هند بنت عتبة كانت أكثر ذكاءً !!!
| |
هند بنت عتبة | |
بقلم : تامر على
.................
فى ختام فيلم الرسالة للمخرج الفذ مصطفى العقاد مشهد مؤثر للغاية تقف فيه هند بنت عتبة مع زوجها أبو سفيان ينظران من شرفة بيتهما وجيش المسلمين يدخل مكة، ساعتها استوعبت هند حقيقة ما يجري وأطلقت سؤالها في حسرة... (أو كنا فى ضلال؟!).. لقد استوعبت وفهمت أن النظام السياسي لسادة قريش ينهار، وها هو مركز القيادة يسقط في أيدي جيش يضم بين أفراده وقادته من كانوا يوماً ما عبيداً مستباحين لا قيمة لهم ولا وزن يذكر، ومن اليوم لا سيادة لها أو لزوجها ولا ميزة خاصة لها بوصفها قرشية أو عربية .. ذهبت هذه الأيام وانهار النظام الذي آمنت به وزوجها وسادة قريش ... فأطلقت سؤالها المتحسر.
إن ما استوعبته هند وما عبر عنه سؤالها يحسب لها فى واقع الأمر لا عليها، فمن ناحية يتضح أنها كانت على قناعة فكرية ولم تكن تنافق أو تسعى للحصول على امتيازات خاصة، ومن ناحية أخرى يعنى أنها كانت على قدر من الفطنة والذكاء يسمح لها باستيعاب حقائق الأمور.
الآن ... وبعد ثورة 25 يناير كنت أتوقع أن يخرج علينا رموز وقادة النظام السابق ليتساءلوا جميعاً ... أو كنا في ضلال؟! ... أو على الأقل أن يمتطى أحدهم جواده صاعداً جبل المقطم - على طريقة أحمد مظهر في فيلم الشيماء- ليعلن الشهادتين.
إن الأمر أكثر سهولة من تكرار مشهد أحمد مظهر، فهو لم يكن بحاجة إلى جواد .. يمكنه أن يركب سيارة فارهة أو حتى طائرة هليكوبتر، ولم يكن بحاجة لصعود المقطم وما يستدعيه من ذكريات مؤلمة لإنهيار صخرة الدويقة... كان عليه فقط الذهاب لميدان التحرير ... وكذلك لن يطلب أحد منه أن يطلق الشهادتين ... كان المطلوب أن يعترف بشرعية الثورة.
ما أروع سؤالك يا هند ... هذا السؤال العبقري الذي لا يحتاج إلى إجابة بقدر ما يحتاج إلى التأمل والفهم.
... لكننا فى مصر هذه الأيام نفتقد لمثل هند بين رجال النظام السابق.. فحين يعرض بعضهم تسوية نزاعاتهم القضائية مادياً فهذا يعنى أنهم لا يفهمون حقيقة الأمر ... وحين يخرج العديد من رموز النظام ليتحدثوا من نفس مواقعهم التي كانوا يشغلونها قبل سقوط النظام فهذا يعنى أنهم كانوا نائمون طيلة يوم 25 يناير ومغشي عليهم يوم 11 فبراير أو مصابون بفقدان للذاكرة.
ذلك أن ما حدث هو ثورة ... و الثورة تعنى خروج طبقات كاملة من الشعب لتعلن عن رفضها لسياسات وممارسات طبقة أخرى حاكمة ومتحكمة في الاقتصاد والسياسية والثقافة ... إلخ ، وبعد مجاهدة اعترف الجميع – بمن فيهم الطبقة المسيطرة- بمشروعية هذه الطلبات وعدالتها.. ما أسفر عن سقوط النظام كاملاً ممثلاً برأسه.
يستتبع ذلك عملية تفكيك لكل الكيانات الموجودة الرسمية وغير الرسمية ... وبالتزامن مع عملية التفكيك لكل ما كان سائداً قبل 25 يناير يتم تنفيذ عمليات إزاحة طبيعية لشخصيات هي في واقع الأمر ممثلة لطبقات وسياسات وأيديولوجيات كانت سائدة قبل الثورة، وهو ما يعنى إزاحة لطبقات بما تعتقده من أفكار، وعليه تبدأ عملية تركيب جديدة لهيئات المجتمع.
وحقيقة الأمر أن عمليات الفك والإزاحة تواجه صعوبات غير مفهومة... دعك من أن بعضاً من وزراء النظام السابق لازالوا فى مواقعهم ... فقد يبرر ذلك بأنهم غير متورطين فيما سبق وأنه وزراء تكنوقراط و أن هذا وضع مؤقت في كل الأحول.
لكن ماذا عن قيادات الوزارات والمصالح والهيئات وحتى الجامعات ... جميعهم معينون وفقاً لتقارير أمن الدولة وجميعهم من أخلص رجال النظام السابق وكان من الطبيعي أن تتم عمليات تفكيكهم وإزاحتهم ... لكن هذا لم يتم حتى الآن.
ويبدو أنهم – على عكس هند - يتخيلون قدرتهم على البقاء والصمود ... ما يسمح لبعضهم بالظهور المستفز إعلاميا.
تخيل معي لو أن هنداً خرجت في اليوم التالي لفتح مكة وفى يدها صنم ووضعته بجوار الكعبة المشرفة وتأهبت لعبادته... هل تتصور ما سيحدث؟....... يتكرر الأمر الآن مع افتقادنا التام لذكاء هند ...... و النتيجة أنه سيتم تنفيذ عمليات إزاحة عنيفة فى كل مؤسسة وهيئة ومصلحة ... سيرفض العمال والموظفون بقاء هذه النخبة الممثلة لحقب الفساد.
هذا التأخر فى تنفيذ عمليات التفكيك والإزاحة غير مفهوم فى واقع الأمر... لأن الإزاحة ستتم رغماً عنا جميعاً ... فهذه حركة مجتمع وليست قرارات فردية ... لكن الإزاحة العنفية لها خسائرها بدءً من توقف العمل وانتهاء بالتدمير والتخريب.
لازال الأمل يراودني في أن يتحلى بعضهم بشيء من ذكاء هند.