| | | | قراءة في فنجان القائد
| فنجان القائد |
قصة قصيرة : تامر على ..............................
أمام الباب نظر إلي الجندي في قلق ... - لماذا تأخرت .. إنه بانتظارك منذ فترة... لم يمهلني فرصة للإجابة.. أخذني من يدي إلى داخل المكتب ... حجرة واسعة ... يجلس فى آخرها سيادة القائد ... تبدو ملامحه غير واضحة .. ليس فقط لطول المسافة وإنما أيضاً لأن أشعة الشمس القوية القادمة من الشرفات الزجاجية العريضة خلفه تمنعك التمحيص وتفقدك الوضوح. بادرني مازحاً : لو كنت عسكرياً لكنت الآن في السجن ... كيف لك أن تتأخر عن موعد القائد سبع دقائق كاملة. كان صوته دافئاً .. ولهجته مازحه.. لكنه كان مزاحاً ثقيلاً بالنسبة لي ... - اقترح على سيادتكم سجن ساعتي ... هي السبب ... إنه عقاربها تشير إلى أنني لم أتأخر. - عجيب.. ساعتك على خطأ بلا شك ... لا يمكن أبداً لساعة القائد أن تخطئ ولو في دقيقة واحدة ... مستحيل، في المعركة قد يكلفنا ذلك الكثير. عبر هاتف مكتبه ... طلب أحد المساعدين ... منحه ساعتي ... طلب منه أن يتحقق من دقتها... أن يصلحها أو يستبدلها ويمنحني أخرى أكثر دقة. - لا تخف ... ستتحمل القوات المسلحة تكلفة صيانة ساعتك ... إننا نتحمل تكاليف كثيرة هذه الأيام .. - كان الله فى عونكم سيدي ... وحفظ قواتنا المسلحة - حسناً ... لنبدأ العمل ... قالوا لي أنك أكثرهم براعة ... يلجئون إليك في الأمور الصعبة ... ولذا قررت الاستعانة بك ... من أحد الأدراج أخرج فنجاناً مقلوباً من القهوة: - شربته من تسع دقائق فقط .. لا لا من تسع دقائق ونصف الدقيقة ... هل هي كافية؟! - بالطبع سيدي ... كافية للغاية أمسكت بفنجانه ... ارتديت نظارة القراءة ... وبدأت القراءة - آه ... هذا عظيم ... فنجان قائد حقاً ... إنه يحتاج العشرات من القراء كي يفكوا طلاسمه ... لكنني بعون الله أقرأه لسيادتكم - حسناً ... أعرف أن قدري صعب ... تفضل - يمكنني أن أقسم فنجان سيادتكم لثلاثة أشياء... أشخاص وأماكن وأزمنة... أبدأ بالأشخاص ....هذا عجوز يجلس في الصحراء تبدو عليه النعمة ... ملبسه ناعم كأنه الحرير .. الطعام حوله وفير والمال أمامه كثير ... لكن نفراً كثيراً من الناس يتربصون به ... يبدو أنهم يصرخون ... يطالبونه بشيء ما ... وأنت سيدي من تمنعهم عنه ... هذه يدك ... أنظر سيدي - مد رأسه في ريبه: ... أه .. تبدو حقاً مثل اليد .... لكن كيف عرفت أنها يدي أنا - أنظر سيدي هذا أنت ... تلك هي النجوم على كتفك - تبدو حقاً كذلك ... استمر - أرى من بعيد نفر آخرون قادمون من كل اتجاه يطلبونه ... لكنه غير عابئ .... مطمئن لحمايتك. - هل سينالون منه؟! - ذلك غير واضح سيدي القائد ... لكن يدك التي منعته منهم ربما لن تقوى على كل هؤلاء. - ربما؟!... آلا يتضح لديك ما سيحدث بالتفصيل - للأسف سيدى ... هذا غير واضح - هم قادمون لا محالة ؟! - مؤكد سيدى ... هذا ما يقوله فنجان القائد ... وفنجان القائد كساعته ... لا يخطئ أبداً - ماذا يريدون من عجوز قابع في الصحراء - دم ومال و ...و ... وأيضاً شرف - لا أفهم - بينهما دم ومال وعرض .... يريدون الثأر ... أنظر سيدي هذه بحيرة الدماء ... وتلك تلال الأموال التي يطلبونها ... وتلك فتاة ملقاة إلى جواره ... تبدو عارية ... وكأنه نال منها ... هذا شعرها الأسود الطويل ... وهذا - " مقاطعاً" حسناً حسناً ... أكمل - سيدي القائد ... هل لي أن اسأل من هذا العجوز - لا .. ليس لك أن تسأل... و ... و ... عموماً أنا أيضاً لا أعرفه... أو ... لست متأكداً إن هو أم لا؟ - لكنه سيكون عبء ثقيل عليك ... يطلب منك ما يكلفك الكثير الآن ... وما قد تعجز عنه غداً. - "بلهجة صارمة" هل هذا أيضاً في الفنجان. - طبعاً طبعاً سيدي "محاولاً تغيير الموضوع تجنباً لصرامته" ... كذلك سيدي هناك أناس على اليمين ... لحاهم طويلة ... وجوههم مستديرة ... منظمون ومرتبون... وكأنهم كتيبه تزحف عليك ببطء لكن طريقهم ممهد وسهل - " وقد بدا عليه الضيق" وماذا يريدون.... - يحملون علبة أو صندوقاً و رايات عديدة كأنها رايات النصر ... ومعهم صولجان ... - صولجان ؟! - بنبرة قلقة وصوت هامس: سيدي الصولجان مع أهل اليمين يعنى... الحكم... إنهم يطلبون السلطة ومعهم ما يمكنهم من نيلها - "صارخاً" هذا يحدث فقط حينما يدخل إبليس الجنة ... ولو كان معهم مائة صولجان وألف صندوق ... ثم ... ثم .. ماذا يعنى أهل اليمين ... هذا فنجان مستدير أساساً .. كيف نحدد يمينه من يساره ؟! هه؟! - سيدي اليمين يمينك واليسار يسارك ... فنجان القائد مركزه وقلبه القائد نفسه... - هذا ليس فنجاناً ... هذا قنبلة موقوتة ... سأغير نوع البن الذي أشربه - إنه القدر يا سيدي وليس نوع البن ... - القدر ... هل يمهلني ... هل تمنحني الأقدار قدراً من الوقت - حسناً سيدي ننتقل للأزمنة... تنظر خلفك ... تبدو وكأنك متعلق بزمن فات وانتهى... انظر هذه هي الشمس التي تنظر سيادتكم إليها ... توشك أن تغيب... بينما ... بينما شمس أخرى تتألق على الجانب الآخر .. لكنك لا تلتفت إليها ... يجلس تحتها شباب وشابات ... يحملون رؤوسهم على أكفهم ... هم أصحاب بحيرة الدم ... أنظر سيدي .. البحيرة تتصل بهم من جانب وبالعجوز من الجانب الآخر. - إنهم يريدون ما لا استطيع ... طلباتهم لا تنتهي... ودمائهم أيضاً لا تجف - هذا صحيح سيدي ... لأن البحيرة تصب في نهر طويل ... يبدو أنه نهر النيل ... إن دمائهم تغذى النيل الذي يشربون منه ... هذه دائرة مغلقة ومعقدة ... كيف لهذه الدماء أن تجف. - لابد وأن هناك مخرجاً ... انظر جيداً ... ماذا لو كسرنا هذه الدائرة... إما أن نمنعهم الشرب من ماء النيل ... أو نمنع دماءهم عن تغذيته. - سيدي ... هذا ليس في الفنجان ... تريد أن تغير القدر - فقط أفكر معك .. يبدو عليك الفطنة ... فكر معي ... شمسهم متألقة لأن دمائهم متجددة ... وإذا منعنا عنهم الماء لن تتجدد الدماء - لكن النهر سيجف ... - النهر موجود منذ الأزل ولم يجف - لكنه الآن يستمد وجوده من تلك الدماء ... لست أدرى شيئاً عن الأزل ... ربما كانت هناك دماء أخرى ... لست أدرى ... نحتاج فناجين القهوة من الماضي كي نقرأها ونعرف. - الأمر ليس بهذه الصعوبة ... عموماً .. دعهم يشربوا ... لكننا لن نسمح لدمائهم أن تغذى النهر ... لنقل أنها تلوثه ... لنقل أنها تعكر صفو البسطاء الذين لا يفضلون شرب الماء الملون ... هه ... ما رأيك لو قلنا أنها ليست دمائهم من الأصل ... إنهم يتاجرون بها ... يدعون أنهم أصحابها وهم ليسوا كذلك و ...و ... لماذا تصمت ... آلا توافقني - لا أدرى سيدي... قلت لسيادتكم سابقاً... هذا ليس في الفنجان ... وأنا غير مؤهل للحديث عما يدور خارج الفنجان ... - قد يوحى الفنجان بشئ من احتمالية النجاح لهذه الأفكار. - للأسف سيدي ... الدائرة في الفنجان ... قدر في الحقيقة ... يصعب كسره أو الفكاك منه... هل يمكن مثلاً أن نجبر شمسكم على عدم الأفول... و ... - "مقاطعاً" هذه أيضاً فكرة رائعة ... يجب أن تغيب شمسهم هم - لكنها أيضاً قدرية ... - "بغضب" كأنني أسير هذا الفنجان ... جئت بك كي تساعدني ... لا كي توصد الأبواب بوجهي. - لا أقصد هذا أبداً ... وفقكم الله وسدد خطاكم - ماذا تقصد إذن - فقط ومن واقع خبرتي أقول لسيادتكم الصدق ... ولا شيء سواه ... - " محاولاً استعادة هدوئه" حسناً ...آلا تجد مخرجاً ... أريد الخروج من هذه الدوامة العجيبة أريد أن أغير الأزمنة والأمكنة والأشخاص. - الحل بسيط سيدى - "وقد تألقت عيناه" حقاً .. ما هو - لو نظرنا بتأن فى فنجانكم ... نجد أن بوسعكم حقاً تغير القدر ... لكنكم لا تريدون - "بريبه" ماذا تقصد؟! - سيادتكم تتعلقون بالشمس الآفلة ... تولون وجهكم إليها .. غير مكترثين بالزحف القادم نحوكم ... دائماً تبدو الأمور وكأنكم تفاجئون بما يحدث ... دائماً تتركون الأمور حتى تصل إلى الذروة.. كل ذلك من أجل شمس آفله ... أعلم أن الغروب آسر للقلوب ... لكنه يدفع للخمول والكسل ... يبحث فيه الإنسان عن الراحة بعد عناء نهار طويل ... بينما يتألق آخرون .... وما آراهم إلا يقتربون - وماذا بوسعي أن أفعل؟! - فقط ... انظر أمامك ... دعك من الشمس التي أفلت ... ليس بوسعك أن تعيدها للسماء ... وليس بمقدورها أن تمنحك الدفء والنور الكافيين للحركة والعمل ... أنظر أمامك سيدي ... إنهم أمامك ... ليسوا خلفك ... تعلق بالشمس البازغة... يمكنك أيضاً أن تتحرك قليلاً ... لماذا تتمسك بموقعك هذا الجميع من حولك يتحركون... حتى الشمس تغرب هنا لتشرق في مكان آخر ... ما الذي يجبرك على البقاء هنا .... تريد الدفاع عن العجوز ... إن هذا قد يكلفك الكثير - شمسهم لن تحمل لي النور ولا الدفء. بل اللوم والعقاب والنهاية الكارثية.. وحركتى ثقيله ... لست مثلهم ... أحمل على كاهلي أكثر مما يتصور الجميع - شمسك أيضاً لن تمنحك هذا النور أو ذاك الدفء ... إنها على وشك الغروب... وحملك الثقيل بوسعك أن تتخلص منه لتتحرك بحرية - وكأنه شارداً : لن تمنحني شمسي النور حقاً ... لكنها قد تمنحني الوقت ... وأنا بحاجة إلى الوقت - الوقت ؟!... عفواً سيدى لم أفهم - منتبهاً ... أقصد أن مزيداً من الوقت قد يسمح لنا بتخطي الأزمة - ولما لا يكون الوقت نفسه هو لب الأزمة - كيف ذلك؟! - سيدى ... الفنجان صريح ... لا يكذب ولا يخدع... وقتك غير وقتهم ... ساعتك تشير إلى الغروب ... ساعتهم تشير إلى بداية النهار ... تطلب مزيداً من الوقت وفى نفس اللحظة يعتقدون أنك حصلت على أكثر من وقتك .. ذلك يرجع إلى.. إلى اختلاف التوقيت. - ساعة القائد هي الأدق وهى المعيار - يبدو أنهم يتشككون في هذا - ليمنحونني الوقت كي أثبت لهم دقة وقتي - قد شرحت لسيادتكم ... يبدو أنه لا مزيداً من الوقت - الساعة ساعتي أنا ... بوسعي أن أوقف حركتها وتقدمها - لكنك لن تمنع شمسهم من السطوع ولا شمسك من الغروب ... ما قيمة ساعة القائد أمام الزمن - الزمن!! - قد يكون الوقت ملكك ... تعرفه وتحدده من ساعتك الدقيقة... لكن الزمن شىء مختلف، الزمن قدر .... نعرفه من علاماته التي يتركها في الوجوه ... نعرفه من أحبائنا الذين فارقوا الحياة وهم يرسلون لنا نظراتهم لتقول لنا نحن بانتظاركم ... نعرفه ونحن ننظر لأجيال شابه صاعدة صارخة... معترضة متطلعة إلى المستقبل ونحن مكبلون بأزمنة وأمكنة وأشخاص تشدنا إلى ماضي كالجحيم لا مفر منه. - " شارداً يتحسس وجهة" إني أحب مصر ... لست غريباً عن هذا النيل ولا تلك الشمس ... لكنهم لا يعرفون ... كل ساعة تمر ... كل دقيقة ... كل لحظة .. أرى كارثة أمامي... يتصلون بي باستمرار ... يتدخلون في كل كبيرة وصغيرة .. إنهم يفرضون إرادتهم وتوقيتهم على العالم كله .. لسنا وحدنا من ابتدعنا نظاماً عالمياً لا يعترف إلا بنفسه. - سيدي .. - ... كل الساعات تسير وفقاً لخط جرينتيش ... رغم أنه لا وجود له ... ساعتي أيضاً تسير وفقاً لخط جرينتش.... رغم أنني لم أخترعه... لم نخطئ ... ولن يستطيع أحدهم أن يتجاوز الحدود والأدوار التي يفرضونها عليه ... لن اسمح لهم أن يحاسبوننا على ما فات ... وليس بوسعي أن أمنحهم مستقبلاً لم أملكه يوماً. - سيدي - حتى وإن كانت لنا أخطاء ... آلا يغفر لنا أننا حافظنا على تراب الوطن ... أرضه كاملة تحت العلم المصري - ولكنكم تركتكم الأرض فقيرة .. جائعة .. مريضة ... جاهلة ... صحراء قاحلة .. - " منتبهاً" صحراء!!.... ماذا تقول ؟! - لست أنا سيدى ... هذا العجوز في الفنجان يجلس في صحراء قاحلة ... وحده من يملك المال الوفير والطعام الكثير - هذا العجوز ... آلا يستحق الرحمة ... سل أصحاب اللحى في فنجانك ... سل أولئك الثائرون تحت أشعة الفجرالبيضاء ... ألم يتعلموا يوماً كيف تكون الرحمة بالكبير؟ - بينهما دم ومال وعرض - "بحدة" وأنا ... أنا أيضاً بينهما وسأبقى كذلك - ولكنهم يزحفون - هات الفنجان ... انظر انظر ... أليست تلك شمسي ... - نعم سيدى - لم تغب تماماً بعد ... لايزال معي شيئاً من الوقت ... فقط الوقت ... ربما يحمل الوقت نهايتهم هم .. وأبقي أنا ... أو ... أو ياتى فارس مخلص يتسلم الأمانة ... يوقر الماضي ويغفر له ... ويلبى حاجات المستقبل ... سيأتي ... رجل منا لديه الخبرة والدراية ... ولدية حماسة الشباب ... ولديه أيضاً ... مزيداً من الوقت - لكنه غير موجود فى الفنجان - ربما يكون فى فنجان آخر ... - ولماذا يجب أن يكون منكم؟! - كى يرحم الماضي ويستر عيوبه ... ولأنهم لن يقبلوا إلا بذلك - من هم سيدى؟1 - آلا تجدهم فى فنجانك؟! - من هم سيدى؟! - حسناً ربما فى فنجان آخر ... ادعوا الله لي أن يمنحني الوقت ... مزيد من الوقت " يدخل أحد الضباط ويؤدى التحية العسكرية للقائد" الضابط: سيدى ... عذراً ... لكنني أخشى أنه لم يعد هناك متسع من الوقت القائد: " يضرب مكتبه بقبضته بقوة" بل لايزال هناك المزيد من الوقت .... حتى لو كلفنا ذلك مزيداً من الدماء والقلق والخوف ... سنعمل على صنع الوقت الخاص بنا وعلى الجميع أن يلتزم به ... أتفهم الضابط: آسف سيدى ... لم أقصد ... هل نؤجل الاجتماع القائد: الاجتماع!!! ... لا ...لقد انتهينا .. اخبرهم أن ينتظرونني بالقاعة الضابط: أمرك سيدي " يخرج" - أزعجت سيادتكم اليوم - لا .. بالعكس ... أريدك صباح الغد ... كي تقرأ لي فنجاني الجديد ... أنت حقاً موهوب. - أمرك سيدى ... هذه شهادة اعتز بها ... اسمح لي بالانصراف - لا انتظر ... يبدو أنهم لم ينتهوا من صيانة ساعتك ... سامنحك شرف ارتداء ساعة القائد لمدة يوم... ولكن احذر أن تتأخر غداً ...تذكر أن ساعة القائد لا يمكنها أن تخطيء أبدأ. منحنى ساعته ... براقة ورائعة حقاً ... يبدو عليها العراقة .. ويبدو كذلك أنها صناعة أجنبية ... بالطبع إنها ساعة القائد ... في المساء اكتشفت الكارثة ... عقاربها لا تتحرك .. لازالت تشير إلى موعد اجتماعنا في الصباح... لا أدرى كيف أخبره بذلك .. إنه مقتنع جداً بدقتها .. سيتهمني لا محالة أنني أفسدتها .. من الأفضل إذن آلا أخبره .. سأسلمها له في موعد اجتماعنا بالضبط ... ولكن تبقى مشكلة وحيدة وهى أنني سأبقى دائماً متخلفاً عن توقيتاته لأنه لن يقنع أبداً إلا بساعته. ساعة القائد.
06/11/2014
مصرنا ©
| | | |
| | | | |
|
|