكن هـذا الموضوع خارج عن نطاق هذه الدراسة.
الدعاية الصهيونية : المرتكزات
● المادة البشرية للدعاية الصهيونية في الولايات المتحدة هي الأقلية اليهودية المنظمة والثرية والملتزمة سياسياً بالدفاع عن إسرائيل والحركة الصهيونية. وهذا الوضع يتيح للدعاية الصهيونية ميزة أولى واضحة. فقضية إسرائيل لا يدافع عـنها بواسطة أجانب (إسرائيليين)، بل عن طريق مواطنين اميركيين يهود يتمتعون بكافة حقوق المواطن الأمريكي، ويعرفون لغته وثقافته، ويعرضون له القضية في إطار قـيمه ومفاهـيمه وسلوكه، باعتبارها قضية تمس أحد قطاعات المجتمع الأمريكي (أي الأقلية اليهودية ).
● الميزة الثانية التي يوفرها هذا الوضع للدعاية الصهيونية هي عرض القضية في إطار فكرة "الأقليات" . فكلما هو معروف، فإن المجتمع الأمريكي خليط من الأقليات العرقية والدينية، وتاريخه هو تاريخ صهر هذه الأقليات في بوتقة المجتمع الواحدMelting Pot .
وما زالت أحد مشاغله الكبرى، حتى هذه اللحظة، هي كيفية إيجاد صيغة للتعامل مع أحد أقلياته (السود). هذه العوامل مجتمعة جعلت المجتمع الأمريكي في حالة حساسية شديدة، وتقبل لمشاكل الأقليات في العالم. وقد فهمت الدعاية الصهيونية ذلك جيداً، وحرصت على أن تقدم قضيتها، منذ البداية، في هذه الإطار. فقبل عام 1948كانت المشكلة تعرض على أنها قضية هجرة الأقلية اليهودية المضطهـَدة في أوروبا إلى فلسطين. وبعد عام 1948 صورت الدعاية الصهيونية إسرائيل دائماً، في صورة الأقلية المستضعـفة التي يحيط بها ملايين العرب المتعطشين للدماء. وفي كلتا الحالتين كانت القضية تعرض على أنها محك لعـدالة العالم وضميره.
● الميزة الثالثة التي يوفرها هذا الوضع هو أن المواطن الأمريكي (والأوروبي بصفة عامة) يعرف اليهود و التاريخ اليهودي كجزء من تراثه الثقافي والـديني ، ويحس تجاههما بصلة، الأمر الذي لا يحدث تجاه العربي. فالحضارة الغـربية المعاصرة تجد احد أصولها التاريخية في ما يسمى بالتقاليد اليهودية – المسيحية Judo-Christian Heritage. والأمريكي المسيحي، قريب من اليهودي ، فهو أبيض مثله، وهو يقرأ تاريخه في االتوراة ، وهو يشعر بالذنب نتيجة الظلم الذي أوقعه المجتمع المسيحي باليهود عبر مئات السنين.
ومن ناحية أخرى، فإن الصورة النمطية Stereotypeللعربي في ذهنه مناقضة لذلك بشكل كلي. فالعربي، من ناحيـة عــرقيـة ، ليس بأبيض، وهو، من ناحيـة دينيـة ، مسلم. وهو، حضارياً، "متخلف" ... ويدعم هذا الوضع ويكمله تنظيم صهيوني ويهودي غاية في التعقيد والنشاط ، وشبكة معـقـدة من الأجهزة واللجان والجمعـيات، تمتد على طول الولايات المتحدة وعرضها، وتسيطر على إمكانيات عريضة من حيث التوجيه والتأثير.
فالميزة البارزة لهذا التنظيم هو تعـقـده وتشابكه وتعـدد منظماته في مختلف المجالات والقطاعات، الدينية والثقافية والمهنية والاجتماعية والاقتصادية والفنية والسياسية، بحيث أن هذا التنظيم يخاطب كل أبناء الجالية اليهودية على اختلاف مشاربهم وتنوع اهتماماتهم.
ولكي نعطي فكرة عن تشابك هذا التنظيم يكفي أن نذكر أن هناك 138 منظمة دينية وتعليمية مرتبطة بالكنس (جمع كنيس) و75 منظمة صهيونية مؤيدة لإسرائيل، و45 جمعية للخدمات العامة، و53 منظمة شباب، و35 منظمة مهنية و38 منظمة نسائية. ويشير "الكتاب السنوي الأمريكي اليهودي إلى أن هناك 877 منظمة يهودية مختلفة تصدر في ما بينها 37 جريدة ومجلة (يطبع معظمها باللغة الإنكليزية) ويوجد 253 اتحاداً ومجلساً يهودية تدَّعي في ما بينها أنها تمثل 95% من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية .
ولكن هذا التعدد الظاهري التنظيمي تستتر خلفه وحدة في القيادة والتخطيط والتنسيق من خلال عـدة مؤسسات ، مثل" المجلس الصهيوني الأمريكي "American-Zionist Council (ويضم "العصبة اليهودية الأمريكية من أجل إسرائيل" ، " الصهاينة المتدينين"، " حركة العمل الصهيوني"، " عصبة الصهيونيين التقدميين"، " حزب العمل الصهيوني المتحد"، " جمعية الإصلاح الصهيوني المتحد في أمريكا"، و " المنظمة الصهيونية الأمريكية ")، و " المجلس القومي الاستشاري" و مجلس رؤساء الجمعيات والمنظمات اليهودية الكبرى"، (يجتمع من وقت لآخر لمناقشة المشاكل الكبرى التي تواجه الجالية اليهودية وإسرائيل)، وأخيراً مثل "الوكالة اليهودية " التي تقوم في الحقيقة بالدور الأساسي في عملية التنسيق والتمويل.
وتعتبر "الوكالة اليهودية" أكبر مستلم للأموال المعـفاة من الضرائب التي تجمع في الولايات المتـحـدة بوساطة "النداء اليهودي المتحد "United Jewish Appeal ، وهي مسجلة في وزارة العـدل الأمريكية، باعتبارها مؤسسة أجنبية خاضعة لقانون تسجيل الهيئات الأجنبية الصادر في عام 1938. وفي السنوات الخمس الأخيرة، على سبيل المثال لا الحصر، أنفقت الوكالة اليهودية 28 مليون دولار. وقد استخدمت هذه الأموال للتأثير على صانعي السياسة الأمريكية ، وعلى الصحف والإذاعة والتلفزيون، وعلى معاهد دراسات الشرق الأوسط في الجـامعات الأمريكية، وعلى تأسيس واجهات مسيحية مزيفة مثل" الجمعية الأمريكية المسيحية لتأييد إسرائيل ".
وقامت الوكالة اليـهـودية ، من خلال "مؤسسة الثقافة العـبرية "، بتقديم مساعدات مالية إلى العـديد من الجماعات الأمريكية. كما أن " وكالة البرق اليهودية "Jewish Telegraphic Agency، وهي وكالة الأنباء التي تعتمد عليها العشرات من الصحف والمجلات اليهودية في أمريكا، تملكها الوكالة اليهودية ، و تتلقى تمويل من نفس المصدر .
وفي أواخر عام 1994 نشرت مجلة Issues (قضايا) مقالاًُ للدكتور إلمر بيرغرElmer Berger، الحاخام الأمريكي المعروف بمناهضة للصهيونية في أمريكا. ومن أهم ما تضمنه المقال العلاقة بين " الوكالة اليهودية " و " المجلس الصهيوني الأمريكي " .
ويقول الدكتور بيرغـر أن المجلس يقوم بمتابعة دقـيقة لكافة أجهزة الإعلام الأمريكيـة ، ويتولى الرد على كل ما لا يتفق مع وجهة النظر الصهيونية، كما يقوم بتحديد أسماء أعداء الحركة الصهيونية، ويتابع أنشطتهم . ويتضمن المجلس قسماً للمحاضرات، نظم في سنة واحدة 2600 محاضرة، وقسماً للأبحاث، من مهمته توجيه الفروع المحلية للحركة الصهيونية، لكيفية الرد على أية كتب أو مقالات تعارض الصهيونية. وهناك أيضاً لجنة خاصة للإذاعة والتلفزيون، مهمتها عرض وجهة النظر الصهيونية في أكبر عـدد ممكن من البرامج والتعليقات السياسية. كما يقوم المجلس بتمويل رحلات إلى إسرائيل، وإغـراء الجمـاعـات (منظمات طلابية ، نسـائية ، مهنيـة) التي ليس لها التزام صهيوني، أو فهم واضح للمشكلة.
إن أهمية هذا المقال، والمعلمات الواردة فيه ، تنبع من أن كاتبه هو أحد أشهر الحاخامات اليهود في الولايات المتحدة، وبالتالي لا يمكن اتهامه بالتحيز لوجهة النظر العربية ، وأن المعلومات التي أوردها، تعتمد على المصادر الصهيونية .
ويشير الدكتور بيرغر إلى أنه في عام 1995 وحده سافر 1850 صحفي أمريكي لزيارة اسرائيل، وبعض هؤلاء من محرري الصحف الكبرى . ومن ذلك، على وجه التحديد، أن الحركة الصهيونية مـَوَّلت رحلة ارفنج شبيجل Ervin Spiegel مراسل صحيفة "النيويورك تايمز " إلى إسرائيل. وفي نفس العام مارس " المجلس الصهيوني الأمريكي " ضغطاً عنيفاً على " معهد الدراسات الدولية " التابع لجامعة ميامي الذي كان قد أعد مشروعاً لدراسة تأثير السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل على المصلحة الوطنية الأمريكية، وأرسل ما يقرب من 18 ألف استمارة إلى مجموعة منتقاة من القادة السياسيين واسـاتذة الجـامعات والباحثين والكتاب والصحفيين والنقابيين وغيرهم من الشخصيات الاجتماعية والسياسية البارزة وكانت نتيجة الضغـط، إلغاء المشروع.
استراتيجية الدعاية وتكتيكها
إن الدعاية الصهيونية لا تنطلق عشوائياً، أو كرد فعل لمبادرة خارجية. إن نقطة الانطلاق، على العكس من ذلك، تبدأ من تحليل عملي لطبيعة المجتمع الأمريكي، وللقوى الاجتماعية المتعددة، وللفئة الحاكمة فيه، وتحرص دائماً على الربط بين وسائل الدعاية وأساليبها ومضمونها من ناحية، وبين طبيعة التركيب الاجتماعي للفئة التي تتجه إليها هذه الدعاية من ناحية أخرى، مما يجعلها تتصف بالمرونة . فالدعاية ليست هدفاً في حد ذاته، بل هي وسيلة لتحقيق هدف سياسي محدد. لذلك فإن الدعاية الصهيونية تتخذ من الأساليب والمضمون ما يخدم غرضاً سياسياً محدداً، تجاه فئة معينة، وفي مرحلة تاريخية معينة.
يقول علماء الاجتماع أن هناك ثلاثة قطاعات بشرية في كل مجتمع. الأولى، هي الأغلبية الساحقة، والتي عادة ما تكون منشغلة بأمور حياتها اليومية، من طلب السعي وراء الرزق، إلى غير ذلك، ولا تبدي اهتمامـا كبيرا بالأمور العامة، وبالذات الأمور الخارجية والدولية. والثانية، هي الأقلية المتنورة، التي هي على علم ودراية بأمور العالم الخارجي، والتي تقوم، بشكل أو بآخر، بخلق مناخ الرأي العام في المجتمع. والثالثة هي الأقلية الضئيلة، التي تقبع على قمة المجتمع، والتي تقوم باتخاذ القرارات السياسية وتوجه الرأي العام بطريقة مباشرة وأساسية.
ويتحدد هدف الدعاية الصهيونية على النحو التالي : 1 . إسكات كل صوت مضاد بين المجموعة الثانية. 2 . التغلغل بطريقة مباشرة في صفوف المجموعة الثالثة. 3 . تحديد الإطار الفكري ومناخ الرأي العام الذي تتنفس فيه المجموعة الأولى.
يمكن القول، إذن، أن استراتيجية الدعاية الصهيونية، تقوم على دعامتين: فئوية الدعاية من ناحية، والإلحاح على قضايا أساسية معينة، بقصد ترسيخها في الذهن الأمريكي العام من ناحية أخرى. فهي دعاية فئوية متعددة الأبعاد، بمعنى أنها تخاطب كل فئة بطريقة معينة، وتثير معها القضايا المشتركة في ما بينها، بحيث تكسب تأييدها. تخاطب اليهود الأرثوذكس المتدينين بلغة، وتدعو الليبراليين بلغه ثانية، وتحاول أن تجتذب الماركسيين واليساريين بلغه ثالثة، وتخاطب الإفريقيين والآسيويين بلغة رابعة. فهي توجه لغة للتخاطب وللحوار مع كل الفئات، وتستخدم مع كل منها كل الحجج والآراء التي تؤثر فيها، وتنتهج كل الأساليب، لنقل وجهة نظرها. فمع المتدينين تصبح الـتـوراة هي "المرجع الأساسي التاريخي" للصهيونية ولإسرائيل، ومع اللبراليين تؤكد على أن إسرائيل هي "واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط "، وتشير إلى استقرار الحكم النيابي والانتخابي في البلاد. ومع اليساريين، تبرز الطابع "اليساري" لإسرائيل، باعتبار أن " الكيبوتس " هو تجربة اشتراكية رائدة في مجالات الزراعة والحياة الجماعية.
والدعامة الثانية لاستراتيجية هذه الدعاية، هي الإلحاح المستمر والمتواصل على قضايا معينة، من شأنها تحديد الإطار الفكري لمناخ الرأي العام الذي يعيش فيه المواطن الأمريكي. من ذلك الخلط المتعمد بين انتقاد السياسة الإسرائيلية، ومعاداة السـاميـة Anti-Semitism.
والحقيقة أن هذه تهمة ذات وزن في المجتمع الغربي، الذي طوّر حساسية شديدة تجاه قضية اضطهاد اليهود، وجرائم النازية الألمانية، الأمر الذي استغـلته الدعاية الصهيونية أفضل استغلال، وتاجرت على حساب أولئك الضحايا. كما أنها تذكر دائماً وباستمرار، مشاعر معاداة اليهودية في المجتمع، وضرورة التصدي لها. ويرتبط بذالك غرس عدة مفاهيم مغلوطة لدى الرأي العام الأمريكي. ومن ذلك التأكيد على أن الفلسطينيين "غادروا بلادهم بمحض إرادتهم" ، بناء على "تعليمات من قياداتهم"، أو بناء على "دعوة الإذاعات العربية" لهم بذلك، وأن الرفض العربي لإسرائيل، ينبع من أساس ديني متعصب، وأنهم عندما هاجروا إلى فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر، وجدوا "صحراء قاحلة غير مأهولة بالسكان"، مرددين شعار ثيودور هيرتسل الذي رفعه في بداية القرن الماضي :" أرض بلا شعب لشعب بلا أرض "، وأن فلسطين "لم توجد أبداً في التاريخ" ككيان قومي مستقل، وأنه إذا كان العرب فعلاً ينتمون إلى أمة واحدة ، فلماذا لا تسمح الدول العربية للفلسطينيين بالاستيطان فيها.
بل خرج بعضهم ـ استمرارا لـهـذا المنطق الأعـوج ـ بما يسميه بنظرية "تبادل السكان"، ويفسر ما حدث عام 1948 في فلسطين بما حدث بين الهند والباكستان عام 1949، عندما تحركت أعداد هائلة من السكان بين البلدين، وهكذا فبينما نزح عدد كبير من الفلسطينيين، فإن أعداداً مقاربة من اليهود العرب، وبالذات من اليمن والعراق والمغرب والجزائر، هاجرت إلى إسرائيل.
تتميز الدعاية الصهيونية، من هذه الناحية بثلاث خصائص :
1 . الإيجابية، بمعنى التبني الدائم لموقف المبادرة والهجوم. 2 . استخدام واعٍ لعـنصر التوقيت، بمعنى فهم واضح للمرحلية، وما تتطلبه كل مرحلة تاريخية. 3 . استغلال التباين في علاقات القوى السياسية في داخل النظام الأمريكي.
فالدعاية الصهيونية تتميز بإيجابية شديدة، وتبرز إسرائيل في دور إيجابي بناء ، وتؤكد على سلبية الموقف العربي، فهي تكرر دائمـا أن إسرائيل "تريد السلام"، وترغب في "إقامة علاقات طبية" مع جيرانها.
ترتبط بذلك أهمية عنصر التوقيت، وإبراز هدف معين أو مطالب محددة في كل فترة تاريخية. ففي عام 1939، مثلاً، تحدد الهدف في إعلان الحرب على الحكومة البريطانية، وفرض الضغوط عليها، لإلغاء القيود على الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وفي عام 1942، وبعد انعقاد مؤتمر بلتيمور الذي أعلن أن الهدف هو "إنشاء دولة يهودية في فلسطين "، أصبح الهدف هو كسب الرأي العام الأمريكي لهذا المطلب. وبعد عام 1948، أصبح الهدف تأييد إسرائيل، والحفاظ على استمرار الدعم المالي لها، والدفاع عن سياستها. وبعد عام 1967، أصبح الهدف الحفاظ على مكتسبات إسرائيل في الحرب، وتبرير احتلالها للأراضي العربية. وفي مطلع السبعينات ركزت الدعاية الصهيونية على ما أسمته بالنفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط، وأن الصديق الوحيد "للعالم الحر" هو إسرائيل، وربطت بين تأييد إسرائيل ودحر النفوذ السوفياتي في المنطقة.
وأخيراً، فإن الدعاية الصهيونية تأخذ في مخططها علاقات القوى النسبية في لعبة السياسة الأميركية. فالضغط على الرئيس الأمريكي يزداد عندما تقترب سنة الانتخابات، ويبدو فيها دور كل من الصوت اليهودي والمال اليهودي هاماً، واحياناً حاسماً. فمن حيث الصوت، فإن الجالية اليهودية تلعب دوراً يمكن أن يصبح هاماً، نتيجة لتركيز 75%من اليهود الأمريكيين في 15 مدينة كبيرة، نتيجة تصويتهم على شكل كتلة. أما من حيث المال فيكفي أن نورد ما ذكرته مجلة "نيوزويك" الأمريكية أنه "باستثناء أسرة كينيدي فإن مرشحي الرئاسة عن الحزب الديموقراطي يعتمدون عادة على الجالية اليهودية في تمويل ما لا يقل عن 70 في المائة من نفقات الحملة الانتخابية".
وعندما يكون الرئيس الأمريكي في مركز قوة نسبي يسمح له بمقاومة التأثير الصهيوني، يتركز الضغط على الكونغرس. مثال ذلك ما حدث في تشرين الثاني (نوفمبر) 1967، فعندما أوضح الرئيس لـيـندون جونسـون ووزير الخارجية عدم استعدادهما للموافقة على تزويد إسرائيل فوراً بالطائرات (على أساس أنه لم يحدث تغير في ميزان القوى) لجأت إسرائيل إلى انصارها في مجلس الشيوخ، وخرجت بوثيقة وقع عليها 89 عضواً، يطلبون من الرئيس ضرورة الاستجابة للمطالب الإسرائيلية.
في كل مجتمع، تسود ظروف وأوضاع معينة، تجعل أفراده مهيئين ـ بشكل أو بـآخر ـ لتقبل وجهات نظر مختلفـة .فالوضع الاجتماعي، والمستوى التعليمي، ودرجة الثراء الاقتصادي، كل هذه عوامل تؤثر على وجهة نظر الإنسان تجاه القضايا المثارة من حوله، وتجعله ينظر إليها من زاوية معينة، أو تجعله مهيئاً لقبول تفسير معين، لظاهرة ما، دون التفسيرات الأخرى.
والوضع الاجتماعي الأمريكي يوفر للدعاية الصهيونية الجو الملائم لكي تستفيد منه. ففي الولايات المتـحـدة يعيش الناس في ما يسمى بـ "عصر السرعة"، إذ لا يوجد وقت للقراءة، أو النظرة الشاملة، أو سبر أغـوار التاريخ، للبحث عن أصول مشكلة ما. وهذا الاتجاه ـ أي السعي إلى التفسير التاريخي ـ ليس جزءاً من التقاليد الأمريكية. يعزز ذلك أن أمريكا نفسها، مجتمع بلا تاريخ. فأقدم آثارها يعود إلى بضعة قرون.
ويعكس ذلك نفسه على مناهج البحث في العلوم الاجتماعية في الجامعات الأمريكية. فبينما يتـجـه الباحث الأوروبي للتفتيش عن الأصول التاريخية للمشكلة موضع البحث، عسى أن يفسر الماضي بالحاضر، أو يلقي بعض الأضواء على طريق المستقبل، نجد الباحث الأمريكي ـ تؤيده الفلسفة العملية البراغماتية - يواجه المشكلة في وضعها المعاصر، ويسعى لإيجاد حل لها، في ضوء الظروف القائمة بالفعل. وبعبارة أخرى، فهو ينظر للحاضر على أنه حقيقة قائمة ويحاول إيجاد أفضل حلول ممكنة، على أساس التسليم بهذا الوضع.
وانطلاقاً من هذه النظرة العامة، فإن قـضـية فلسطين، بالنسبة للأميركي، تتلخص فيما يلي : " هناك دولة قائمة بالفعل تدعى إسرائيل. وهذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها. دعونا نعيد توطين الفلسطينيين في بعض أجزاء العـالم العربي غير المأهول بالسكان. دعونا نصبح عمليين، ولا داعي للتمسك بأهداب التاريخ والحقوق السابقة في هذا الصدد".
هذا المنطق اللاتاريخي للمشكلة، يجعل الباحث أو المؤرخ الأمريكي في وضع لا يفهم معه وجهة النظر الفلسـطينية على الإطلاق، بل يعتبرها عناداً وتصلباً. والدعاية الصهيونية تفهم ذلك جيداً، وتسدل استاراً كثيفة من الصمت عليها.
يضاف إلى ذلك، أن الشعب الأمريكي من أكثر شعوب العالم جهلاً بالقضايا الدولية وتفاصيلها. وهذا أيضاً انعكاس للمجتمع ذاته وظروفه. فأميركا قارة ضخمة، تضم العديد من الأقاليم الجغرافية، والمناخية، والاقتصادية، ويستطيع الإنسان أن يسافر لعـدة أسـابيع، متنقلاً من مكان إلى آخر. هذا الاتساع الجغرافي الهائل، مدعماً بالتفوق المادي والقوة العسكرية والسياسية، خلق شعوراً متأصلاً "بالشوفينية " الأمريكية. فـالأمريكي يشعر بأنه يعيش في "بـلـد الله " God’s own Country ، و"لا يوجد في العالم ـ خارج أالولايات المتـحـدة ـ ما يمكن أن يتعلم منه شيئاً" ، وهو قادر ـ بثرائه الهائل ـ على "جذب وشراء" أية عبقرية تظهر في أوروبا، أو في أي مكان آخر.
وقد انعكس ذلك كله على عدم اهتمام الصحف الأمريكية عادة بالقضايا الدولية ... وبعبارة أدق عدم الاهتمام بالرجوع إلى تاريخ أي مشكلة خارجية، وبحث أصولها، وعدم إثارة القضايا الخلافية والمناقشات الفكرية الجادة، بل أن أغلب الصحف الأمريكية ذات صفة محلية ، بمعنى أنها تهتم بأبناء المدينة التي تصدر فيها، أو الولاية التي تنتمي إليها، وتشير بسرعة وسطحية إلى الأحداث الدولية.
إن المجتمع الأمريكي ـ باعتباره جزءاً من المجتمع الغربي ـ يعرف "عقدة الذنب" تجاه اضطهاد اليهود، وقد استغلت الدعاية الصهيونية هذا الوضع أفضل استغلال، فهي تذكر المجتمع دوماً بما حدث ضد اليهود في حقب تاريخية مضت، وبالذات في فترة ألمانيا النازية، وتستغـل كل مناسبة لإثارة مشاعر اليهود والمسيحيين على السواء، لصالح إسرائيل ولدعاوي الحركة الصهيونية. وتستفيد الحركة الصهيونية من ذلك بشكل مزدوج، فهي تثير المشاعر الصهيونية بين صفوف الجيل اليهودي الجديد، الذي عاش في وسط مجتمع متسامح إلى حد كبير، ولا يضطهده لأنه يهودي، وهي تذكره بأن ما حدث في ألمانيا، يمكن أن يحدث في أي مكان آخر، وتحول دون اندماجه الكامل في المجتمع الذي يعيش فيه، وتعلمه أن إسرائيل، بالنسبة إليه، هي الملجأ والملاذ الأخير، وبالتالي يجب عليه مساعدتها وتأييدها في كل الظروف.
ومن الناحية الأخرى، فإن الدعاية الصهيونية تستغل هذه المسألة لكبت أية أصوات معارضة للسياسة الإسرائيلية ، تحت ستار معاداة اليهودية. وهي تخلط عمداً بين اليهودية والصهيونية، بحيث يصبح أي انتقاد لسياسة إسرائيل، عملاً معادياً موجهاًً ضد كل يهود العالم.
إن أميركا نشأت تاريخياً عن طريق الاستعمار الاستيطاني، بمعنى أن الرجل الأبيض هاجر إلى "العالم الجديد" و" طهّره " من سكانه الأصليين . فتحت راية نشر المسيحية فتح الرجل الأبيض القارة الأمريكية ، وأباد الملايين من سكان البلاد الأصليين ، واسـتولى بقـوة السـلاح على أراضيهم ، وبنى "حضارته" الجديدة . والتاريخ الأمريكي يمجد هؤلاء "الرواد " الذين "عبروا المـحـيط" وحاربوا "الهنود الحـمرالبدائيين والمتوحشين" ، ومهدوا الطريق لـ "حضارة الرجل الأبيض".
وإسرائيل ، من الناحية الأخرى، نشأت بنفس الطريقة. وتؤكد الدعاية الصهيونية على أوجه الشبه بين أميركا وإسرائيل في هذا الصدد. فهي تشير إلى " روح الريادة "The Pioneer Spirit التي سادت بين المهاجرين الأوروبيين الأوائل إلى فلسطين، وإلى الإنجازات العمرانية التي حقـقـوها، وإلى " التخلف " الذي كانت عليه فلسطين قبل وصولهم، ثم إلى "المبادئ السياسية والاجتماعية الراقية " التي نشروها في المنطقة، وأنها اليوم "واحـة من التقدم والحضارة والديموقراطية " وسط محيط من " التخلق والبربرية "، إلى آخر هذا الكلام الذي يجد صدى لدى المواطن الأميركي، ويكون قبوله سهلاً، لأنه تكرار ـ إلى حد كبير ـ من تاريخ أميركا ذاته.
ولعل هذه الصورة تكتمل إلى حد كبير، إذا تعرضنا في الختـام ، إلى الصورة الكاريكاتورية التي ترسمها الصحف والأفلام والروايات الأمريكية للعرب والمسلمين، وماذا يعرف الأميركي عن الحياة العربية.
صـورة العربي في الذهن الأميركي
في أطروحـتـه لنيل درجـة الدكتوراة حول "صورة العربي والمسلم كما تصورها الثقافـة الشـعبيـة الأميركية "Arab and Muslim Stereotyping in American Popular Culture يقول الدكتور جاك شاهين (وهو أميركي من أصل لبناني) إن هذه الصورة تحددها خمسة عوامل :
أولا : الإسلام، إذ أن التوسع الإسلامي الذي هدد ذات يوم حدود فرنسا، وسيطرة الإمبراطورية العثمانية على العديد من الدول الأوروبية لمدة طويلة، يثير مشاعر العـداء والكراهية للعرب وللمسلمين.
ثـانيـا : الحروب الصليبية. فهذه الحروب ، من وجهة نظر الأميركي ـ والغربي بصفة عامة ـ قد شنتها أوروبا المسيحية لـ "تحرير" الأراضي المقدسة من أيدي المسلمين. وما زالت القصص التي تروى عن الحروب الصليبية تذكر هذه الأحداث، وبالذات شخصيتي ريتشارد قلب الأسد وصلاح الدين الأيوبي .
ثـالثـا : كتابات الرحالة والمسافرين الأوروبيين والأميركيين الذين زاروا المنطقة منذ بداية القرن السادس عشر، مثل بارتوما أنيبورا، وبوركهارت، وبيرتو، وأخيراً لورانس العرب الشهير، وقد أصبحت كتابات هؤلاء عن وصف العرب، وأخلاقهم، وعاداتهم، ولغتهم،جزءاً من التراث الأميركي الذي يحدد صورة العربي.
رابـعـا : قصص "ألف ليلة وليلة" ، التي أصبحت مشهورة للغاية في الغرب، نتيجة ما كتبه الرحالة الأجانب عنها، فقد صدّقت هذه القصص، على ما فيها من إغراق في الجنس واللهو، على أنها صورة للحياة اليومية الحقيقية التي يعيشها العـربي.
خـامسـا : الأحداث التاريخية المبكرة التي أدت إلى احتكاك مباشر بين العرب والأمريكيين، وأهمها جهود المبشرين والإرساليات الأميركية، والبعثات الجيولوجية، ابتداء من عام 1820 واشتراك مصر في معرض شيكاغو الدولي عام 1910 ، بحيث عرض رقص "هـز البطن" [الرقص الشرقي] لأول مرة في أميركا، وواقعة استيراد الحكومة الأميركية لجمل ولسائقه العربي في عام 1856. هذه الأحداث ركزت صورة العربي كسائق للجمل والعربية كراقصة.
وإذا نظرنا إلى الأفلام، نجد تأثير هذه العوامل السابقة واضحاً. فشخصية العربي تظهر في الأفلام الأميركية منذ نهاية القرن التاسع عشر. وقد أظهرت الأفلام العربي،أساساً، كجزء من الأماكن المقدسة في فلسطين، ومن الآثار الفرعونية في مصر.
وفي عام 1905 ظهر العربي كبطل لبعض روايات ألف ليلة وليلة. وهكذا ارتبطت شخصيتة بالجنس والقصص المثيرة التي لا يصـدقهـا عـقـل . ثم بدأ الغموض يحيط بهذه الشخصية، كجزء من أسطورة " الشرق الغامض " الذي يضم إلى جانب الدول العربية، الهند الصين اليابان.
وفي عام 1920 برزت شخصية العربي في دورين : دور العاشق المحب، بعد أن ظهر رودولف فالينتينو في فيلمين، في دور العربي. ولكن سرعان ما اختفى هذا الدور، ليظهر الدور الثاني وهو شخصية الوغـد الخائن الذي يحارب ضد "رسل الحضـارة" الغربيين. وقد استمر هذا الدور. ففي الثلاثينات، ظهرت عدة أفلام عن الحروب الصليبية أكدت في الأذهان فكرة الصراع بين المسيحية والإسلام. وفي الأفلام التي ظهرت عن الحرب العالمية الثانية، ظهر العرب في أدوار رمزية كوميدية، دون التركيز على الدور الذي لعبته الدول العربية في الحرب.
وفي الفترة التالية ظهر خطّان أساسيان: الأول، إبراز الصراع بين العربي واليهودي في إطار أفلام تاريخية، مع توضيح التعاطف مع اليهودي. والثاني هو العودة لإبراز العربي في دور العاشق، وقصص ألف ليلة وليلة، لكن لوحظ في هذا الصدد، إن العلاقة بين العاشق العربي والمرأة الغربية كانت تنتهي دائماً نهاية درامية مأساوية. ولعل هذا يعبر، بطريقة غير مباشرة،عن الإيمان بعدم نجاح أي علاقة بين الرجل الملون، والمرأة البيضاء، والخلاصة أن الشخصية العربية، في السينما الأميركية المعاصرة، هي أساساً شخصية الرجل العربي الذي يظهر في نماذج محددة ومعروفة ، فهو أحياناً شيخ (واسمه علي أو علاء الدين أو عبد الله أو محمد)، وأحياناً أخرى فهو اللص أو المتآمر.
وإذا نظرنا في النهاية إلى القصص، نجد أن صورة العرب، كما تقدم، لها سمتان أساسيتان : الجنس والعنف. وفي السبعينات من القرن الماضي كانت شخصية الفلسطيني تمثل "الارهـابي" ، خاطف الطائرات الملثم الذي "لا يتردد في قتل الأبرياء من النسـاء والأطفـال"... ومـنـذ الحادي عشر من أيلول 2001 أضـافت هـوليوود الى ترسانـة أفـلامهـا الوثائقيـة والتسجيليـة صورة "الارهـابي المسلم" الذي يريد أن "يضمن دخول الجـنـة" بقتل "أكبر عـدد ممكن من الكـفـار والمشركين"...
والقصص عادة تفرق بين صنفين من الناس : الأول هو"نحن" وهذه الفئة تضم عادة الأميركيين، والإنكليز، والإسرائيليين، فئة محببة إلى القلوب والنفوس، أغراضها معروفة ومبررة، ووسائلها مشروعة وشريفة، وفئة ثانية هي "هم " وتضم النازيين، والروس والصينيين، والعرب، وهي فئة غربية، لها نظامها المتميز من القيم والتقاليد التي تختلف عن تلك السائدة في المجتمع الأميركي، والسمة المميزة للعلاقات معهم، هي الشك، والريبة، والحذر.
وأهداف العربي تقدم على أنها " خطرة "، وقيمه على أنها " غير أخلاقية "، ودينه على أنه " شر مطلق ". أكثر من ذلك، فإن شخصية العربي لا تقدم كنموذج محدد له صفاته المتميزة بل يقدم على وجه العموم باعتباره مسلماً. وفي كثير من الأحيان يحدث الخلط، بحيث تعطي القصة الانطباع، بأن كل المسلمين عرب، أو أن كل العرب مسلمون، وتستعمل عدة ألفاظ ومسميات، منها الشرقيون والمسلمون أو العرب دون التفات إلى الديانة أو الجنسية.
هذا القفز فوق الاختلافات الموضوعية بين العرب وغيرهم من المسلمين، تتضح دلالته إذا نظرنا إلى عنصر الزمان. فبالنسبة إلى العقل الأميركي، فإن العربي هو العربي بصرف النظر عن الزمان أو المكان، ولا توجد تفرقة بين العربي الذي عاش منذ أربعة عشر قرناً، والعربي الذي يعيش في زماننا الحاضر. وهذه نقطة هامة للغاية، فأجهزة الإعلام لا تفرق بين عربي الأمس، وعربي اليوم، وهي تقدم صورة العربي كما ترسمها قصص ألف ليلة وليلة، وروايات الرحالة الأوائل، وفالينتينو، وتربط بين مؤامرات القصور في عصور الخلافة ، والثورات والانقلابات العسكرية التي تحدث اليوم. وتفسر الثانية على أنها امتداد طبيعي ومنطقي للأولى.
وفي كل الأحوال، تركز أجهزة الإعلام على عناصر الجنس، والمغامرة والعنف، وقد انعكست هذه الصورة سياسياً على أجهزة الإعلام، وبالذات الصحافة الأمريكيـة ، في نقلها أنباء العالم العربي وبالذات فيما يتعلق منها بالقضـيـة الفلسطينية.
وقد استغلت الدعاية الصهيونية هذه الصورة التي تكونت تاريخياً في الذهن الأميركي عن شخصية العربي، للاستفادة منها سياسياً، في تفسير وتبرير سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين وفي تشويه المواقف الفلسـطينية . بل مضت أكثر من ذلك إلى تشويه صورة العرب الحضارية والثقافية والسياسية، على كل المستويات. وتشير باستمرار إلى علاقة مفتي فلسطين الراحل الحاج أمين الحسيني بأدولف هتلر وألمانيا النازية. وكم من الكتب والدراسات صدرت لإثبات ذلك ، والوصول إلى أن العرب وقفوا إلى جوار النازية، وتـمـنـوا انتصارها في الحرب العالمية الثانية.
وبعــد،
إن الدعاية الصهيونية دعاية علمية ، بمعنى أنها تدرس المجتمع الذي تقوم بالعمل فيه، فتتعـرف على نقاط ضعفه وقوته، وتحاول استغلال نقاط قوتها إلى أقصى حـد وتكبت نقاط الضعف بنفس الدرجة. تحلل قواه الاجتماعية والطبقية والإيديولوجية، ثم تخاطب كل منها بالأسلوب الـذي يمكنها من النفاذ إليها وإقناعها، وهذه دروس ما زال على الإعلام العـربي بشكل عـام ، والاعـلام الفلسـطيني بشـكل خاص ، أن ينظر إليها ملياً، عند تحديد استراتيجيته الإعلامية، وأساليبه الدعائية في صراعنا الحضاري مع إحدى آفات العصر: الصهيونية. نقلا عن عرب تايمز 06/11/2014
مصرنا ©
| | ..................................................................................... | |
| | | | |
|
|